تفاصيل الخبر

مــشــــــــروع تــشــريــــــع زراعــــــــة الــحـشـيـشـــــــــة بــيـــــــن الــحــســنــــــــــات والــسـيــئــــــــــــات!

03/08/2018
مــشــــــــروع تــشــريــــــع زراعــــــــة الــحـشـيـشـــــــــة  بــيـــــــن الــحــســنــــــــــات والــسـيــئــــــــــــات!

مــشــــــــروع تــشــريــــــع زراعــــــــة الــحـشـيـشـــــــــة بــيـــــــن الــحــســنــــــــــات والــسـيــئــــــــــــات!

بقلم طوني بشارة

بعيداً من ملف تشكيل الحكومة، وفي ظل العمل على تطبيق الخطة الأمنية في المناطق اللبنانية كافة، وفيما تصاعدت الاتهامات التي طالت بعض القوى السياسية والمسؤولين لجهة عدم الالتفات إلى الظروف المعيشية والاقتصادية التي يعاني منها معظم المواطنين في  لبنان، أبلغ الرئيس بري سفيرة الولايات المتحدة الاميركية <اليزابيث ريتشارد> أن المجلس النيابي في صدد التحضير لدرس وإقرار التشريعات اللازمة لتشريع زراعة الحشيشة وتصنيعها للاستعمالات الطبية على غرار العديد من الدول الاوروبية وبعض الولايات الاميركية، مما يعني ان تشريع زراعة الحشيشة سيكون من ضمن الملفات التي ستوضع على طاولة الحكومة الجديدة فور تشكيلها، وهناك نية بإنشاء مؤسسة شبيهة بـ<الريجي> تهدف إلى حصر زراعة الحشيش في لبنان بالشأن الطبي وتكون مرجعية واحدة لهذا الموضوع، لكن تأسيس هذه المؤسسة ما يزال قيد الدرس وينتظر تشكيل الحكومة من أجل خلق الإطار الصالح لها.

 

بداية القصة!

تصريح الرئيس بري طرح العديد من الأسئلة، أهمها: هل هناك جدوى إقتصادية لقرار من هذا النوع؟ وكيف يمكن أن يفيد ذلك في دعم الإقتصاد الوطني عموماً والقطاع الزراعي خصوصا؟ ولماذا لم يتم إتخاذ هذا القرار في السنوات الماضية؟ وهل هناك من علاقة بين الأزمة المالية الحالية وبين قرار التوجه نحو تشريع زراعة الحشيشة؟ لاسيما ان هذا الامر يشكل جزءاً من الخطة التي اقترحتها شركة <ماكينزي> اي الشركة الاميركية للاستشارات الاقتصادية عالميا، والمكلّفة بوضع خطة للنهوض بالاقتصاد اللبناني بمبلغ مليون و300 الف دولار اميركي. وهل ان تشريع زراعة الحشيشة سيكون جزءاً من حل أزمة انهيار الاقتصاد اللبناني؟ علما ان هذه الخطة لاقت ترحيبا لدى الرأي العام اللبناني وبعض مسؤولي السلطة، فقد اكد وزير الزراعة غازي زعيتر ان الجو السياسي العام منفتح على تشريع الحشيشة والعالم انفتح حول الموضوع، ولفت الى أنه اذا دُرس وتمت مناقشة موضوع الحشيشة فيمكن ان يتم تشريع الحشيشة خلال اسابيع او اشهر، وإن المتتبع للقضية يرى ان انطلاق الحملة تزامن مع آراء روّجت لتشريع الحشيشة لدورها في المساعدة على نموّ الاقتصاد، وقد استشهدت هذه الآراء بتشريع ولايّتين أميركيّتين كولورادو وواشنطن استخدام الحشيشة، ليس فقط من أجل أغراض طبية بل للتسلية كالدخان العادي، ولو كان في الأمر ضرر لكان المدّعي العام الأميركي نقض القرارين، وذكّر الوزير من يعنيهم الأمر بأن مردود زراعة الحشيشة كان يوازي مليارَي دولار في حقبة الوصاية السورية (أي قبل عام 2005)، معتبراً أن خطوة التشريع ستكون أكثر إفادة الآن منها في المستقبل حيث هناك اتجاه لتشريع هذه الزراعة في عدد من البلدان.

وبلغة الأرقام، واستناداً إلى بيانات متوافرة في تقارير صحفية حول تجارة الحشيشة في لبنان، تجدر الإشارة إلى أن مردود الدونم الواحد للحشيشة يبلغ نحو 10 آلاف دولار أميركي، والى أن المدخول السنوي للمزارعين المحليّين من هذه الزراعة يتراوح بين 30 و80 مليون دولار، حسب المنطقة المزروعة وسعر السوق، ما يجعل القيمة الإجمالية لهذه الزراعة بين 120 و800 مليون دولار في السنة، أي ما يقارب نسبة

0.3 بالمئة إلى 1.8 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي.

