من الأمراض الشائعة لدى الناس مع التقدم في السن مرض التكلس وهو جفاف او تلف يصيب الأنسجة الغضروفية والمفاصل نتيجة ترسب الكالسيوم، ويحتل هذا المرض المرتبة الثانية في لائحة الأمراض التي تعيق الحركة بعد أمراض القلب والشرايين، وعلى الرغم من ان الطب عجز عن شفائه تماماً الا انه تم اكتشاف أدوية تساعد على استعادة الحركة الطبيعية للمفصل المصاب بالتكلس قبل اللجوء الى التدخل الجراحي باستبدال المفصل المصاب تماماً.
وهناك ثلاثة أنواع من المفاصل وهي: المفاصل الليفية: وفيه تلتحم العظام فيما بينها، بواسطة نسيج ليفي لا يسمح بأي نوع من الحركة. ومع التقدم بالعمر يختفي الخيط الليفي ليحل مكانه رباط عظمي، وهو تداخل العظام بعضها ببعض مكونة التحاماً تظهر آثاره على شكل خيط رفيع يدعى <الدرز> ما هو الحال في عظام الجمجمة وارتباط الاسنان بالفك.
المفاصل الغضروفية: توجد بين نهايات العظام المتجاورة طبقة من الليف الغضروفي الأبيض الذي يسمح بحدوث حركات خفيفة جداً، وذلك بفعل الضغط على هذه الطبقة الغضروفية وهذا ما يعرف بالمفصل الغضروفي الثاني او الليفي الغضروفي كما هو الحال في مفصل العانة وما بين الفقرات.
وهناك المفصل الغضروفي الأولي حيث يرتبط العظم مع غضروف شفاف ولهذا يدعى المفصل الشفاف كما هو الحال بارتباط الاضلاع بغضروف القص حيث لا توجد حركة او هي محدودة جداً.
المفاصل المصلية او الزلالية: وهي اهم المفاصل واكثرها انتشاراً في الجسم وتمتاز بوجود غشاء مصلي ويمكنها ان تؤدي جميع انواع الحركات، ولهذا فقد قسمت الى خمسة انواع حسب نوع الحركة التي يؤديها المفصل وهي: المفصل الكروي وهي اكثر المفاصل حرية في الحركة في جميع الاتجاهات من ثني ومد ورفع وتقريب وتدوير، مثال على ذلك مفصل الكتف ومفصل الفخذ. والمفصل الرزي يسمح بالحركة في مستوى واحد فقط، اي الثني والمد كما هو الحال في مفصل الكوع والركبة والعقب ومفاصل السلاميات. والمفصل المنزلق او المفصل المسطح، وفي هذا النوع من المفاصل تنزلق سطوح التمفصل فوق بعضها البعض مثل مفصل القص ــ الترقوة، والاخرم ــ الترقوة، والمفاصل بين عظام الرسغ والعقب. والمفصل المداري وهو يسمح بالحركة حول محور واحد فقط. على شكل دوران مثل المفصلين القريب والبعيد بين الكعبرة والزند، وكذلك بين فقرة الأطلس ونتوء فقرة المحور. والمفصل السرجي ــ اللقمي تجري فيه الحركات حول محورين اثنين فتسمح بحدوث الثني والمد والابعاد والتقريب مثل مفصل الرسغ ومفاصل بين السلاميات والمشط.
أما اضخم المفاصل وادقها، فتتنوع في جسم الانسان من حيث الضخامة والدقة، وبصفة عامة، فإن اضخمها في الجسم مفصلي الفخذ والكتف، اما ادقها فيه فتلك التي توجد بين عظيمات الاذن الثلاث.
ان تكلس المفاصل الذي سُمي لوقت طويل بالمرض اليتيم، هو مرض روماتزمي تنكّسي يدمر الأنسجة الغضروفية للعظام. يصيب هذا المرض 17 بالمئة من اللبنانيين من الأعمار كافة و80 بالمئة منهم ابتداء من سن الخامسة والسبعين عاماً. ومن عوارض تكلس المفاصل: شعور المصاب او المريض عادة بآلام شديدة وخشونة المفاصل، كما قد يشعر بطقطقة الركبة واحياناً انقباضات لا ارادية تتعرض لها العضلات، اضافة الى تورم وانتفاخ حول المفصل. ان اهمال هذا المرض لفترات طويلة وعدم معالجته قد يتسرب الى اجزاء او اعضاء حساسة ومهمة مثل القلب او الكليتين. نظرياً المرض المذكور يصيب اي مفصل بالجسم ولكنه عادة ما يصيب اليدين والقدمين والعمود الفقري كما انه يصيب الركب والوركين.
