تفاصيل الخبر

مسؤولة المجموعات في متحف سرسق ياسمين شمالي: الصور الفوتوغرافية القديمة عن لبنان وسوريا ومصر وتركيا وفلسطين تؤرخ لمرحلة مهمة في الشرق!

05/04/2019
مسؤولة المجموعات في متحف سرسق ياسمين شمالي: الصور الفوتوغرافية القديمة عن لبنان وسوريا ومصر وتركيا وفلسطين تؤرخ لمرحلة مهمة في الشرق!

مسؤولة المجموعات في متحف سرسق ياسمين شمالي: الصور الفوتوغرافية القديمة عن لبنان وسوريا ومصر وتركيا وفلسطين تؤرخ لمرحلة مهمة في الشرق!

 

بقلم وردية بطرس

داخل <متحف سرسق> مجموعة من الصور توثق تاريخ الشرق، انها مجموعة فؤاد دباس الفوتوغرافية المؤلفة من 30 ألف صورة وبطاقة بريدية تحتوي على صور منذ بداية عهد التصوير الفوتوغرافي في الشرق، وهذا يعني اننا امام وثائق أقدمها يعود الى العام 1860 وصولاً الى العام 1960 يعني نحو مئة عام من التاريخ عبر الصورة وتفتح المجموعة نافذة على ماضي المنطقة وتحفظها بصرياً... كان المهندس الكهربائي فؤاد دباس المتحدر من عائلة عريقة من منطقة الأشرفية في بيروت والذي أضحى من أهم جامعي الصور المعروفين يتساءل دوماً عن صورة لبنان الماضي الغائبة تماماً من الذاكرة، وعمن يعرف كيف كان لبنان وكيف كانت بيروت قبل مئة عام؟ هذا السؤال رافقه سنوات، وفي أحد الأيام من العام 1978 بينما كان يتنزه في باريس على أرصفة نهر السين، وجد لدى أحد الأكشاك الشهيرة بطاقات بريدية قديمة لمدينة أثينا والقاهرة واسطنبول، واكتشف لدى البائع 50 بطاقة بريدية عن لبنان يعود تاريخها الى القرن التاسع عشر فابتاعها بسعر زهيد. ومنذ تلك اللحظة شعر أنه أمسك بطرف الخيط الذي سيقوده الى استعادة ذاكرته الضائعة، وأحسّ ان لبيروت معنى وجذوراً وماضياً، وراح يجمع البطاقات البريدية والصور الفوتوغرافية التي التقطها مصورون رحالة أوروبيون ولبنانيون لمدن كثيرة منها الشام، وصيدا، وصور، وطرابلس وغيرها. وكان لبيروت موقعها الخاص في قلبه، لاسيما انها مدينته ومسقط رأسه، فجمع لها صوراً كثيرة تعود الى القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بين 1814 و1918 بينها صور تتميز بأهمية فنية واضحة وأخرى ذات أهمية وثائقية.

وتشمل مجموعة فؤاد دباس أكثر من 30 ألف صورة من منطقة الشرق الأوسط تحديداً من لبنان، سوريا، فلسطين، مصر، وتركيا وتعود الى الحقبة الممتدة بين 1860 وستينات القرن العشرين، ولقد تكوّنت المجموعة على مدى عقدين من الزمن حفظاً للتراث الثقافي كوجود بصري توثيقي له أهميته بالنسبة للشرق عامة وللفن الفوتوغرافي في الشرق بخاصة، وهو يشكل قيمة ثقافية فنية تؤرخ لمرحلة مهمة في الشرق مع التركيز على الانطلاقة الفنية مثل الغناء والمسرح. هي مجموعة من الصور يتجلى فيها عبق الشرق وجمالية الزمن المتجمد في صور نستمد منها تاريخاً عريقاً يطرحها فؤاد دباس بجمالية تكشف عن خصائص الزمن في حقبة مهمة من تاريخ الشرق وتراثه وحضارته.

