تفاصيل الخبر

متى تتحول النظافة الى وسواس قهري؟

01/07/2020
متى تتحول النظافة الى وسواس قهري؟

متى تتحول النظافة الى وسواس قهري؟

 

بقلم وردية بطرس

 

[caption id="attachment_79179" align="alignleft" width="375"] نموذج من أنواع الوسواس القهري[/caption]

الطبيب النفسي الدكتور باسكال رعد: تسلط الوالدين على الأبناء قد يغرقهم في وسواس النظافة !

 تعّد النظافة واستخدام المعقّمات من الأمور الأساسية للحد من انتشار فيروس (كورونا) المستجد، ولكن بعض الأشخاص أصبحوا يعانون من وسواس النظافة، اذ يعيشون حالة من الأرق بسبب الوسواس القهري الذي أصابهم مع انتشار الفيروس...وبالتالي فهؤلاء الأشخاص في العادة يعرضون أنفسهم للألم النفسي ويشكلون إزعاجاً للآخرين.

الدكتور باسكال رعد والشخصية الوسواسية

 فمتى تتحول النظافة الى هوس؟ والى اي مدى يؤثر هوس النظافة على الحالة النفسية لدى الشخص؟ وغيرها من الأسئلة أجاب عنها الطبيب النفسي الدكتور باسكال رعد وسألناه بداية:

* هل هوس النظافة مرض نفسي؟

- هوس النظافة ليس مرضاً نفسياً. بالنسبة الينا ان هوس النظافة هو بشكل عام جزء من شخصية، ونسمي هذه الشخصية بـObsessive Compulsive Personality Disorder (OCPD) او الشخصية الوسواسية.اي هو انسان يهتم كثيراً بالنظافة وبالترتيب والأنظمة ويكون لديه هوس نظافة زائدة.وقد يصبح مرضاً يُدعىObsessive compulsive Disease (OCD)، اذ يقضي الشخص حوالي ساعتين او ثلاث ساعات بالتنظيف كل يوم، او يقضي حوالي نصف أيام الاسبوع بالتنظيف من 4 الى 5 ساعات. وعندما نصنفه بالمرض يكون بالمبدأ يؤثر على حياته العملية والمهنية والاجتماعية الى ما هنالك. فأي انسان يحب ان ينظف بيته كل يوم بشكل صحيح ومرتب وذلك ليس مرضاً، ولكن يصبح هوس النظافة مرضاً عندما تقوم ربة المنزل مثلاً بتنظيف 10  او 15 مرة في اليوم وتظل تفكر بالتنظيف بشكل يؤثر على علاقتها مع الآخرين، اذ لا تسمح لعاملة المنزل ان تنظف البيت لأنها ستنظف من بعدها ، كما لا تسمح لأفراد أسرتها والأقارب والزوار أن يدخلوا بأحذيتهم الى المنزل خوفاً من الجراثيم وغيرها. ولكن عند عامة عند الناس لا نعتبره مرضاً بل عنصر من عناصر الشخصية الوسواسية OCPD.

أسباب وسواس النظافة

[caption id="attachment_79178" align="alignleft" width="201"] الدكتور باسكال رعد: وسواس النظافة لا يؤدي الى حالات انفصام والافراط المطلق به يؤدي الى حالة مرض الوسواس القهري[/caption]

