تفاصيل الخبر

مصوّر الحروب والأزمات و«الحقيقة العارية»، عمّار عبد ربه: في حلب ركّزت على ضحايــا الحــرب لا على الذيــن يقومــون بهــا!

23/10/2015
مصوّر الحروب والأزمات و«الحقيقة العارية»، عمّار عبد ربه: في حلب ركّزت على ضحايــا الحــرب لا على الذيــن يقومــون بهــا!

مصوّر الحروب والأزمات و«الحقيقة العارية»، عمّار عبد ربه: في حلب ركّزت على ضحايــا الحــرب لا على الذيــن يقومــون بهــا!

 

بقلم عبير انطون

AAR_0920150307 يهلّ عمار عبد ربه المصور الصحفي- الفني في كل فترة بمعرض ليس كسواه. يقدم لنا اليوم <الحقيقة العارية> عنواناً لمعرضه الاخير او مشروعه كما يسميه. أحد ابرز المصورين الصحافيين في العالم العربي والذي وُضعت صوره على اغلفة اكثر من ستين مجلة وجريدة بينها <التايم> و<باري - ماتش> و<دير شبيغل> الألمانية و<لوموند> و<الشرق الاوسط>، يحط في لبنان بعد مسيرة طويلة في العاصمة الفرنسية حيث درس العلوم السياسية في معهد الدراسات السياسية. شارك في تغطية العديد من الحروب في العراق ولبنان وليبيا وسوريا، وفي الاخيرة ابصر النور اذ ولد في دمشق عام 1966، وعاد ليصور حلب وما يجري فيها فاستحقت صوره التنويه والاقتناء من كبرى الاسماء الفنية والسياسية في لبنان والمانيا وبريطانيا وغيرها..

ماذا عن معرضه الفني - السياسي- الثقافي - البيروتي؟ اية عاصمة عربية اخرى يمكن ان تتحمل فكرته الجريئة جدا وسط بيئة تغلي وتقطع الرؤوس؟ لماذا النساء واجسادهن العارية ايضاً وأيضاً؟ وما علاقتها بالسياسة والمنظمات المتطرفة؟

- مع عمار كانت الاجوبة من قلب العاصمة حيث يستمر المعرض حتى السابع من الشهر المقبل في غاليري <أيام>. وبدأنا مع عمار:

ــ لماذا الإقامة ولماذا المعرض في بيروت؟

- لأن في بيروت نوعا من الالهام وهامشا من الحرّية يسمح لي بعرض ما ترونه. عندما اتكلم عن الالهام، فلأن هذا المشروع يدور في خلدي منذ اربع سنوات الا ان تنفيذه كان صعبا. مع الصور المعروضة تشرع التساؤلات السياسية، الا ان التساؤل الاكبر الذي وددت طرحه يتمحور حول الرقابة والحيّز الكبير الذي تحتلّه في حياتنا ومجتمعاتنا العربية مهيئة أرضاً خصبة للكوارث التي نعيشها اليوم. فباسم الرقابة نخفي ونغطي الاجساد وندّعي حماية الاخلاق والأطفال في حين نرى اطفالنا يلهون بالعاب <الفيديو> التي تحضّ على القتل والذبح، فتكون النتيجة بأن نصل في النهاية الى مجتمع ينطوي على كبت جنسي هائل، مجتمع عنيف لا يعرف الحب ولا يحبه.

 ويزيد عمار:

 - كثيراً ما أتساءل:  تُرى لو كانت الرقابة مختلفة، لو كانت تسري على أمور أخرى غير الثدي والمؤخرة، ألا كان مجتمعنا مختلفاً؟ الا كان أقل عنفاً واكثر لطفاً؟ ربما.. لا يمكنني ان اجزم بالاجابة وادعو كل من يشاهد معرض <الحقيقة العارية> الى ان يطرح على نفسه هذا التساؤل. الفكرة انطلقت من هنا..  ترون في المعرض مجموعة من النصوص العربية المبتكرة من الخطاط السوري عقيل على أجساد نساء عاريات تحجب المحرمات من خلال مفردات ظهرت في كتاب عربي تعليمي جنسي نُشر في القرن 15 في تونس بعنوان <الوض العاطر في نزهة الخاطر> وقد كُتب من قبل إمام مسلم ساعياً لتثقيف مجتمعه، ومستخدماً العديد من النصوص الدينية.