<الأفكار> قامت بجولة مع مسؤولة المجموعات في <متحف سرسق> ياسمين شمالي داخل الصالة التي تُعرض فيها مجموعة فؤاد دباس وأطلعتنا بالتفاصيل عن هذه المجموعة وفي ذلك تقول:

- أدير مجموعة فؤاد دباس في <متحف سرسق> على مدى السنوات الماضية، فهذه المجموعة جمعها رجل واحد يدعى فؤاد دباس الذي لم يكن مصوراً ولكنه كان يجمع الصور، اذ جمع 30 ألف صورة وذلك على مدى 26 سنة، وتلك الصور تعود الى بداية القرن التاسع عشر، وهي صور عن مصر، لبنان، فلسطين، سوريا، تركيا، مالطا... وكانت هذه البلدان نموذجية جداً للرسم في أوروبا الذي بدأ في القرنين 17 و18 اذ كان الرسامون الأوروبيون يزورون المنطقة ويصورّون اهرامات مصر والمعابد الرومانية وغيرها ... وبالتالي مجموعة فؤاد دباس هي عبارة عن صور تعود الى القرن التاسع عشر حيث بداية التصوير الفوتوغرافي اي منذ منتصف القرن التاسع عشر الى منتصف القرن العشرين، اذ كان فؤاد دباس مهتماً بتلك الصور... وأعتقد ان فؤاد دباس بدأ بجمع هذه المجموعة بحزن وحنين. لم أقابل فؤاد دباس اذ كان قد توفي في العام 2001 فيما أنني وصلت الى لبنان في العام 2011 لأهتم بهذه المجموعة حيث بدأت تنظيم المجموعة وفهرستها وأيضاً رقمنتها.

وعن التحضير لعرض مجموعة فؤاد دباس في المتحف تشرح:

- عندما افتتحنا <متحف سرسق> في العام 2015 طلبت مني مديرة <متحف سرسق> السيدة زينة عريضة ان اتولى ادارة المجموعة في المتحف والعمل على المجموعة كلها والتي هي عبارة عن الفن الحديث والفن المعاصر، وبالتالي ما ترينه في الطابق الثاني في المتحف هو المجموعة الدائمة للمتحف. بدأنا العمل في المتحف سوياً، لأن زينة عريضة كانت مديرة <المؤسسة العربية للصورة> لمدة 17 سنة اذ كانت مهتمة جداً بالتصوير، وهي تهتم بالتصوير والأرشيف، لذلك قررنا معاً احضار هذه المجموعة لتصبح جزءاً من المتحف. لذلك عندما افتتحنا المتحف امام الجمهور في العام 2015 وذلك بعد اغلاقه لمدة سبع سنوات من أجل تجديده، عقدنا ندوة مع مختلف الجهات الفاعلة في المشهد الثقافي لمحاولة فهـــــم مــــا يمكن ان يضيفه المتحف في القرن الواحد والعشرين خصوصاً في لبـــنان، ولقد دعونا <فرانسوا شوفال> والذي كان آنذاك مدير اهم متاحف التصوير في فرنسا <Nicephore Niepce in Chalon- Sur-Saone> وهو متحف مخصص للتصوير الفوتوغرافي، على اعتبار أن لديه الكثير من الخبرة في التصوير الفوتوغرافي وتاريخ التصوير.

وعن اهتمام المصورين الأوروبيين بالتقاط صور لمعالم أثرية وغيرها في الشرق تقول:

- لقد قمنا بدعوة <فرانسوا شوفال> لإنشاء هذا المعرض اذ امضى ثلاث سنوات للقيام بهذا العرض، وكان علينا العثور على زاوية أخرى لعرض هذه المجموعة وأكثر من زاوية لأن مجموعة فؤاد دباس هي شرقية وجُمعت بطريقة تصويرية شرقية، تلك الصور التي قام بالتقاطها المصورون الذين كانوا يأتون في ذلك الوقت الى الشرق ومنهم الفرنسيون والانكليز والألمان والأوروبيون بشكل عام اذ كانوا يقصدون الشرق الأوسط لتوثيق المنطقة من حيث تصوير المناظر الطبيعية والمدن والجسور والطرقات وغيرها.

