تفاصيل الخبر

مشروع «سوليدير » ممتاز لكنه ارتكب خطأ بطمس معالم بيروت وإرثها الحضاري!

16/07/2015
مشروع «سوليدير » ممتاز لكنه ارتكب خطأ  بطمس معالم بيروت وإرثها الحضاري!

مشروع «سوليدير » ممتاز لكنه ارتكب خطأ بطمس معالم بيروت وإرثها الحضاري!

 

SAM_5080لبيروت العاصمة وعروس المتوسط تاريخها والذاكرة اللبنانية يجب أن تبقى حية  في استحضار معالم بيروت وتراثها وحضارتها بحيث لا يتم طمسها ونسيانها في غياهب الزمن، وهذا واجب وطني تجاه أجيال المستقبل. وهناك برنامج في إذاعة <الشرق> يعده مدير عام دار الأيتام الإسلامية السابق محمد بركات بعنوان <أسواق بيروت> يسلط الضوء على تاريخ هذه المدينة الضاربة جذورها في عمق الزمن.

<الأفكار> استضافت في مكاتبها المؤرخ والراوي لأحداث بيروت ولما كانت عليه في الزمن الغابر، خاصة قبل سنوات الحرب العجاف وحاورته على هذا الخط كشاهد، لاسيما وانه عاصر تلك المراحل الزاهية من حضارة بيروت والنبض الدائم بالحياة فيها.

سألناه بداية:

ــ تطل من إذاعة <الشرق> وأنت تحمل همّ بيروت وتضيء على ماضيها، وتحدثت عن زاوية الإمام الأوزاعي كقيمة أثرية كبيرة. فهل الجيل الجديد يعي الماضي الجميل لبيروت؟

- من المفترض ان تحمل الذاكرة ماضي بيروت من جيلٍ الى جيل بدءاً من حضارتها وتاريخها ودور السينما فيها ومطاعمها ومستشفياتها وأسواقها والباعة المتجولين فيها، وما حصل ان الجيل الجديد الذي دخل الى عالم <الانترنت> والكمبيوتر من المفروض أن يسمع من جيلنا ما يذكر أمامه ليحفظه، ولكن للأسف حصل شيء فظيع وعن قصد وسابق تصور وتصميم، وهو محو الذاكرة. وأنا ضربت مثلاً عن زاوية الإمام الأوزاعي التي شغلت الناس لأكثر من ألف سنة، وكانت مقاماً للعلم وللعلماء، وكان الرحال يشد الى الأوزاعي كما كان يشد الرحال الى حواضر العلم في العالم العربي مثل القيروان والفسطاط والمدينة والبصرة.

 

<سوليدير> وزاوية الأوزاعي

ــ ما سرّ ذلك؟

- لأن الإمام الأوزاعي مدفون فيها، ولكن عندما أتت شركة <سوليدير> لإعادة إحياء وسط المدينة، أعيد بناء الوسط وهو مشروع نال إعجاب العالم كله، وأنا كمواطن وجدت ان ما تحقق يعتبر إنجازاً بالرغم من الظلم الذي لحق بالمالكين، إنما ضاقت عين <سوليدير> وضاقت عين المسؤولين فيها والذين أقفلوا الأفواه عن ان يثار موضوع زاوية الأوزاعي خاصة وان <سوليدير> أصبحت فوق الحساب، وإذا ما تناولها أحد كأنه ارتكب إثماً كبيراً حتى لو تكلم بالحق، ولذلك تم القضاء على زاوية الأوزاعي، حتى ان قبة <ابن عراق >في الوسط ما كان يمكن ان يهتم بها أحد لو استطاع المعنيون ذلك، علماً ان <قبة ابن عراق> متأخرة وزاوية الأوزاعي جامعة ومهمة بالنسبة للناس. ولذلك كان يجب على الأقل أن يحفظوا لهذه الزاوية تاريخها  وأن تكون ركناً من أركان العلم والفقه، حتى من أجل السياحة، وبدل الاهتمام بالثقافة والإرث التاريخي عمدت <سوليدير> الى فتح 10 مطاعم وصرفت عليها 50 و60 مليون دولار وأقفلتها فيما بعد لأنها لم تربح ولا أحد يحاسب، حتى من قبل أعضاء مجلس الإدارة.

