تفاصيل الخبر

مؤسسة ومديرة جمعية ”طريقنا السما“ السيدة ريتا بولس: أشعر بوجع العائلات الفقيرة وعوزها لأنني عشت ايضاً الفقر والعوز والمرض!

13/12/2019
مؤسسة ومديرة جمعية ”طريقنا السما“ السيدة ريتا بولس: أشعر بوجع العائلات الفقيرة وعوزها لأنني عشت ايضاً الفقر والعوز والمرض!

مؤسسة ومديرة جمعية ”طريقنا السما“ السيدة ريتا بولس: أشعر بوجع العائلات الفقيرة وعوزها لأنني عشت ايضاً الفقر والعوز والمرض!

 

بقلم وردية بطرس

<الناس لبعض> هذا ما يردده اللبنانيون نظراً لازدياد اعداد الفقراء في لبنان في ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تعصف بالبلد. صحيح ان لبنان مرّ بظروف صعبة ولكن ما يعيشه اليوم يفوق التصور، اذ منذ بدء الحراك في 17 تشرين الأول (اكتوبر) تبيّن ان نسبة الفقر في لبنان عالية، فهناك عائلات لا تجد ما تأكله، وما نسمعه ونراه يومياً يدمي القلوب فاللبناني مهدد كل يوم بلقمة عيشه، ولهذا ارتفعت الأصوات من مختلف المناطق اللبنانية تنادي بأبسط الحقوق للعيش بكرامة. كما ان الحالة تسوء يوماً بعد يوم لاسيما مع ازدياد نسبة البطالة وصرف الموظفين واعطاء نصف رواتب. وان آخر دراسات البنك الدولي بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد تبين ان عدد الفقراء في لبنان يقارب المليون مواطن... ولم يعد الفقراء محصورين في منطقة معينة او حي ما بل نجد عائلات فقيرة في مختلف المناطق اللبنانية تجوع وتعجز عن شراء المواد الغذائية الأساسية... ولكن بالرغم من كل شيء لا يتوانى فاعلو الخير عن مد يد العون لمساعدة الفقراء والمحتاجين، اذ لولا المبادرات الانسانية التي تُطلق من هنا وهناك كل يوم لكان الحال اسوأ بكثير، ولكن يبقى الخير متجذراً في نفوس اللبنانيين ما يسهل حياة المعوزين والمقهورين في البلد وما أكثرهم!... فاللبناني يحاول جاهداً ان يساعد الفقراء حتى لو كان أحياناً هو نفسه بالكاد يتمكن من اعالة اسرته، وهذا يمنحنا الأمل والتفاؤل بأنه مهما ساءت الظروف فلن يتوانى اللبناني عن تقديم المساعدة للمحتاجين والفقراء.

 السيدة ريتا بولس هي ام لثلاثة أولاد تفتح ابواب بيتها للفقراء ضمن مبادرة باسم <انا كمين جعت>، اذ وضعت لافتة على باب بيت الفقراء كُتبت فيها جملة <خيي الانسان هالبيت بيتك تفضّل>. هو منزل متواضع يقع في منطقة الأشرفية مقابل مستشفى <اوتيل ديو> كرسّته صاحبته السيدة ريتا بولس لاستقبال الأشخاص المحتاجين والفقراء، ولأنها اختبرت الفقر المدقع قررت ان تفتح أبواب بيتها امام المعوزين الذين لا يجدون السبيل لتأمين لقمة عيشهم، اذ يقصد هذا البيت لبنانيون من الطبقة الفقيرة من مختلف المناطق اللبنانية ليتزودوا بوجبة طعام مجانية تشبع جوعهم. لقد راودتها هذه الفكرة اثر اصابتها بالمرض، اذ تعذبت كثيراً لتأمين لقمة العيش لأولادها الثلاثة، وبعدما انتهى علاجها وشفيت من المرض اتخذت القرار باستئجار هذا البيت وفتح أبوابه مجاناً أمام كل محتاج.