بسبب تكلس المفاصل تحلل الغضروف الذي هو عنصر اساسي يغطي الأطراف العظمية للسماح بحركة جيدة ولامتصاص الصدمات اليومية. ويؤدي اختلال التوازن هذا الى ترقق الشقوق حتى اختفاء الغضروف، فيصبح تكلس المفاصل عندها مؤلماً جداً. ان الركبة والورك هما المفصلان الأكثر تضرراً. كما ان تشوه أصابع اليدين يشكل علامة مهمة من علامات هذا المرض.
وعلى ما يبدو فإن آلام الركبتين هي الأكثر شيوعاً كونها الحلقة الأهم في حمل وزن الانسان وأنهما المفصلان اللذان يعملان طوال اليوم الى ان يخلد الانسان الى الراحة والنوم.
وفي جسم الانسان عدد كبير من المفاصل والمفصل هو الفراغ بين نهايتي عظمين او اكثر مكسو بمادة ملساء تدعى (الغضروف)، ويُحاط المفصل بغلاف المفصل كما ويبطن بغشاء خاص وتكسوه الأربطة الليفية والأوتار العضلية، ويحتوي المفصل على سائل لزج يسهل حركة الغضاريف فوق بعضها ويغذيها. ولولا المفاصل لما تمكن الانسان من اداء حركاته اليومية من جلوس، وقيام، ورفع، ودفع، ومشي، واستلقاء، وحمل الأشياء وغيرها... واهم جزء في المفصل هو الغضروف، والغضروف يحتوي على الخلايا الغضروفية وشبكة من مادة <الكولاجين> المشبعة بالماء وبمواد بروتينية فيها مواصفات تجعل من الغضروف مادة مانعة للصدمات او للشدة الخارجية.
وما يحصل عندما يتحمل الغضروف اكثر من قابليته ان ذلك يولد ضغطاً في داخله فيُزاح الماء وتتشوه التركيبة البايوكيماوية ــ الفيزيائية للغضروف، فتنتج زيادة في كمية الماء داخل الخلايا وخارجها ومن ثم يبدأ الغضروف بالتشقق فيتآكل ويبرز العظم الذي كان يغطيه بعملية يُطلق عليها التعرية، اضافة الى ذلك تندفع السوائل المفصلية بسبب الضغط الحاصل على المفصل الى داخل العظم الذي تعرى، فيؤدي الى خلل في تركيبه تنتج عنه أكياس داخل العظم تسبب وهن العظم محفزة خلايا العظم لافراز مواد كيمياوية تسبب تكلسات نهاية العظم في مكان الغضروف المتآكل والتي بدورها تقلل كفاءة حرمة المفصل فيحصل الترهل المفصلي الذي يؤدي الى عدم تحمل ثقل الجسم فيشعر المصاب بآلام مبرحة مع تورم المفصل.
فمن يصاب بتكلس المفاصل؟ وما هي طرق علاجه؟ وماذا عن الجراحة وغيرها من الأسئلة اجاب عنها الدكتور بيار الجميّل اختصاصي في جراحة العظم والمفاصل والعمود الفقري وأمين عام الجمعية اللبنانية لجراحة العظم وعن اسباب حدوث تكلس المفاصل يقول:
- يصيب تكلس المفاصل النساء والرجال على حد سواء. وتبقى اسباب هذا المرض مجهولة ولكن هناك بعض العوامل التي تزيد خطر الاصابة به مثل البدانة والحوادث الرياضية والظروف المناخية بما فيها الرطوبة، كما ان تشوهات الأعضاء عند الولادة او العوامل الوراثية تلعب دوراً أساسياً. فاذا كان احد افراد العائلة مصاباً بالتكلس فيكون حدوث التكلس وارداً، ولهذا ننصح اليوم بمناسبة اليوم العالمي لالتهاب المفاصل انه يجب تدارك هذه الأمور لكي لا يتطور التكلس اكثر ولكي لا يصل الشخص الى حالة يُصاب بإعاقة. وبالتالي فإن حملات التوعية في هذا الخصوص امر مهم لتجنيب الشخص قدر الامكان الاصابة بالتكلس ولتجنيب المصاب اجراء العملية الجراحية. والملاحظ ان نسبة اصابة الناس بتكلس المفاصل في المناطق الساحلية هي اعلى من نسبة المصابين بهذا المرض الذين يسكنون المناطق الجبلية وبالتالي للطقس تأثير في هذا الخصوص. كما ان زواج الأقارب من العوامل المسببة لحدوث تكلس المفاصل.
