في الوقت الذي تبدي فيه مصادر عسكرية رفيعة المستوى <ارتياحها> للوضع الأمني في البلاد وإمساك الجيش بالمفاصل الأساسية لمحاور الجرود في عرسال وضواحيها والسيطرة بالنار على الكثير من أماكن تجمع مسلحي <داعش> و<جبهة النصرة>، ستغيب هذه السنة أيضاً الاحتفالات بعيد الجيش في الأول من آب (أغسطس) المقبل، ولن تشهد ثكنة شكري غانم في الفياضية حفل تخريج دفعة من ضباط الجيش والأسلاك الأمنية الأخرى، ولن يزدحم الملعب الأخضر في الكلية الحربية بالعرض العسكري التقليدي الذي يقام للمناسبة، وذلك بسبب استمرار الشغور الرئاسي وعدم رغبة رئيس الحكومة تمام سلام بترؤس أي احتفال عسكري درجت العادة أن يترأسه رئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة...
إلا ان القلق الذي يساور القيمين على المؤسسة العسكرية، وفق المصادر نفسها، يكمن في أن العسكريين الذين يتحملون مسؤولية المحافظة على الاستقرار والأمن من الجنوب حتى الشمال، مروراً بالجبل والبقاع وبيروت، لا يجدون في مقابل تضحياتهم من يسعى، في الطاقم الحكومي والسياسين الى انصافهم والعمل لتوفير حاجاتهم... وحقوقهم. فالترقيات العسكرية التي تصدر عادة في أول تموز (يوليو) لم تصدر مراسيمها بعد على رغم ان الضباط الذين يستفيدون منها يتدرجون من رتبة عميد كحد أقصى الى رتبة ملازم أول وقد تم ادراج أسماء هؤلاء الضباط على لوائح الترشيح منذ الأول من كانون الثاني (يناير) الماضي. والتلامذة الضباط الذين أنجزوا سنوات دراستهم في الكلية الحربية لم تصدر مراسيم تكرس نجاحهم بعد كي تسلّم السيوف إليهم وفقاً للأعراف العسكرية المعتمدة، وسيكون على هؤلاء الانتظار ما لم تصدر مذكرة عسكرية تجيز لهم وضع <النجمة> الأولى على كتفي كل منهم ريثما تصدر مراسيم <تشريع> هذه الخطوة. إضافة الى أمور اجرائية متعددة تخص العسكريين من مختلف الرتب والتي تنتظر توافق أعضاء <حكومة المصلحة الوطنية> ليوقعوا مجتمعين كل ما يتصل بتنظيم أوضاع الضباط والعسكريين الاجرائية والتنظيمية.
صحيح ان قائد الجيش العماد جان قهوجي ــ تضيف المصادر نفسها ــ يحاول من خلال الصلاحيات الممنوحة له، تأمين ما أمكن من حقوق وترتيبات مسلكية وتنظيمية، إلا ان سعيه مع المسؤولين لـ<شرعنة> كل الاجراءات المتخذة لا يزال يتعثر في بعض المواضيع لاسيما تلك التي تتطلب توقيع مراسيم حكومية، في وقت يحاول نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل حث الأطراف السياسيين على <تحييد> الاجراءات الخاصة بتنظيم شؤون العسكريين عن التجاذبات السياسية، لاسيما وان الجيش يتولى مهمات حساسة ودقيقة في المرحلة الراهنة ويتطلب بالتالي أن تكون معنويات العسكريين عالية وحقوقهم مصانة في الترقية الدورية وغيرها من المستلزمات المادية الأخرى (تعويضات مختلفة، طبابة، الخ...).
تراجع حوادث الفرار وتزايد التطوع
أما الأبرز في المرحلة الراهنة من حياة المؤسسة العسكرية فهي التضامن والتماسك والالتزام، حيث تبدي مصادر عسكرية ثقتها بالعسكريين وبوحدتهم ومناقبيتهم وبلائهم للمؤسسة العسكرية على رغم الضغوط السياسية والمعنوية والمادية التي يتعرض لها عسكريون من مختلف الرتب والمذاهب والمناطق اللبنانية، بحيث تراجعت بنسبة كبيرة حالات فرار عسكريين أو عدم الالتحاق بوحداتهم نتيجة المتابعة الدائمة للعسكريين الذين يعيشون في <بيئات> تتنامى فيها التيارات الأصولية المتطرفة. وتشير المصادر نفسها الى ان الإفساح في المجال أمام العسكريين الراغبين بترك الجيش لأسباب مختلفة أبرزها الحاجة الى مداخيل إضافية لأسباب عائلية، ساهم أيضاً في توقف ظاهرة <الفرار> من الجيش أو عدم الالتحاق بمراكز العمل وغيرها من الحالات المشابهة. وقد تُرجمت عملياً توجهات قائد الجيش في هذا المجال والتي ركزت على عدم <إجبار> أي عسكري للبقاء في المؤسسة إذا لم يكن مقتنعاً ومؤمناً بدور الجيش ومسؤولياته الوطنية خصوصاً في الظروف الراهنة. وقد سُجلت حركة تطوع واسعة في الجيش خلال الآونة الأخيرة من مختلف المناطق اللبنانية وتوزع المتطوعون الجدد على غالبية الوحدات العسكرية المنتشرة في أرجاء لبنان كافة.