وأضاف:

- وهناك شيء أخطر من ذلك وهو انه بدل ان يكون مشروع <سوليدير> جامعاً لكل فئات المجتمع من خلال تخصيص مساحات شعبية حتى يرتادها الناس العاديون كما الحال في كل مدن العالم حتى لا يوجد مكان للأطفال في وسط بيروت، ولا توجد عربات لبيع المأكولات بأسعار رخيصة كما كان الحال في باريس وبرلين وغيرهما من عواصم العالم، لأنه لا يمكن للناس العاديين الدخول الى أي مطعم في منطقة <سوليدير> نظراً للتكلفة المالية العالية.

واستطرد قائلاً:

- مشروع وسط المدينة الذي ينظر إليه بأنه مشروع عمراني كبير ارتكب إثماً كبيراً يكمن في انه لم يحافظ على إرث وتاريخ المدينة ومعالم بيروت.

ــ ماذا عن زاوية أبو النصر في وسط بيروت؟

- هذه الزاوية كانت من زوايا الصوفية المهمة، وكان يوجد في بيروت بشكل دائم شيخ مشايخ العراق الصوفية وكان مُقدَماً في الأمور الدينية، وحتى اليوم هناك شيخ في بيروت والزاوية ذهبت في مهب الريح كما ذهبت الزاوية التي كانت موجودة في سوق <البزركان> بعدما شيّدت هناك بناية تابعة للأوقاف الإسلامية، لكن ما بقي موجوداً من معالم المدينة هو قبة ابن عراق والمباني العثمانية القديمة والشوارع التي خططت أيام الولاة العثمانيين.

تقصير رؤساء بلدية بيروت

وأضاف:

- للأسف رؤساء بلدية بيروت وهم من أحسن أبناء العائلات البيروتية وأكرمها، لم أشعر انهم يكنّون الحب للمدينة. ولكي يحب أي شخص بيروت، هناك طريقة واحدة هي أن يظهر هذا الحب جمالاً وأناقة وحضارة حفاظاً على الإرث التاريخي.

ــ يقال انه لولا <سوليدير> لكان الخراب يعمّ الوسط حتى اليوم. فماذا تقول؟

- هذا صحيح، وأنا لا أريد أن يفهم من كلامي أن إنشاء <سوليدير> خطأ بل أقول إن المشروع ممتاز وما أنجزته من عمران في وسط بيروت أمر جيد، لكن من الجانب التراثي والاستذكاري أخطأت، حتى انها لم تضع إشارات على سور المدينة القديمة وعلى أبوابها، بحيث توضع رخامة صغيرة يكتب عليها مثلاً: هنا كانت السلسلة، وهنا كان باب يعقوب، وهنا كان باب ادريس إلخ...

وتابع يقول:

- لا يجوز ذلك، فنحن ندخل في زواريب القاهرة مثلاً ونجد أسماء الزوايا والأبواب معلقة، وأيضاً في الشام وغيرها من المدن في الرباط ومراكش، لكن نحن لم نعد نعرف أين يقع سور بيروت ولا أين أبوابها ولا أين الأبراج من برج دندن الى برج الساعة إلخ...

ــ ما أصل كلمة <عصور>؟

- يعني في آخر السور وفي زاوية من هذا السور القديم، فبيروت القديمة كان طولها 800 متر وعرضها 700 متر، وكأنها مستطيل أقرب الى المربع، ولما خرجت خارج السور حصل ذلك إثر حادث مشهور عندما ركّب العثمانيون المدافع في الساحات أي في ساحة البرج أو الشهداء، وتم قصف السور وفتحوه ولم تستمر المواجهة مع إبراهيم باشا المصري طويلاً وانسحب ابراهيم باشا وآنذاك خرج الناس الى خارج السور وأشادوا بيوتاً جديدة لاسيما في ساحة البرج التي كانت تسمى ساحة المدافع.

 

محمد عبده ضيف آل حمادة

وأضاف يقول:

- أقول انه في الذاكرة البيروتية فلا البلدية قامت بشيء ولا <سوليدير> أيضاً، علماً ان الأخيرة شركة ربحية يكمن عملها في تحقيق أقل الخسائر الممكنة للمساهمين. ولذلك لست ضد <سوليدير> ليس خوفاً منها إنما كنت أتمنى لو حافظت على التراث.

