تفاصيل الخبر

مساعٍ نيابية لدى بري لإقناع رئيس الجمهورية بتأجيل البحث في طلب تفسير المادة 95 من الدستور!

20/09/2019
مساعٍ نيابية لدى بري لإقناع رئيس الجمهورية  بتأجيل البحث في طلب تفسير المادة 95 من الدستور!

مساعٍ نيابية لدى بري لإقناع رئيس الجمهورية بتأجيل البحث في طلب تفسير المادة 95 من الدستور!

على رغم ان موعد بدء الدورة العادية الثانية لمجلس النواب في 17 تشرين الأول (أكتوبر) لا يزال بعيداً نسبياً، إلا أن هذا التاريخ موضع اهتمام الأوساط النيابية والسياسية في آن لأنه يفترض ان يكون موعد انعقاد جلسة لمجلس النواب تتلى فيها رسالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التي وجهها الى رئيس مجلس النواب نبيه بري ومن خلاله الى النواب في 31 تموز (يوليو) الماضي طالباً من المجلس النيابي تفسير المادة 95 من الدستور، لاسيما منها الفقرة <ب> التي تنص على ان <تُلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاية في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني>، معطوفة على الفقرة <ي> من مقدمة الدستور التي تنص على <ان لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك>.

حين وجه الرئيس عون هذه الرسالة، كانت البلاد تنتظر توقيعه على قانون موازنة 2019 الذي أقره مجلس النواب بعد اللغط الذي ساد حول المادة 80 من قانون الموازنة التي حفظت الفقرة الأخيرة منها للفائزين في مباريات مجلس الخدمة المدنية حق تعيينهم في وظائف جديدة، وذلك رداً على امتناع رئيس الجمهورية من توقيع مرسوم تعيينهم لوجود خلل في التوازن الطائفي بلغت نسبته 70 بالمئة لصالح موظفين مسلمين في مقابل 30 بالمئة لصالح موظفين مسيحيين. وقد اعتبر الرئيس عون ان هذا المرسوم يناقض عبارة <مقتضيات الوفاق الوطني> التي تعني عملياً اعتماد صيغة 6 و6 مكرر، أي أن تكون كل الوظائف في الدولة مناصفة بين المسلمين والمسيحيين. ولئلا يؤخر رئيس الجمهورية صدور الموازنة التي انتظرها اللبنانيون طوال سبعة أشهر، آثر نشر الموازنة مقروناً بالرسالة الى المجلس النيابي لتفسير المادة 95 منعاً للجدل الذي قام آنذاك حول صوابية قرار الرئيس بعدم توقيع مرسوم الفائزين في مباريات مجلس الخدمة المدنية. كذلك كانت البلاد لا تزال ترزح تحت عبء تداعيات حادثة قبرشمون في جو سياسي ضاغط قبل أن يتحقق <لقاء المصارحة والمصالحة> في قصر بعبدا برعاية من الرئيس عون وحضور الرئيسين بري وسعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان.

 

<سقوق عكاظ> ومزايدات!

يومها، فسّر كثيرون رسالة الرئيس عون كل طرف حسب مفهومه وتحليله، ما فتح الباب واسعاً أمام نقاشات مستفيضة حول تفسير اتفاق الطائف وشرحه وصولاً الى حد المطالبة بتعديله. وذهب البعض بعيداً في إبراز <مخاطر> مثل هذه <المغامرة> على الحياة السياسية اللبنانية لاسيما إذا انبرت أصوات تندد بمبادرة رئيس الجمهورية في مقابل أصوات تؤيدها، ما يعني ان مجلس النواب سوف يتحول الى <سوق عكاظ> في المزايدات والتعليقات خصوصاً إذا ما نُقدت جلسات مناقشة رسالة الرئيس مباشرة على الهواء عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة. كما دار جدال دستوري وقانوني حول مسار مرحلة ما بعد تفسير المادة 95 وما إذا كان التفسير يؤدي الى تعديل المادة الدستورية وآلية هذا التعديل في خلال وجود المجلس

النيابي في دورة استثنائية حيث أعطى الدستور طلب التعديل لرئيس الجمهورية وحده من خلال مجلس الوزراء.

ويومها أيضاً، سحب الرئيس بري <أرنب الحل> من جيبه مقترحاً ان تبقى الرسالة الرئاسية في عهدته على أن تناقش في أول جلسة يعقدها المجلس النيابي مع بدء الدورة العادية الثانية في أول ثلاثاء يلي 15 تشرين الأول (أكتوبر) كما ينص على ذلك الدستور. وسلّم الرئيس عون برغبة رئيس السلطة التشريعية، ولو على مضض، وأعطى لنفسه موعداً في <تشرين> لتلاوة الرسالة ومناقشتها على أمل أن تكون الأجواء السياسية اكثر ملائمة كي لا يأخذ النقاش النيابي البلاد الى أماكن أخرى خصوصاً أن الأجواء كانت مهيأة لمثل هكذا خيارات صعبة...

منذ أيام، وخلال حلقة نيابية ضيقة طرح عدد من النواب سؤالاً عما إذا كانت الظروف السياسية أصبحت جاهزة لفتح نقاش حول المادة 95 من الدستور من خلال الاستجابة لمضمون الرسالة الرئاسية، لتخرج من ضمن هذه الحلقة النياية الضيقة اقتراحات عدة تصب كلها في الدعوة الى عدم فتح هذا الباب، وبالتالي التواصل مع رئيس الجمهورية من أجل استرجاع رسالته الى مجلس النواب حتى لا يسبب النقاش فيها <تعكيراً> للأجواء السياسية الهادئة نسبياً والتي تحققت بعد انجاز المصالحة وفق مداولات لقاء قصر بعبدا، ثم اعطاء الأولوية لدرس الأوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة التي تجتازها البلاد، والتفرغ استطراداً لمناقشة مشروع موازنة 2020 بعد اقراره في مجلس الوزراء وإحالته الى السلطة التشريعية لدرسه واقراره، ناهيك عن ان البحث في الأوضاع الاقتصادية الدقيقة يتطلب مناخات سياسية مؤاتية تفادياً لأي انزلاق سياسي يزيد الأمور تعقيداً.