 لقد عاشت ريتا تجربة صعبة حيث تألمت كثيراً خلال مرضها، وبعد سنين من العذاب تخلصت من المرض بشفاعة العذراء، ولأنها لم تنسَ يوماً من الأيام انها شعرت بالجوع والعوز، أصبحت حياتها متمحورة حول مد يد العون للمساعدة اذ تألمت كثيراً عندما علمت بأن هناك عائلات فقيرة لا تجد ما تأكله، وقد لمست هذا الواقع المؤلم خلال مهمة لمساعدة احدى العائلات الفقيرة، فتأثرت بحالة تلك العائلة وقررت ان تشارك حالة تلك العائلة على صفحتها الخاصة على <فايسبوك> أملاً بأن يهب طيبو القلب للمساعدة. وعندما رأت مدى تجاوب فاعلي الخير مع تلك العائلة، ارتأت ان هذه المساعدة غير كافية وأرادت ان تقدم وتساعد أكثر فأطلقت رسالة سمّتها <أنا كمان جعت> لأنها هي أيضاً جاعت وتألمت على مدى 14 سنة. ريتا لم تنسَ يوماً انها جاعت وتألمت كثيراً لتأمين لقمة العيش لأولادها، وبالتالي هي تشعر بمدى الألم والقهر الذي يعيشه الفقير، اذ لجأت الى فتح صحفة الكترونية على موقع <فايسبوك> كي تستقطب أكبر عدد من الخيرين الذين يرغبون بمشاركتها هذا الطريق الذي تسميه <طريقنا السما> وبعدما لاقت تجاوباً من قبل الناس لتقديم المساعدات للعائلات الفقيرة، قامت باستئجار بيت لتملأه بكل المواد الغذائية والثياب وغيرها وفتحت ابواب ذلك البيت امام كل محتاج. ومنذ سنتين لغاية اليوم تستقبل الآف العائلات وتقوم باعداد وتأمين ما يلزم من المؤونة والوجبات وحتى الألبسة والبطانيات وتقدم أطباقاً لبنانية حيث تساعدها امها واهلها باعداد المأكولات. ويجتمع تحت سقف هذا البيت يومياً متطوعات ومتطوعون من نساء ورجال وصبايا وشبان ليساهموا بمساعدة المحتاجين من خلال بيت أبوابه مشرعة أمام كل جائع.

 

مبادرة <انا كمان جعت>!

<الأفكار> تحدثت مع السيدة ريتا بولس عن هذه المبادرة التي اطلقتها منذ سنتين فتقول:

- أطلقت هذه المبادرة لأنني اختبرت الجوع أيضاً، فتسمية المبادرة بـ<أنا كمان جعت> تحكي عن تجربة عشتها في حياتي لفترة طويلة على مدى 14 سنة اذ أصبت بالمرض، وبسبب المرض كنت اقضي كامل الوقت في المستشفى فتألمت وتضايقت وجعت، ولكن العذراء مريم ومار يوسف قاما بشفائي، وبعدما شفيت زرت عائلة لأقدم لها مسابح للصلاة، فرأيت أن تلك العائلة تعيش حالة فقر لذا حاولت ان اساعدها فطرحت ذلك على صفحتي على <فايسبوك> اذ طرحت فكرة مساعدة هذه العائلة فلاقت الفكرة تجاوباً من قبل الناس بشكل كبير، وقد حصل ذلك منذ سنتين، ومن وقتها أصبح الناس يقصدونني ويقدمون المساعدات لأقدمها بدوري للعائلات المحتاجة، وبعدما امتلأ منزلي بالمواد الغذائية والثياب وما شابه، قررت ان استأجر بيتاً لكي اجمع فيه كل تلك المساعدات، وبالفعل استأجرت البيت ووضعت كل تلك الأغراض داخل البيت، وأسميت المبادرة <أنا كمان جعت> لأن هذا الاسم يتحدث عن معاناة عشتها ولكي لا يشعر الناس الذين يقصدون بيتنا ان هناك فرقاً بينهم وبيننا أو ان وضعنا افضل منهم الى ما هنالك، لأننا نحن أيضاً عانينا مثلهم ولم نجد ما نأكله. ومع الوقت أسست هذه الجمعية فأسميتها <طريقنا السما> وشعارنا <انا كمان جعت> فهذا الشعار لا اتخلى عنه، لأن هذا العمل يوصلنا الى السماء، واليوم هناك بحدود 400 عائلة لبنانية تحصل على هذه المساعدات، وكل ذلك بفضل مساعدة الرب واهل الخير.

