تفاصيل الخبر

مؤلّف ومخرج مسرحية ”هنا بيروت“ يحيى جابر: نعــم اؤمــن بـقــدرة الـفـــن عـلــى إحــداث الـتـغـيـيـــر!

13/04/2017
مؤلّف ومخرج مسرحية ”هنا بيروت“ يحيى جابر:  نعــم اؤمــن بـقــدرة الـفـــن عـلــى إحــداث الـتـغـيـيـــر!

مؤلّف ومخرج مسرحية ”هنا بيروت“ يحيى جابر: نعــم اؤمــن بـقــدرة الـفـــن عـلــى إحــداث الـتـغـيـيـــر!

 

بقلم عبير انطون

1

في العام الثاني والأربعين على ذكرى الحرب اللبنانية، أين اللبنانيون حالياً من تلك الأيام، وأين شباب الجيل الجديد ممن لم يعشها تحت أزيز الرصاص والقنابل والدمار والقتل والتهجير والذبح على الهوية، إنما يعيشها يومياً من خلف متاريس طائفية ومذهبية ومناطقية؟ أي لون تتخذه الحرب التي لم يخمد جمرها نهائياً بعد وهل تتّخذ أشكالاً أخرى مرجحة للاشتعال من جديد لا سمح الله؟

بهمة من يعي خطورة انبعاث الجمر من تحت الرماد، وبعض المؤسسات والجامعات والملتقيات التي تحذّر من خطورة العودة إلى الوراء وتعمل عليه بشكل أو بآخر، تسعى جمعيات مدنية لإبقاء جرس الإنذار متأهباً ومساحات اللقاء مفتوحة على قدر استطاعتها في هذا المجال، على أمل أن تتوسع الدائرة وتنتقل العدوى الإيجابية باعتماد لغة الحوار والاستماع إلى الآخر سبيلاً وحيداً لمعالجة الاختلافات.

جمعية <مارش> برئاسة ليا بارودي تعمل من جانبها على الأمر إذ تقدم في ذكرى الحرب الأهلية، وبدعم من السفارة البريطانية في بيروت ومن <عتمة أحياء بيروت>، شابات وشباباً يمثلون للمرة الأولى تحت أضواء المسرح، والهدف لقاء المناطق بعضها ببعض علّ الحواجز النفسية تسقط تحت مظلة من الحرية والانفتاح.

<هنا بيروت> تقدم عرضها في ذكرى 13 نيسان (مسرح المدينة) على أن يليه عرضان في 18 نيسان (تياترو فردان) وآخر في 21 منه (مسرح <دوار الشمس>).

ــ فماذا عن العمل ومن هم أبطاله الذين يمثلون للمرة الأولى في حياتهم؟

- إنهم شباب من بيروت ومختلف مناطقها تؤكد رئيسة الجمعية ليا بارودي، وهم سيقدمون عملاً مسرحياً من وحي حياتهم اليومية وقصصهم الواقعية من دون سيناريو مكتوب حيث يروون تجاربهم الحية وفي مضمونها الكثير من الرسائل التي تم استخلاصها بعد معاناة رافقت حياة هؤلاء ووقفت حائلاً أمام أحلام كثيرة كانوا يطمحون إلى تحقيقها. <من خلال العمل نريد أن نقول نعم للفن والعمل والإبداع ولا للعنف. إنها مساحة تلاق وإشراك للمجتمع بالهواجس والمخاوف حتى نسمع جميعاً صوتهم المتألم والحزين. في جمعية <مارش> لطالما آمنا بالشباب وقدرتهم على التغيير ودورهم في صناعة المستقبل من أي موقع كانوا. وهنا عينة من شباب يمتلكون الموهبة وينتظرون الفرص وقد يكون لهم لاحقاً موقع كبير في عالم التمثيل مثلاً>.

