بقلم عبير انطون
الدكتور كامل مهنا يصدر كتابه الجديد: هكذا تساهم "مؤسسة عامل والقطاع المدني بمنع تفكك المجتمع اللبناني"
[caption id="attachment_86151" align="alignleft" width="188"] عامل مرشحة لنوبل السلام.[/caption]
صدر لرئيس مؤسسة "عامل اللبنانية والدولية" والمنسق العام لتجمع الهيئات الأهلية التطوعية في لبنان ومنسق عام تجمع المنظمات الأهلية العربية والخبير في منظمة الصحة العالمية، الدكتور كامل مهنا، كتاب "الصحة من نيران الحرب إلى تداعيات الجائحة، مؤسسة عامل والقطاع المدني يمنعان تفكك المجتمع اللبناني"، وفيه يقدم الطبيب تجربته وتجربة المؤسسة التي يرأسها، وهيئات المجتمع المدني في ميدان الصحة في لبنان، مستعرضاً الإشكالات التي يواجهها المجتمع اللبناني على مستوى صحة أبنائه. ويطرح وجهة نظره في الحلول الممكنة، بالاعتماد على مقاربات الواقع الصحي العالمي والمحلي، من دون أن ينسى مخاطر فيروس "كورونا" والأزمات والخسائر التي تسبب بها على مستويي الاقتصاد العالمي والنزف البشري.
فماذا يقول الطبيب المعروف بنضاله الانساني على مستوى لبنان والعالم حول الاصدار الجديد؟ كيف واجهت مؤسسته الفيروس المستجد والذي اتى متلازماً مع الضائقة المعيشية، وماذا عن جديد المؤسسة المعروفة مذ تم تأسيسها بتضميد الكثير من الجراح واطعام الافواه الجائعة ونصرة والحقوق وحرية التعبير تماماً كما مساهمتها في تأمين الرعاية الصحية والتعليمية الى غيرها الكثير؟ وما الذي قاله مهنا لوزير الخارجية الفرنسي "جان ايف لودريان" الذي زار مركز عامل إثر زيارته لبلد الأرز، وللرئيس "ايمانويل ماكرون" من بعده؟
[caption id="attachment_86149" align="alignleft" width="188"] التضامن في كل شيء.[/caption]في لقاء "الأفكار" مع الطبيب المرشحة مؤسسته لحمل جائزة نوبل للسلام كان السؤال الأول:
- بين الالقاب العديدة المستحقة التي تحملها انك خبير في منظمة الصحة العالمية. كيف تقيّم تعاطي المنظمة العالمية مع فيروس "كورونا؟"
الـ"كوفيد 19" شكل مفاجاة للجميع. عرف العالم قبله اوبئة كثيرة، الا ان اي وباء لم تكن له تداعيات كما هذا الفيروس. لقد شلّ العالم كله، ولذلك فإن العالم ما قبل "الكوفيد 19" ليس كما بعده.هناك عادات وسلوك ومؤسسات ستتغير وكذلك العديد من المهن. منظمة الصحة العالمية بدورها فوجئت بالوباء الذي انتشر بسرعة، وما زالت تبرز منه سلالات جديدة. الكلّ تلبك، وتدخلت السياسة، حتى ان الرئيس الاميركي السابق "دونالد ترامب" قال انه من صنع مختبرات الصين. الارتباك الذي عمّ كل القطاعات شمل ايضاً منظمة الصحة العالمية، وهناك مثل يقول: وحدها اليد التي تعمل هي اليد التي تخطئ. الا انه في النهاية، علينا ان نؤمن بما يقوله العلم. قد تكون هناك مصالح واهواء، وخلافات سياسية الا ان المختبرات لا تقوم الا بعملها. القصة تتكرر مع اللقاح اليوم، الناس في نقاش بين أن يتم اخذه او لا، في حين ان العمل على اللقاح لا يمكن ان يكون فيه إيذاء للناس والبشرية. فما قضى تاريخياً على الاوبئة كانت اللقاحات. المهم تشغيل العقل.
- إذا نظرية المؤامرة، هنا وهناك ليست صحيحة...
لا اصل لها .