* ما هي الأسباب والدوافع التي تؤدي الى وسواس النظافة والتعقيم؟

- هناك أسباب عديدة: هناك أسباب تتعلق باللاوعي اي لا يراها الانسان والتي هي بالنسبة الينا محاولة السيطرة على محيطه. وماذا يعني السيطرة على محيطه؟ هناك ما يُسمى بــDefense Mechanism  أي وسيلة دفاعية ضد الأمور التي تحصل مع الانسان، اذ يُولد بنظام يكون نوعاً ما فيه تسلّط مثلاً وهو تلميذ في المدرسة، او يكون والده متسلطاً او والدته حيث يشعر أنه لا يقدر ان يسيطر على من حوله فيقوم بردة فعل داخلية، ويشعر بالقلق والتوتر فينقل ذلك الى وسواس نظافة اذ يشعر براحة نفسية، اي ينقل القلق الباطني الموجود لديه في اللاوعي الى مسألة نظافة وتعقيم. ويحدث ذلك أحياناً عند النساء اذ عندما تكون على خلاف مع زوجها ولا تقدر ان تسيطر تقوم بالسيطرة على الأمور والبيت بالنظافة، فتصبح مهووسة بالنظافة، ولقد لاحظنا ذلك أحياناً عندما تواجه الزوجة مشكلة مع زوجها او بداية الطلاق تحاول ان تمسك زمام الأمور في البيت بطريقة عسكرية، وربما لا تعرف بالأساس انها تحاول ان تمسك المنزل عبر النظافة. والسبب الثاني: هناك جزء كبير متعلق بالتربية يعني الأم التي ربت ابنها منذ الصغر على أن ينظف يديه مرات عديدة خلال اليوم وألا يلمس الأرض الى ما هنالك فيترسخ ذلك في عقله وعندما يكبر الولد لا يقدر ان يكسر القاعدة ولا أن يخرج نفسه من هذه المشكلة. السبب الثالث: عندما يتعرض الانسان لمشكلة صحية يعتبر أن الوسواس يحميه من المرض ومن الجراثيم لذا يتبع هذا النمط. السبب الرابع: هناك عناصر تكون موجودة في الشخصية نسميها عناصر الشخصية الوسواسية، اذ يهتم الانسان بالنظام كثيراً، وجزء من النظام هو النظافة والترتيب، ويعتبر أنه يقوم بفعل خير لأنه ينظّف ويعقم.

* كيف يؤثر الوسواس والافراط في التعقيم على الشخص؟ والى اي مدى يشكل ذلك ازعاجاً لأفراد أسرته والمحيطين به؟

- طبعاً هناك ازعاج كبير لأن الانسان يعيش في مجتمع، ويمكن القول ان قسماً كبيراً من الناس لا يسأل عن التفاصيل المتعلقة بالنظافة، لهذا يشعر الشخص الذي يفرط في التنظيف والتعقيم بضغط كبير، وبأن كل الناس من حوله عرضة للخطر لذا سيظل متنبهاً للأمر كل الوقت فيظل متوتراً، ويجعل الآخرين يشعرون بالقلق خصوصاً اذا لم يكونوا مثله، يعني مثلاً اذا رأينا الفتاة لا تهتم للنظافة كثيراً أما والدتها فتهتم بالأمر كثيراً عندها تقع المشكلة لأن الفتاة لا تريد ان تغير من طريقة عيشها، ونحن كأطباء نفس نسعى بألا ينتقل قلق الأم الى الابنة، اي نحذّر الأم أنه ليس بالضرورة ان تعيش الابنة او الابن بهذا الهوس، فهذا الهوس خاص بصاحبه ويقدر أن يطبقه على نفسه أو ان يتعالج منه لكن لا يقدر ان يجبر الآخرين عليه. وهناك تأثير على الأزواج في هذا الخصوص اذ نرى حالات طلاق بسبب هذه المشكلة.

الوسواس والحالة النفسية

* كيف يؤثر وسواس النظافة على الحالة النفسية لدى الشخص؟

- وسواس النظافة لا يؤدي الى حالات انفصام والى ما هنالك... والافراط المطلق بالوسواس يؤدي الى حالة مرض الوسواس القهري اذ يعيش الشخص كل الوقت بهذه الحالة، اي أنه سينظف مهما حصل، اذ يقدر أن يمضي يوماً بأكمله وهو ينظف، وقد يمضي ثلاث ساعات وهو يستحم او ساعات طويلة أمام المجلى، ويبدأ بابتكار الوسائل مثلاً يلف الأغراض بأكياس النيلون لكي لا يدخل اليها الغبار وما شابه. ثانياً ما يحصل هو حالة الكآبة التي قد تؤدي الى الانتحار لأن الانسان يقول لنفسه إنه يعيش بأزمة كبيرة ولا يقدر ان يخرج منها. فيشعر بالاكتئاب وهذا يؤدي الى اليأس من ثم يصل الأمر الى ان يؤذي نفسه اذا وجد أنه غير قادر ان يتحمّل ولا ان يسيطر على نفسه، خصوصاً اذا تعالج مرة ومرتين ولم تحل المشكلة عندها يقول إن حالته غير قابلة للعلاج فيبقى في الدوامة نفسها.