وعن الاختلاف ما بين عملي طرابلس وبيروت والشباب فيهما، تعتبر بارودي أن <تجربة طرابلس تختلف عن الوضع في بيروت، لناحية الأجواء التي كانت سائدة في عاصمة الشمال، والمعارك التي جابت شوارعها وغيّرت من معالمها، لكن رغم ذلك نجحنا يومئذٍ في تغيير المشهد، ورسم الصورة الحقيقيّة لطرابلس وشبابها والتي كان الإعلام قد شوّهها في بعض الأماكن، فتمكنّا من ترميمها، وكسر الأحكام المسبقة التي كانت تُساق بحق شباب المدينة الذين أظهروا أنهم ليسوا أعداء، إنما أبناء منطقة واحدة يعيشون المشاكل نفسها من تهميش ومعاناة وحرمان> مشدّدة على أننا <في 13 نيسان، ذكرى الحرب اللبنانيّة، نريد ومن عاصمة لبنان - بيروت، أن نصرخ <كفى>.. كلنا لبنانيون، نحمل الهوية نفسها، والوجع ذاته>.

الضاحية وطريق الجديدة!

 فراس حمدان مدير المشروع، تحدث لـ<الأفكار> عن التحضير له منذ حوالى الستة أشهر، وهو كالعديد غيره من المشاريع التي تنظمها جمعية <مارش> بهدف اللقاء والتواصل بين شباب وشابات من توجهات ومناطق مختلفة، فيجتمعون في عمل واحد، يواجهون من خلاله ما يحملونه من أفكار ومعتقدات وموروثات عمقت انقساماتهم، ويواجهون اختلافاتهم وجهاً لوجه، حتى تزال الحواجز والهواجس في ما بينهم. بالأمس كانت تجربة ناجحة للجمعية في تحقيق التلاقي بين شباب ربما وجهوا شخصياً أو من حولهم البنادق صوب بعضهم البعض ما بين جبل محسن وباب التبانة في جولات العنف التي شهدتها طرابلس، فتلاقوا وتعارفوا عبر العمل المسرحي <حب وحرب عالسطح> الذي أعدته جمعية <مارش>، ومن بعدها تم افتتاح <قهوتنا> لتجمع أبناء المنطقتين وتكون مساحة لخلق التحاور والتواصل. بالطريقة نفسها تكمل <مارش> مشوارها مع شباب وشابات من بيروت هذه المرة، يجتمعون في التهميش والفقر والظلم ويختلفون في السياسة والانتماء والولاء.

ويزيد حمدان:

- يحيى جابر مؤلف مسرحية <هنا بيروت> ومخرجها حوّل قصص 17 من الشباب والشابات الحقيقية والواقعية إلى مسرحية في توليفة جميلة تجمع بيروت في مناطقها المختلفة. اختيار المشاركين كان ثمرة بحث في المناطق. الأعمار تتراوح ما بين 16 و25 عاماً، يأتون من البسطا وخندق الغميق والطريق الجديدة وصولاً الى الكولا والمدينة الرياضية وحي التنك في الضاحية.. وهم يشكلون في مجمعهم صورة مصغرة عن كل بيروت ومناطقها. أعمار المشتركين تشير إلى أنهم لم يعيشوا الحرب اللبنانية، وذلك في عمل يقدم في ذكراها إنما يعكس صورة عن نتائجها وتداعياتها التي لا زلنا نعيشها حتى اليوم، والمرشحة في حال حصول أي نزاع لا سمح الله للانزلاق إلى خلافات ونزاعات كبيرة.

 

 جابر: الانتحاري، والقنابل..

2

لما بادرنا من <الافكار> بإطلاق لقب <المتخصص بالبيروتيات> على المؤلف والمخرج المسرحي يحيى جابر وسألناه ما الذي لم يقله بعد عن بيروت بحجرها وبشرها بعد سلسلة أعمال مسرحية له في هذا المجال أجابنا مبتسماً:

- في العمل الجديد أذهب في اتجاه بعد آخر عن بيروت، وهو جانب المهمشين والفقراء والمعدمين فيها من شباب وصبايا بعيداً عن التعصب والكراهية. العمل بشكل ما هو تمرين على السلم الأهلي، ورشة عمل جدية على خشبة المسرح واستخدامها علاجاً بين أشخاص تتملكهم حساسية تجاه بعضهم البعض بسبب الاختلاف الطائفي والاجتماعي والمذهبي والسياسي. كان التوتر والريبة يسودان بينهم وأنا سعيد أنه بعد العمل سوياً أدركوا أن الوجع والألم اللذين يوحّدان في ما بينهم أكبر بكثير من أي تناقضات تفرّقهم.

