بقلم وردية بطرس
على تلة جميلة في عاليتا - قضاء جبيل يتربع متحف الفن المعاصر <MACAM- Modern & Contemporary Art Museum> الذي كان مصنعاً في فترة السبعينات وحولّه المؤرخ الفني اللبناني سيزار نمّور الى فضاء يحتضن منحوتات وأعمالاً فنية مهمة. وقبل العام 2013 كان المكان يتألف من مصنعين مهجورين يعودان الى فترة السبعينات: أحدهما ينتج الأقلام الشمعية الملونة، والطبشور الأبيض والملون، والألوان المائية، وألواح الكتابة للأطفال والمدارس، والثاني ينتج أكياس ورق <الكرافت> في طيات متعددة للترابة والكلس. وبعد تأهيلهما وبفضل مبادرة سيزار نمّور تحوّلت الآلات الحديدية التي كانت في الداخل الى منحوتات وأعمال فنية. وبداية المشروع كانت مع تأسيس <جمعية الفن المعاصر- عاليتا> وهي جمعية لا تتوخى الربح، وبعد الحصول على قطعة الأرض استكمل سيزار نمور رحلة توثيق الفن اللبناني التي كان قد بدأها في جريدة <النهار> في سبعينات القرن الماضي... ان <مقام> هو مشروع نما من خبرة وانجازات سيزار نمور حيث كتب عن الفن وأسس أنشطة عدة ومؤسسات مهتمة بالفن. ولقد بدأ العديد من الفنانين بارسال أعمالهم الى نمور اما للعرض واما للترميم، فتطورت ثقتهم به وكبرت مجموعة الأعمال الفنية وسرعان ما اضطر الى البحث عن مكان عرض ذي مساحة شاسعة. ويقع المتحف في قلب الطبيعة حيث يجمع مساحات داخلية وحدائق في الخارج تحتوي على منحوتات خارجية، اذ تبلغ ملكية <مقام> 4000 متر مربع. وتوجد مكتبة متخصصة ومركز أرشيفي. ويهتم المتحف بالتوعية والتربية الفنية، اذ تُقام محاضرات وورش عمل على مدار السنة، بما فيها نشاطات لتلاميذ المدارس والجامعات، كما يقيم مسابقات فنية ومنها مسابقة النحت بالخشب، والنحت بالبرونز وبالحديد. بالاضافة الى ذلك يقوم المتحف بدعوة فنانين عالميين للاقامة في لبنان مؤقتاً للقيام بابداعات فنية... ومن يزور المتحف تطالعه قاعة واسعة خُصصت للمنحوتات اللبنانية الحديثة، حيث استدعى سيزار نمور منحوتات لأبرز وجوه النحت في لبنان. وقد قسمت الأعمال الى أربعة أقسام: معدن، وخشب، وحجر، وخزف. اذ تُعرض لكل فنان منحوتة او أكثر مرفقة بتعريف عنه ولمحة عن أعماله. هذا الفن الذي لم يأخذ حقه في لبنان، فيأخذ نمور على عاتقه جمعه وتوثيقه، وبعض هذه الأعمال جمعها من أصدقائه، فيما البعض الآخر هي من مجموعة نمور الخاصة. ويستمتع الزائر بمشاهدة أعمال لرواد النحت اللبناني الحديث أمثال يوسف الحويك، الاخوة بصبوص، ومروان صالح وغيرهم، وصولاً الى أحدث النحاتين اللبنانيين.
مؤسس المتحف سيزار نمور وفكرة انشاء المتحف!
