تفاصيل الخبر

”متحف التراث اللبناني“: أمانة تاريخية حضارية.. في مهب الريح!

25/10/2019
”متحف التراث اللبناني“: أمانة تاريخية حضارية.. في مهب الريح!

”متحف التراث اللبناني“: أمانة تاريخية حضارية.. في مهب الريح!

بقلم عبير انطون

أربع عشرة صالة تجمع تاريخ لبنان على مد العصور في <متحف التراث اللبناني> في الامانة العامة للمدارس الكاثوليكية في عين نجم ــ المنصورية. اهمية الصرح تفوق الوصف. المرجع التاريخي الذي صُنّف من قبل وزارتي الثقافة والسياحة <متحفا ثقافياً وسياحياً من الدرجة الأولى، أدرج من قبل وزارة التربية والتعليم العالي ضمن البرامج والزيارات التربوية الإلزامية للمدارس اللبنانية، وأدرج أيضا في سجل <الأونيسكو> لكونه مركزا تراثيا يجمع بين التاريخ والتربية والثقافة.

 المتحف الذي جمعه الشيخ سمعان خازن الإهدني ومن بعده ابنه وحفيده، والجهود المضنية التي بذلتها «مؤسسة سمعان خازن الإهدني» لجمع العدد الأكبر من المخطوطات والوثائق والأثريات مهددة بالتبعثر ان لم تنقذه يدُ عونٍ تؤمن بالثقافة ودورها في ارتقاء الشعوب انطلاقا من الجذور، وذلك بعد ان حافظ عليه امينه العام ومديره الشيخ سيمون خازن برموش العين منذ افتتاحه في تموز من العام 2003 .

 فكيف انطلق التأسيس؟ ما ابرز الموجودات فيه، من يتولى مسؤولية لا بل واجب الحفاظ عليه وما المطلوب اليوم لانقاذه؟

<الأفكار> عادت بالاجوبة من الشيخ سيمون خازن الحريص على المتحف كحرصه على وطنه وصورته.

 فكان السؤال الاول:

ــ كيف انطلقتم بفكرة التأسيس، وما كانت ابرز الصعوبات التي واجهتكم؟

- سنة 2000، آمنا باعادة بناء الوطن الذي انهكته الحرب، وبما ان الثقافة والتراث من اختصاصنا وجدنا من واجبنا ان تكون لنا مساهمة ثقافية وحضارية عبر تأسيس هذا المتحف. للأسف، لم تلاقه اي مساعدات من الدولة اللبنانية. ونحن كمؤسسة غير حكومية نعمل بشكل اساسي الى جانب الدولة ونسعى الى ترسيخ المشاريع المميّزة لكي تستمر هي فيها فتساهم في حياتها وانجاحها ما يعكس صورة مشرقة عن لبنان كله. قدمنا اجمل ما يكون ولكن للاسف الدولة متعثرة.

ــ ما الأهمية التي يكتسبها <متحف التراث اللبناني> وما الذي يتميّز به؟

- متحفنا يتجاوز عرض المقتنيات التي فيه الى التعليم والتثقيف، وأهميته كبرى على غير صعيد: لنبدأ بأهميته التربوية، فهو مرجع تاريخي لأبرز حقبات تاريخ لبنان القديم والحديث عبر مختلف الحضارات التي مرت به، بدءاً من الفينيقية الى الرومانية وبعدها البيزنطية ومن ثم الاسلامية والعثمانية، وصولا الى التاريخ الحديث حيث منه <صالة يوسف بك كرم> بطل الاستقلال الاول الذي هو على طريق التطويب في سابقة للكنيسة المارونية عبر دعوى اولى لها لتقديس علماني. بعد ذلك تنتقلون الى صالة المؤرخَين سمعان خازن وجواد بولس ومن ثم صالة البطريركين عريضة ومعوشي. كذلك، يحتضن المتحف صالة تاريخ الموسيقى وبعدها صالة الفن اللبناني التي تُعرض فيها لوحات لأعظم الفنانين منذ العام 1852 حتى 1960 اهمهم الفنان العالمي صليبا الدويهي. اما في الصالة الاثنوغرافية، فيتعرف الجيل الجديد على حياة الاجداد من قبلهم وما كانوا يستخدمونه من اوان وأدوات. مختلف هذه الأمور جعلت الطلاب يؤمون المتحف بحسب الصفوف بدءا من الخامس ابتدائي، ويستمتعون فيه بعرض سمعي بصري وشرح واف عن الحقبة التي تترافق وفصول كتابهم في التاريخ فيعيشون ذلك ويحاطون به في المتحف، ونعرف جميعا ان أفضل أنواع التعليم هو التعليم المرتبط بالملاحظة والرؤية والتواصل.