في <هنا بيروت> جرأة كبيرة يقول جابر، <ومن مقص الرقابة الله يستر، علماً أنني معهم على صداقة، أحبهم ويحبونني>. أسمي الأشياء بأسمائها ولا أتوارى خلف أصبعي. ستسمعون على الخشبة ما يُقال في السرّ، بينها الأمثلة التي يتداولها اللبنانيون في السر فيهمسون في ما بينهم: <السنة كلهم دواعش>، <الشيعة لهم ذنب>، <الموارنة جنس عاطل> <تغدى عند الدرزي ونام عند المسيحي> إلى غيرها من الأمثال الشعبية التي تعكس ما انخرط في الوجدان الجماعي لهؤلاء الناس وما خزنته سنوات الحرب فيهم. في المسرحية أيضاً فكرة <أوريجينال> تدور حول إمكانية التعرف إلى الانتحاري من خلال شكله أو لونه أو صوته..

ــ وهل توصلتم إلى معرفة ذلك؟

- بالطبع لا، يجيبنا جابر وهو يقصد عدة أشكال من الانتحار وجماعات الانتحاريين.

وعن استقبال الشباب وعائلاتهم وأحيائهم له وهو يبحث عن الوجوه المفترضة للعمل، يعترف بالحواجز التي تطلبت وقتاً حتى تتلاشى، وهو تعاطى معهم بهدوء لمنحهم الثقة: <إنهم 17 قنبلة موقوتة على المسرح. هم أشخاص مهمّشون، فقراء، محرومون، وحتى منبوذون، وهذه فرصتهم للخروج إلى الضوء والقفز فوق الجدار وإلغاء التهميش والخجل الذي يرافقهم>..

 ويزيد جابر بابتسامة:

 - <جابولي الضغط والسكري>.. لكنني أحبهم وأخلص لهم. وأنا سعيد بأن أجمع من فرّقتهم الانتماءات والتوجهات المختلفة. ثقتهم بي حولوها أيضاً إلى ثقة بأنفسهم وببعضهم البعض حتى يقبلوا الآخر المختلف ويتفاعلوا معه. فالشيعي يقبل السني وبالعكس... والمسيحيون غير مستثنين من العمل إلا أنهم قد يكونون خلف الكواليس. تعاملت مع الشباب بنظامية وأعطوني أفضل ما لديهم فكانوا رائعين ليس بالمعنى المسرحي للكلمة وبمعايير التمثيل إنما بتخطيهم لذاتهم فيعزفون ويمثلون ويغنون <الراب>.. تطلب العمل ساعات من التمارين حيث تناول التدريب، علم النفس، ولغة الجسد، والإعداد المطلوب كي يشعر هؤلاء الأشخاص بالأمان الجسدي والروحي على خشبة المسرح، ويلفظوا وجعهم وغضبهم ومعاناتهم.

ــ ونسأله، هل تؤمن بتغيير الذهنيات عبر الفن في وجوهه المختلفة، هل له هذه القدرة؟

- بالتأكيد، يجيبنا جابر ولهذا أنا أعمل في مجال <البيروتيات> من جوانبها المختلفة منذ خمس سنوات.. دخلت كل زاوية وتجدني سعيداً بأنني فككت لو جزءاً يسيراً من رؤية الإنسان للآخر المختلف بعيداً عن التعصب الأعمى والكراهية البشعة. إنني كمؤلف ومخرج مسرحي قمت في هذا العمل بتطبيق الأفكار التي أؤمن بها، وأنا على يقين أنه بأدوات فنية وخشبة مسرح، يمكن أن نساهم ببناء وطن.

ــ هل تعتقد أن الشباب سيبقون على تواصل بعد إسدال ستارة العمل؟

- أعتقد أنه سيفتح أبواباً بينهم.. وها أنا أديت قسطي للعلى!!