تفاصيل الخبر

مستقبل العلاقات اللبنانية ــ السورية يتحدد بالتوافق وبقرار واضح من مصير ”معاهدة الاخوة“ والتمثيل الديبلوماسي!

16/12/2016
مستقبل العلاقات اللبنانية ــ السورية يتحدد بالتوافق  وبقرار واضح من مصير ”معاهدة الاخوة“ والتمثيل الديبلوماسي!

مستقبل العلاقات اللبنانية ــ السورية يتحدد بالتوافق وبقرار واضح من مصير ”معاهدة الاخوة“ والتمثيل الديبلوماسي!

 

جسون-و-عون----1في كل مرة يزور فيها مسؤول سوري لبنان، وبصرف النظر عن موقعه أو دوره أو مسؤولياته، ترتفع الأصوات مجدداً التي تطرح مصير العلاقات اللبنانية ــ السورية، فينادي البعض بقطع العلاقات الديبلوماسية، ويطالب البعض الآخر بـ<طرد> السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، ويرى البعض الثالث ان لا مجال لأي خطوة ضد سوريا مهما كانت الأسباب. هذا الجدل الذي يتكرر دائماً ويعيد إبراز الخلاف بين اللبنانيين حول سوريا تجدد الأسبوع الماضي مع زيارة مفتي الجمهورية السورية الشيخ أحمد بدر الدين حسون لقصر بعبدا واستقبال الرئيس ميشال عون له في حضور السفير السوري، ثم زيارته لبكركي حيث استقبله البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي...

وعلى رغم ان هذه الزيارة المزدوجة لصرحين، الأول وطني هو قصر بعبدا والثاني روحي هو الصرح البطريركي في بكركي أي زيارة لموقعين مارونيين بامتياز، لم تخرج عن إطار الزيارات البروتوكولية التي تجريها مرجعيات روحية بين حين وآخر، إلا ان تزامنها مع التطورات العسكرية التي شهدتها مدينة حلب واستعادة النظام السوري لغالبية المواقع الاستراتيجية الأساسية فيها واطلاق المفتي حسون مواقف اعتبرها البعض <استفزازية>، أثار كل ذلك ردود فعل لدى أفرقاء في <14 آذار> حوّلت زيارة المفتي حسون الى مشكلة سياسية رافقتها انتقادات طاولت مواقف المفتي من جهة، وعتباً على من استقبل الزائر السوري من جهة أخرى، لاسيما عندما تحدث عن <الانتصارات> في حلب وعن <صباحها المشرق> غداة التقدم الذي حققه الجيش السوري لاستعادة المدينة.

استثمار تصريح المفتي حسون

 

وفيما اعتبرت مصادر رئاسية ان المفتي حسون لم يُحرج بكلامه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لأنه لم يكن كلاماً خارجاً عن المألوف في قاموس القيادات السورية السياسية والروحية، فإنها رأت ان لا أحد يستطيع أن يحدد لرئيس الجمهورية ما يفعله وما لا يفعله أو من يستقبل أو من يرفض استقباله، لاسيما وان مفتي سوريا لم يستخدم منبر قصر بعبدا لمهاجمة أفرقاء لبنانيين، ولا هو حرض ضد أفرقاء معينين، بل بالعكس مدّ اليد الى جميع الأطراف اللبنانيين وركز على وحدتهم وعلى أهمية الالتفاف حول الرئيس في هذا الظرف الدقيق. أما في بكركي فما قاله المفتي حسون بعد لقائه البطريرك الراعي قد يكون تجاوز بعض الشيء القواعد التي تفرضها التصاريح من على منبر مركز روحي، بصرف النظر عن هوية هذا المركز، إلا انه لا يلزم سيد الصرح بشيء بل يعبر عن رأي قائله.

وتعتبر مصادر متابعة ان الحملة على المفتي حسون التي تواصلت أيضاً عبر المواقع الالكترونية مرتبطة بمواقف سابقة اتخذها مفتي سوريا من مسار الأحداث في بلاده، وهو عندما يكررها، لا يلزم لا رئيس الجمهورية ولا أياً ممن زارهم بها، وقد بدا واضحاً ان ثمة رغبة لدى البعض باستهداف كل من بعبدا وبكركي كما حصل سابقاً في مناسبات مختلفة. وفي رأي المصادر ان هذه الاشكالية ستجد في كل مرة من يعيد إليها الحياة خصوصاً عندما يزور مسؤول سوري لبنان، لأن النقاش الذي ينطلق بعد الزيارة يتجاوز الهدف منها أو ما صدر فيها، للتصويب على مجيء مسؤولين سوريين من جهة، وللغمز من مواقف مرجعيات رسمية وربما دينية منها، حيث يمكن استحضار الغرائز الدينية والمذهبية لعرقلة حركة سياسية أو للإساءة الى موقف وطني معين، فضلاً عن زرع خلافات بين الدولة اللبنانية ممثلة برئيسها من جهة وبين الأطراف المحليين من جهة ثانية، وهذه الواقعة يدركها المسؤولون في سوريا و<يتفهمون> ظروفها.