والجدير ذكره أن الحشيشة اللبنانية معروفة بنوعيتها الجيّدة، وكانت خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1990) مزدهرة جداً، وبعدها، قامت الدولة وبضغط من واشنطن، بحملات للقضاء على زراعتها، ووعدت بزراعات بديلة، الأمر الذي لم يتحقق، ومنذ ذلك الحين، تتكرّر المواجهات كل عام بين السلطات والمزارعين الذين يطالبون بتشريع زراعتها.

ولكن في ظل هذه الإفادة وهذا التصريح يتساءل البعض عن الوضع المستقبلي في حال شرِّعت زراعة الحشيشة في لبنان لتصبّ في خانة تمويل سلسلة الرتب والرواتب، وفق رؤيتهم، علماً أنه مضى نحو 94 عاماً على زراعة حشيشة الكيف في لبنان، أي منذ عام 1920، وهي لا تزال تُزرع وتُباع وتُصدّر في غياب القوانين المشرّعة، فيما تصل عقوبة الاتجار فيها إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.

لذا كان لا بد من التساؤل عن رأي الاقتصاديين في هذا المجال؟ وهل فعلاً شركة <ماكينزي> محقة في طرح هذا الخيار كحل لازمة الاقتصاد اللبناني اولاً وللبقاعيين ثانياً؟ وما هو موقف رئيس جمعية المزارعين انطوان الحويك من تشريع هذه الزراعة؟

 

الحويك والتخوف!

رئيس جمعية المزارعين انطوان الحويك لفت الى ان موضوع تشريع زراعة الحشيشة ليس موضوعا تقنيا بقدر ما هو سياسي ومرتبط بقدرة الدولة اللبنانية على بسط سيادتها على كامل اراضيها من دون استثناء من اجل شراء المحاصيل اذ قال الحويك:

- إذا أعطت الدولة رخصة لأحد المزراعين لزراعة 50 دونما من الحشيشة وقام هو بزراعة 100 دونم فهل ستكون الدولة قادرة على اتلاف الـ50 دونماً الباقية؟ وهنا نتخوف من ان يعطي المزارع للدولة الكمية المرخصة له فيما يعطي التجار الكمية المتبقية.

وتابع الحويك قائلا:

- لذا برأينا ان تشريع زراعة الحشيشة يحتاج اولا الى ان تكون الدولة قادرة على تطبيق القانون وبسط سلطتها على كامل اراضيها، وإلا فلتحصر التراخيص بالمناطق القابلة لتطبيق القانون، وأكبر مثال على ذلك ما حصل مع فرع الزراعات المتسعة في مصلحة البحوث العلمية الزراعية في تل عمارة عام 2011 بحيث جرت تجربة محدودة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الانمائي، من أجل دراسة مدى ملاءمة تأقلم القنب الصناعي للطبيعة اللبنانية وامكانية زراعته كبديل من القنب الهندي.

واستطرد الحويك قائلاً:

- علماً ان القنب الصناعي هي النبتة نفسها التي تستخرج منها الحشيشة ولكن بمحتوى أقل من مادة <التتراهيدرو كانبينول> المخدرة بحيث لا تتجاوز نسبتها في القنب الصناعي 1 بالمئة، لكن خلال فترة التجارب تعرض فريق المشروع لعمليات تهويل من مزارعي الحشيشة، الذين اعترضوا عملية حصاد القنب الصناعي واستولوا على المحصول بقوة السلاح، ظناً منهم أنه من نوع «البضاعة» التي يتاجرون بها، ولما اكتشفوا أنها لا تحتوي على كمية المخدر المطلوبة، حاولوا اعادتها لكن فريق العمل فضل التخلي عنها وعن الدراسة، لذا كيف ستتصرف الدولة اليوم اذا تكررت هذه الحادثة في ظل تشريع الحشيشة؟ لذا برأينا ان كل تنظيم او تشريع لا معنى له اذا لم تكن هناك قدرة للدولة على تطبيق القانون.

 

التبغ مقارنة مع الحشيشة!

