الاتصال الذي أجراه رئيس مجلس النواب نبيه بري، بوزير الداخلية والبلديات العميد محمد فهمي داعياً إياه الى اجراء الانتخابات النيابية الفرعية في الدوائر التي شغرت باستقالة ثمانية نواب ووفاة نائبين اثنين، وذلك استناداً الى الدستور، لم يكن اتصالاً هاتفياً عادياً لاسيما وانه اتى متأخراً ستة اشهر منذ استقالة النواب الثمانية على اثر انفجار مرفأ بيروت في 4 آب ( أغسطس) الماضي، وسريعاً جداً بعد اقل من شهر على وفاة النائبين ميشال المر وجان عبيد، وكلاهما من اقرب المقربين الى رئيس المجلس . ورد وزير الداخلية لم يتأخر، فهو لم يسأل رئيس حكومة تصريف الاعمال ولا استشار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بل وعد الرئيس بري بدعوة الهيئات الناخبة في مهلة أقصاها أواخر شهر آذار (مارس) المقبل، أي قبل اقل من عام على انتهاء ولاية المجلس الحالي. والملفت ان وعد الوزير فهمي جاء مناقضاً كما كان اعلنه قبل نهاية 2020 من تعذر اجراء الانتخابات الفرعية في دوائر بيروت والمتن والشوف وعاليه وكسروان وزغرتا متذرعاً بالأوضاع الأمنية من جهة، وتشتت القوى الأمنية في المحافظة على الاستقرار ومواجهة التظاهرات من جهة اخرى، اضافة الى وضع وباء "كورونا" وضرورة المحافظة على شروط التعبئة العامة، ناهيك عن وضع العديد من المدارس في دائرة بيروت الأولى التي تضررت بفعل الانفجار في مرفأ بيروت والتي لا يمكن استعمالها كاقلام اقتراع كما درجت العادة.
وفي الوقت الذي بدأت فيه وزارة الداخلية والبلديات بث الأفلام الاعلانية حول ضرورة الاطلاع على لوائح الشطب وتصحيحها، كان رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب يشكك بالقدرة على اجراء الانتخابات الفرعية بسبب انتشار وباء "كورونا" الذي يتطلب الالتزام بالتدابير الوقائية ريثما تتمكن الحكومة من تأمين اللقاحات التي بدأت تصل الى بيروت تباعاً لمكافحته. لكن الرئيس بري اصر على موقفه ولم يأخذ بموقف الرئيس دياب اعتقاداً منه ان هناك ضرورة لرفع منسوب التدابير والإجراءات الوقائية لتوفير الشروط لانجاز هذا الاستحقاق سواء بالحفاظ على التباعد الاجتماعي والزام الجسم الإداري والأمني الذي يتولى الاشراف على اجراء الانتخابات الفرعية والناخبين على السواء بارتداء الكمامات.
وفي هذا السياق، نقل مصدر نيابي عن بري قوله لدياب إن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة جرت في ظل انتشار هذا الوباء، مع ان عدد سكانها اكثر من 330 مليون نسمة، فيما يقدر عدد الناخبين في الدوائر الانتخابية المشمولة باجراء الانتخابات الفرعية بعشرات الألوف في حال ان نسبة الاقبال على صناديق الاقتراع سجلت أرقاماً مرتفعة.
أسباب إصرار بري
حيال هذا الواقع طرح المراقبون اكثر من سؤال حول أسباب إصرار الرئيس بري على اجراء الانتخابات الفرعية مع انه "تحاشى" الحديث عن هذا الموضوع منذ استقالة النواب الثمانية مروان حمادة (الشوف)، هنري حلو (عاليه)، بولا يعقوبيان ونديم الجميل (بيروت الأولى)، وسامي الجميل والياس حنكش (المتن)، نعمة افرام (كسروان) وميشال معوض (زغرتا)، متسائلين خصوصاً عن ضرورة اجراء هذه الانتخابات ولم يبق من عمر المجلس الحالي سوى سنة اذا ما جرت الانتخابات في شهر حزيران (يونيو) المقبل لضرورة تحضير الإجراءات اللوجستية والأمنية والإعلامية.
مصدر قريب من الرئيس بري قال إن رئيس المجلس حرك هذا الملف لأنه يريد أولاً الرد على الحملات التي استهدفته ومن خلاله البرلمان، متهمة إياه بصرف النظر عن ملء الشغور في المقاعد النيابية، مع ان المسؤولية تقع أولاً وأخيراً على عاتق الحكومة. ويضيف ان الحملة اشتدت أخيراً في ضوء ما صدر من هرطقات دستورية تعتبر ان البرلمان اصبح فاقداً للميثاقية على خلفية تعذر اجراء الانتخابات الفرعية، ويقول ان هذا الاتهام في غير محله طالما انه يصر على إنجازها، وبالتالي لا يبرر للحكومة تلكؤها في هذا المجال. ويؤكد ان بري باصراره على اجراء الانتخابات يصيب اكثر من عصفورين بحجر واحد، ويريد تمرير رسالة لمن يعنيهم الامر بأن تعذر اجراء الانتخابات النيابية المبكرة كما يطالب حزبا "الكتائب" و"القوات اللبنانية" في ظل عدم توافر الدوافع الدستورية لانهاء ولاية البرلمان، لن ينسحب تحت أي اعتبار على اجراء الانتخابات العامة في موعدها في ربيع 2022.
