تفاصيل الخبر

موازنة 2020 تنجز لأول مرة قبل نهاية 2019 لكنها لا تحمل جديداً ولن تمنع الانهيار المالي!

13/12/2019
موازنة 2020 تنجز لأول مرة قبل نهاية 2019 لكنها لا تحمل جديداً ولن تمنع الانهيار المالي!

موازنة 2020 تنجز لأول مرة قبل نهاية 2019 لكنها لا تحمل جديداً ولن تمنع الانهيار المالي!

لـ<الحراك الشعبي> أو ما بات يُعرف بـ<ثورة 17 تشرين> ايجابيات عدة تغطي السلبيات التي احدثها على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، لعل أبرزها مسارعة الحكومة المستقيلة الى اقرار موازنة العام 2020 قبل تقديم الرئيس سعد الحريري استقالته، وإحالتها على مجلس النواب ضمن المهلة الدستورية، أي قبل بدء العقد الثاني من اجتماعات مجلس النواب، ما سهّل على رئيس المجلس نبيه بري احالة مشروع الموازنة الى لجنة المال والموازنة النيابية التي يرأسها النائب ابراهيم كنعان حيث <استنفر> أعضاء اللجنة في اجتماعات متتالية عُلقت يوم الاثنين الماضي نظراً لمشاركة النواب في الاستشارات النيابية الملزمة في قصر بعبدا.

جلسات لجنة المال والموازنة، صباحية وظهرية ومسائية بهدف واحد هو انجاز درس الموازنة قبل نهاية شهر كانون الأول (ديسمبر) الجاري تمهيداً لاصدارها قبل نهاية السنة، وذلك للمرة الأولى منذ سنوات بعد مناقشتها في الهيئة العامة. وإذا كان هذا الحدث الأول منذ العام 2005 الذي يعيد الانتظام المالي الى الدولة، فإنه، وللمفارقة، يأتي في زمن الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يهدد الدولة اللبنانية في الأشهر الستة المقبلة إذا لم تستعد الدولة حضورها وينتعش الاقتصاد الوطني ولو جزئياً. ومن المفارقات أيضاً ان اجتماعات لجنة المال والموازنة باتت الدليل الوحيد على وجود مؤسسات الدولة الدستورية، في زمن تعذر فيه على مجلس النواب الانعقاد بسبب محاصرة مقره بالمتظاهرين والمعتصمين، إضافة الى ان الحكومة المستقيلة يقتصر دورها ــ ولو بالشكل ــ على تصريف الأعمال وسط أزمة نقدية واقتصادية لا سابق لها في التاريخ اللبناني الحديث.

ولما كان الانهيار المالي الذي يهدد لبنان، سببه في الأساس العجز في الموازنة، فإن إقرارها في المجلس النيابي ــ اذا حصل قبل نهاية السنة ــ سيكون انجازاً يمكن التعويل عليه، ولو مرحلياً، للخروج من الأزمة الراهنة لاسيما وان مشروع الموازنة وإن كان لا يعالج العجز بشكل أساسي إلا انه يحقق خفضاً بنقطة أو نقطتين يمكن التأسيس عليهما في مواجهة خطر الانهيار الكامل للمنظومة المالية ومحاولة بدء عملية الانتظام المالي.

 

24 ألف مليار ليرة!

لا تشكل الموازنة أهمية تذكر حسب الخبراء الماليين لأن نحو 90 بالمئة من مجموعها البالغ 24 ألف مليار ليرة هو عبارة عن نفقات الزامية (الرواتب والأجور والاستشفاء) تضاف الى نفقات قررت الدولة الزام نفسها بها (خدمة الدين)، ما يعني عملياً ان صرفها هو التزام على الدولة لا يمكنها التغاضي عنه بصرف النظر عن وجود الموازنة وهي سبق أن التزمت به طوال سنوات غياب الموازنة. لكن الخبراء الماليين يرون انه حتى صرف الرواتب أو دفع خدمة الدين العام ــ وهما البندان الأكبر بين هذه الالتزامات ــ يحتاجان الى مبرر قانوني، أي الموازنة التي تضع حداً للانفاق بدلاً من تجدد الفوضى المالية التي كانت سائدة في ادارات الدولة ومؤسساتها. ويسجل الخبراء للنائب كنعان نجاحه في انجاز موازنتين، الأولى في العام 2018 والثانية في العام 2019، تمكن من تشذيبهما، ما جعل اللجنة ــ ورئيسها خصوصاً ــ شريكة في وضع السياسة الانفاقية في العام الماضي حين <مدّت> يدها الى المحميات المالية، ما جعل ردة فعل الرئيس سعد الحريري في حينه تصل الى حد اتهام اللجنة النيابية بالقيام بمسرحية قبل أن يعود و<يسحب> اتهامه، لكنه في خلال التئام الهيئة العامة للمجلس غضب عندما خفضت موازنتا <أوجيرو> ومجلس الإنماء والإعمار مهدداً يومها بالانسحاب من الجلسة، ومع كل اجتماع تنجح لجنةالمال والموازنة ورئيسها في خفض الاعتمادات وأبرزها 100 مليار ليرة لمشروع الألياف الضوئية... والحبل على الجرار.