 

وأوضح الحويك ردا عن سؤال اذا كانت نبتة الحشيشة التي ستزرع لأغراض طبية تختلف عن تلك المزروعة حاليا مما يعني اننا لسنا اليوم امام تشريع زراعة الحشيشة انما هي زراعة بديلة طبية تُعرف بزراعة القنب الهندي الطبي، وعن مقارنة زراعة الحشيشة بزراعة التبغ، اوضح الحويك: عندما تعطي الدولة رخصا لزراعة التبغ، تعمد الى شراء التبغ بسعر اغلى من مبيعه في السوق العالمي لأنه مدعوم، لذا المزارع مُلزم بأن يبيع الدولة كي يربح اكثر، والأمر نفسه ينطبق على القمح لأنه مدعوم، مع العلم انه في حال وصل سعر القمح المباع في السوق الى اعلى من السعر الذي تشتريه الدولة يلجأ المزارع الى بيعه في السوق، اما بالنسبة الى الحشيشة، فاذا قررت الدولة ان تشتريها بأقل من سعر السوق فإنها ستباع للتجار في السوق السوداء.

وعن نبتة الحشيشة، قال الحويك:

- انها تنمو في انواع عدة من الاراضي الزراعية وليس كبعض انواع الفاكهة والخضار التي تنمو في مناخ معين وتحتاج الى عناية خاصة، ولا شك ان غالبية اراضي لبنان ولاسيما السهول منها مناسبة لزراعة الحشيشة، وتتميز الحشيشة انها نبتة برية تنمو بعدة انواع من الأتربة وتحتاج الى نسبة قليلة من المياه ولا تتطلب اهتماما، وسعر البذور زهيد ويمكن ان يستخرجه المزارع بنفسه من النبتة لذا كلفتها ضئيلة وتقدر بنحو 80 دولارا للدونم، ويبلغ انتاج الدونم المروي من الحشيشة الخضراء (خضير) حوالى القنطارين، ويبلغ سعر القنطار من 150 الى 500 دولار حسب العرض والطلب وسهولة التهريب والتصنيع وتلف الانتاج من قبل القوى الأمنية.

وأضاف الحويك:

- تباع الهقة ( 1200 غرام) من الحشيشة المصنعة الزهرة بـ200 دولار وكان يصل سعرها في بعض الاحيان الى 500 دولار، كما مرت مواسم بيع فيها الدونم الاخضر (خضير) بين 500 والف دولار.

ولكن ما هو موقف الاقتصاديين من هذا التشريع؟

في هذا السياق، يرى الخبير الإقتصادي والمالي الدكتور إيلي يشوعي أن التوجه نحو تشريع زراعة الحشيشة لأغراض طبية وتنظيمها بطريقة سليمة وضمن إطار رقابي حقيقي، هو امر لا بأس به، ولكن إذا كانت الأزمة المالية الحالية ما دفع السلطة للتفكير بهذه الخطوة، فهذا أمر مرفوض تماماً، والتفكير على هذا النحو هو تفكير خاطىء بلا شك.

وأضاف يشوعي:

- إذا كانت الدولة تسعى لحل الأزمة المالية الحالية من خلال تشريع زراعة الحشيشة، فهذا امر لا فائدة منه، لأن حل الأزمة المالية وسد العجز المالي لا يتم بهذه الطريقة، بل يتم من خلال خطوات عديدة، على رأسها إنسحاب الدولة من تمويل وإدارة الخدمات العامة في لبنان - وليس من الملكيّة - ودعوة القطاع الخاص إلى تمويل وعصرنة وتحديث كل هذه الخدمات، وإدارتها لحساب الدولة، مع إحتفاظ الدولة بملكيتها ومراقبتها وحصرية وضع التعرفات... هذه هي الطريقة المثلى والفضلى لكي نبدأ بالسيطرة فعليا على العجز المالي في الدولة.

ولفت الدكتور يشوعي الى أن موضوع تشريع زراعة نبتة الحشيشة يجب أن يتم بالطريقة ذاتها التي يتم فيها تنظيم زراعة التبغ حيث على الدولة تحديد انواع النبتة المسموح زراعتها، خاصة ان هناك عدة انواع من هذه النبتة، كما عليها تحديد الكميات المسموح زراعتها، وشراء المحصول من المزارعين ومن ثم تصنيعه بطريقة طبيّة وشرعية، وبيعه للمستشفيات أو تصديره إلى الخارج... وأي توجه بخلاف هذه الطريقة سيؤدي إلى فلتان الأمور وإلى تجاوزات كبيرة قد تعرّضنا إلى عقوبات دولية.

وعمّا إذا كان لتنظيم هذه الزراعة مردود مادي كبير لخزينة الدولة، قال يشوعي:

- إن مردود تنظيم هذه الزراعة قد يكون أفضل من المردود الذي نحصل عليه من زراعة التبغ، إلا ان عملية تشريع هذه الزراعة يجب ان تتم بطريقة مدروسة كما ذكرنا سابقاً.