سابقة المادة 49 من موازنة 2018

 

وتشعب النقاش في الحلقة النيابية الضيقة الى الناحية الدستورية لاسيما وان ثمة خبراء يقولون إن الدعوة الى جلسة للاستماع الى رسالة الرئيس عون تبقى قائمة ما لم تلغى من قبل الرئيس بري، وبالتالي فإن الجلسة تبقى في موعدها إذا قرر رئيس مجلس النواب إلغاءها أو تأجيلها... علماً ان المجلس ملزم بالانعقاد خلال ثلاثة أيام. واستذكر بعض الحاضرين من النواب سابقة عندما استرجع الرئيس عون رسالة كان وجهها الى مجلس النواب حول المادة 49 من موازنة العام 2018 بعد التشاور آنذاك مع الرئيس بري بعد الجدل الذي نشأ في حينه حول مسألة تمليك الأجانب وظروفه... ورأى هؤلاء النواب انه في ذلك الحين كان النقاش حول المادة 49 سيؤدي الى نزاع داخل مجلس النواب كان سيترك مضاعفات سياسية تفرز الكتل النيابية بين مؤيد ومتحفظ ورافض بالمطلق، فأتى المخرج من المجلس الدستوري الذي ألغى مفاعيل المادة 49 من قانون الموازنة... وكفى المؤمنين شر القتال!

اليوم، يختلف المشهد، فلا طعن نيابي يُحال على المجلس الدستوري، ولا نصوص قانونية واضحة، بل مجموعة آراء متضاربة حول تفسير المادة 95 هو حصرياً من حق مجلس النواب، وبالتالي فإن لا بديل عن طرح الموضوع في المجلس إلا في حالة التوافق بين الرئيسين عون وبري على استرجاع الرسالة الرئاسية <نظراً للظروف السياسية الراهنة> أو <للإفساح في المجال أمام المجلس النيابي لمناقشة مشروع موازنة 2020> أو لأي سبب آخر يتم الاتفاق عليه، وعليه طرح المجتمعون <سيناريوات> عدة منها أن تنعقد الجلسة النيابية وتتلى فيها رسالة الرئيس من دون مناقشة على أن يحدد الرئيس بري موعد المرحلة الثانية المتضمنة البحث في أساس المادة 95، وإما يصار الى التصويت على مبدأ تلبية طلب الرئيس والشروع بدرس التفسير تمهيداً لاتخاذ توصية بتعديل الدستور وهو إجراء لا بد منه إذا ما تم الاتفاق على تفسير المادة، وإما الاكتفاء بالتوافق على مفهوم <مقتضيات الوفاق الوطني> من دون أي بحث في تعديل الدستور، فيكون هذا التوافق البوصلة التي تهتدي بها السلطة التنفيذية عندما تقرر تعيين موظفين جدد بحيث تراعى الأسس والمعايير التي تكون قد تحددت وفقاً للتفسير النيابي لعبارة <مقتضيات الوفاق الوطني>.

بري صاحب الكلمة الفصل

إلا ان ثمة من رأى من النواب الحاضرين ان لا مصلحة لمقاربة هذا الملف في الوقت الحاضر، طالما ان الهيئة الوطنية للبحث في إلغاء الطائفية السياسية التي تنص عنها المادة نفسها في فقرتها الأولى لم يتم الاتفاق بعد على تشكيلها ولا شيء يوحي بوجود مناخات سياسية مؤاتية لذلك لاسيما وان التجاذبات السياسية في البلاد لم تزل قائمة وإن خفت حدتها بحيث تخبو حيناً وتعود للظهور من جديد عند أي هزة سياسية. وتبعاً لذلك اقترح هؤلاء النواب <الاستئناس> برأي الرئيس بري الذي ستقع على عاتقه مسألة مفاتحة الرئيس عون بفكرة استرجاع الرسالة الرئاسية الى حين تسمح الظروف بطرحها من جديد، لاسيما وان الرئيس عون سبق له، حفاظاً على المناخات السياسية الهادئة، أن استرجع رسالة مماثلة كان وجهها الى مجلس النواب حول المادة 49 من قانون موازنة 2018. وهذه المرة ثمة أسباب جوهرية لتكرار الخطوة نفسها أهمها الانصراف الى معالجة الأوضاع الاقتصادية والمالية ومواكبة تنفيذ الاجراءات التي تم الاتفاق عليها في الاجتماع السياسي ــ الاقتصادي الذي عقد في قصر بعبدا قبل أسبوعين وأقرّ سلسلة خطوات لا بد من المباشرة بتنفيذها حفاظاً على صدقية الدولة تجاه المجتمع الدولي من جهة، وتسهيلاً لانطلاق عملية تطبيق قرارات وتوصيات مؤتمر <سيدر> التي تأخر تحقيقها أكثر من سنة ونصف السنة... والخوف يكمن في أن يستمر التأخير أشهراً اضافية.

مرة جديدة، الكرة في ملعب الرئيس بري وهو اللاعب <الحرّيف> كما يصفه السياسيون في لبنان، فالى أي مرمى سيوجه الرئيس بري كرة الرسالة الرئاسية هذه المرة؟