- كطبيب ممارس منذ مدة طويلة، اي لقاح تنصح به؟
اي لقاح متوافّر احصلوا عليه. لقد تراجع الـ"كوفيد 19 " مع اللقاح من حول العالم بنسبة 18 في المئة. هذا وحده ما يمكن ان يخفف من الجائحة وتداعياتها، وقد بدأ يعطي نتائجه.
[caption id="attachment_86152" align="alignleft" width="375"] فحوصات الـ"بي سي آر".[/caption]- ووزارة الصحة في لبنان، هل كانت إدارتها للازمة كما هو مرتجى؟
كما الجميع فاجأها ايضاً. حتى في دول مثل فرنسا واميركا وصلوا الى مرحلة ما عادوا قادرين فيها على تصنيع الكمامات، علماً انني اعتقد ان كان ذلك بإمكانهم..هنا ربما نظرية المؤامرة قد تصح مع ما قيل انه مطلوب التخلص من المسنين لأن النظام الرأسمالي يفتش على الربح. الأزمة طرحت أسئلة من مثل "هل تكون جائحة "كورونا" مناسبة تتيح للنظام السائد التخلص من كل ما يثقل ميزانياته التي تئن تحت وطأة تباطؤ عجلة الاقتصاد العالمي، وتحت زيادة النفقات الحكومية على الأمن والتسلح، وضعف حركة التجارة العالمية؟ لقد سرِب ان الجسم التمريضي اصيب بعضه بحالات عصبية في إحدى الدول إذ كان يطلب منه انهاء حياة من تقدموا في السن، وبعض الشباب اعربوا عن ارتياحهم بأن وجدوا بيوت اهلهم واجدادهم خالية. هذا هو النظام الرأسمالي الذي لا يعمل على تأمين العدالة بين الجميع. الولايات المتحدة مثلاً، يطلقون عليها تسمية الواحد بالمئة، بمعنى ان هؤلاء يملكون 20 في المئة من مقدرات اميركا. في باريس حتى، هناك فارق مائة عام بين حي وآخر في المنطقة ذاتها. كنت مرة ضيف شرف لاطباء العالم في اجتماع الهيئة العامة، واستضافوني عند منطقة "سان دني" التي تقسم الى احياء شياكة تامة واحياء بؤس كما حي السلم عندنا، فقررت تأسيس "عامل الدولية" للمساعدة، وقد باتت لنا "عامل" في كل من فرنسا واميركا وسويسرا وبلجيكا وقريباً في شاطئ العاج وسيراليون، وبذلك تكون هذه المرة الاولى التي نساعد فيها نحن في الشرق تلك الفئات الضعيفة والمهمشة في الغرب، ودائماً تحت شعارنا "التضامن وليس الشفقة".
-وتتعاونون مع الدول الموجودة فيها تلك الفئات المهمشة؟
يتم العمل مع البلديات والمؤسسات الاجتماعية والجامعات. نحن مثلاً نقوم اليوم في بلجيكا وفي فرنسا واميركا بأبحاث ومشاريع بالتعاون مع الجامعات. في هذه البلدان يحترمون جداً عملاً مماثلاً. انا في لبنان اعمل منذ خمسين سنة مع ما يزيد عن 10 مليون خدمة للبنانيين و3 ملايين وللفلسطينيين و4 لاخواننا السوريين والمؤسسة مرشحة للمرة الخامسة لجائزة نوبل للسلام، ولا انتظر شكراً من أحد، واعمل من دون اية منة . هناك مجمتعات العرفان ومجتمعات البرهان. في الثانية اذا نحجت تترقين. في مجتعات العرفان المهم الولاء وليس الاداء، ولا تقدير للدور. في البلدان المتقدمة يحترمون ما نقوم به ويعتبرون اننا نقوم بالدور المفترض ان يقوموا هم به، ويهبّون للمساعدة.