رقابة.. وانترنت!

ــ هل يمر معرضك على الرقابة اللبنانية؟

 - لست أدري كيف تجري الأمور تقنيا. اعتقد ان وزارة الثقافة لديها اطلاع على ما يجري، ولو كان لديها اعتراض فإنها تشير اليه. شخصياً اعلنت عن المعرض في الصحافة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ولم أخف شيئاً.. كنت اخشى الا يفهمه البعض. الاهم انه من ناحية قضائية، فان ما قد يُعتبر مزعجاً للبعض في تصوير الجسد الانثوي، وما اعتبره شخصيا الاجمل، فانه مغطى.

IntoTheWild_2014ــ أية عاصمة عربية يمكنها أن تستقبل معرضاً كالذي في غاليري <أيام> اليوم؟

- قضائياً ونظرياً في أية عاصمة. لكن هناك روح المعرض وفكرته والسخرية قد لا تتقبلها كل العواصم والمدن العربية، مبدئياً يمكن عرضه في العاصمة الاردنية عَمان أو في الدار البيضاء المغربية.

ــ بعد المعرض اين تذهب بالصور وطبعاً عددها كبير؟

- يتم اقتناء بعضها من قبل رواد المعرض في بيوتهم او مراكزهم، ومنها ما يبقى في مخزن خاص بي. وقد اعرضها يوماً ما أنا او اولادي.

ــ انت مصوّر حربي معروف، ما آخر ما التقطته عدستك في هذا المجال؟

- آخر تجربة تصويرية لي في الحرب كانت منذ عام تقريباً في حلب، واتمنى العودة اليها الا ان سبل الدخول والخروج عبر الحدود التركية أصبح صعباً ..

 ــ ما كانت مشاهداتك في حلب؟

 - تجدونني اركّز دائماً في صوري على ضحايا الحرب أكثر من الذين يقومون بها، أكانوا جنود الجيش الحر او غيرهم من المقاتلين. من يهمني هم المدنيون وكيفية استمرار الحياة اليومية بتفاصيلها المختلفة من اسواق ومدارس ومستشفيات، وكيفية تعاملهم مع الأوضاع الخاصة جداً في منطقة تشهد الحصار والقصف اليومي، وقد دخلها الاجانب والروس مؤخراً. اتمنى ان اذهب مرات أخرى بعد وأوثق ما يجري هناك.

ــ هل وصلت الى مسقط رأسك في الشام وعاينت البيت الذي ولدت فيه وما حل به؟

- لا لم استطع الوصول اليه للاسف، الا انني اعرف ان بيتنا ما زال على حاله والوضع هناك هادئ نوعاً ما.

 

ما بعد باريس!

 

ــ هل تركت باريس نهائياً بعد حياة مهنية طويلة غطيت خلالها ابرز الاحداث والمهرجانات والتقطت الصور لمشاهير العالم ونجومه؟

- تركتها لأسباب مهنية، ولضرورة ان أكون أكثر قرباً من سوريا. المعرض الحالي لم يكن في بالي ومع تنفيذه شعرت بأنه من الجيد ان اكون في لبنان لأجله. فلو نفذته في باريس لكان من الصعوبة بمكان أن أجد الخطاط المناسب للكلمات التي ترونها مكتوبة على الصور. طبعاً لكان تصوير نساء عاريات أكثر سهولة، الا انه للحقيقة اقول، لم يكن الامر معقدًا جدا في بيروت.

ــ كيف وفّقت بصبايا قبلن بتصوير اجسادهن عاريات؟

 - بعضهن عبر صداقات اعرفها، او التقيت بهن صدفة في مقاهٍ او مطاعم وكنت أتكلم امامهن عن المشروع فتحمسن له، مع ضمان السرية المطلقة للاسماء تتسهل الامور. لا يزال مجتمعنا يعامل الفنان الذي يضمّن صوره إيحاءات عارية وكأنه مجرم ويُنبذ، ولو صوّر رجلاً حاملاً للسلاح لا احد يعيبه، اما المرأة مع السلاح فهي <اوريجينال>.

