تفاصيل الخبر

موقف خبراء المال والأعمال من تحرير سعر الصرف والإجراءات الواجب إتباعها

20/01/2021
موقف خبراء المال والأعمال من تحرير سعر الصرف والإجراءات الواجب إتباعها

موقف خبراء المال والأعمال من تحرير سعر الصرف والإجراءات الواجب إتباعها

بقلم طوني بشارة

  [caption id="attachment_85055" align="alignleft" width="375"] إيلي رزق: الاقتصاد اللبناني يلفظ أنفاسه الأخيرة والقطاعات الإنتاجية تتهاوى الواحدة تلو الأخرى.[/caption]

 صرح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة علناً بأن زمن تثبيت سعر الصرف قد انتهى وهناك إتجاه فعلي للتعويم، مما أثار الهلع لدى فئة كبيرة من المواطنين، فما مصير قيمة العملة في ظل عدم تثبيت سعر الصرف؟ وهل ستزداد نسبة الفقر؟ وماذا عن ظاهرة التضخم؟ وبالتالي هل من إجراءات او ضوابط معينة  يفترض اتباعها وتكون مكملة او مرافقة لفكرة تحرير الصرف؟

رزق والأنفاس الأخيرة للاقتصاد

 بداية أفادنا رئيس هيئة تنمية العلاقات اللبنانية الخليجية ورئيس جمعية المعارض والمؤتمرات والرئيس التنفيذي لمجموعة الميس العربية  ايلي رزق بأن الاقتصاد اللبناني يلفظ أنفاسه الأخي

ة، والقطاعات الإنتاجية تتهاوى الواحدة تلو الاخرى، قي ظل غياب اي توافق سياسي على رؤية موحدة لكيفية الخروج من الازمات التي تتخبط بها البلاد. وكأن هناك قوى خفية تعمل على إسقاط لبنان وحرمانه من مقوماته الأساسية والتي ميزته عن محيطه، وقال: لم يعد لبنان منارة الشرق في العلم والثقافة، ولا مقصداً للسياحة الطبية بعد تدني مستوى خدماته الاستشفائية. ولم يعد حاجة للسياحة الطبيعية والبيئية نظراً للمخاطر الأمنية الناجمة عن عجز الدولة واجهزتها من بسط سلطتها على كامل الأراضي اللبناني في ظل تنامي البؤر الأمنية والمناطق العاصية عن سلطة الدولة. واللافت أنه مع تطور العلاقات الخليجية مع العدو الاسرائيلي، سيشهد القطاع السياحي اللبناني المزيد من تراجع عدد السواح الخليجيين إلى لبنان. ونحن نتوقع بأنه بعد الانتهاء من جائحة "كورونا" ستنكشف البلاد امام العديد من المشاكل الاجتماعية والمعيشية نظراً لتراجع القدرة الشرائية للمواطنين والتي تتوافق مع غلاء فاحش بالأسعار وتقهقر سعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركي.

وأستطرد رزق قائلاً : فلنقلها بصراحة، لقد فشلنا كدولة، وفشلنا حتى كمواطنين في بناء دولة قوية وقادرة وعادلة. وانغمسنا في خلافات عقيمة وجدالات بيزنطية تحت شعار إنقاذ الطائفة مما عمق انقساماتنا على بعضنا البعض في وقت كنا بأمس الحاجة إلى ان نتوحد لمواجهة التحديات الناتجة عن الجائحة وعن الازمات الإقليمية والدولية. فلم نعِ أه

[caption id="attachment_85059" align="alignleft" width="301"] تحرير الليرةاللبنانية[/caption]

مية تحصين ساحتنا الداخلية ولم نحسن قيادة السفينة في ظل الرياح العاتية التي عصفت بلبنان والمنطقة. فدعونا لا نبكي كالنساء، وطن لم نحافظ عليه كالرجال.

*-كيف تصف قرار تحرير الصرف وما هي انعكاساته على الواقع المعيشي للمواطن؟

- ان قرار تحرير سعر الصرف ستكون له انعكاسات كارثية على الاوضاع المعيشية، وسيمعن بإضعاف القدرة الشرائية للمواطنين وسيؤدي إلى مشاكل اجتماعية اذا لم يتم وضع ضوابط مع قدرة على تطبيق القوانين، فبعضهم سيزداد غنى والغالبية الساحقة من اللبنانيين ستزداد فقراً. كما  ان سعر صرف الليرة سيصل إلى حدود غير مسبوقة في ظل ما تشهده البلاد من جمود اقتصادي وتراجع حاد في الإيرادات وزيادة العجز والنفقات، وستسود شريعة الغاب الأسواق المالية التي ستصبح مشرعة على كل إلاحتمالات.