* هل يتحول الأمر بأن يعزل الشخص نفسه عن الناس خوفاً من انتقال عدوى الفيروسات وما شابه؟

- عزل الانسان يحصل في المرحلة الأولى، اي أنه يحصل في بداية الأمر، اذ لا يعد يتناول الطعام في المطاعم وخارج المنزل ولا يخرج مع أصدقائه، ثم لا يعد لديه علاقات سواء جنسية او عاطفية اذ يهرب منها لأنها بالنسبة اليه تشكل خطراً عليه ، اذ إن وسواس النظافة يقدر ان يؤثر كثيراً على الحياة الجنسية لذا يبتعد عنها بشكل كبير. اذاً تصبح العزلة أساسية فيعيش الانسان بهذه الحالة التي هي تفادي المرض، والتفادي هو جزء من المرض الى ما هنالك...

وسواس النظافة في زمن الكورونا

* في زمن الكورونا النظافة الشخصية والتعقيم أمر مهم وأساسي للحد من انتشار الفيروس ولكن بدأنا نرى الأمر تحول الى وسواس عند بعض الأشخاص أكثر من غيرهم فهل قد يتحول ذلك الى مرض نفسي أو أنه سيتخطى المشكلة ما إن يزول الوباء؟

- اذا كان لدى الانسان الاستعداد لذلك فيعتبر ان هناك خطراً داهماً فيتحول الأمر الى وسواس. ولكن ليس كل انسان يقوم بالتعقيم في ظل وباء الكورونا سيتحول الى مريض بالوسواس.  فقد كان هناك أشخاص ينتظرون بفارغ الصبر تخفيف الاجراءات من قبل وزارة الصحة ومن منظمة الصحة العالمية تدريجياً لكي يستعيدوا حياتهم الطبيعية، فالمشكلة تحدث مع الأشخاص الذين لديهم استعداد اذ هم بالأساس لديهم مشكلة فجاءت الكورونا كما نقول باللبناني (شحمة على فطيرة) لكي يشعروا بالهوس بها، وقالوا إن الناس كانوا يتهمونهم بالنظافة الزائدة فانظروا اليوم فقد تبيّن ان النظافة الزائدة تحمي من فيروس كورونا، فيصبح لديهم نوع ما طريقة لغوية يحارب بها الآخرين لكي يقدر ان يوصل فكرة معينة. وطبعاً خلال وباء الكورونا نحن لا نقدر ان نلوم الشخص الذي يقوم بالنظافة والتعقيم لأنه بالنسبة اليه فهذه حماية له ويعتبر نفسه أنه يتبّع التعليمات. فالمسألة هي أنه طبعاً مع تخفيف الاجراءات المفروض أن يمتثل لها وعلينا ان نشجعه وأيضاً أفراد أسرته لكي يخرج نفسه من هذه المشكلة تدريجياً. كما تعلمين ان الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي تبالغ أحياناً بنشر أخبار أعداد الاصابات على على مدار الساعة فيعيش بحالة هلع ويسأل نفسه كيف سيخرج من الكورونا...ما يهمنا ألا يتتبع الشخص تفاصيل (السوشيل ميديا) لأنها تفاصيل لا تهمه بشكل مباشر، فهذه تفاصيل عامة المفروض ان يتبلغ بها البلد والشعب، وليس تحديداً كل انسان على أساسها يأخذ القرار ويقول انظروا فهناك من التقط فيروس الكورونا في مستشفى ويبدأ بالحسابات، فعندما يقوم بهذه الحسابات عندها يوسوس نفسه بنفسه، ولهذا العملية ستخف كلما يختفي الوباء شيئاً فشيئاً وطبعاً بعد فترة طويلة وليس سريعاً، ولكن بالنسبة الينا الانسان بحد ذاته ينتظر تخفيف الاجراءات لكي يحاول ان يعيش بطريقة طبيعية كما كانت في السابق، فالانسان الذي لا يقدر ويظل يقول بشراسة إنه لن يخفف الاجراءات حتى لو قالوا له إن الوباء اختفى،  فهو يجد لنفسه العذر المنطقي لكي يظل بحالة وسواس النظافة لأن هذا يريحه. هناك شخص أعرفه وليس لديه وسواس قال لي غريبة مسألة الوسواس تخلق لدى الشخص نوعاً من التعلق ونوعاً من الادمان على هذه التصرفات وهذا يصبح لا ارادياً، اي ليس الأمر بيده اذ يصبح لديه نظام معين، اي لا يصافح الآخرين ولا يغمرهم اذا التقى بأفراد أسرته، اي يدخل بديباجة معينة، ولكن نحن متأكدون ان هذا الشخص اذا ووجه بواقع أن الانسان يجب عليه ان يخفف هذه الاجراءات اي التعقيم الشرس، طبعاً سيضبط نفسه في الحال، ولهذا يجب ان يكون لديه استعداد ذاتي لكي لا يقع في هذه المشكلة.