ولعل ما يدفع النواب في اللجنة الى خفض الاعتمادات تباعاً هو الواقع المالي المؤلم للبلاد الذي يزداد اضطراباً يوماً بعد يوم، والذي ناقشه الاجتماع المالي الذي عقد في قصر بعبدا الأسبوع الماضي ووضعت فيه الوقائع المالية بتجرد وموضوعية، لاسيما وان الهدف هو ايجاد سبل للمعالجة في ظل ارتفاع للدولار مقابل الليرة وصل لدى الصيارفة إلى حدود 2200 ليرة للدولار الواحد بحيث ان تراجع الليرة جعل من يقبض مليون ليرة مثلاً يساوي 600 ألف ليرة مع ارتفاع الغلاء بشكل جنوني راوح بين 40 بالمئة و60 بالمئة! وعندما يستمع الحاضرون الى وزير المال علي حسن خليل يروي الواقع المالي الراهن تزداد مخاوفهم مما يوصف بـ<الانهيار> المنتظر. ومن بين ما يقوله الوزير خليل ــ حسب مصدر وزاري شارك في الاجتماع المالي في بعبدا ــ ان الدولة ستواجه مع نهاية شهر كانون الأول (ديسمبر) الجاري ضغطاً كبيراً على المتطلبات من بينها سندات بالعملات الأجنبية بقيمة 1013 مليار يفترض تأمينها من خلال اصدارات بالليرة اللبنانية توازي قيمتها 3 آلاف مليار بفائدة 1 بالمئة كي تتمكن الدولة من دفع المتوجب عليها ومن بينها 263 مليار ليرة للكهرباء و140 ملياراً لتعاونية موظفي الدولة وغيرها من الاستحقاقات. صحيح ان حاجات الدولة مؤمنة لغاية نهاية السنة الجارية، لكن المطلوب، حسب الوزير خليل، البحث عن كيفية تأمين مدفوعات الأشهر الأربعة الأولى من سنة 2020 والبالغة قيمتها 3,491 مليار دولار.

 

4 مليارات دولار في المنازل!

ويضيف المصدر الوزاري نفسه ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كشف خلال الاجتماع المالي في بعبدا ان المصرف استطاع المحافظة على السعر الرسمي للدولار، في حين ان التلاعب بالأسعار يجري خارج السوق، لكن الجديد الذي قاله سلامة هو ان اللبنانيين ادخروا في منازهم نحو 4 مليارات دولار سحبوها من ودائعهم في المصارف ما جعل الضغط على الصيارفة يقوى، علماً ان ما تم سحبه خلال أربعة أشهر من الليرات اللبنانية يوازي ما سُحب في خلال خمس سنوات! ويضيف سلامة ان العملة النقدية بالدولار متوافرة، لكن الطلب عليها أكثر مما يحتمله السوق اللبناني ما انعكس أيضاً على الليرة السورية التي انخفضت قيمتها بشكل دراماتيكي. حيال هذا الواقع يرفض سلامة <المخاطرة> باحتياط مصرف لبنان بالعملات الأجنبية وإلا تُفقد الثقة، كذلك لا يستطيع المصرف المركزي <حبس> أموال المودعين لعامل الثقة نفسه. الحل، في رأي سلامة، يكون عبر حكومة جديدة تحمل مشروعاً متكاملاً يعيد الثقة ويريّح الأسواق، لاسيما في غياب أي حركة اقتصادية ومداخيل للدولة، في وقت يرفض أي كان <تديين> الدولة لا في الداخل ولا في الخارج، ولا يمكن الاعتماد دائماً على مصرف لبنان الذي يمول حالياً المحروقات والقمح، وسط زيادة للسلع بنسبة 30 بالمئة، وبالتالي ليس مفيداً الطلب من مصرف لبنان أن يموّل كل شيء لأنه قد يجد نفسه يوماً من دون سيولة.

وخلال الاجتماع كانت مداخلة لرئيس جمعية المصارف الدكتور سليم صفير اعتبر فيها ان وضع المصارف دقيق وصعب، لاسيما مع تزايد طلبات المودعين لاسترداد أموالهم لارسالها الى الخارج أو تخزينها في المنازل، وطالب بتشريعات وقرارات حكومية تحمي المصارف لاسيما بعد إقامة دعاوى ومطالبة بتعويضات عالية، ومثل هذه الاجراءات المؤقتة تساعد في حماية الودائع إضافة الى ان تشكيل حكومة جديدة يعطي دفعة <أوكسيجين> للبلاد.

ولعل المسألة الأكثر دقة التي واجهت المجتمعين في بعبدا كانت حصول سحوبات مالية من المصارف اللبنانية من دون وجود واردات مالية الى لبنان، وفي ظل غياب الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني والذي سيكون من الصعب استردادها في وقت قريب. وعلى رغم اتفاق الحاضرين على ان لا مجال لاعتماد خيار <الكابيتال كونترول>، إلا ان القرارات التي اتخذت لم تحد من اجراءات <التقنين> التي اعتمدتها المصارف في تسليم الزبائن للدولار (150 في الأسبوع فقط) وصولاً الى الليرة اللبنانية (500 ألف في اليوم). وقد تبين للمجتمعين ان استعادة الرساميل التي <هربت> من لبنان تحتاج الى قانون خاص يجب على الحكومة أن تحيله على مجلس النواب ما يعني مرة أخرى ضرورة تشكيل حكومة جديدة ترعى تطبيق الاجراءات، ومنها خفض الفوائد على الحسابات الدائنة والمدينة بنسبة 50 بالمئة، ورفع قيمة رأسمال المصارف بنسبة 20 بالمئة تدخل على مرحلتين الأولى مع نهاية السنة الجارية والثانية قبل شهر حزيران، إضافة الى عدم توزيع أرباح المصارف خلال هذه السنة لتأمين استمرار الملاءة والسيولة في آن.