[caption id="attachment_86150" align="alignleft" width="444"] الدكتور كامل مهنا مع الوزير "جان ايف لودريان" والسفير الفرنسي السابق "برونو فوشيه".[/caption]- تقدم في كتابك الأخير مؤسسة عامل والقطاع المدني نموذجا "يمنع تفكك المجتمع اللبناني" ، كيف ذلك؟
لأذكّر أولاً بولادة مؤسسة عامل، وهي جمعية مدنية غير طائفية تأسست في العام 1979 بعد الغزو الاسرائيلي لجنوب لبنان. قبلها كنت اشتغل بالمخيمات اكثر، وكنت أسست جمعية النجدة الاجتماعية اللبنانية وكنت في حصار تل الزعتر والنبعة، وهناك التقيت بالسيد كوشنير وكان حينها رئيس منظمة "اطباء بلا حدود"، ولاجل ذلك صار التعاون فيما بعد لمّا صار وزيراً ونقل 550 جريحاً لتطبيبهم في فرنسا. لـ"عامل" اليوم 26 مركزاً، وست عيادات نقالة وباصان تعليميان جوالان، وعيادة طبية لرعاية أطفال الشوارع هي الوحيدة في لبنان، كما تضم مؤسستنا ألف متفرغ، 85 في المئة منهم من صبايا الجيل الجديد، كما ان مراكزنا موزعة في مختلف المناطق اللبنانية، وأشير هنا اننا اسسنا منذ اكثر من أربعين عاماً مركزاً في عرسال البقاعية، حاول عناصر "داعش" حرقه ، فحموه الناس. ومع انفجار المرفأ في الرابع من آب (اغسطس) الماضي ، افتتحنا مركزاً جديداً في عين الرمانة وفي الاشرفية - كرم الزيتون، كما في برج حمود، وكفرحمام في منطقة العرقوب وهو مركز الرعاية الصحية الاولية مع وزارة الصحة.
ويضيف الدكتور مهنا:
نحن نعمل وفقاً لخمس نقاط، اولها ان اي عمل انساني لا يكون في المناطق الشعبية ليس عملا انسانياً. بعض الجمعيات تتغنى بالديمقراطية في الفنادق، ولا الاغنياء يقل عددهم ولا الفقراء. ونحن نؤمن بأن الديمقراطية لا يمكن ان تتم من دون تنمية، ومن دون تضامن. التضامن وليس الشفقة، او تلك اليد التي تأتي من فوق، والتنمية تكون مع الناس وليس باسمهم. كذلك نحن نعمل على ثقافة الحقوق: حق الناس بالتعبير والصحة والتعليم، كما اننا ضد ازدواجية المعايير. لو جرح انسان في بلد غربي، تقوم الدنيا ولا تقعد، ويموت المئات في سوريا وفلسطين والعراق واليمن ولا من يحكي. هناك تمييز كبير ما بين الشرق والغرب. كذلك، نحن مع توزيع عادل للثروات وطنياً وقومياً. في لبنان 8 الاف شخص يملكون "نص لبنان"، وعالمياً 20 في المئة يملكون 80 بالمئة من المقدرات، وهذا غير عادل. من الضروري إقامة دولة العدالة الاجتماعية، والمشاركة ما بين القطاع العام والقطاع الخاص. والمؤسسات الانسانية يجب ان تشكل قوى ضاغطة من اجل تصويب السياسات لما فيه مصلحة الفئات الشعبية والمهمشة، واي عمل انساني يجب ان يكون مع القضايا العادلة للشعوب وعلى رأسها قضية فلسطين. فمن خلال مختلف ما اثرته، ووقوف مؤسسة عامل الى جانب الشعب اللبناني وكل من يعيش على أرضه، وفي مختلف المراحل الصعبة، فضلاً عن الدعم الدائم للحقوق العادلة والشؤون الانسانية والعمل على المساعدة ، ساهمنا كمؤسسة في عدم تفككك المجتمع اللبناني. اما آخر أدوارنا، فكان من خلال تعاطي المؤسسة ومساعداتها في مجال الفيروس المستجد.