وأضافت:

- وكان المصورون في القرن التاسع عشر يزورون الشرق الأوسط لتصوير الروائع في الشرق مثل الاهرامات والمعابد الرومانية والاغريقية، ولكن أيضاً كانت لديهم مهمة تتعلق بالكتاب المقدس والعهد القديم والنصوص القديمة، ولهذا أيضاً لدينا

الكثير من الصور عن القدس. وكانت أهمية التصوير الفوتوغرافي في القرن التاسع عشر تكمن في اظهار حداثة الامبراطورية من خلال الصور التي تظهر أيضاً محطات السكك الحديدية وما شابه... لذلك عندما ندرك هذه المجموعة وهذه الصور المذهلة للقرن التاسع عشر نرى انها كانت قد التقطت لغرض معين، اذ كان من المفترض ان تكون تجارية لذا فقد تم ارسال تلك الصور وتم شراؤها اذ انها كانت تمثل الشرق، وليس هذا فحسب اذ كانت تمثل الشرق لبعض النخب الفكرية التي ارادت ان ترى هذا الشرق، وأيضاً بالنسبة للمسافرين الى الشرق الأوسط لكي يأتوا ويأخذوا معهم هذه الصور كتذكار.

واستطردت قائلة:

- منذ عام ونصف العام بدأنا النظر الى هذه الصور بشكل مختلف تماماً، اذ بدأنا نهتم باستراتيجيات تلك الصور وهي في الحقيقة مثيرة للاهتمام، اذ أعتقد انها موازية للأدب والبحث في التصوير الفوتوغرافي، لذا بدأنا التفكير بأن التصوير

الفوتوغرافي كان موروثاً أكثر من الفنون البصرية والمسرح والرسم.

وتابعت:

- منذ البداية عندما اخترنا الاطار، اطار الصورة لمنظر طبيعي فاننا نلعب دور المخرج بشكل فعلي، اذاً من يقوم بذلك يكون المخرج لهذه الصورة، وبالتالي هو يصنع هذا العرض بالتوازي بين التصوير والمسرح. وفي القرن الثامن عشر كان المسرح مذهلاً، وكذلك كان التصوير الفوتوغرافي، وبالتوازي كان هناك تطور في المسرح، وبالتالي هذان الأمران يتماشيان في الواقع بشكل متواز للغاية، ومن المثير للاهتمام حقاً القيام بهذا التواصل.

وأضافت:

- وهذه هي الزاوية التي اخترناها للحديث عن التصوير الفوتوغرافي، وأحد الأبعاد التي اعتقد انها جديدة تماماً هي ان نأخذ مجموعة فؤاد دباس كنوع من بنك البيانات، لذلك من هنا يمكننا اختيار الصور التي ستجيب عن أسئلتنا، وبالتوازي مع مجموعة فؤاد دباس نضع التصوير المعاصر والفن المعاصر، لذا فان هذا العرض لا يقتصر فقط على تصوير المشرق في القرن التاسع عشر بل هو أكثر من ذلك هو عرض التصوير الفوتوغرافي

كوسيلة اعلامية.

 

اهتمام فؤاد دباس بصور عن الشرق!