مصادر مطلعة تؤكد ان مطلب <طرد> السفير السوري هو مطلب <سياسي> من الصعب التجاوب معه لاعتبارات عدة، أبرزها تعذر طرح هذا الأمر على مجلس الوزراء الراهن والعتيد نتيجة وجود خلافات بين الوزراء في مقاربة هذا الملف، إضافة الى عدم وجود رغبة سياسية واسعة بالتجاوب مع هذا المطلب الذي سبق أن طرح بعد صدور الحكم على الوزير ميشال سماحة الذي دانه القضاء العسكري بنقل متفجرات من سوريا بالتواطؤ مع المسؤول الأمني السوري البارز اللواء علي مملوك وذلك لاستعمالها في تنفيذ تفجيرات في منطقة عكار خلال شهر رمضان المبارك.

وترى المصادر نفسها ان <طرد> السفير يستوجب قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مع ما يعني ذلك من مضاعفات سياسية واقتصادية تؤثر سلباً على الوضع اللبناني من مختلف النواحي، فضلاً عن ان مثل هذا القرار يحتاج أيضاً الى موافقة مجلس الوزراء الذي لن يكون من خلال تركيبته المتوقعة في وضع يسمح له بمقاربة هذا الأمر لا من قريب ولا من بعيد.

 

مسؤولية مجلس النواب والحكومة معاً

حسون-و-الراعي---2 

وتعتبر المصادر نفسها ان العلاقات اللبنانية ــ السورية مرّت منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان في العام 2005 بحالة من المد والجزر، لكنها تردت بشكل لافت بعد بدء الحرب الداخلية في سوريا حيث تكرّس انقسام اللبنانيين بين <معسكرين>، الأول يدعو الى إنهاء كل اشكال التعاون بين البلدين ويطالب بإسقاط النظام ويدعم المعارضة السورية في تحركها، والمعسكر الثاني يتمسك بالعلاقات مع سوريا والبعض الفاعل في هذا المعسكر ينسق مع القيادة السورية في حربها ضد التنظيمات الارهابية والمعارضة السورية، وقد حقق انتشاراً ميدانياً واسعاً ساهم في حصول متغيرات على الأرض صبت في مصلحة النظام ورئيسه الدكتور بشار الأسد. وبديهي في هذه الحالة من الانقسام بين المعسكرين، ألا يتمكن أي منهما من تحقيق ما يصبو إليه بالكامل، فضلاً عن ان الدولة السورية لا تزال تحظى باعتراف دولي وعضوية كاملة في الأمم المتحدة، بخلاف ما حصل بالنسبة الى جامعة الدول العربية التي لم تعد دمشق تشارك في اجتماعاتها. لذلك، ترى المصادر المطلعة ان تزايد المطالبين بـ<طرد> السفير السوري من لبنان سوف يخلق حالة اعتراضية ذات مفاعيل معنوية من دون أن تكون لها مفاعيل عملية أو تنفيذية، لا بل قد تُواجه بحملات مضادة تكرس الخلاف السياسي حول ملف العلاقات السياسية مع سوريا في الوقت الراهن، وتنقل <المواجهة> من صوابية <طرد> السفير السوري أو عدم صوابيته، الى العلاقات بين اللبنانيين المتباعدة حيناً والمتقاربة أحياناً، بمعنى آخر فإن الصراع الذي يُفترض أن يكون بين فريق من اللبنانيين والنظام السوري، سيتحول الى صراع بين اللبنانيين أنفسهم الذين يدفعون مرة جديدة ثمن الخلافات الاقليمية من جهة، وحروب تثبيت النفوذ من جهة ثانية.

في المقابل، ترى مصادر قانونية ان تحميل الحكومة وحدها مسؤولية تحديد مستقبل العلاقات اللبنانية ــ السورية لا يستقيم سياسياً وقانونياً ودستورياً، ذلك ان ما يحدد العلاقة بين لبنان وسوريا ليس فقط التمثيل الديبلوماسي الذي ترعاه السلطة التنفيذية ممثلة بوزارة الخارجية والمغتربين واستطراداً الحكومة، بل هناك أيضاً مسؤولية مباشرة على مجلس النواب الذي لم يلغِ <معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق> القائمة بين البلدين منذ أن وقع عليها الرئيس الياس هراوي وحافظ الأسد في 22 أيار (مايو) 1991 وصادق عليها مجلس النواب اللبناني وانبثقت عنها اتفاقات ثنائية ومعاهدات ومواثيق، وبالتالي فإن مفاعيل هذه المعاهدة لا تزال قائمة ولم يُقدم مجلس النواب على إلغائها على رغم مطالبة فريق <14 آذار> بذلك بعيد جرائم الاغتيال التي شهدها لبنان منذ جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه في 14 شباط (فبراير) 2005. من هنا، تضيف المصادر القانونية نفسها، ان مستقبل العلاقات اللبنانية ــ السورية تحدده إرادة مشتركة بين السلطة التشريعية الممثلة بمجلس النواب، والسلطة التنفيذية الممثلة بالحكومة بتوجيه من رئيس الجمهورية، ومثل هذه الإرادة غير متوافرة راهناً ولا شيء يؤكد امكانية توافرها مستقبلاً نتيجة التجاذبات السياسية الحادة والانقسامات التي أدت الى تعطيل جلسات مجلس النواب التشريعية، ثم جلسات الحكومة...

وفي تقدير المصادر القانونية ان ما يصدر من مواقف تطالب بـ<طرد> السفير السوري من لبنان يندرج في السياسة، ولا مرتكزات قانونية أو دستورية تجعل امكانية تنفيذه واردة، علماً ان السفير علي يواصل لقاءاته مع بعض المسؤولين اللبنانيين ومنهم رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الخارجية جبران باسيل، في حين باتت زياراته الى السرايا الكبير شبه معدومة!