تفاصيل الخبر

مصير "الموناليزا" الأفغانية!

08/11/2015
مصير "الموناليزا" الأفغانية!

مصير "الموناليزا" الأفغانية!

image يمكن القول عنها إنها أشهر وجه في أفغانستان، وإنها ليست من علية القوم ولا منصب لها ولا جاه. رفعتها الصدفة إلى واجهة الصدارة وانتشرت صورها في كل مكان وأصبحت رمزاً يختصر آلام الملايين. إنها "شربات غولا" فتاة أفغانية حين كانت في 13 من عمرها لمحها صدفة مصور أمريكي يعمل في مجلة "National Geographic" عام 1984 ضمن جموع من النساء البائسات في مخيم "ناصر باغ" للاجئين في باكستان. التقط  المصور لها صورة نُشرت على غلاف المجلة عام 1985، فانبهر العالم بموناليزا الأفغان، بملامحها الغامضة الأخاذة وعينيها الحزينتين الناطقتين. لقيت صورة "شربات غولا" اهتماماً واسع النطاق، حيث نسخت ونشرت واستخدمت في كل ما يخطر على بال، على البطاقات البريدية والملصقات، والقمصان وأغلفة المجلات لفترة طويلة. وما كانت "شربات" تدري آنذاك بالضجيج الدائر في المدن البعيدة حول عينيها الخضراوين الغامضتين التي تختزنان الأسرار. هي كانت، كما في كل الأوقات، مشغولة ومكتفية بحياتها البسيطة والقاسية في مخيم اللاجئين بعيداً عن وطنها. بالمقابل، زادت شهرة صورة شربات الفريدة مع الأيام، وتصدرت أغلفة أشهر المطبوعات في العالم، وأدرجتها الجمعية الجغرافية الوطنية الأمريكية في نهاية تسعينيات القرن الماضي في قائمة الشرف لأفضل 100 صورة. إلا أن كل ذلك لم يغير من حياة صاحبتها، ولم يضف على عالمها القاسي أي بهجة. ووصفت مجلة "National Geographic" صورة "شربات غولا" بأنها الأكثر شهرة وصيتاً في تاريخها، مشبهة إياها بلوحة الموناليزا التي بقيت على مر الزمن فريدة وآسرة. وأصبح المصور الأمريكي "ستيف ماكوري" الذي التقط صورة الفتاة الأفغانية، شهيراً ذائع الصيت بفضلها، وكل من يلتقيه يسأله عما آل إليه مصيرها. وظل هو لسنوات طويلة يفتش عنها، وسافر عدة مرات إلى أفغانستان وباكستان لأجل هذا الهدف. ويقول "ماكوري" عن الصورة إنها، بالنسبة له، اختصرت آلام "شربات غولا" وحياتها القاسية وكل الظروف القاهرة التي تجبر أي إنسان على النزوح من دياره للعيش بعيدا في مخيم للاجئين. image تكللت جهود "ماكوري" في نهاية المطاف بالنجاح، وعثر عليها بعد أن تتبع أثرها واستقصى أخبارها في مسقط رأسها في منطقة "طورا بورا" قرب الحدود مع باكستان في عام 2002. ووجدها المصور الأمريكي امرأة في الثلاثين، أم لثلاثة بنات، وقد أنهكتها السنون، وبدت أكبر من عمرها بعد أن سكن الشحوب وجهها، وزاد الحزن المترسب في عينيها الخابيتين. وعرف منها "ماكوري" أنها تزوجت حين بلغت 16 عاماً، وأنها عادت مع أسرتها إلى بلادها في عام 1992، وأنها لا تزال تجهل القراءة، لكنها تعرف كيف تكتب اسمها، وأنها بدأت في ارتداء البرقع التقليدي المحلي في العام التالي لالتقاط الصورة. وأخبرته أنها تستيقظ كل يوم قبل طلوع الشمس، تصلي ثم تجلب الماء من النبع، وتطهو وتغسل الملابس وتعتني بأطفالها وأسرتها، وأنها لم تسمع بأن وجهها أصبح مشهوراً، وأن مقالات عديدة كتبت عن بريق عينيها الفريد وحزنهما الدفين. وقالت "شربات" إن حياتها وأسرتها كانت جيدة تحت حكم طالبان، أفضل من الحياة تحت القصف، وأنها تود أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة وأنها بقيت على قيد الحياة بمشيئة الله. واللافت أن الصورة الشهيرة التي أُعجب بها الملايين لم تعجب صاحبتها. فأخبرت "شربات غولا" المصور الأمريكي أنها غير راضية عن تصويرها بوشاح بال، وأنها لا تزال تذكر أن نيران موقد أفسدته صدفة قبل ذلك. ولا تزال موناليزا أفغانستان تعيش المآسي، كما تعودت، كي تبقى وأسرتها على قيد الحياة في مواجهة الفقر وقسوة الطبيعة والحرب التي تتجدد فصولها ولا تكتمل في تلك الربوع. ولعل تلك الصورة التي أُخذت لها في غفلة من الزمن، قد أضافت طعماً جديداً لحياتها البائسة، ولعلها أدخلت إلى وجدانها النقي والمعذب شيئاً من البهجة النادرة.