ــ على ماذا كان فؤاد دباس يركز في تلك الصور؟

- كان فؤاد دباس يجمع الصور، وبالتالي كان يجمع كل شيء عن المدن ودول المنطقة، ولقد بدأ بجمع البطاقات البريدية في البداية اذ كان يعيش ما بين باريس ولبنان، وكان هذا منطقياً ان يجمع البطاقات عن بيروت ولبنان. ان المادة الأصلية للتصوير الفوتوغرافي التي يسهل استخدامها في عمل البطاقات البريدية هي ما نسميها الطباعة، والطباعة الفوتوغرافية، لذلك حاول فؤاد دباس العثور على المادة الأصلية التي استخدمت في عمل البطاقات البريدية. لم تكن البطاقات البريدية مطلوبة في عالم الفن، اذ انها لم تكن تعتبر فناً، ولهذا السبب كنا نعرض البطاقات البريدية لاظهار اهمية البطاقات البريدية فعلياً، فهذه البطاقات البريدية تظهر الرؤية التي كانت حتى العام 1940، لذلك لم يكتب عن الحرب العالمية الثانية حتى الآن على

البطاقات البريدية التي تم نشرها عن الشرق الأوسط والتي تم اصلاحها في وقت معين.

وأضافت:

- ولم يكن فؤاد دباس مهتماً بتقنية التصوير الفوتوغرافي، ولم يكن مهتماً بجسامة الصور على هذا النحو، لكنه كان مهتماً بالموضوع، وكان مهتماً بالشارع واياً كان يمثله، وبالتالي كنا نحاول ان نفهم اين يقع استوديو التصوير، هل هو في بيروت ام في القدس؟ والمصورون في ذلك الوقت كانوا يسافرون للقيام بجولة لاجراء وثائقي ويحتفظون بالصور كلها عند عودتهم الى بلدانهم، او اذا كان لديهم استوديو تصوير محترف مثل <بونفيس> في بيروت وبالتالي ما سيفعله هو السفر الى مصر لتصوير الآثارات المصرية او الزي المصري وما شابه... او ان يسافر الى فلسطين ويصور المتاجر هناك او بلدان أخرى لتصوير المدن، وبالتالي لا يوجد اي مصور قام بالتصوير في بيروت فقط بل هؤلاء المصورون كان يصورون الشرق الأوسط، ولهذا السبب لم تكن مجموعة فؤاد دباس مركزة فقط على مدينة او بلد واحد. ومعرض فؤاد دباس سيستمر لمدة ثلاثة أشهر من ثم سنعيد المجموعة الى مكانها الأساسي في مرسيليا في فرنسا.

ــ وهل تلمسون اهتماماً لدى اللبنانيين لزيارة المتحف بشكل عام؟

- كما تعلمين لقد فتح المتحف ابوابه في العام 2015 اذ كان قد أغلق للتجديد، وبالتالي لا يمكن مقارنة اقبال الناس على المتحف خلال السنوات الأربع الأخيرة مع السنوات الماضية قبل اغلاق المتحف، ولكن طبعاً <متحف سرسق> هو جزء من المشهد الثقافي اللبناني، خاصة بعد أن غيرنا الاتجاه، وقمنا بتوسعة المساحة اذ الآن لدينا مساحة أكبر، ولدينا عروض مختلفة تُقدّم للزوار، وهذا أمر نحتاجه لأننا لا نستطيع ان نحب المتحف بهوية واحدة محددة، والآن يتردد على المتحف تلاميذ المدارس للاطلاع على المجموعة المعروضة في المتحف وأيضاً مجموعات مختلفة، لذا اعتقد ان المتحف لا يواجه مشكلة من حيث اهتمام الناس بزيارته، اذ ان الحركة مستقرة وجيدة وتأتي على خلفية البرامج العامة التي نقوم بها في المتحف والعروض التي نقدمها في قاعة المسرح او خلال اطلاق كتاب ما بالاضافة الى اقامة ورش العمل للطلاب وغيرهم، اذ هذا هو ما يجب على المتحف القيام به حيث ينبغي ان يتوجّه الى الناس لجذب انتباههم واهتمامهم، و<متحف سرسق> يفتح ابوابه للجميع وبدون اي رسم دخول لأن الهدف هو احياء الحركة الثقافية في البلد ليلعب دوره الاساسي في مجال الثقافة والفنون.