وتابع رزق قائلاً:  للأسف لم يعد أمامنا في لبنان خيار الا الاختيار بين السيء والأسوأ، ونحن ذاهبون إلى الأسوأ للأسف. ولن يكون هناك أمل بأي حل الا بالتخلص من مخلفات الميليشيات والحرب الأهلية واستبدالهم بطبقة سياسية تعيد الحياة إلى المؤسسات التشريعية، وتعمل على تقوية أجهزة الدولة ومؤسساتها لتكون لنا فعلاً دولة سيّدة وحرّة ومستقلة... والا سنترحم على لبنان الكيان وعلى كل الاديان التي باسمها ومن أجلها تم تدميره والقضاء عليه.

عجاقة وسعر صرف الليرة

[caption id="attachment_85056" align="alignleft" width="333"] جاسم عجاقة: هناك استحالة لضمان ديمومة سعر صرف الليرة.[/caption]

وبدوره الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة شدد على أنه عند خروج لبنان من الحرب الأهلية، كان سعر صرف الدولار في السوق السوداء يُقارب الثلاثة آلاف ليرة. هذا السعر كان يعكس بالدرجة الأولى الواقع السياسي والاقتصادي القائم آنذاك. وقد آلت الخيارات النقدية إلى تثبيت سعر صرف الدولار مُقابل الليرة اللبنانية في العام 1997 داخل هامش حدّده مصرف لبنان بناءً على أربعة أعوام (1993 إلى 1997) من سعر صرف السوق.

*- ماذا عن المشاكل الاقتصادية التي مر بها لبنان تاريخياً ؟ وهل تمت الدعوة لتحرير سعر الصرف انذاك؟ وماذا عن المؤتمرات الدولية التي عقدت حينها؟

-إن المشاكل الاقتصادية التي عانى منها لبنان آنذاك وضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية، كل ذلك دفع بصندوق النقد الدولي إلى الطلب من السلطات اللبنانية تحرير سعر صرف الليرة وذلك منذ العام 2000. هذا الأمر تمّ رفضه من قبل السلطات اللبنانية بحجّة أن أي تحرير لسعر الصرف سيؤدّي حكماً مع الظروف السياسية القائمة في ذلك الوقت إلى تراجع سعر صرف الليرة بشكل كبير. من هذا المُنطلق تمّ إطلاق مؤتمري باريس 1 و2 على أساس دعم الاقتصاد ونهوضه وتمّ توقيع معاهدة التبادل التجاري مع الإتحاد الأوروبي بهدف مُساعدة لبنان في تصدير مُنتجاته.

وتابع عجاقة قائلاً: - حصيلة البيدر اختلفت عن حسابات المزارع، فقد تم تنظيم خمسة مؤتمرات للبنان (باريس 1، 2 و3 وستوكهولم، وسيدر) ولم يقم لبنان بأية إصلاحات أو سياسات اقتصادية تسمح لاقتصاده بدعم عملته الوطنية التي بقيت ثابتة حتى العام 2019 بفضل احتياطات مصرف لبنان التي تمّ تغذيتها من استقطاب رؤوس الأموال.

*- لماذا لم يُحرّر مصرف لبنان سعر صرف الليرة منذ زمن طويل مع معرفته المُسبقة أن النظام السياسي غير قادر على القيام بإصلاحات في ظل التخبّط السياسي الكبير (أكثر من مئات الأزمات السياسية منذ نهاية الحرب الأهلية) وتفشي الفساد الذي  أطبق على الأخضر واليابس؟

- هذا السؤال يجب أن يوجّه إلى السلطات النقدية، إلا أنه وباعتقادنا ان ثبات سعر صرف الليرة يدخل ضمن الأمن الغذائي للمواطن وضمن تطوره الإجتماعي وهذا حقّ من حقوق الإنسان المنصوص عليها في شرعة حقوق الإنسان الذي ساهم لبنان بقّوة في وضعها. إذاً المُطلع على الواقع الإقتصادي، كان يعلم أنه من دون اقتصاد قوي ومُنتج، هناك استحالة لضمان ديمومة سعر صرف الليرة. واليوم يطرح البعض مقولة إنه كان يتوجّب تحرير سعر الصرف منذ زمن طويل، إلا أن هذا الأمر يبقى عرضة للأخذ والردّ في ظل أهمية راحة المواطن والتي كان من الواجب الحفاظ عليها من خلال وقف الفساد والتهريب والعجز في الموازنة.

*- هل تعتقد ان تعويم سعر الصرف أمر مُمكن؟

[caption id="attachment_85058" align="alignleft" width="348"] حاكم مصرف لبنان رياض سلامة: زمن تثبيت سعر الصرف ولّى.[/caption]

- هناك نوعان من تعويم سعر صرف العملة: التعويم الخالص وهو الذي ينصّ على ترك تحديد سعر الصرف من قبل السوق عبر آلية العرض والطلب على أن تمتنع الحكومة والمصرف المركزي من التدخل، وأمّا التعويم الموجّه فينص على ترك سعر الصرف للعرض والطلب مع تدخل من قبل مصرف لبنان لتوجيه السعر في حال كانت هناك فجوة بين العرض والطلب. وفي لبنان، تعويم سعر الصرف من دون دعم خارجي وبالتحديد من قبل صندوق النقد الدولي سيؤدّي حكماً إلى إرتفاع سعر الدولار مُقابل الليرة في اقتصاد يعتمد على 85 في المئة من استهلاكه الغذائي على الاستيراد. ومع تفشّي ظاهرة التهريب، من المُمكن أن يتطوّر هذا السعر إلى مستويات قد تتخطّى قدرة كثير من المواطنين اللبنانيين على تحمّلها وهو ما سيدفع 90 في المئة منهم تحت عتبة الفقر وأكثر من 50 في المئة  تحت عتبة الفقر المُدقع (مدخول أقل من 1.9 دولار أميركي للشخص).

