بقلم عبير انطون
هي زحلة التي لم تبخل يوماً برجالها ولا بجمال فاتناتها. فإن <دار السلام> و<مدينة السيف> و<جنة الدنيا> هي <جارة الوادي> التي خصص لها أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدة رائعة غناها موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب ومن بعده السيدة فيروز، فردت له زحلة التحية بتمثال له فيها عند <كازينو عرابي>، ويعتبر البعض ان <توأم الشعر>، المدينة البقاعية الجميلة تفوقت ربمــــا في مـــن تغنـــــوا بها على بغداد والشام والاندلس ووادي النيـــــل. فمُنجبة الادباء والشعــــــراء والرؤساء والفنانين لم تثنها ظروفهــــــا عن استكمال مسيرة الجمـــــال التي كانت بدأتها منذ العام 1957 مع الرئيس كميل شمعون، الا ان لمهرجانات الكرمة في زحلة هذا العام طعماً مختلفاً.
فما الذي ميز مهرجان هذا العام؟ ماذا يقول رئيس بلديتها في عرسها السنوي؟ من كانت فتاة كرمتها والى أي مسابقات عالمية رُشحت؟
<الافكار> وقفت عند التفاصيل وعادت من زحلة لتفرغ جعبتها المعطّرة في هذه السطور.
منذ سبعين عاماً والعيد السنوي مستمر في زحلة الا في محطات استثنائية. وككل عام يتخلل مهرجانات زحلة السياحية مهرجان للشعر وانتخاب لفتاة الكرمة ومهرجانات عربات الزهور فضلاً عن برامج فنية ورياضية متنوعة. لكن ما الذي ميز مهرجان هذا العام حتى حظي بهذا الصيت العالمي؟
عقل.. زحلة!
رئيس بلدية زحلة المعلقة المهندس جوزيف دياب المعلوف وصف مهرجانات هذا العام بتحية الوفاء، وفاء لمن حملها في قلبه وقلمه لينشر سحرها في العالم كله ومعها سحر <هالكم أرزة العاجقين الكون>. انها تحية وفاء لابنها الشاعر سعيد عقل اذ كانت عربات الزهور مستوحاة من الإرث الثقــــافي الذي تركه سعيد عقل، لذلك اختارت لجنة مهرجانات الكرمة ان يكون عنــــوان المهرجـــــان <الارث الثقـــــافي لشاعر القــــــرن ابن زحلة سعيـــــد عقــــــل>. فبحسب المعلــــوف سيبقى سعيـــــد عقــــل رمــــز الإبـــداع الزحلي، مــــردداً ما ورد في قصيدة الشاعر الكبير عند إزاحة الستارة عن تمثال الاديب الزحلي راجي الراعي:
<زحل الصبايا موجبات قصائدي من طهرهن بنفسج وأكاسيا
زحل الرجال، هنا وعبر البحر، من هم مكملو عظماتهم أجداديا
وتقول لي يوماً: كلانا عابد زحل أروها، ضعفي بها وكماليا
لم في جميع الارض يسمع بي؟ لأن بدمي دم من زحل خلتك راضيا
يا مجـــد، قلت، فقال: زد ورم الجمال حسام زحل أنا وزحل حساميا>.