ــ اشرت بأنك عانيت من المرض والفقر ولهذا تشعرين مع الفقير كثيراً وتكرسين وقتك وحياتك لمساعدة المعوزين، فكيف كانت حياتك قبل المرض والعوز؟

- قبل اصابتي بالمرض كان وضعي المادي جيداً، اذ كان عمل زوجي جيداً ومربحاً حيث كان يعمل في مجال النجارة، ولم اكن اعمل بل كنت متفرغة لتربية الأولاد خصوصاً ان زوجي كان يكسب المال الوفير من هذا العمل، ولكن عندما مرضت باع زوجي كل ما يملك لكي أٌعالج خصوصاً انه لم يكن لدي ضمان اجتماعي ولا تأمين خاص، ونظراً لتلقي العلاج في المستشفى اضطر زوجي ان يبيع كل ما يملك لكي يتكفل بمصاريف العلاج، ولم نعد نملك حتى السرير لننام عليه اذ كنا ننام على الأرض، ولكنني لم أفقد يوماً ايماني بربي، اذ كنت أؤمن بأن الغد سيكون أفضل، وبأن الله سيكون بجانبي، ويسوع لن يتركني، والعذراء معي والحمد لله سارت الأمور بشكل جيد، وقد أردت مساعدة الناس لذا قمت بهذه المبادرة... طبعاً خلال الفترة المعيشية الصعبة التي عشتها كان أهلي بجانبي ووالدتي ساعدتنا كثيراً وقامت بتسديد قسم كبير من ديوني، ووالدي أيضاً ساعدنا. وعندما شفيت واستعدت عافيتي بدأت أعمل بتصميم مسابح للصلاة، اذ لدي صفحة على <فايسبوك> اسمها <مسابح شغل أمي> ومن خلال هذه الصفحة اعرض مسابح الصلاة وأبيعها <أونلاين>، وهكذا استطعت ان اسدد ديوني بفضل هذا العمل اذ كنت اتلقى طلبات من كل المناطق اللبنانية لشراء المسابح <أونلاين>، فتحسّنت أحوالنا كثيراً وأردت بدوري مساعدة المحتاجين لأنني لم اتحمل ان ارى اناساً يجوعون ويتألمون.

 

 الناس يجوعون ولا بد من التحرك!

 

ــ عندما اطلقت هذه المبادرة منذ سنتين لا شك انه كانت هناك عائلات فقيرة تحتاج للمساعدة ولكن هل زاد عدد العائلات خصوصاً في الفترة الأخيرة بسبب تردي الوضع المعيشي والاجتماعي في البلد؟

- قبل بدء الثورة في 17 تشرين الأول (اكتوبر) كانت هناك عائلات تعاني من العوز والفقر ولكن لم نكن نعلم بحالهم اذ في كثير من الأحيان كان الناس يخفون جوعهم، ولكن بعد الثورة يمكن القول ان عدد العائلات الفقيرة ظهر بنسبة 80 بالمئة، فهناك فقر شديد وجوع وعوز وأناس محرومون من لقمة العيش وهناك أطفال لا يجدون ما يأكلونه. وبالنسبة للعائلات التي نساعدها فنجد ان الأم والأب بدون عمل اذ طُردوا من وظائفهم ولا أحد يساعدهم او يمد لهم يد العون، فيلجأون الى جمعية <طريقنا السما> وبدورنا نهتم بهم بكل محبة.

ــ اذاً كونك عشت تجربة صعبة تكرسين وقتك لمساعدة المحتاجين...