<الأفكار> زارت المتحف وجالت في أرجائه مع مؤرخ تاريخ الفن في لبنان سيزار نمور ليطلعنا على أهمية انشاء هذا المتحف، وعن أهدافه ونشاطاته، ونسأله عن سبب اهتمامه بجمع الأعمال الفنية وتوثيقها ووضعها في المتحف فيقول:
- في السابق كنت اكتب في النهار العربي والدولي، وعندما تراجع العمل رحت ادرس عن تاريخ الفن. كنت قد درست ادارة الاعمال في الجامعة الأميركية في بيروت وفي أميركا، وعملت في الصناعة طوال حياتي، وبدأت العمل هنا كمدير مصنع الكلس ثم بالتدريج أسست سبعة معامل، وتحولت هذه المنطقة في عاليتا الى صناعية، ولكنها توقفت منذ حوالى عشرين سنة. وكانت لدي هواية للفن منذ الخمسينات تحديداً منذ 1957 اذ تعرفت الى فنانين عدة منهم ميشال بصبوص، ومنير عيدو، ومنير نجم وبدأت أولاً بجمع الأعمال الفنية، ثم في العام 1972 فتحت غاليري اسميته <Contact Gallery> في الحمرا، ثم انجزت ثلاث غاليريهات كهواية. ثم رحت أكتب اذ شجعني الشاعر والصحافي أنسي الحاج على الكتابة، وبعده شوقي ابو شقرا. وعندما توقفت عن الكتابة قررت ان اطبع مقالاتي فقسمتها الى مقالات عن النحت، ومقالات عن الرسم. وأسست دار نشر ونشرت الكتابين واحد عن الرسم وواحد عن النحت، ومنذ ذلك الوقت لغاية اليوم نشرت 25 كتاباً عن الفن اللبناني، غالبيتها باللغة الانكليزية، واثنان منها فقط باللغة العربية.
وعن اهتمامه بكتب الفن يقول:
- عندما عُينت بيروت العاصمة العالمية للكتاب في العام 1999 قررت ان اقيم معرضاً عن الكتاب الفني وآنذاك طلبت من وزارة الثقافة دعمي اذ ساعدتني بالتمويل، وأقمت معرضاً جميلاً في الأونيسكو في بيروت، ثم كررته أربع مرات اذ كان يلقى اقبالاً كبيراً. وفي أول معرض عرضت طاولة طويلة تقريباً ثلاثة أمتار تضم كتب الفن، اذ لاقى رواجاً كبيراً وعندها قررت الا أعيد الكتب الى المنزل بعدما رأيت اهتمام الناس بها، فقررت ان افتح مكتبة عامة واضع تلك الكتب فيها ليستفيد منها الناس وهكذا حصل، اذ بقيت المكتبة لمدة عشر سنوات، ثم اقفلتها في كانون الأول (ديسمبر) 2018 لكي اجمع كل الكتب والأرشيف في مكان واحد.
وأضاف:
- كما ذكرت بأنني كنت أهتم بكتب الفن وتحديداً الفن المعاصر، لذا أردت ان اجري دراسة عن الفن المعاصر، اذ تحدثت مع الفنانين ولكن الأمور آنذاك لم تكن كما هي في الوقت الحالي، اذ كانت المراكز الثقافية تقدم المكان لكي يعرضوا تلك
الأعمال الفنية المعاصرة فقط وليس للبيع، اي لم تكن تُعرض في الغاليريهات اذ ما ان ينتهي المعرض يُفكك العمل الفني المعاصر ولا يعود موجوداً. ولأنني أهتم باعادة بناء التراث الفني اللبناني ولدي نشرة تصدر منذ عشر سنوات باللغة الانكليزية، توجهت الى الفنانين وقلت لهم بأننا مستعدون ان نحافظ على أعمالهم المعاصرة، وبامكانهم ان يستعيدوا تلك الأعمال ساعة يشاؤون، وبالفعل بدأ الفنانون باحضار أعمالهم لعرضها، وعندما أصبح عدد تلك الأعمال الفنية كبيراً ولم يعد المكان يتسع لها، ولأنه بالأساس كانت لدي مجموعة كبيرة من المنحوتات تقريباً 40 منحوتة، قلت لماذا لا اجمع هذه المنحوتات والأعمال الفنية المعاصرة في متحف، فأسست <جمعية الفن المعاصر - عاليتا>، وهكذا نشأ المتحف الذي يُعّد أكبر متحف في لبنان حيث تتولى الجمعية ادارة المتحف الذي يفتح أبوابه امام الزوار على مدار السنة.
أهداف المتحف!