وعن زواج الأقارب يشرح الدكتور الجميّل اكثر:
- ان زواج الأقارب في لبنان (التناسل الجنسي لشخصين تربطهما صلة قرابة) يلعب دوراً كبيراً في هذا المرض. ان زواج الأقارب يزيد حدة الخصائص الوراثية جيدة كانت ام سيئة، وبالتالي فإن الاولاد سيكونون حاملين للعيوب المتنحية مثل تكلس المفاصل او امراض وراثية. وبالتالي عندما يكون التكلس وراثياً في العائلة ويحدث زواج بين الأقارب فُيصاب الاولاد به كما هو الحال بالنسبة لأمراض السكري وأمراض القلب. ويجب التنبه لأمر اذا كان هناك خلع في الورك فيجب معالجته لئلا يُصاب الشخص بالتكلس فيما بعد.
ويتابع الدكتور الجميّل:
- يمكن ان تكون نوبة تكلس المفاصل حادة جراء ترسب بلورات حمض اليوريك لدى الأشخاص الذين يكون معدل حمض اليوريك في دمهم مرتفعاً وهذا ما يُعرف بمرض <النقرس>. وتتضمن العوامل المهيئة لمرض <النقرس> الآتي: اتباع نظام غذائي غني بالبورينات والكحول وكمية سعرات حرارية مفرطة والفشل الكلوي وأخذ أدوية معينة والاصابة ببعض الأمراض.
وعما اذا كانت نسبة اصابة تكلس المفاصل عند الرجل أعلى من المرأة يقول:
- يُصاب الرجل والمرأة بتكلس المفاصل بالنسب نفسها ولكن نسبة مشاكل الركب عند النساء اكثر من الرجل. وعادة يشكو الانسان من تكلس المفاصل ما فوق سن الخامسة والأربعين. ولكن عادة يصاحب تكلس المفاصل أمراضاً أخرى مثل أمراض القلب.
وعن تشخيص المرض يقول:
- أهمية العلامات السريرية التي تسمح باكتشاف بداية تكلس المفاصل المتمثلة بألم حاد في الأعضاء وتيبّس المفاصل مما يمكن ان يكون سبباً للعجز. بالاضافة الى ذلك، فإن العلامات الاشعاعية مهمة جداً اذ انها تكشف مرحلة المرض أي درجة اصابة المريض بتكلس المفاصل. ومن وجهة النظر التشريحية، يمكن تصنيف اصابات الغضروف المفصلي في أربع مراحل: المرحلة الأولى: تليّن سطح الغضروف. المرحلة الثانية: تآكل أو رجفان، شقوق سطحية في الغضروف. المرحلة الثالثة: ترقق أو شقوق عميقة في الغضروف. المرحلة الرابعة: تقرّح الغضروف او اختفاؤه، فتصبح العظام مكشوفة وهذه هي المرحلة النهائية. وعند تحديد مرحلة المرض، يمكننا وضع تشخيص واضح بهدف الحد من تفاقم المرض ومضاعفاته وايقاف تطور تلف المفاصل وذلك تفادياً للوصول الى العملية الجراحية واستعمال الأطراف الاصطناعية.