وبالفعل جاءت عربات الزهور الزحلية لتجسد <توأمة الكلمة والزهرة> التي اطلقتها البلدية ووضعت فكرتها شركة <MaSaHa>، وهي المرة الاولى في تاريخ مهرجان عربات الزهور التي تتعاون فيها البلدية مع شركة متخصصة في تنسيق الازهار من أجل إضفاء طابع محترف وجديد على هذا الحدث الفني. واختارت الشركة ان تكرم سعيد عقل فتجعل 
ثمانية من كتبه مواضيع للعربات المشتركة على ان تشارك الجمعيات المشاركة في المهرجان بتنفيذ التصميمات، فحملت العربة الاولى اسم <المجدلية> وهو كتاب سعيد عقل الثاني بعد <بنت يفتاح> (1937)، والعربة الثانية حملت اسم مسرحية <قدموس> رجل الحرف والشجاعة الذي يرمز الى الطموح اللبناني والارادة والرسالة الانسانية التي يؤديها لبنان، والثالثة تم استيحاؤها من كتاب <رندلى>، فاختير الشراع رمزاً للسفر والحرية والحب حيث لون الشراع ليلكي بلون فستان <رندلى> والاقحوان فيما الأبيض زبد فوق موج الرغبة المقدسة، اما عربة الزهور الرابعة فحملت عنوان: <أجمل منك؟ لا> حيث المرأة عظيمة وراقية حتى ان الشمس وحدها تليق بها، اما العربة الخامسة فاستندت الى كتاب <لبنان ان حكى> (1960) وفيها اختيرت الريشة رمزاً لكل إبداع في الفن والعلم اضاء عليه سعيد عقل، وجسدت الريشة رغبة سعيد عقل في رسم تاريخ لبنان بمختلف ألوانه وأطيافه، فيما غمست العربة السادسة وحيها من كتاب <كأس الخمر> حيث اختير القمح رمزاً، لكأن سعيد عقل يقف على بيدر الادب ليجعل القمح خبزاً، اما العربة السابعة فكانت من وحي كتاب <أجراس الياسمين> الديوان الشعري الذي يغني الطبيعة بغرابة فريدة وبذوق، واختيرت قصيدة <دموع الحجر> تحديداً، فجاءت الدمعة الضخمة على العربة التي يبدو لها ثقل الحجر ووزنه، لكن لها ايضاً شفافية الدمع ورقته، في تشبيه رائع لشعر سعيد عقل الصلب وزناً وتعبيراً والرقيق الشفاف عاطفةً وخيالاً، اما العربة الثامنة والاخيرة فقد حملت اسم كتاب <كما الاعمدة> وهو يعود للعام 1974 واختيرت ثلاثة أعمدة لها: عمود من الغار رمز الانتصار وعمود من الريحان رمز الرائحة الطيبة وعمود من الخرنوب رمز الطبيعة اللبنانية الخيرة المعطاء، وبين هذه الاعمدة يجري <نهر الذهب> وهو عنوان قصيدة من الديوان.
فرعون: زحلة بخير.. سياحة لبنان بخير!
إذاً هو موكب سعيد عقل سار في زحلة ونثر عطرها في الارجاء. وزير السياحة ميشال فرعون لم يكن أقل سعادة من أبناء المدينة والوافدين اليها من كل صوب الى مهرجانها الكبير. فبالنسبة لفرعون تبقى زحلة الفن والتراث والشعر والوطنية، زحلة سعيد عقل ورجال الاستقلال والجمال وزحلة عروسة البقاع، وزحلة حيث الكهرباء 24 ساعة على 24، ورائحة الورد فيها وليس رائحة النفايات.
وقد أردف قائلاً:
- <لقد انتظرنا عيد الزهور في السنة الماضية ليواكب بقية المهرجانات، ولكن هذه السنة كانت زحلة مسك الختام بعد ان انضمت هذه السنة الى المهرجانات التي اقيمت في مختلف المناطق اللبنانية، وهي المدينة السياحية بامتياز>.
واضاف فرعون: <اذا كنا نريد التحدث عن جمال الطبيعة والانسان والفرص والطاقات، فعندكم زحلة. وعندما تكون السياحة في زحلة بخير تكون السياحة في كل لبنان بخير، ومع انتهاء هذا الموسم اشكر المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والبلديات والجمعيات التي اعطتنا صورة حضارية في كل لبنان من خلال الحركة الاستثنائية التي شاهدناها في كل المناطق اللبنانية. وكما ان الجيش اللبناني يدافع عن حدودنا وسيادتنا، كذلك المجتمع المدني والبلديات والمنظمات التي دافعت عن سيادة الحضارة في لبنان: الفن، التراث، الحرية والديموقراطية، وحتى ما شهدناه البارحة في ساحة الشهداء يدل ان هذا المجتمع لا يزال يتمتع بثقافة ديموقراطية، وعندما تنتهي امكانية المحاسبة في المجلس النيابي، فليس لديه سوى الشارع للمطالبة بالحقوق. لقد ذكرنا المجتمع المدني والشعب اللبناني انه هو مصدر السلطات، ويذكرنا ايضاً انه لا يجوز ان نبقى بهذا التعطيل في كل المؤسسات الدستورية، وبالتالي علينا انتخاب رئيس جديد للجمهورية من المجلس النيابي، وان تتحول الحكومة الى حكومة تصريف اعمال ويعمد المجلس النيابي الى إقرار قانون انتخاباته النيابية في كل لبنان>.
الملكة: لا للبطالة!