 ــ بوجود <الانترنت> و<اليوتيوب> وغيرها، الى اي مدى بات المصور الصحافي المحترف يشعر بأن دوره يُسلب منه؟

- لقد سُلب في السنوات العشر الاخيرة الكثير من دور المصور الصحافي ومن <معلّميته>.اذكر خلال طفولتنا، كانت محلات وستوديوهات التصوير تنتشر في الشارع، فيلبس الاهل اولادهم اجمل الثياب ويأخذونهم كالنجوم ليتصوروا، وهذا كان يتوالى عاماًً بعد عام. للاسف، لقد انقرضت هذه الصور، وستوديوهات التصوير انتهت. انها سابقة بتاريخ البشرية ان يمشي كل انسان ويحمل كاميرا في يده. لكنه الواقع وأنا اتقبله وأتعامل معه. فأنا كمصور مهني اعتاش من صوري بات ذلك يحتّم علي تميزاً وابداعاً وخلقاً اكثر من ذي قبل، ويجعلني أدخل الى أمكنة يصعب على الآخرين دخولها. كذلك فإن النظرة مهمة، ليست الكاميرا ولا التقنية او وسيلة التصويرالحديثة هي التي تولد الصورة انما النظرة والزاوية والرسالة منها. الموهبة مهمة والتقنيات في تطور مستمر وباتت اسهل. الدراسة لم تعد جوهرية كما في السابق، المهم النظرة والمعنى حيث هناك الكثير من الصور اليوم لا معنى لها.

ــ اذا اردت ان تضع بنوداً لاخلاقيات الصورة ما يكون اولها؟

- كرامة الشخص الذي أصوره. حتى لو صورت حرباً فإنه يمكنني نقل الصورة بطريقة تحترم كرامة الشخص الذي هو بالنهاية اخي حتى ولو كان عدوي. احترم حرمة الموت. اية معلومة اضافية قد تزيدها الي صورة رأس او اطراف مقطعة او اشخاص يتم شيّهم؟ جميعنا يعرف ان اغتصاب طفل هو جريمة مروعة، لكن هل اجد نفسي مضطراً الى نشر صورة فيها طفل يُغتصب حتى اثير التعاطف ضد المجرم؟ للعقل قدرته على الاستنكار وردة فعل من دون ان اريه الصورة بشكل مباشر.

 ــ تدعو اذاً لحجب بعض الصور العنيفة عن وسائل الاعلام..

- لتكن شرعة عالمية في هذا الشأن، مع التنبيه ان معرضي الحالي هو ضد الرقابة فلا يمكنني المطالبة باضافة رقابة جديدة، الا انه من المهم جداً التذكير بهذه الامور من حيث الكرامة والانسانية والفائدة من الصورة، بماذا يمكن ان تفيد صورة رأس مقطوع بغير اثارة الاشمئزاز؟

ــ لكن العقل <الداعشي> يرتكز على بث هذه الصور.

- للاسف، <داعش> يلعب على الخوف والبشاعة التي بداخلنا خاصة حين يتضح ان <فيديوهات> قطع الرؤوس تمت مشاهدتها مئتي مليون مرة عبر <الانترنت>.

ثقافة العين!

ــ تتعامل مع مصورين اجانب ومصورين عرب. ما الفارق بينهم؟

 - الفارق الاساسي يكمن في الثقافة البصرية وهي شبه معدومة في بلادنا. ففي معرض كمثل هذا في اوروبا نجد صفوف المدارس والتلامذة يتحلقون في الارض ويسألون معلمتهم بحسب نظرتهم وعمرهم وفهمهم لما يرونه. هو تكوين للعين يعلّمها كيف تقرأ امراً او تتنبّه منه أو تحذره، ففي الصور افخاخ ومآزق يجب تجنبها. الثقافة البصرية تنمو عند المصور الغربي من قبل ان يكون مصوراً حتى، وتمدّه بعدد من المرجعيات والصور التي لها علاقة بالتاريخ والجمال والموضة واللباس الخ. في عالمنا العربي مصورون يملكون العبقرية والمهنية والموهبة العالية جداً الا انهم يمارسونها في محيط لا يقدّر ذلك أبداً. عندنا< لصق ولزق> ولا من ينتبه! يتكلمون عن بناء جسر ويضعون صورة لجسر آخر في بلد آخر. المصور العربي يشعر بالغبن واليأس ممن يختار الصورة السيئة. كذلك هناك نظرة المجتمع للصورة. لقد باتت لي مسيرة ربع قرن في التصوير الصحفي في مجلات عربية وغربية فضلاً عن المعارض ويسألني الناس:  ما هي مهنتك الحقيقية؟ كيف تعيش وتعيل اولادك؟ وكأن التصوير هواية او تسلية! هذه النظرة لمهنة التصوير غريبة جداً واتمنى أن اساهم SAM_8274بتغييرها لكن الامر يبدو صعباً جداً.