ــ ماذا عن الدعوة التي اطلقها غبطة البطريرك بشارة الراعي بخصوص المتحف؟

- للأهمية التي تكتسبها المتاحف، صدرت ثلاثة تعاميم من وزارة التربية ومن الامانة العامة للمدارس الكاثوليكية بزيارة الزامية الى مختلف المتاحف اللبنانية. وبما ان بعض المدارس لا تحترم التعاميم ولا تدخل ذلك في مناهجها، اقترح البطريريك الماروني مار بشارة بطرس الراعي خلال المؤتمر السنوي للمدارس الكاثوليكية ان يساهم كل طالب فيها برسم دولار واحد عند التسجيل ما يؤمن بهذا الشكل المبلغ اللازم لتأمين حياة هذا المتحف، علما انني بمبادرة شخصية اقترحت ان يدفع الطالب دولارا واحدا عند التسجيل على أن يزوره مع أفراد عائلته مجانا، لكن الطرح لم يلق تجاوبا حتى الآن من الإدارات العامة للمدارس الكاثوليكية.

ــ ما هي المقتنيات النادرة للمتحف؟

- للحقيقة غالبية موجودات المتحف نادرة جدا وهي قطع فريدة خاصة في الحقبتين الفينيقية والرومانية. الحقبة الاسلامية والعثمانية يجوز ان نجد مجموعات مماثلة لها في متاحف أخرى او في معارض كبرى. اما يوسف بك كرم فمجموعته خاصة بالمتحف وليس هناك من غرض أصلي او سلاح او صورة تخص يوسف بك كرم الا في <متحف التراث اللبناني> وتمتد المجموعة الخاصة به من العام ١٨٢٣ حتى عام 1889.. كذلك يضم المتحف مجموعة سمعان خازن الاهدني التاريخية من الكتب الوثائقية والوثائق النادرة حوله، وهو كان استاذاً للرئيس الراحل سليمان بك فرنجية والفنان صليبا الدويهي. الى ذلك، فإن مكتبة العلامة جواد بولس نقيب المحامين والنائب والوزير نادرة بدورها، كما مجموعة البطريركين عريضة والمعوشي، فضلا عن مجموعة لوحات الفنان العالمي صليبا دويهي اضافة الى ارشيفه الخاص وهي تعتبر احدى اكبر المجموعات في العالم كله، الى لوحات فنية لبعض رواد الفن التشكيلي في لبنان كداوود قرم، حبيب سرور، خليل صليبي، قيصر الجميل، عمر أنسي، مصطفى فروخ، سعدي سينافي، رشيد وهبي وبول غيراغوسيان.

 أما الصالة الاثنوغرافية فقد لا تحمل الأهمية البالغة كسواها لانها ادوات يمكن جمعها ولو ان ذلك يتطلب سنوات..

ــ بالحديث عن صالة يوسف بك كرم، سمعنا بأنكم تعاونتم ايضا لاصدار كتاب حوله مؤخرا؟

- أصدرنا كتابا في آب الماضي بالتعاون مع الاب يوحنا مخلوف من اهدن يحكي عن مذكرات يوسف بك كرم الروحية، وإن الأب مخلوف على اطلاع معمّق على مجمل مسيرته.

زيارات وتوأمة...!

 

ــ شخصيات ومؤسسات لبنانية وعالمية زارت المتحف، من كان أبرزها؟

- زارنا وفدان لمرتين من <متحف اللوفر> الفرنسي العريق، وكان هناك زوار من <نيوكارولينا ميوزيوم> في الولايات المتحدة، كما زارنا ايضا وفد من جامعة جورجيا، ومن جامعة <دورهمز> اللندنية المتخصصة في العلوم الفينيقية. وزارنا مهتمون من الشركتين العالميتين للمزادات العلنية <سوديبيز> و<كريستيز> لعدة مرات. لكن الاهم أننا في صدد انشاء توأمة مع المتحف الملكي لمتحف <ماريمون البلجيكي> وهناك مراسلات بيننا ونحن بصدد التوقيع على هذه التوأمة. وكنا قبل ذلك نعمل على توأمة مع المتحف الوطني البرازيلي في <ساو باولو> الذي احترق كاملا للأسف منذ حوالى التسعة أشهر ولم يسلم منه شيء حتى اننا فقدنا الاتصال معهم، لقد تحول رمادا وكانت خسارة كبيرة لنا وللبرازيل.

