تفاصيل الخبر

مسارح تساقطت كالعصافير ويبـقـــــى ”مـســـــرح الـمـديـنــــة“ ”مشرئباً“ على يد نضال الأشقــر

30/09/2016
مسارح تساقطت كالعصافير ويبـقـــــى ”مـســـــرح الـمـديـنــــة“ ”مشرئباً“ على يد نضال الأشقــر

مسارح تساقطت كالعصافير ويبـقـــــى ”مـســـــرح الـمـديـنــــة“ ”مشرئباً“ على يد نضال الأشقــر

 

بقلم عبير انطون

5-(8)------4

هل العاصمة اللبنانية بخير طالما ان مسرحها بخير؟ المعادلة ليست بهذه البساطة ولا يمكن الجزم بها فالهموم والاهتمامات مختلفة ومتشعبة، الا ان القاسم المشترك الأكيد بين المسرح والمدينة انهما يحاولان الصمود بشتى الوسائل ويعقدان اللواء على عدم الاستسلام مهما كانت المعوقات، فالنضال في المدينة مستمر حتى تبقى حية، والنضال في المسرح يمكن اختصاره برمز سيدة تتنقل بين الاجيال المختلفة تنفخ الروح في الخشبة، والمعنية بهذه السيدة الجبارة: نضال الاشقر مؤسسة <مسرح المدينة> ورئيسة مجلس امنائه.

فكيف يستمر مسرح المدينة؟ من يدعمه؟ وما الاحتفالية المميزة التي يعدنا بها؟ «الأفكار> باركت لسيدة المسرح ربيعه العشرين وكانت لها جولة بين الفنانين الذين حضروا للحديث عن اعمالهم التي يطلقونها ما بين الجمعة 14 تشرين الاول (أكتوبر) وحتى الاربعاء في السادس والعشرين منه.

 

اقفال.. بعد ازدهار 

 

 بخمسة وعشرين عملا مختلفا يضيئ <مسرح المدينة> شمعاته العشرين في عرضين مختلفين كل ليلة لجمهور المسرح. نضال الأشقر سعيدة بذلك، تشع فرحا وبعينيها تتطلع الى عشرين سنة جديدة في ادارته وربما تجدد لعشرين اخرى كما قالت مبتسمة. اعلنت للجيل الجديد انها منهم، كيف لا وهي من جذبتهم الى مسرح كانت معركته صعبة. ففي عامه العاشر، عرف <مسرح المدينة> اسوأ ايامه حين اقفل في السادس من شهر نيسان /أبريل 2006، يوم وقفت نضال وحولها جمع من الفنانين وبيدهم الشموع تذرف دموع الحزن على ما كان مقرا لاحلامهم.

 وقبل اقفال <مسرح المدينة> في عامه العاشر، كانت قافلة من المسارح قبله قد لقيت المصير نفسه، من مسرح <السارولا> الى <فرساي> و<اورلي> و<جان دارك> و<استرال> و<بيكاديللي> و<كليمنصو> لاسباب مختلفة ابرزها سابقا الحرب اللبنانية التي اقفلت دور العرض هذه وهي كانت عرضة للقصف والقنص، لتليها بعد ذلك مرحلة اعادة الاعمار وكانت الهجمة الاقتصادية على المطاعم والملاهي والابراج السكنية العمرانية التي تعود بالأرباح الطائلة.

مع اطفاء الانوار، انحسر الازدهار المسرحي الذي عرفت بيروت اوجه مع <المسرح الوطني> الذي اسسه شوشو وعرض فيه آخر مسرحياته <آخ يا بلدنا> من اخراج روجيه عساف والتي منعتها الرقابة بعد عدة عروض لتناولها مواضيع سياسية، الى مسرح <بعلبك> الذي انبثق عن مهرجانات بعلبك وتحول الى مستودع ومحلات تجارية، الى <التياترو الكبير> الذي شيّد إبان الانتداب بشكل كلاسيكي خصيصاً لخدمة عروض فرق الأوبرا التي كانت تأتي من أوروبا، وقد وقف على خشبته العمالقة من عبد الوهاب وأم كلثوم وغيرهما، إلا أن الحرب وجولاتها حولته إلى سينما تعرض أفلاماً جنسية لتسلية المحاربين على خطوط التماس بحسب ما يذكر الكاتب الصحافي فراس حمية.

 وبغير <التياترو الكبير>، عرفت العاصمة <مسرح فاروق> الذي كان اشبه <بكافيه تياتر>، الى سينما و<مسرح الريفولي> الذي كان مجهزا باحدث التقنيات، ومسرح <البيكاديللي> اهم مسارح العاصمة واولها في شارع الحمرا تحت ادارة شركة العيتاني السينمائية التي انتجت أعمال السيدة فيروز والأخوين رحباني، وقد قُدمت عليه عروض لشيريهان وعادل إمام في <مدرسة المشاغبين>، وعروض الفرق الروسية، غير أنه تعرض للحريق والسرقة بظروف غامضة في التسعينات. ولا تنتهي لائحة اقفال المسارح عند هذا الحد، فقد اقفلت مسارح <جاندارك> و<اورلRAMZ4785------1ي> و<مسرح بيروت>.