 ــ من هي ابرز الاسماء في عالم التصوير الفوتوغرافي اليوم؟

في التصوير الفني تعجبني نظرة وعمل المصور المصري يوسف نبيل الذي اقتحم معارض عالمية ودخل صالة <كريستيز> وأهم دور المبيع والمزاد العلني في العالم. هو ايضاً ينتبه الى انعدام الثقافة الجنسية لدينا ويعبّر عنها في صوره. أمّا في مجال التصوير الصحفي، فإن بلادنا تكوّن مصوّرين صحافيين بحسب الحروب. اهم مصوري الحروب هم في فلسطين، لبنان، العراق، وسوريا والجزائر. عالمياً انا معجب بـ<ستيف مكّاري> و<اوليفييه جوبار> الذي يعمل منذ 15 عاماًَ على قضية النازحين والمهاجرين غير الشرعيين عبر البحار، القضية التي انفجرت عالميا مع صورة الطفل ايلان الكردي والتي التقطتها المصورة <نيلوفير دمير> على شاطئ مدينة بودروم، ويقولون ان التلفزيون قضى على الاخضر واليابس! غير صحيح فهذه الصورة للطفل كانت صورة فوتوغرافية.

 ــ هل من صورة حسدت صاحبها على التقاطها وقلت في نفسك ليتني من أخذها؟

 - أكثر من واحدة. هناك صور التقطتها في حلب عن الحماية من القناصين وانشهرت ونُشرت، الا ان زميلاً التقط في حلب صورة لثلاثة باصات مركونة بالطول بشكل غريب جدا كدرع حماية من القناصين.. ادهشتني الصورة واهنئ المصور.

ــ لمن بيعت صورك - لوحاتك؟ من يقتنيها؟

 - توجد أعمالي في العديد من المقتنيات الشخصية والعمومية، منها ما هو في مؤسسة برجيل للفنون في الشارقة، واخرى اقتناها الشيخ سلطان القاسمي في الامارات، وهناك صورة داخل قلعة حلب في فترة الحرب عرضتها في برلين واقتناها قائد الاوركسترا العالمي <دانييل بارنبويم>، وكان صاحب دور كبير في تقريب الفلسطينيين والاسرائيليين عبر الموسيقى في اوركسترا جمع فيها فنانين من جنسيات مختلفة، واكتشفت منذ فترة ان هناك صورة من حلب في المختارة داخل مكتبة النائب وليد جنبلاط. دائما ما اصور الحرب من مسافة معينة فيظهر في صوري الخوف او السخرية وغيرها. البعض يمتلك الصور ويقتنيها على <الفايسبوك> و<تويتر> وانا أفرح لاعترافهم وتقديرهم لنظرتي هذه.

ــ ماذا عن الاسعار؟

 تختلف بحسب عدد الاصدار بدءا من الـ5 آلاف دولار.

 ــ ما قصة <ديزمالاند> ولماذا تفتخر بالمشاركة فيها؟

 - حظيت بشرف المشاركة في معرض <ديزمالاند> الغريب من نوعه في بريطانيا وهو مدينة ملاهي ساخرة من مدينة <ديزنيلاند>. الفكرة تعود للفنان <بانكسي> وهو رسام إنكليزي غير معروف ويرسم <الغرافيتي> على الجدران، أطلق الفكرة ودعا اليها 55 فناناً من حول العالم يعرضون صوراً واحداثاً ومآسٍ تشكل نقيضا لفكرة <ديزنيلاند> التي تصور العالم رائعاً وكأنه حلم من الخيال، وقد اخترت لهذا المعرض صوراً من حلب حتى يشهد العالم كله على معاناتها وما يجري فيها.