واذا كان الشعر والزهر قد ارتبطا باسم زحلة وتاريخها، فإن للكرمة معها حكاية هي ايضاً ارتبطت بها ارتباطاً وثيقاً مذ بدأت في صيف 1957 يوم قال رئيس الجمهورية اللبنانية كميل شمعون <زحلة عروس مزينة بنسوانها> رداً على القول <زحلة عروس مزينة برجالها>، حتى ان اجمل جميلاتها تُنتخب سنوياً مع بداية قطاف العنب تحت عنوان <فتاة الكرمة>. هذا العام، أقامت بلدية زحلة المعلقة - تعنايل حفلة لانتخاب فتاة جمال الكرمة بدورته الـ56 في فندق القادري الكبير- زحلة، برعاية وزارة السياحة اللبنانية وإشراف مكتب ملكات جمال لبنان وتنظيم من ”First Class Investment”.
ترايسي رزق الله هي من فازت بلقب فتاة جمال الكرمة لهذا العام، بينما حلّت لارا ابو شاهين الوصيفة الأولى وسيرينا تنوري الوصيفة الثانية. وقد حاز العديد من الفتيات المشاركات على فرص عدة منها التمثيل في مسلسلات من انتاج مروان حداد، والتقديم الاذاعي على إذاعة <Sky Fm> وعرض الأزياء وإنتاج أغنية و<فيديو كليب> مصوّر.
وكانت لجنة التحكيم برئاسة طبيب التجميل هراتش، وعضوية كل من داليا محاسب مينا ممثلةً وزارة السياحة، إليز تامر ممثلة بلدية زحلة، الممثل مجدي مشموشي، الفنانة إليسار، الفنان أحمد دوغان، التينور غبريال عبد النور، غريس فرح مديرة مكتب <Miss USA>، مصممة المجوهرات العالمية لوسي ساموليان، ملكة جمال لبنان السابقة كارن غراوي وخبيرة التجميل جودا درويش مزرعاني. وسوف تشارك الملكة المنتخبة في القاب عالمية Miss Grand International, Miss Grand World, Miss Mediterranean, Miss World Peace.
لم تكن ترايسي رزق الله تتوقع الفوز باللقب لأن جميع المشتركات يتمتعن بالجمال والثقافة ولكل منهن شخصيتها المتفرّدة، واعتبرت حصولها على اللقب بداية لمشوار طويل حيث أنها بصدد التحضير للانطلاق بمشروعها ألا وهو تأسيس جمعية هدفها خلق فرص عمل للشباب للحد من البطالة والتخفيف من عملية النزوح.
همة أبنائها!
تمويل مهرجان الزهور في زحلة جرى تأمينه من البلدية وبعض المؤسسات الخاصة، فهذا المهرجان الذي توقف مع الحرب اللبنانية وعاد الى الحياة من جديد بعد اتفاق الطائف، ثم توقف في بعض السنوات لأسباب أمنية وغيرها، عاد ليتوهج هذه السنة من جديد. فهذه المدينة التي أُحرقت ثلاث مرات في أعوام 1777 و1860 و1791 عادت ونهضت لتنمو بسرعة عجيبة. انه تاريخ الزحليين وانعكاس لإرادتهم المصممة على الفرح والتلاقي، إرادة لم تتـأثر بكل ما يجري في الداخل والجوار الملتهب كما يؤكد احد أعضاء بلدية زحلة. فإن منطقة <وادي النمورة> كما كانت تلقب في الماضي لكثرة النمور فيها على ضفتي البردوني، النهر الذي أعطاها الكثير، اصبحت مقصداً للسياح وأهل البلد الطالبين للكبة الزحلاوية والبوظة العربية اللذيذة والجلسة الهنية. وقد تخطت شهرة مطاعم البردوني لبنان عندما تمت دعوة أحد مطاعمها الى جنيف في سويسرا العام 1984 لإقامة مأدبة لألفي وخمسمئة شخص، واستُعين لتلبية متطلبات هذه المناسبة بجسر جوي نقل ستة أطنان من الاطباق اللبنانية الطيبة المذاق..
عروس البقاع تستقطب في موسمها هذا الآلاف، خاصة وإنها سنة بعد أخرى تتميز ليس على الصعيد المحلي فحسب، بل على الصعيد العالمي ايضاً. فمنذ مدة وجيزة وتحت رعاية وزير السياحة ورعاية منظمة الأونيسكو للأمم المتحدة في بيروت، أعلنت بلدية زحلة - المعلقة عضويتها في شبكة الأونيسكو للدول الخلاقة بالتزامن مع الاحتفال بالعيد السبعين لتأسيس الأونيسكو.
انها زحلة التي استطاعت أن تنشئ أول جمهورية في الشرق بين عامي 1825 و1858، وفيّة لتاريخها العريق ولمستقبلها الذي ترسمه بالشعر والزهرة والإرادة الصلبة..