كليمنصو...الحمرا 

بالعودة الى <مسرح المدينة> الذي يحتفل بعشرينيته، وبعد ان اقفل عن عمر العشر سنوات في مقره السابق في كليمنصو تعود الى الذاكرة مشاهد تلك الفترة. ففي العام 1994 وبعد ان عجزت نضال الاشقر عن ايجاد مسرح قبلها، تم افتتاح <مسرح المدينة> في كليمنصو بعد ان علقت جداراً ابيض اللون على المدخل وقع عليه المثقفون والمهتمون لابداء سعادتهم ودعمهم لهذا الافتتاح الذي تحتاجه المدينة الخارجة من الحرب، معيلهم في عملية الترميم رئيس الحكومة الشهيد رفيق الحريري، وحصلت نضال على دعم وزارة الثقافة والمحبين. عروض كثيرة قدمت ابرزها <طقوس الاشارات والتحولات> لسعد الله ونوس الذي حضر العرض شخصيا. ولما دقت ساعة اخلاء المسرح ليتحول مصرفا، كان الهم الاول للأشقر ايجاد مكان بديل. ماذا عن مسرح <السارولا؟> الرهان لم يكن سهلا، الا ان مؤسسة <محترف بيروت للمسرح> (مع آخرين)، قطفته، ولما جاء موعد الافتتاح اغتيل الرئيس الحريري، فاوقفت الاشقر الافتتاح اكراما له وتأجل لأربعين يوما، بمن حضر! راحت الاعمال تتوالى، واكثر ما ركزت عليه الاشقر جمع الشباب في المسرح من حولها، وهي الآن <امّنت عليهم، وعلى من يعقبهم بثماني سنوات اكيدة، فتجديد العقد ما بين <مسرح المدينة> ومالكي مبنى <السارولا> مستمر حتى العام 2024>.

كل التجارب!

صديقان كبيران لنضال الاشقر يوجهان لها التحية: بول شاوول وايتل عدنان. شاوول الشاعر والمترجم والناقد يهنئ المسرح بمؤسسته: <الفنانة الكبيرة نضال الأشقر، قلبه، تحرس حريّته، ومُستواه، ودوره، التي جعلت منه مسرحاً لكل التجارب، ولكل الإختلافات، بإصرار، وعناد، وصمود، وتضحيات... انه، أولاً، يكاد يكون المسرح الوحيد الذي قاوم بشغفِ مؤسسته نضال، والذي لم يُغلق>.

 بالنسبة الى ايتل عدنان الشاعرة والكاتبة صاحبة الـ 91 عاما فإن أفضل من استطاع أن يفهم، أن في تقاليدنا ثروةً هائلةً يُمكن أن نستمدَّ منها ما نصنعُ منهُ مسرحاً معاصراً، هي صديقتها نضال الأشقر التي أمضت أربعة عقودٍ من عمرِها وأكثر، في خلقِ مسرحيات لها علاقةٌ عضويةٌ خاصّة بالأزمنة المأسويّة التي ما زلنا نشهدها منذ انقضاء الفترة العثمانيّة. ولما كانت متجذّرة في معرفة ميتولوجيا منطقتنا وتاريخها، كما عرفت كيف تطّلِ على فنون الغرب من غير عقدة نقص، ولما كانت فخورةً بالانتماء إلى أرضٍ تضم المشرق العربي، واستلهمت غريزتها بشجاعة كبيرة في مسيرتها، وأحسّت بعمق أن هذه الأرض هي عالمنا، الذي يجهله معظمنا تماماً، فقد عملت من غير مساعدة من أحد، يوماً بعد يوم، وليلة بعد ليلة، في تركيزِ كل جهودها وطاقاتها، على نشاطٍ مستمرّ، وأسّست مسرحاً معاصراً يردّد أصداءً تعود إلى مَجمَع الآلهة، من عشتار وغلغامش، ويخاطب الأجيال الشابّة الذين يتحرّكون في شوارعنا ويتحدَّون الموت في كل ثانية من حياتهم.

RAMZ4674-----3  

الاحتفالية ..