ــ ما كان الهدف من انشاء المتحف؟
- لدى المتحف هدفان، الهدف الأول: اعادة الذاكرة الفنية في لبنان والمحافظة عليها وتوثيقها بمعنى مثلاً في الأرشيف لدينا اكثر من 500 ملف عن الفنانين اللبنانيين اذ نجمع المعلومات عنهم، ولدينا اكثر من 100 ملف عن الغاليريهات التي توقفت اذ نقوم بجمع المعلومات عنها، وبهذا الشكل نعيد بناء التراث الفني اللبناني قبل ان يندثر، اذ اشعر انه من واجبي ان احافظ عليه كوني اعمل في هذا المجال منذ وقت طويل، اذ منذ 1957 تعرفت الى العديد من الفنانين. والهدف الثاني: تعليم الأجيال الشابة عن الفن المعاصر، اذ يقوم المتحف بالاتصال بالمدارس لكي يزور تلاميذها هذا المتحف. ولقد قمنا باعداد كتيب باللغة الفرنسية وذلك بمساعدة المركز الثقافي الفرنسي في جونيه، وعندما يزور تلاميذ المدارس المتحف نقدم لهم هذه المنشورات ويقوم المرشد داخل المتحف بالشرح عن محتويات المتحف، وبدورهم يجيب التلاميذ عن الأسئلة التي يطرحها عليهم المرشد، وبعد كل دورة يأتي التلاميذ الذين تتراوح اعمارهم بين 6 و 14 سنة ليشاركوا في ورش العمل، كما يقومون باعادة التدوير. وقبل ان يأتي التلاميذ نرسل المنشورات الى المعلمين والمعلمات لتحضيرهم قبل زيارة المتحف، وبعد الزيارة يتحدثون عن المتحف وعن محتوياته.
واستطرد قائلاً:
- يستمتع التلاميذ في أحضان الطبيعة المحيطة بالمتحف، وأحياناً يأتينا 100 تلميذ او 140 تلميذاً، اذ نقوم بتقسيمهم الى مجموعات وكل مجموعة تضم 15 تلميذاً او 20 تلميذاً كحد أقصى، وكل مجموعة تشارك في نشاط معين، مثلاً يكون هناك قسم مخصص لورشة عمل بالطين، وقسم ورشة عمل مخصص للرسم، وقسم مخصص في الطبيعة لكي يلعب التلاميذ ويستمتعوا بوقتهم ايضاً. وتبدأ الزيارة دائماً بجولة في الطبيعة اذ يمشي التلاميذ أقله لمدة 15 او 20 دقيقة في أحضان الطبيعة، ثم نحدثهم عن وادي أدونيس الذي يروه من على هذه التلة في عاليتا. وبالنسبة للكبار فيهتمون بزيارة المتحف أيضاً، اذ لغاية اليوم زار المتحف اكثر من 17 ألف شخص وتقريباً جميعهم من بيروت.
نشاطات المتحف!
ــ ماذا عن نشاطات المتحف؟ والمسابقات التي يجريها المتحف لتشجيع الفنانين لابراز مواهبهم وابداعهم؟
- كل سنة نركز على مادة معينة اذ نقيم معرض استعادة لأهم فنان عمل بالمادة، وفي الوقت نفسه ننظم مسابقة بين الفنانين بالمادة نفسها ونقدم الجوائز لثلاثة فنانين قاموا بأهم أعمال بهذه المادة، وطبعاً تكون هناك لجنة تقرر ذلك. مثلاً بدأنا بمادة البرونز اذ أقمنا معرضاً للفنان <زافين هاديشيان> وهو اهم فنان عمل بالبرونز اذ توفي منذ سنة، وفي الوقت نفسه نظمنا مسابقة... وبعدها اقمنا معرضاً للخشب للفنان يوسف بصبوص (شقيق الفنان ميشال بصبوص) وهو أول نحات عصري عمل بالخشب بشكل كبير ونظمنا مسابقة وقدمنا الجوائز. ثم أقمنا معرضاً عن الحديد، ومعرضاً لبولس ريشا وهو حدّاد عربي وليس متعلماً ولكنه عمل بالحديد طوال حياته، اذ أعددنا كتاباً عنه، وأقمنا معرضاً له ومسابقة بين الفنانين. وأقمنا معرض استعادة للفنان الراحل <شوشو> اذ استغربت ان الجيل الجديد لا يعرف عن <شوشو> فقمنا بعرض صور لـ25 مسرحية قدمها الفنان <شوشو> بمسرحه الخاص، ووضعنا حوالى 12 تلفزيوناً لكي يشاهدوا أفلامه وأعماله المسرحية. ثم أقمنا معرضاً عن السيراميك اذ اقمنا معرض استعادة للفنانة سلهب كاظمي وهي اول فنانة تعمل بالسيراميك في لبنان اذ توفيت في العام 1990، ثم اقمنا مسابقة بالسيراميك اذ شارك فيها 48 متخصصاً بالسيراميك وهم اساتذة فن في الجامعات فكان معرضاً جميلاً ومهماً وقدمنا الجوائز...