ويرى ان بري الذي يتشارك مع رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط في تشاؤمه حيال المراوحة القاتلة التي تؤخر تشكيل الحكومة، فإنه في المقابل ضد التمديد للبرلمان لأن اجراء الانتخابات العامة في موعدها يقطع الطريق على الفريق السياسي الذي بدأ يعد الدراسات لتبرير التمديد بذريعة تلازمه مع التمديد لرئيس الجمهورية بذريعة تلازمه مع التمديد للبرلمان علماً ان مثل هذا الخيار غير مطروح في الوقت الراهن والحديث عنه يأتي في اطار الحملة التي تستهدف العهد والنائب باسيل والتي يشارك فيها اكثر من طرف بينهم الرئيس بري والنائب جنبلاط و"القوات اللبنانية" وغيرهم. لذلك تبدي مصادر "التيار الوطني الحر" عدم ممانعتها من اجراء الانتخابات الفرعية بصرف النظر عن النتائج التي ستترتب عنها، فيما تقول "القوات" انها مع اجراء انتخابات شاملة وليس فرعية بدليل عدم استقالة نوابها كما فعل نواب الكتائب الذين يحاذرون الانتخابات الفرعية لأنها قد تحمل النتائج نفسها.
رسائل متعددة الاتجاهات
ويرى فريق مناهض لتوجه الرئيس بري، ان الغاية من دعوة بري لاجراء الانتخابات الفرعية تندرج في اطار توجيه رسائل أساسية : الأولى الى النواب الذين استقالوا ومضمونها، ان من يستقل يفقد موقعه، فهو لن يترك لهؤلاء صفة "نائب مستقيل"، وسيذهب حتى النهاية في هذه المسألة لفتح الباب امام إمكانية استبدالهم، وذلك لانه يعتبر ان هذه الاستقالة شكلت تحدياً له ولإرادته ووضعيته. اما الرسالة الثانية، فموجهة الى من يدعو الى الاستقالة الجماعية من مجلس النواب، أي تحديداً الى حزب "القوات اللبنانية"، ومضمونها أيضاً واضح جداً، وهو ان أي استقالات محتملة لن تؤدي الى نتائجها المرجوة، أي تقصير ولاية مجلس النواب وفرض انتخابات نيابية مبكرة، باعتبار ان لا شيء دستورياً يلزم المجلس بالذهاب نحو انتخابات مماثلة. لذا، يقول الرئيس بري في رسالته هذه، ان أي حركة مماثلة سيكون مصيرها الفشل، وسيعمل هو شخصياً على الدفاع باتجاه ملء المقاعد الشاغرة بانتخابات فرعية ليقضي بشكل كلي على أي احتمال لاجراء انتخابات نيابية مبكرة. اما الرسالة الثالثة فهي رسالة موجهة الى رئيس الجمهورية و"التيار الوطني الحر" وتأتي من ضمن خلاف الرئيس بري مع هذا الفريق، المعلن تارة والمضمر تارة أخرى. فمن ناحية الانتخابات الفرعية بالنسبة للرئيس بري، فهي ستكشف رئيس الجمهورية و"التيار" شعبياً، وستظهر حقيقة تقهقر هذا الفريق على هذا الصعيد، حيث ان معظم المقاعد الشاغرة مسيحية، اما من الناحية الأخرى، فالرئيس بري يريد "حشر" الرئيس عون بمواقفه خصوصاً لناحية انه كان قد اعلن سابقاً انه داعم لإجراء الانتخابات الفرعية، وهذا الموقف كان قد فسر من قبل الجميع في حينه، بأنه كلام لا يعدو كونه إعلامياً لا اكثر ولا اقل، لذا يريد الرئيس بري ان يضع عون امام موقفه هذا.
في أي حال، ومهما تعددت الأسباب، فإن ثمة من يرى ان اجراء الانتخابات الفرعية سيكون على نوعين، الأول وفق النظام الاكثري في كل الدوائر ما عدا دائرة المتن حيث بلغ عدد المقاعد الشاغرة ثلاثة ما يعني ان الانتخابات ستتم وفق النظام النسبي مع الصوت التفضيلي، ما يجعل النتائج قريبة لانتخابات 2018 وقد لا تحدث تبديلاً جذرياً، لكن ما سيحصل اذا ما تمت الانتخابات الفرعية هو "بروفا" للتحالفات المرتقبة في انتخابات 2022، فاذا أتت النتائج وفق ما يشتهيه "الغالبون" تجرى الانتخابات الأساسية في 2022 واذا لم تكن نتائج الفرعية حسب رغبتهم يبدأ العمل الجدي في التمديد للمجلس الحالي تحت الف حجة وحجة قد تكون الأبرز فيها استمرار وباء "كورونا" او حصول ظروف امنية قاهرة!