[caption id="attachment_86147" align="alignleft" width="167"] الدكتور كامل مهنا: لا يوجد مجتمع مدني قوي من دون دولة قوية.[/caption]-قبل ان نفند جوانب هذه المساعدة، اليست بعض العناوين التي حدثتنا عنها، ما هو "اوتوبي" وخيالي نوعاً ما ؟
ليس فيها اي نوع من الأوتوبيا. هذه العناوين تبقى الاساس، واي عمل او مؤسسة لا تنجح من دون رؤية. مؤسسة عامل تكبر وتتطور لأن هناك رؤية تسير وفقها، وعندما نضع الرؤية لا نقع في الصغائر. الانظمة العربية كلها لم تؤمن كرامة الناس ولا حقها بالتعبير وبالصحة وبالسكن وبالبيئة السليمة وبفرص العمل. هاجسنا الاكبر بات الكهرباء، صارت هذه طموحاً لنا. تصوروا. كرامة الانسان، هي الاساس، من دون اي تمييز او تفرقة فـ"الخلق كلهم عيال الله". ونحن في عامل نشكّل نموذجاً للتغيير.
- نصل الى تجربة "عامل" مع كورونا. بم تميزت؟
عامل بالأصل هي مؤسسة طوارئ تأسست بعد الغزو الاسرائيلي وانشأنا حينها ثلاثة مستشفيات تحت الارض ومراكز مختلفة مع 30 سيارة اسعاف وعالجنا آلاف الجرحى وزودنا الاطراف الاصطناعية لمحتاجيها مع الحكومة الهولندية، فتجربتنا قوية جداً. الا انه وقبل الـ"كوفيد" لا بد ان اشير انه مع اندلاع الازمة المعيشية في البلد، عرفت اننا متجهون اقتصادياً الى وضع سيئ، فتوجهت مع المنسق المقيم للأمم المتحدة منسق الشؤون الإنسانية "فيليب لازاريني" ترافقه ممثلة منظمة الصحة العالمية في لبنان الدكتورة إيمان شنكيتي ورئيسة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية "سيفرين راي"، الى مركز عامل في منطقة كامد اللوز في البقاع الغربي، ودعوتهم، بعد ان تعرفوا الى شكاوى الناس ووقوفهم عندما استمعوا اليهم وبينهم ان سيدة لا تأكل الا مرة في اليوم لعدم توافر الطعام واخرى جعلت اولادها يتركون المدرسة الرسمية لأنها عاجزة عن دفع الرسوم، إلى "ضرورة إطلاق نداء أممي عاجل بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني المحلية من أجل مساندة الشعب اللبناني في محنته الاقتصادية". وصودف انه مع اطلاق النداء فاجأنا الـ"كوفيد" فجمعت كادر المؤسسة ووضعنا موازنة للمواجهة، وطلبت منهم تأمين ما استلزمه "كورونا" من كمامات ومعقمات واقمنا غرف عزل، وفحوصات الـ"بي سي آر" وكان لنا اجتماعات مع مختلف الجمعيات الكبيرة بينها الجمعيات الفلسطينية، كما اقمنا اجتماعاً مع المنظمات الدولية ومع وزير الصحة حمد حسن وكان تحركنا فاعلاً على مختلف الجبهات لاسيما على الارض، وشارك 50 شخصاً من المؤسسة مع وزارة الصحة في "مركز الاتصال" كما في "الترصد الوبائي" وفي القيام بفحوصات الـ"بي سي ار". كذلك كان للمؤسسة تعامل مع الحالات المشكوك فيها في المناطق الشعبية اللبنانية ومخيمات النازحين فكنا نقوم بتحويلها وأخذ العينات بالتعاون مع الجامعة اليسوعية ومستشفى "اوتيل ديو" ومؤسسة "موريو". ومع وصول المستشفيات في لبنان، الذي كان مستشفى العرب، الى عدم القدرة على استيعاب مرضى جدد، اشترينا كمية كبيرة من اجهزة التنفس، فضلاً عن الأدوية الضرورية، ورحنا نتعاون مع العديد من البلديات لتطبيب من تسنح حالتهم في بيوتهم مع طبيب وممرضتين، هذا فضلاً عن توزيع المساعدات الغذائية على محتاجيها وسط خصوصية تامة، وليس للاسف كما تقوم به بعض الشاشات إذ تتاجر بمآسي الناس وبؤسها . ممنوع تصوير اي وجه ونحن نقدم له الإعانة. الكرامة الانسانية هي اولى خطوات حركة تقدم المجتمع والتحرر الانساني.