ويضيف الشيخ خازن:

- ومن لبنان زارتنا طبعا شخصيات عديدة، فضلا عن كبريات الجامعات واداراتها، الى 355 مدرسة أجاب طلابها عن استمارات يملأونها حول الزيارة واضعين علامات لها، وقد وقعت هذه التقارير من أكثر من 1250 استاذا في التاريخ، ولا زلنا مستمرين بعلامات <جيد جداً>.

ــ وصلنا الى النقطة الفصل وهي وضع المتحف المتعثر. كيف يمكن انقاذه برأيك؟

- للأسف، المتحف متعثر ماديا وذلك بعد انتظار لستة عشر عاما لمساعدات من الدولة اللبنانية، والتي ما زالت وعودها باطلة حتى اليوم. نحن في حالة تعثر وخطر بالاقفال لذلك يجب العمل السريع على ان يكون هذا المتحف بين اياد تحافظ على ديمومته، أكان ذلك عبر مؤسسات حكومية او عبر المتحف الوطني او الكنيسة المارونية، او أيضا عبر متمولين لبنانيين يرغبون في الحفاظ على هذا الإرث المهم. يمكن لهذا المتحف ان ينتقل من منطقة الى اخرى فيغني اي منطقة ينتقل اليها، وإذا ما

وجد احد المقتدرين المثقفين في لبنان او خارجه يمكنه النهوض به وابقاء أبوابه مفتوحة وخاصة لجميع طلابنا.

وبغصّة يكمل خازن:

- الامر الجوهري بالنسبة لي هو ان يبقى المتحف وحدة متكاملة، فلا يتبعثر في المزادات لانه تطلّب حوالى المئة عام لجمع مقتنياته. اي شخص او مؤسسة يمكنها ان تنتقل به الى خارج لبنان حتى تبرز وجه البلد الثقافي والحضاري ويتم عرضه في المغتربات والدول فيسافر مؤقتا. كذلك فإن سفارات عديدة في لبنان تساهم في مساعدة وطننا، ويمكنها إنقاذه من خلال تبرعات له، وكل المتحف لا يوازي ثمن دبابتين او مدفعين تقدمها الدول الكبرى. كذلك يجوز ان يضاف الى مجموعة المتحف الوطني الذي يبني فروعا له في اكثر من منطقة فينضم الى إحداها.

وبين الحلول الممكنة يزيد خازن:

- كذلك، يمكن لـ<متحف التراث اللبناني> ان يستقر في اي مكان تجده الدولة مناسبا، وانه لمن واجب الكنيسة ايضا الحفاظ على هذا التراث النادر. اما بصيص الضوء الذي يمكن ان نعوّل عليه لابقاء شعلته متقدة فيكمن في مؤتمر <سيدر> ذلك انه بين الاموال والمشاريع المرصودة ما هو مخصص لتأسيس ولمساعدة المتاحف والدور الثقافية، وآمل أن يكون <متحف التراث اللبناني> من ضمن اللائحة للحفاظ عليه رمزا وطنيا وصرحا دائما، يعيدنا الى التشبث بالارض والجذور حتى نبني الحاضر وننجح فيه، فأهمية المتاحف اليوم هي في خلق مساحة للإبداع والابتكار، وقد أضحت فضاءً تعليميا وتثقيفيا أساسيا. نحن كمؤسسة انجزنا العمل، ومن واجب الدولة استكماله و<سيدر> يشكل فرصة في هذا المجال لابقاء ذاكرتنا حية وتراثنا الانساني خالدا، ونناشد الدولة مناشدة أخيرة بوضعه ضمن اولويات المساعدات الآتية من <سيدر>.

ــ وان لم تتمّ المساعدة لا سمح الله، اي خطر يهدد هذه المجموعة القيمة فعلا؟

- سيتبعثر المتحف في المزادات، وهذا امر مؤسف جدا لنا وستكون بحق خسارة وطنية لا تعوّض.