- صحيح فانني اكرس وقتي لمساعدة المحتاجين اذ آتي الى الجمعية عند الساعة السابعة صباحاً وابقى لغاية العاشرة مساءً، ومقر الجمعية امام مستشفى <اوتيل ديو>، وتعمل معي اختي وخالتي كما هناك سيدات يقصدن الجمعية ويساعدن أيضاً، وابنتّي تأتيان الى الجمعية بعد دوام المدرسة كما ان ابني الصغير يساعدنا ايضاً اي العائلة كلها تعمل... لقد كانت خالتي مرشدة اجتماعية في <قلب يسوع> في انطلياس على مدى 35 سنة وتعرف كيف تتعامل مع الناس، واختي تعمل معي بتصميم مسابح الصلاة اذ تأتي الى الجمعية خلال النهار لتساعدني بصنعها ايضاً وهي عضو في الجمعية، وهناك نساء متطوعات من مختلف المناطق اللبنانية يساعدننا ايضاً، ونطبخ يومياً في الجمعية اذ تعّد والدتي وجبة الغداء، وأحياناً يقصدنا الناس في الصباح لتناول الفطور، والناس يعرفون عن هذه الجمعية من خلال ما يخبره الأشخاص الذين يقصدون الجمعية، والآن يأتينا اناس من كل المناطق اللبنانية اذ تأتي عائلات من بعلبك والهرمل والبقاع وطرابلس وغيرها من المناطق، مع العلم ان تلك العائلات كانت تعاني من العوز من قبل وليس الآن.

ــ وهل ما يقدمه الناس يكفي لتأمين حاجيات الفقراء خصوصاً ان عدد الفقراء في لبنان الى تزايد؟

- يسوع يبارك ما يُقدم لنا لذا لا افكر بذلك لأنني ادرك ان ما يُقدم لنا سيكفي.

ــ اليوم بتنا نرى مبادرات هنا وهناك...

- صحيح عمل الخير ينتشر والناس يقومون بالمبادرات من تلقاء أنفسهم لمساعدة الفقراء والمعوزين، والشعب اللبناني <بيكبّر القلب> لأنه لا يترك أخيه الانسان في حالة عوز، وبصراحة منذ سنتين لمست وتأكدت بأن <الدني بألف خير> لأنه لولا فاعلو الخير لما تمكنا من القيام بما نقوم به الآن.

دور وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي!

 

ــ نرى على صفحات الـ<فايسبوك> دعوات لمساعدة الفقراء وتقدمة غداء ووجبات...

- هذا صحيح لأن الناس يشاركون بعضهم البعض بكل شيء اذ يتكاتفون بكل محبة، كما ان اللبناني يتحلى بالرحمة ولهذا نصمد بالرغم من الظروف الصعبة، كما ان الناس يحبون بعضهم البعض ولا يتوانون بمد يد العون عند الحاجة، اذ ان شريحة كبيرة من الناس تحب ان تساعد، فأهل الخير كثيرون في لبنان، كما ان هناك أهل الخير الذين يتصلون بنا من مختلف البلدان لتقديم المساعدة للفقراء والمعوزين، وطبعاً لولا وسائل التواصل الاجتماعي لما استطعنا ان نقوم بهذه المبادرة، اذ اصبحت مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة لايصال صوت الناس لأن الوجع كبير، واذا لم نتعاون معاً فستكون المعاناة أكبر بكثير.

ــ وماذا عن دور الاعلام بتسليط الضوء على الفقراء المنتشرين في كل لبنان؟

- لا شك ان الاعلام يلعب دوراً مهماً بتسليط الضوء على هذا الواقع المرير، وأيضاً من حيث مواكبة نشاطات المبادرات التي يطلقها الناس لأنه بواسطة الاعلام نقدر ان نصل الى فاعلي الخير ليساعدوا الفقراء اينما كانوا.

ــ وماذا تحضرين لعيد الميلاد؟

- هذا العام لا أحضر شيئاً لعيد الميلاد وقد كتبت على صفحة الـ<فايسبوك> اننا لا نريد الألعاب بل نريد تقديم الطعام للناس، وانني اسلّم الأمر ليسوع بأن يهتم بنا ويرسل لنا ما يلزم لاطعام المعوزين.

ــ وماذا تتمنين؟

- اتمنى من كل الناس ان يساعدوا بعضهم البعض، طبعاً نحن لن نخفي الجوع ولكن نقدر ان نقلله بفضل اهل الخير. بالنسبة لي فانني اؤمن بقدرة الرب ومحبته وأسلم كل أموري له ولا افكر بالغد بل اعيش كل يوم بيومه.

ــ وهل تأثرت بشخص ما لهذه الناحية؟

- لقد تأثرت كثيراً بالأم تيريزا، واشعر انها غادرت الدنيا وقلبها لا يزال هنا، كما اعتقد انها كانت تتمنى لو انها لا تزال على الأرض لتساعد الفقراء لان نسبة الفقر تزداد في كل مكان.