"العتّال"...
[caption id="attachment_86148" align="alignleft" width="375"] مساعدات للنازحين.[/caption]- تحدثت عن دور المجتمع المدني، ونرى سهاماً تصوب على الكثير من الجمعيات مع اتهامها بالتخوين والارتهان وتنفيذ الاجندات. من خلال تجربتك الطويلة، هل تجد في ذلك ما هو محق؟
المجتمع المدني صار شماعة.للسلطة مجتمعها المدني. للمعارضة أيضا، كما للذين ما بينهما، وسبق واشرت من جانبي الى الجمعيات التي تتحدث عن الديمقراطية في الفنادق. فمع تراجع دور الاحزاب الايديولوجية، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، واحادية القطب الاميركي، ظهرت هذه المؤسسات التي كان لها في البداية دور احساني وصار دورها مناصرا، وتسميها الامم المتحدة "القطاع الثالث". ربما تتلقى بعض الجمعيات المساعدات، وربما تنفذ سياسات خارجية ، لكن هل بمقدورها مثلا ان تنزل 40 مليون مصري الى الشارع في العام 2011 لولا المعاناة والبؤس،حتى ولو قيل انه انفق 500مليون دولار للجمعيات والمؤسسات؟
ثم إن جمعيات المجتمع المدني يجب ان تكون محصنة في وجه الارتهان. شاهدني مرة رئيس دولة عربية على احدى الشاشات فاعجب بما اتحدث به، فطلبني مرتين للمساهمة للمؤسسة بعشرين مليون دولار، ورفضت. حتى مساعدات الـ" US AID" لا أقبلها ، وانا أحترم الشعب الاميركي واتعاون مع جمعيات اميركية عديدة لكن الادارة الاميركية ربما تطبق الديموقراطية في بلادها الا انها تدعم اسرائيل بطريقة عمياء. وانا اواجههم بذلك، ويحترمون رأيي لأن عندهم حرية التعبير. منذ مدة اتصلت بي صحافية في الـ"واشنطن بوست" سبق وأجرت لقاءً معي لتنبأني انها وضعت اسم "مؤسسة عامل" على قائمة مساعدات سوف يتم ارسالها فاعتذرت. فبعض الدول تعطي مساعدات لاهداف سياسية، الا اننا لا يجب ان نكون ادوات، ولا رهائن للمساعدات، والكتاب ضمنته شعاراً اعمل وفقه: التعاون مع الشركاء في الغرب على قاعدة الندية، ومن موقع قوة .فأنا فخور بكوني لبنانياً وعربياً. لما زار الوزير " لودريان" مركز عامل اثر زيارته للبنان العام الماضي قلت له ان موقف اوروبا مخز لأنها اغلقت الحدود امام اللاجئين وانها لا تطبق ما نصت عليه اتفاقية جنيف، في حين قدمنا نحن انموذجاً للتضامن. وللرئيس "ماكرون" قلت انني اخجل اننا نحن اللبنانيين الذين استقبلنا الفلسطيني والسوري وعمرنا الخليج وجزءاً من افريقيا واميركا اللاتينية، وبلد العقول والطاقات ، ان نطلب المساعدة والغذاء والدواء، وان نصل الى هذا الدرك، ولم نر المدارس تحتضن من تضرروا.. فما كان من احد الصحافيين الفرنسيين إلا ان كتب:"LE COUP DE GUEULE DE KAMEL MHANNAH". بأي حال، يبقى الأمل بهذا الجيل الجديد الذي هب لكنس الشوارع من الردم والدمار بعد انفجار المرفأ من دون خلفيات سوى الكرامة الانسانية.
