تفاصيل الخبر

مؤشران يعكسان دخول لبنان في أزمة حادة:تعذر ولادة الحكومة.. ودعوة الحريري الى تصريف الأعمال!

16/01/2020
مؤشران يعكسان دخول لبنان في أزمة حادة:تعذر ولادة الحكومة.. ودعوة الحريري الى تصريف الأعمال!

مؤشران يعكسان دخول لبنان في أزمة حادة:تعذر ولادة الحكومة.. ودعوة الحريري الى تصريف الأعمال!

مؤشران برزا الأسبوع الماضي على الساحة السياسية اللبنانية يدلان على ان لبنان دخل مرحلة دقيقة من حياته السياسية وسط غموض في ما ستؤول إليه الأوضاع الاقتصادية والمالية المتراجعة. المؤشر الأول هو تراجع منسوب التفاؤل بامكانية تشكيل حكومة جديدة برئاسة الدكتور حسان دياب تخلف حكومة الرئيس سعد الحريري، والثاني تصاعد الدعوة الى عودة حكومة الحريري المستقيلة الى تصريف الأعمال بجدية وليس باستنسابية. كل ذلك وسط حديث متزايد حول انهيار اقتصادي ومالي وشيك لبلد الأرز نتيجة الأزمة المتفاعلة بفعل تمنع المصارف عن الوفاء بالتزاماتها كاملة لأصحاب الودائع، وتلويح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة باتخاذ اجراءات مالية يجيزها قانون النقد والتسليف للحد من تسارع التداعيات السلبية على الوضع العام في البلاد. وبالتزامن يبدو لبنان وحيداً في مواجهة قدره المحتوم، لأن المجتمع الدولي لم يبد حتى الآن اهتماماً حقيقياً بما يجري في لبنان ويكتفي بإسداء النصائح وتوزيع التمنيات وتكرار الملاحظات بضرورة التجاوب مع مطالب الشعب الذي خرج الى الشوارع في 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي ولم يعد بعد مطالباً بالاصلاحات الملحة وبالتغيير المنشود!

وفي الوقت الذي يبدو فيه ان اللبنانيين تُركوا لقدرهم، لا شيء في الأفق يوحي بأن أزمة تشكيل الحكومة ستجد خاتمة سريعة إذا ما استمرت المواقف السياسية على حالها، وظلت اللاءات الثلاث تتحكم بالمشهد السياسي اليومي: لا تأليف حكومة في المدى المنظور،لا لتفعيل حكومة تصريف الأعمال للتعويض عن الفراغ الحكومي المستمر منذ 97 يوماً، ولا انسحاب للرئيس دياب من مهمة التأليف.

هكذا سقط خيار الاختصاصيين!

 

والواقع ان تراجع منسوب التفاؤل بامكانية تشكيل الحكومة الجديدة لم يأتِ من فراغ بل نتج عن سلسلة أحداث قلبت الوضع الحكومي رأساً على عقب. ففي الاجتماع الذي ضم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع الرئيس المكلف في قصر بعبدا قبل أسبوعين قدم الرئيس المكلف لائحة أولية بالحقائب الوزارية وعدد من الأسماء المقترحة لتوليها لم يكن بينها جميع أسماء الوزراء المسيحيين والشيعة لأن الرئيس عون ورئيس <التيار الوطني الحر> لم يحددا أسماء مرشحيهم، في حين لم تكن أسماء الوزراء الشيعة مكتملة لأن الرئيس نبيه بري درج على إعطاء أسماء مرشحيه قبيل إعداد مرسوم تشكيل الحكومة خلال وجوده في قصر بعبدا في اللقاء الذي يسبق صدور المراسيم. وخلال ساعة ونصف الساعة من النقاش خرج الرئيس دياب مبدياً أمله في الاعلان عن تشكيل الحكومة خلال 48 ساعة على أساس ان الرئيس عون وعده بإرسال أسماء الوزراء المسيحيين الذين يقترحهم في اليوم التالي بعد تذليل عقدة توزير الوزير السابق دميانوس قطار ونقله من وزارة الخارجية والمغتربين الى وزارة اخرى قيل آنذاك انها وزارة الاقتصاد والتجارة. لكن هذا الأمر لم يحسمه الرئيس عون الذي طلب اعتماد معايير واحدة في التوزير، ولاسيما استبعاد وزراء سابقين عن الحكومة العتيدة، وهو أمر فسره الرئيس المكلف بأن المقصود وزراء حكومة الرئيس الحريري، في حين قصد الرئيس عون <كل> الوزراء السابقين بمن فيهم الوزير قطّار بعد اعتذار الوزير السابق زياد بارود عن المشاركة في الحكومة. إلا انه في الواقع لم يستحسن الرئيس عون تسمية الرئيس دياب لوزراء مسيحيين <لا يعرفهم> وهو ــ أي الرئيس عون ــ الذي سلّم بأن يسمي دياب الوزراء السنة، ويسمي الثنائي الشيعي الوزراء الشيعة. وهذا الوضع جعل الرئيس دياب يتمسك بحقه بتسمية وزراء مسيحيين واستمهل الرئيس عون 24 ساعة للإجابة على طلبه، في وقت انتظر دياب أسماء الوزراء المسيحيين الذين سوف يشغلون وزارات الخارجية والدفاع والطاقة والمياه والاقتصاد.