* ما هي النصائح لتجنب تحوّل النظافة في ظل وباء الكورونا الى وسواس مرضي؟

- بخصوص الاجراءات بالنسبة الينا فنشجع الناس ان يتبعوا التعليمات بطريقة صحيحة وعندما تخف الاجراءات عليهم ان يتبعوا التخفيف، يعني نعرف ان الناس لم يخرجوا من منازلهم ملتزمين بالتعبئة العامة، ولكن اليوم بعد تخفيف التعبئة عليهم ان يخرجوا ولكنهم لم يقدروا ان يفعلوا لذا علينا ان نشجعهم كأفراد العائلة وكأطباء وان نقول لهم ان هذه الفترة انتهت والآن بامكانهم اتباع نمط عيش عادي بطريقة سلسة مع الحماية لانفسكم، مثلاً بما يتعلق بالذهاب الى البحر ام الى المسبح فيمكنهم ان يتبعوا التعليمات بخصوص هذا الأمر وان يتبعوا التعليمات من حيث أيهما آمن البحر ام المسبح، وعندما تخف التعليمات يتبعها أيضاً. إذاً أول نصيحة هي ان يتبع هذا التعليمات بطريقة معينة، اذ لا نقدر ان نقول له اذهب وواجه الأمر ولن تنتقل اليك العدوى لأن التقاط العدوى ليست مزحة. فعلى سبيل المثال عندما كنا نواجه الوسواس العادي كنا نقول للشخص لا تغسل يديك بعد تناول الطعام او بعد القاء السلام فلن يحصل معك شيء وواجه المشكلة، ولكن الآن اذا قلنا له في ظل الوباء خالف تعليمات معينة عندها قد يلتقط العدوى.

ويتابع:

ـ بالتالي لا نقدر ان نقول ذلك لأن التعليمات واضحة لهذا يتبع التعليمات ولكن ليس بطريقة شرسة، يعني عندما يوجد مع افراد اسرته وأناس يعرف مسكنهم وطريقة عيشهم فليس بالضرورة ان يظل يعقم كل الوقت وهو في البيت، فعليه ان يضع المعقمات على باب المنزل من الداخل لكي يعقم عندما يدخل وانتهى الأمر، اي لا يضعها بجانبه ويرش المعقمات كل الوقت وبداخل البيت، وأيضاً عندما يزاول الشخص الرياضة فليس عليه ان يضع الكمامة لأنه سيستنشق ثاني أوكسيد الكربون اثناء الرياضة وهذا يضره، وبالتالي هذا يدل على وسوسة التنظيف والتعقيم. وهناك أشخاص يتبعون التعليمات بطريقة شرسة. فمثلاً يعقمون الطعام بالديتول وبالتالي اذا لم يخرجوا من هذه المشكلة عندها يلزمهم علاج. هناك علاجات تأتي مع الكورونا لا يعرف عنها الناس. مثلاً هناك من أصيبوا بضيق في التنفس والوسواس من ضيق في التنفس. فمثلاً يقول أحدهم لقد التقط فيروس الكورونا ولكن لا تظهر العوارض عليه ويسرع لاجراء الفحوصات، اي كل الوقت لديه هذا الشعور بأن عليه ان يسرع لكي يحمي نفسه بطريقة معينة وان يتابع ما يحصل بجسمه بطريقة شرسة، وهذا أيضاً وسواس المرض غير وسواس النظافة والتعقيم، وبالتالي عليه ان يتعالج  ليقدر ان يعيش حياة طبيعية لأنه ينظر الى من حوله ويرى انهم يعيشون بشكل عادي مع ان هناك انتباهاً من الوباء.