[caption id="attachment_86146" align="alignleft" width="333"] اثر زيارة الرئيس "ايمانويل ماكرون" للبنان.[/caption]- في الكتاب تعتبر النظام الصحي في لبنان مهدداً. ما هي برأيك الخطوات الواجبة لانقاذه؟
الآن نحن امام ازمة "كورونا"، التي لا يمكن فصلها عن ضرورة معالجة الازمة المعيشية ايضاً، مع 55 %من اللبنانيين تحت خط الفقر، و22 في المئة حالة فقر مدقع، عدا عن مليون ونصف مليون نازح سوري واربعمئة الف فلسطيني، والناس يتبهدلون. اما في انقاذ النظام الصحي، فيجب توفير معلومات دقيقة عن الأوضاع الصحية في لبنان يعتمد عليها الجميع، وإجراء مسح شامل للقوى الصحية العاملة، وتحديد واضح للاحتياجات المستقبلية، وصوغ سياسة صحية وطنية كفيلة بتأمين الاكتفاء الذاتي، إضافة إلى إعادة تنظيم المراكز الصحية الأهلية والعامة، عبر اعتماد خريطة صحية وطنية شاملة. كذلك من الضروري اعتماد هيكلية إدارية متطورة لوزارة الصحة، تأخذ بعين الاعتبار الطابع التخصصي، فضلاً عن تنظيم مؤسسات العمل المدني على أسس عصرية، وتعزيز دورها في مجال الرعاية الصحية الأولية، وإشراكها في تخطيط وبرمجة وتنفيذ السياسة الصحية الوطنية لتأمين تكامل بين القطاعين العام والخاص والهيئات المدنية.
المهم يضيف مهنا، ان نترك الـ"انا" جانباً لصالح "نحن". سألت مرة نائب المنسق الخاص للأمم المتحدة والممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان "روس ماونتن"، وهو صديق، ما رأيك بلبنان؟ فأجابني: "انتم بلد الطاقات البشرية بامتياز انما نجحتم بالعمل كأفراد ولم توفقوا في العمل كجماعة".
وهذا البلد الذي أرفع شخصياً حوله شعار "لا استقرار ولا انهيار" يتطلب العمل الجماعي، من ضمن تخطيط ورؤية للوصول الى الدولة العادلة القوية، دولة مدنية ديموقراطية ودولة المواطن. فلا يوجد مجتمع مدني قوي من دون دولة قوية.
-حكي كثيراً عن المستشفيات الميدانية التي ارسلت الى لبنان في ظل "كورونا"، ووجدها البعض "من دون فائدة". هل كانت كذلك فعلاً؟
كل شيء اذا احسن استعماله يفيد. وفي اي أمر يمكن توظيف الامكانات لمصلحة الناس. في العام 82 انشأت 3 مستشفيات تحت الارض، والعديد منها في مناطق مختلفة قصفتها اسرائيل وكانت حينها ذات فائدة كبيرة جداً.
- في النهاية نسألك: طرح اسمك وزيراً للصحة من قبل اكثر من فريق وفي اكثر من مرحلة ، ولا تحمل لقب صاحب المعالي هل هو بقرار منك؟
دولة الرئيس تمام سلام كتب اسمي على اللائحة يوم كلف رئيساً للحكومة من دون ان ادري، واستشعرت حينها انها حكومة انقسامية فيما شخصياً اريد ان اعمل، كما ورد اسمي ايضاً في لوائح عديدة طرحت مع تكليف السفير السابق مصطفى اديب والجيد ان اسمي يلقى ارتياحاً من مختلف الجهات. هذا لا يهم، فأنا اسمي نفسي "العتال"،احمل هم الناس وهي تبقى اولويتي، علماً انه في فرنسا يطلقون عليّ لقب "الجامع". وإذا ما اتيحت الفرصة، فإنني لا امتنع عن اي واجب وطني، الا انه عندي شعور بأن وقت من يعملون لخدمة المجتمع من دون منة ومن دون تنفيذ أوامر لم يأت بعد. ونحن سنبقى على حالنا لاننا نعتقد اننا نعيش في الجنة..اخبرني احدهم طرفة ارويها لكم في ختام هذا اللقاء. فقد سأل احدهم: هل تعرفون لماذا ادم وحواء هما من اصل لبناني؟ وأجاب: لأنهم يعيشون من دون ماء ومن دون كهرباء ويسرقون التفاح ليأكلونه... ويعتقدون انهم في الجنة!