وبالسؤال عما اذا يمكن الحد من خطر الاصابة بتكلس المفاصل يقول:
- يُنصح بممارسة تمارين رياضية معتدلة الحدة مثل السباحة وركوب الدراجة الهوائية واليوغا والجمباز اذ انها تقوي المفاصل بعكس الرياضة المكثفة التي يمكن ان تدمر المفاصل وتؤذيها. اذاً الرياضة امر اساسي ومهم، ولكن هناك امر مهم يجب التنبه له، صحيح ان الشخص يكون لديه استعداد للاصابة بتكلس المفصل وزيادة الوزن ولكن من جهة أخرى ان عدم استعمال المفصل بشكل صحيح يؤثر على الورك، لقد سبق ان عالجت فريق كرة قدم في فرنسا على مدى سنوات اذ ان لاعبي كرة القدم يشكون من مشاكل في الركب لأن زيادة الضغط على المفصل تلحق الضرر به. ويزداد خطر الاصابة بتكلس المفاصل لدى الأشخاص الذين يعانون من البدانة. فجسم الشخص البدين يضغط على المفاصل وخصوصاً على الركبتين والوركين وبالتالي ستكون هذه المفاصل عرضة لضغط شديد ومن شأن هذا الأمر أن يؤدي الى تضررها بشدة. وعادة الشخص المصاب بتكلس المفاصل يشعر بتغير الطقس قبل ان يصبح بارداً اذ يشعر بالأوجاع مسبقاً اي قبل تحول الطقس الى جو بارد. كما انه يشعر بالألم في ركبتيه اثناء الليل اي عندما لا يقوم بحركة او خلال النوم.
هذا هو العلاج
وعن العلاج يشرح الدكتور الجميّل:
- تتوافر اليوم علاجات عدة قادرة على مكافحة هذا المرض بما فيها بعض الأدوية والعلاج الفيزيائي وعمليات الحقن داخل المفصل التي تتضمن علاجاً بمقاربة جديدة مع تقنية الحقن التي يمكنها ان تحسن نوعية حياة المريض وان تؤخر العملية الجراحية. ان علاجات تكلس المفاصل متعددة كما ذكرت، اذ تعتمد على العلاج الفيزيائي حيث على الطبيب ان يحدد انواع الحركة الخفيفة المسموحة للمريض بهدف تقوية العضلات من دون حدوث اي اضرار، والا فإن المشكلة ستتفاقم لينتقل المرض الى مرحلة أصعب. وننصح دائماً بعدم الافراط في تناول الأدوية التي تتمثل بالمسكنات بما انها تضر بالكبد. وكذلك قد نصف للمريض مضادات الالتهابات التي يجب استخدامها بحذر خصوصاً ان المصابين بالتكلس قد يعانون بشكل عام من ارتفاع الضغط والسكري، ما يعرضهم لمشاكل في الكلى.
لا للكورتيزون
ويتابع:
- بالنسبة لحقن الكورتيزون، فلا احبذها كثيراً ولا نلجأ اليها سوى في حالات ضئيلة، وقد منعت دراسات عدة استخدامها بما انها تؤدي الى تكون مادة شبيهة بالملح الخشن في المفصل. كما ان من يخضع للكورتيزون بانتظام، يزداد لديه خطر الاصابة بتكلس المفصل من الدرجة الرابعة. اما التقنية الأكثر رواجاً فهي الحقن التي تعد الأكثر فعالية وتُستعمل في بداية تكون التكلس حتى اذا كان المريض صغير السن، اذ تمنع تطور المرض وتجنب تدهور المفصل فتحميه وتحسن نوعية حياة المرض، وضـــــرورة التأكد مــــن ان الـــــدواء قد دخل الى المفصل بشكل جيـــد وبعدهـــــا يجب عــــدم التـــــحرك كثيراً لنحـــــو 45 دقيقـــــــــة.
ويختم قائلاً:
- أما في الدرجة الرابعة والأخيرة من المرض، فنلجأ الى الجراحة المتمثلة بزرع الأعضاء الصناعية. ورغم انني جراح لكنني ارى انه لا يجب بلوغ هذه المرحلة الا في الحالات القصوى. وبحسب خبرتي، فإن 80 بالمئة من مرضاي لم يحتاجوا الى تغيير مفصل منذ 18 عاماً حتى اليوم بفضل الحقن. تجدر الاشارة الى انه في الماضي عندما كان يتم اجراء عملية مفصل صناعي لم يكن المفصل يصلح لأكثر من 5 او 7 سنوات، اما في يومنا هذا بفضل عملية مفصل صناعي فإن المفصل يدوم لأكثر من عشرين سنة وهذا امر جيد ويساعد الشخص اكثر مما كان الوضع عليه في السنوات الماضية.