كان ذلك قبل أن تحمل الأخبار اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني ونائب رئيس <الحشد الشعبي> العراقي أبو مهدي المهندس، مع ما رافق هذه الجريمة المزدوجة من تداعيات ومخاوف من تصعيد يشعل من جديد فتيل التوتر في المنطقة بفعل الحديث عن <انتقام> إيراني واسع النطاق. هذا الواقع الجديد دفع بالرئيس عون الى اعادة تقييم الوضع لجهة ضرورة تشكيل حكومة تكون قادرة على مواجهة التحولات الاقليمية خصوصاً ان تركيبة الحكومة المقترحة تضم وزراء غير سياسيين ولا خبرة لهم في الشأن العام وفي كيفية التعاطي مع المستجدات وانعكاساتها السياسية والأمنية على حد سواء. وعندها فاتح الرئيس عون الرئيس بري في امكانية تعديل شكل الحكومة من حكومة اختصاصيين تكنوقراط الى حكومة تكنوسياسية من خلال اضافة عدد من الوزراء السياسيين القادرين على توفير الغطاء المطلوب لتكون الحكومة على مستوى الأحداث. وتلقف الرئيس بري هذه الفكرة ايجاباً لاسيما وانه كان اقترح على الرئيس المكلف تشكيل حكومة تكنوسياسية وتراجع عن اقتراحه عندما لمس رغبة الرئيس دياب بأن تكون حكومته من الاختصاصيين فقط وان اختارت الكتل الكبيرة والأحزاب ممثليها فيها، وذلك لتسهيل مهمة الرئيس دياب على حد تعبير الرئيس بري.

بيان دياب الليلي!

في هذه الأثناء كان الوزير باسيل يعمل على زيادة عدد الوزراء الى 24 بعد إضافة ستة وزراء على صيغة الـ18 وزيراً، يمثلون الأحزاب والكتل على أن تكون الحصة المسيحية من اختيار رئيس الجمهورية وباسيل معاً. إلا ان الرئيس بري اعتبر ان لا مبرر لزيادة عدد الوزراء إذا كانوا من الاختصاصيين فقط معلناً عدم المشاركة في حكومة سياسيين مطعمة باختصاصيين، وهذا يعني عدم مشاركة حزب الله فيها تماماً كما حصل عندما رفض بري المشاركة في حكومة أراد الرئيس الحريري إبعاد حزب الله عنها. وعندما بلغت هذه المواقف مسامع الرئيس عون بادر الى الاتصال بالرئيس المكلف لافتاً الى ان الأفرقاء الذين رشحوه أي <الثنائي الشيعي> و<التيار الوطني الحر> باتوا يفضلون الحكومة التكنوسياسية ولن <يمشوا> بحكومة اختصاصيين فقط، داعياً إياه الى إعادة النظر بتركيبة حكومته المقترحة وابلاغه بموقفه في اليوم التالي ليبنى على الشيء مقتضاه ويبدأ التحضير لولادة حكومة التكنوسياسيين. لكن جواب الرئيس المكلف لم ينتظر الى اليوم التالي بل أذاع في الحادية عشرة ليلاً بياناً أعاد التأكيد فيه على تمسكه بالثوابت التي حددها لحكومته العتيدة لاسيما لجهة الوزراء الاختصاصيين فقط وعدم توزير وزراء من حكومة الرئيس الحريري المستقيلة وغيرها من النقاط التي كان أشار إليها قبيل الاتفاق على تسميته رئيساً للحكومة. لكن الرئيس دياب ذهب أبعد من ذلك في بيانه إذ تحدث عن <ضغوطات> يتعرض لها وعن <املاءات> يرفضها ليخلص مستعيناً بتعبير يردده رؤساء الحكومة السابقين وهو ان رئاسة مجلس الوزراء <ليست مكسر عصا>.