وأضاف:
- في العام الماضي اقمنا <فن الفيديو> وهو معرض استعادة لجوسلين صعب اذ توفيت منذ شهرين وكان مهماً، ونظمنا أيضاً مسابقة.
معرض عن حقوق الانسان!
وعن معرض حقوق الانسان يقول:
- هذه السنة قررنا الا نعمل بالمادة بل ان نعمل بالمبدأ فصادف في كانون الأول (ديسمبر) الماضي ان كان تاريخ ذكرى مرور 70 سنة على اعلان حقوق الانسان، فأقمنا احتفالاً كبيراً واعلنا هذه السنة انها سنة حقوق الانسان. وما سنقوم به: اولاً لدينا حائط طوله 60 متراً مقسّم الى 12 قسماً، وكل قسم يمتد 5 أمتار او 4 أمتار، اذ ننظم مسابقة بين فناني <الغرافيتي> اذ يأتون ليرسمــــوا عليــــــه أمــــــوراً تتعلــــــق بحقــــــوق الانســـــان، اذ سيرسمـــــون على مــــــدار السنـــــة، وفي آخر السنة سنفتتـــــح المعــــــرض لكــــــل الفنانــــــين الذيــــــن تقدمـــــوا بمشاريــــع ورسمـــــوا علــــى الحائــــــط. والأمـــــــر الثاني <Bennali Of Contemporary Art> و<بينالي> هو المعـــــــرض الــــــذي يُقــــــام كـــــــل سنتــــــين في دول العـــــــالم، وأهم <بينالي> يُقام في <فينيسيا> وبدأ لبنان يشارك فيه، وكنا أول من نظم <بينالي> في لبنان منذ سنتين، والآن ننظم نشاطات أيضاً عن حقوق الانسان. كما سنخصص كل مقعد في الحدائق المجاورة للمتحف لموضوع من مواضيع حقوق الانسان، وقريباً سنبدأ مع فنانين كبار وواحد منهم الفنان اللبناني <اشكمان> اذ سيرسم على الحائط، وطبعـــاً سندعـــو اساتــــذة المدارس ليتحــــاوروا معــــــه ويــــــروا كيف يعمل، كما سيأتي نحـــــــات مــــن بلجيكــــــا اذ نحضــــــر لــــــه حجـــــــراً كبـــــــيراً يبلـــــغ حـــــوالى متريـــــــن او ثلاثـــــــة امتـــــــار ليقــــوم بالنحت حول موضوع يتعلق بحقوق الانسان اذ نقـــدم لــــه التسهيــــلات ومـــن ثم نقيم المعرض. ولدينا بيت الضيافة بالوقت الحاضر الذي يستقبل خمسة أشخاص يقضــــون وقتــــاً هنـــا ويعملون في الوقت نفسه، وبالنسبة للحائــــط فيتولى الاتحاد الأوروبي التكاليف المباشرة له.
ــ وهل المتحف مدرج ضمن لائحة المتاحف؟
- المتحف عضو في المؤسسة العالمية للمتاحف، وأيضاً المتحف مدرج ضمن لائحة المتاحف في لبنان بوزارة الثقافة. وكنا قد اعلمنا وزارة السياحة عن نشاطاتنا لتشجيع الناس والسياح لزيارة المتحف، ولكن الوزارة اجابتنا بأنها تريد تشجيع السياحة الريفية، فقمنا باعداد <منشور> عن المناطق الجميلة والأماكن السياحية المحيطة بالمتحف وبالتالي بامكان الزوار ان يستمتعوا بزيارة هذه الأماكن والمتحف في الوقت نفسه.