بفضل الداعمين من رعاة واصدقاء وجهات تثق بالمسرح متنفسا للشارع الضاغط يستمر المسرح. وهو يتطلب ميزانية لسير اعماله تبلغ خمسمئة الف دولار سنويا، الثلث يتم من خلال بيع البطاقات، الثلث الثاني من التبرعات، والجزء المتبقي <يبقى مكسورا> كما كل المسارح على الرغم من دعم وزارة الثقافة التي تساعد الجميع بالتساوي، علما ان الامر يجب ان يقع على عاتق وزارة السياحة وليس وزارة الثقافة التي تبلغ كل ميزانيتها مليون دولار. اليوم يفتخر <مسرح المدينة> بانه يقدم اكثر من عشرين عملا في الاحتفالية المقبلة جميعها من انتاجه: تبدأ هذه مع مسرحية <الملك يموت> <لأوجين يونسكو> من اخراج فؤاد نعيم، اختصار القصة؟ ملكٌ يحكمُ منذ قرون عدة بلدا ينهار يومًا بعد يوم.... وزراؤه في عطلة، جامعاته وقعت في حفرة، منازله تتفسخ وتنهار وهو الملك يرفض ان يرى الواقع كما هو.... ويرفض أيضاً ان يقبل إنه سوف يموت بعد <شوي وثلاثين ثانية>، لأنه يعتبر انه هو الحاكم وهو الذي يقرر لحظة موته، ثم تدريجياً يفقد السلطة على شعبه وجيشه ويمتلكه الخوف من فقدان أبسط أمور الحياة وأجملها... ويرحل. الليلة عينها ستشهد حفلا غنائيا للمطربة اللبنانية ريما خشيش التي تصدر ألبوما جديداً في شهر تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وتقدم حفلتين في <مسرح المدينة>.

الفنان عبد الكريم الشعار بات هو ايضا من ثوابت <مسرح المدينة>، وسيقدم <اسطوانات من غير خشخشة>، الفنان المولود في حي الحدادين أحد أحياء مدينة طرابلس القديمة، أنصت منذ طفولته المبكرة إلى أصوات المؤذنين في مآذن المدينة التراثية، وارتاد حلقات الزوايا المولوية والنقشبندية والرفاعية والحسينية والشاذلية، وتعلّم التجويد على يد الشيخ محمد المملوك، ستكون ليلته في <مسرح المدينة> مشاركة مع المسرحي عصام ابو خالد في عمل بعنوان <مأساتي> يشاركه فيها تمثيلا رشاد زعيتر .

وما بين <بيروت غيابيا> لروجيه عساف و<الحب لذة> لندى كنعو مؤسسة <ستوديو بيروت للرقص> تتمايل ثالث سهرات الاحتفالية. في <بيروت غيابيا> أنسي الحاج ونزيه خاطر يتحدّثان عن ذكرياتهما في بيروت.. شكلت هذه الذكريات موضوع مقابلتين طويلتين اتيحت لعساف فرصة تسجيلهما مع كل من هاتين الشخصيتين العظيمتين من حياة عاصمتنا الثقافية، وذلك قبل فترة وجيزة من وفاتهما، وسيكون العرض مبنيا RAMZ4694------2على مقتطفات من هذا الحوار الذي جرى بين عساف وبين كل منهما، وتتخلّلهما مشاهد تستحضر حلقات من التاريخ الحديث لبيروت.

من ناحيته، يعد الفنان سامي حواط بجديد مفاجئ في مسيرته، جديد يعتبره الاهم في مسيرته الفنية. يخبرنا: قد لا يلقى عملي <رحاله> الصدى المطلوب مباشرة الا انه سيلاقي حتما هذا الصدى في المستقبل، فهذا العمل الغنائي هو <تجوال في أناشيد صوفية مبتكرة، علّني بهكذا نوع من الفن والموسيقى أذكّر بالعودة الى الذات>.

 

وزكي ناصيف!

العودة الى الذات، الى الحنين والى الوطن <اللي راجع يتعمر واخضر اكتر ما كان> سيعود اليه الجمهور ايضا من خلال <العهد بمئة جديدة للفنان الراحل زكي ناصيف> مع  <فرقة زكي ناصيف للموسيقى> في الجامعة الأميركية حيث تؤدي الفرقة أبرز مؤلّفات هذا المبدع من: <رقصة الأباريق>، <طلّوا حبابنا>، <ندي النسايم>، <بناديلك يا حبيبي>، <درب الغزلان>، <فوق جبالنا>، <يا عاشقة الورد>، <عدروب المحبوب>، <تركوني أهلي>، <إشتقنا كتير يا حبايب>، <يا جار الرضى>، <هلا يا هلا>، <ليلتنا>، <سهرنا وما نمنا>.

وبعد.. ليس هذا كل ما في المهرجان المسرحي الآتي الينا وفيه الكثير الكثير الا ان الاحتفالية لن تمر من دون ان يكون للمحتفلة الاولى بها عمل مسرحي تشارك فيه: <انا لا اتعب، تقول نضال الأشقر، ولا ازال مبتدئة، هذا ما يجعلني استمر واحافظ على صحتي>، وهي، في ليلة الاختتام ستقدم عمل <مش من زمان> مع خالد العبد الله شريك النجاح في مسرحيتها السابقة <الواوية>. هل في العمل الجديد شيء من سيرتها؟ لا نعرف إذا كانت هذه الذكريات للصبيّة الصغيرة في بيت أهلها في الجبل هي حقيقة أم من نسج الخيال... <خبريّة ورا خبريّة> تنقلها الى حيث أصبحت ما هي عليه.