ــ يقال إن آل حمادة عند طلعة حمادة في بيروت استضافوا يوماً شيخ الأزهر محمد عبده وتزوج إحدى بناتهم. فماذا عن هذا الأمر؟

- لم يكن هناك فنادق في بيروت، وكان الضيوف من الخارج ينزلون في بيوت البيروتيين، ولذلك كان يوجد في كل بيت منزول للضيوف. وصحيح ما قلته، والأمر مثبت حتى ان الشيخ محمد عبده نزل في بيت عبد الفتاح آغا حمادة وتزوج من احدى بناته.

ــ لماذا اختاروا دفن الإمام الأوزاعي في تلك المحلة؟

- المحلة هناك كانت باطن بيروت، وكانت محط التجار، ولذلك أقيم المقام هناك طلباً للعلم والفقه، ولكن عندما تراجعت زاوية الأوزاعي فتحت مدرسة في جامع السراي وهي موجودة حتى الآن وقد أنشأها الشيخان خالد والحوت.

ــ لماذا الأوزاعي يضم مقابر آل الصلح دون غيرهم؟

- الأوزاعي يعتبر بركة بيروت، وأيام طفولتنا كنا نذهب الى هناك ونتبارك من المقام ونضع فيه الزيت أو نقدم له النذور، وأهالي بيروت عموماً كانوا يتبركون من الأوزاعي كما حال صيدا بالنسبة للنبي يحيى وطرابلس بالنسبة للإدريسي المغربي، ودفن الرئيس رياض الصلح هناك وغيرهم من آل الصلح، لكن سبق ودفن غيرهم أيضاً، علماً أن آل الصلح كانوا أقرب الى السلطنة العثمانية، لاسيما وان رضا الصلح والد الرئيس رياض الصلح كان في مجلس <المبعوثان> وقبله ايضاً كان آخرون، إنما المقبرة دفن فيها أشخاص من آل الرفاعي وعيتاني وبيهم.

واستطرد يقول:

- ودفن هناك المفتي الشيخ محمد توفيق خالد والمفتي الشيخ محمد علايا. وأنا عرضت بهذا الخصوص مشروعاً لمدة سنتين على جمعية المقاصد ولم ألقَ أي تجاوب.

ــ وما هو المشروع؟

- أكبر الكنوز التي اكتشفت كانت بالعودة الى سجلات المحاكم الشرعية، وأنا طلبت إجراء مسح لمقابر الباشورة بعدما طمست مقبرة السنطية بحيث نعمل على إحصاء القبور وتاريخها حتى نستنتج من ذلك دراسة اجتماعية وسكانية.

ــ لماذا سميت بالباشورة؟

- لأنها أعلى من باقي المناطق، وترى من خلالها البعيد وهي تطل على طريق <الرينغ> وكانت مدفناً قديماً.

ــ هل ستؤلف كتاباً عن بيروت؟

- صحيح، والكتاب مستوحى من النصوص، فأنا لست مؤرخاً وإنما مجرد شاهد ومشارك في الحياة العامة وأعتمد على الذاكرة، علماً انني لست معجباً بالماضي إنما احفظ له حنينه وتراثه وحضارته.

ــ من الشخصية التراثية التي تركت أثراً في نفسك في بيروت؟

- هناك مرحلة تراثية لم أعشها ولكنها تؤثر عليّ وهي المرحلة بين 1890 و1920 بكل ما فيها، حيث سقطت الدولة العثمانية وأسست جمعية المقاصد ودار العلوم التي كانت قائمة في بناية منقارة في كليمنصو.

ــ تتهم بأنك مؤرخ ذكوري لأنك لم تكتب عن نساء بيروت. ما هو  ردك؟

- لا... كتبت عن ابتهاج قدورة وعن إميلي فارس ابراهيم وعن زاهية سلمان.

ردك؟

ضحك وقال:

- لا... كتبت عن ابتهاج قدورة وعن إميلي فارس ابراهيم وعن زاهية سلمان.