أما في شأن الاستحقاقات التي تنتظر الهيكلية القيادية للجيش مع مطلع شهر آب (أغسطس) المقبل، فإن المعطيات المتوافرة تؤكد ان اجراءات تمديد تأجيل تسريح العماد قهوجي ورئيس الأركان اللواء وليد سليمان والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير ستنجز مع بداية الشهر المقبل لاسيما وان اللواء سلمان تنتهي خدمته الممددة في 7 آب (أغسطس) المقبل، ما يفرض إصدار وزير الدفاع سمير مقبل قرار تمديد تأجيل تسريحه قبل ذلك التاريخ لتأمين الاستمرارية، على أن يتزامن ذلك مع إصدار القرار بتأجيل تسريح العماد قهوجي بتوقيت واحد للأسباب نفسها التي أملت في العام 2013 تأجيل التسريح لسنتين تنتهيان في 22 أيلول (سبتمبر) المقبل. أما بالنسبة الى اللواء خير فقد أبدى الرئيس سلام رغبته في أن يستمر في موقعه لتعذر تعيين خلف له على ان يتم ذلك بالنسبة الى المواقع الثلاثة بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة تتولى أيضاً ملء الشواغر في المجلس العسكري، وهي إضافة الى قيادة الجيش (ماروني) ورئاسة الأركان (درزي) ومجلس الدفاع الأعلى (سني)، المفتشية العامة (أرثوذكسي)، والمديرية العامة للإدارة (شيعي)، والعضو المتفرغ (كاثوليكي).
مدير المخابرات... محسوم
وفي الوقت الذي يستعد فيه عدد من الضباط الذين يتقاعدون خلال شهري أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر)، لنيل إجازاتهم قبل حلول موعد تقاعدهم تنفيذاً للأنظمة المرعية الاجراء، بدا أيضاً ان تعيين مدير جديد للمخابرات قد حُسم أيضاً لمصلحة العميد الركن كميل ضاهر الذي سيخلف العميد الركن ادمون فاضل الذي تنتهي مدة تأجيل تسريحه في أيلول (سبتمبر) المقبل ولا يمكن التجديد له وانه أمضى 42 سنة في الخدمة العسكرية وهو أقصى ما يمكن أن يمضيه الضابط برتبة عميد. وتتوقع مصادر مطلعة ان يصدر قرار تعيين العميد ضاهر بموجب مذكرة تشكيلات يوقعها قائد الجيش ويوافق عليها وزير الدفاع، ولا حاجة لإصدار مرسوم عادي أو قرار من الوزير لأن تعيين مدير المخابرات من صلاحية قائد الجيش تحديداً، وقد أعطي القائد هذا الحق، لأن مدير المخابرات هو <عين> قائد الجيش داخل المؤسسة العسكرية ويجب أن يكون متناغماً معه ليتمكن من القيام بمهمته. وتضيف المصادر نفسها ان ما صدر مؤخراً من تسريبات تضمنت أسماء عمداء قيل انهم يلقون دعم مسؤولين حالياً وسابقين ومراجع روحية، أثار ردود فعل داخل المؤسسة العسكرية لاسيما وان بعض الأسماء التي طرحت في الإعلام، لا تتوافر فيها الشروط اللازمة لتعيين مدير المخابرات، إضافة الى ان ثمة ملاحظات على أسماء أخرى تسربت تتصل بأدائها وبارتباطاتها وبعض الممارسات التي لا تتوافق مع المناقبية العسكرية، إضافة الى ان بعض الأسماء لم يبق له في الخدمة الفعلية سوى أشهر قليلة. وأكدت المصادر نفسها ان لا أحد في استطاعته مناقشة قائد الجيش في اختياره مدير المخابرات وهو الذي يلمّ بأوضاع جميع الضباط ويعرف قدراتهم وامكانية قيامهم بهذه المسؤولية الدقيقة والحساسة، إضافة الى ان الملفات التي يمسك بها مدير المخابرات وأبرزها حالياً ملف الارهاب، تتطلب متابعة وإلماماً وخبرة لا تتوافر إلا في عدد محدود وقليل من الضباط الذين عملوا الى جانب قائد الجيش على متابعة هذه الملفات منذ سبع سنوات. ولفتت المصادر الى مديرية المخابرات ستشهد بعد تعيين المدير الجديد حركة مناقلات تمكّن المدير المعيّن من تكوين فريق عمله وفقاً للأصول التي تفرضها طبيعة عمل المديرية، ما يعني ان دماً جديداً سيضخّ في جسم المخابرات العسكرية يتناسب وطبيعة المهام التي تقوم بها.