وقعُ بيان الرئيس دياب على الرئيس عون لم يكن ايجابياً، وكذلك الأمر بالنسبة الى الرئيس بري الذي وسّع بيكار رؤيته لشكل الحكومة داعياً الى أن تكون حكومة لم شمل جميع الأطراف بحيث لا يغيب عنها حتى الذين لم يسموا الرئيس دياب في الاستشارات النيابية الملزمة، وذلك على أساس ان الظروف الراهنة تفرض حكومة من هذا النوع، مؤكداً في الوقت نفسه انه لن يشارك في حكومة لا تكون <جامعة>. أما في بعبدا فقد أتى رد وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي على بيان الرئيس المكلف ليؤشر الى <الفتور> الذي أصاب علاقة الرئيسين عون ودياب خصوصاً ان بيان جريصاتي أعاد التذكير بصلاحيات رئيس الجمهورية ودوره وفق مواد الدستور لاسيما لجهة شراكته في تأليف الحكومة مع الرئيس المكلف. وفي معلومات <الأفكار> ان الاتصالات انقطعت بعد بيان دياب ورد جريصاتي بين بعبدا وتلة الخياط وصارت تتوارد مواقف من الفريقين تدل على حصول تباعد جعل امكانية ولادة الحكومة متعثرة. وتزامن كل ذلك مع اعلان <تكتل لبنان القوي> عن عدم رغبته في المشاركة في الحكومة. وارتسمت بعد ذلك صورة مقاطعة فريقين أساسيين لتمثيلهما في الحكومة، الأول فريق <الثنائي الشيعي> والثاني فريق <التيار الوطني الحر>، تضاف إليهما عدم رغبة <القوات اللبنانية> بالمشاركة، وكذلك تيار <المستقبل> والحزب التقدمي الاشتراكي، فيما برز موقف لرئيس تيار <المردة> الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية يضع فيه شروطاً لتمثيل تياره في الحكومة من خلال المطالبة بوزيرين إذا ما كان الوزير باسيل سيسمي الوزراء المسيحيين، أو بوزير واحد إذا كان الوزراء من الاختصاصيين!

ومع غياب التمثيل المسيحي الأبرز من خلال مقاطعة <التيار الوطني الحر> و<القوات اللبنانية> وحزب الكتائب، وغياب التمثيل السني الوازن من خلال عدم مشاركة تيار <المستقبل>، وعدم رغبة الفريق الدرزي الممثل بجنبلاط و<اللقاء الديموقراطي>، تكون الحكومة المرتقبة ضعيفة الى درجة تجعل من ولادتها قيصرية وحظها في العيش والاستمرار محدوداً جداً. إلا ان المشكلة في أن لا امكانية لسحب التكليف من الرئيس دياب الذي التزم مراراً عدم الاعتذار، وهذا يعني امكانية من اثنتين: الأولى تكون من خلال تقديم دياب تشكيلة وزارية للرئيس عون كما يريدها الرئيس المكلف رامياً بذلك كرة النار الحكومية في ملعب بعبدا، والامكانية الثانية تجميد البحث في التشكيلة الحكومية وإبقاء الوضع على حاله من الجمود. في الامكانية الأولى سوف يكون الرئيس عون أمام خيارين، إما توقيع مرسوم التشكيل وفق ما ورد من الرئيس دياب والعمل على <إسقاط> الحكومة في مجلس النواب بحجب الثقة عنها وتحل محل حكومة الحريري في تصريف الأعمال، وإمّا عدم توقيع المرسوم لتصبح كرة النار في حضن الرئيس عون مع ما يعني ذلك من مضاعفات في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية.

الحريري وتصريف الأعمال!

 

حيال هذا الواقع، وتحسباً من استمرار الفراغ على مختلف المستويات، كثف الرئيس بري دعواته الرئيس الحريري الى تصريف الأعمال وعدم إبقاء الوضع على حاله وهو دعا الرئيس الحريري الى العودة الى بيروت وممارسة صلاحياته كرئيس لحكومة تصريف الأعمال وفق ما نص عليه الدستور لاسيما وانه لا يزال قانوناً ودستورياً، رئيس السلطة التنفيذية ولا يمكنه أن يتخلى عن واجباته لاسيما وان لا سلطة دستورية للرئيس المكلف بعد ولا هو قادر على ممارسة أي صلاحيات قبل تشكيل الحكومة، فضلاً عن تداعيات خلافه مع الرئيسين عون وبري على حد سواء حول تركيبة الحكومة ونمط تأليفها، خصوصاً عندما يدافع بشراسة عن صلاحياته ويرفض الضغوط أو جعل رئاسة الحكومة <مكسر عصا>، بالتزامن مع تأكيده بأنه ليس متمسكاً بالسلطة، لكنه لن يعتذر تحسساً منه بالمسؤولية في هذه المرحلة الصعبة على قاعدة ان وضع البلد لا يتحمل مزيداً من إضاعة الوقت، فضلاً عن انه حدد صفة حكومته بأنها <إنقاذية> وفق المواصفات التي سُمي من خلالها.

ويرى المراقبون ان وصول الأزمة الوزارية الى هذا المستوى تجاوز البعد السياسي ليصل الى العلاقة الشخصية بين الرئيس عون والرئيس دياب من جهة، وبين الرئيس بري والرئيس دياب من جهة ثانية، على رغم ان المحيطين بالرئيس المكلف يشددون على حرصه على التعاون مع الرئيس عون وفق الدستور، وهو ــ أي دياب ــ لا يطلب أكثر من احترام حدود صلاحياته والالتزام بما سبق التوافق عليه. كذلك فإن دياب يتطلع الى أوسع تعاون وأفضل العلاقات مع الرئيس بري الذي يقول عنه انه <ضمانة البلد>، وهو يقول للرئيسين عون وبري ان حكومة التكنوقراط هي الوحيدة القادرة على محاكاة مزاج الحراك ونبضه واستقطاب الدعم والتأييد الضروريين من المجتمع الدولي الذي ينتظر بفارغ الصبر ولادة الحكومة ليقرر طريقة التعامل معها!