*-البعض يؤكد ان تحرير الصرف بات امراً ضرورياً فهل تؤيد ذلك؟

- العقل والمنطق يستدعيان أن يتمّ تحرير سعر الصرف، الذي أصبح محتوماً نظراً إلى تراجع القدرات المالية في لبنان، تحت غطاء صندوق النقد الدولي القادر على تأمين أمرين أساسيين للبنان: أولاً الدعم المالي النقدي بالدولار الأميركي، وثانياً الغطاء القانوني الدولي  لحماية لبنان من تخلفه عن دفع سندات الخزينة. والجدير ذكره أن حكومة الرئيس حسان دياب التي حاولت عدّة مرّات القيام بإتصالات مع جهات عربية لدعم لبنان بالمال، حصلت على جواب أن على الحكومة اللبنانية التفاوض مع صندوق النقد وأن هذه الدول مُستعدة لدعم لبنان من خلال صندوق النقد.

*- حاكم مصرف لبنان رياض سلامة  صرح  أن زمن تثبيت سعر الصرف ولّى فعلى ماذا ارتكز؟

- أغلب الظنّ أن هذا التصريح يأتي في سياق دق ناقوس الخطر عن عدم قدرة مصرف لبنان على الاستمرار في الحفاظ على سعر صرف ثابت، والدفع باتجاه تشكيل حكومة. وما يدفعنا إلى القول به هو أن تشكيل الحكومة قد يمتدّ إلى فترة أطول خصوصاً إذا علم المعنيون بتشكيل الحكومة أن هناك هامشاً لا يزال قائماً.

*- نسمع كل يوم تنبؤات عن سعر صرف الدولار الأميركي مُقابل الليرة اللبنانية والأرقام التي تُعطى تتراوح بين 4000، 5000، 8000 ومنهم من يتحدّث عن 15000 ليرة للدولار الواحد. فكيف ترى ذلك؟

- في الواقع أي عملية تنبؤ لسعرصرف عملة هو أمر شبه مُستحيل بالمطلق نظراً إلى الخللّ الموجود في المعلومات المُتوافرة في السوق. وبالتالي فإن هذا الخلّل يحجب قسماً من المعلومات الضرورية لأي عملية تنبؤ بسعر الصرف خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الإعتبار قانون الأعداد الكبير والذي يجعل أي مُعتقد عن عامة الشعب حقيقة في السوق أي بمعنى أن معتقدات وتصورات عامة الشعب تصبح متحكمة في السوق من خلال انعكاسها على عملية العرض والطلب. وفي عملية حسابية لقياس مُعدّل التغيّرات في سعر صرف الدولار مُقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء (Volatility)، قمنا باستخدام نموذج إحصائي، حيث تُشير النتائج إلى أن هذه التغيّرات هي نتاج لا عقلانية تقودها مراهنات من قبل التطبيقات الموجودة على الأجهزة الخليوية خصوصاً في المرحلة التي سبقت جريمة المرفأ.

وتابع عجاقة قائلاً:عملياً قبل تخلّف الدولة عن دفع سندات "اليوروبوندز"، كان سعر صرف السوق السوداء نتاجاً كاملاً للعامل السياسي والمضاربة. إلا أنه ومنذ 7 أذار(مارس) 2020، أصبح العامل الاقتصادي والنقدي مع طبع كمّيات كبيرة من الليرة اللبنانية لتغطية طلبات المودعين وعجز الموازنة عاملاً وازناً في تدهور سعر الصرف خصوصاً أن توافد الدولارات إلى لبنان قلّ بشكل كبير.

وختم عجاقة حديثه قائلاً: - المُحاكاة الستوكاستيكية التي قمّنا بها عبر استخدام سعر صرف السوق السوداء وعبر استخدام التغيّرات التاريخية (HistoricalVolatility) والتغيّرات المُستخرجة، أوصلتنا إلى نتيجة وهي أن هامش التحرّك مفتوح ولا يُمكن حصره برقم نظراً إلى غياب القيود على حركة سعر صرف الدولار (مثلاً منع التهريب، وقف المضاربة، وقف التطبيقات). والجدير ذكره أن عتبة الـ 4000 ليرة للدولار الواحد تمّ وضعها بُعيد تقرير مالي دولي ورد فيه أن هذا السعر هو الأقرب للسعر الحقيقي وبالتالي تمّ اعتمد من قبل حكومة حسان دياب ومن قبل مصرف لبنان على المنصة الإلكترونية.