تفاصيل الخبر

”مــــوّال عتـابـــــــا“ كـفـيــــــل بتحويــل الأفـــراح إلـى أتــراح!

01/08/2019
”مــــوّال عتـابـــــــا“ كـفـيــــــل بتحويــل الأفـــراح إلـى أتــراح!

”مــــوّال عتـابـــــــا“ كـفـيــــــل بتحويــل الأفـــراح إلـى أتــراح!

بقلم علي الحسيني

تعددت الروايات والحكايات، في بعضها تطابقت وفي بعضها الآخر اختلفت وتباعدت. لكن الحقيقة أن عرساً مزدوجاً لشابين من آل <نمر> وآل <أمهز> قررا أن يكون فرحهما في مكان وسطي يقع بين بلدتي يونين وشعث البقاعيتين، لكن ما لبث أن تحولت الفرحة إلى مجزرة بعد موال ردده المطرب علي ياسين، لكن يبدو أن صداه ذهب باتجاه خاطئ فكانت نتيجته سقوط عدد من القتلى والجرحى وهو الأمر الذي أعاد إلى الواجهة مجدداً، معضلة السلاح المتفلت وغير الشرعي الذي ما زال عصياً على الحل رغم الوعود التي تُطلقها الدولة في كل مرة تسقط فيها هيبتها على يد جهات لم تعد تُقيم للأرواح البريئة أي وزن ولم تعد تنفع معها التلويح بعقوبات لم تجد هي الأخرى طريقها إلى التنفيذ.

فرح بقاعي يتحول إلى مجزرة!

خسرت عائلتي ياسين وزعيتر خيرة من شبابها خلال عرس تحول إلى ليلة مشؤومة وذلك بعد ان أطلق المطرب علي ياسين <موال عتابا> أثار لغطاً حول الجهة التي تقصدها المطرب الذي توجه بتحية لشخص من آل طالب كان حاضراً خلال السهرة، لكن الرياح حملت كلمة <طالب> على غير محلها فتلقفها شخص ثري جداً في المنطقة يُدعى طالب زعيتر ونسبها لنفسه وقام على أثرها بإطلاق النار في الهواء ابتهاجاً إلى أن جاءه عباس ياسين شقيق المطرب الذي أوضح له أن المقصود بالموال هو شخص آخر و<ليس أنت>. على أثرها تطور التوضيح إلى تضارب وتدافع

بالأيدي سرعان ما تحول إلى إطلاق نار فسقط على أثره ثلاثة قتلى بينهم المطرب.

فور الحادثة انتشر على مواقع التواصل الإجتماعي مقطع مصور للفنان ياسين وهو يغني في حفل الزفاف، قبيل وقوع الإشكال الدموي. بعضهم قال إن <بيت العتابا> لم يُعجب طالب زعيتر والبعض الآخر رأى أن الأخير انتفض كالثور لحظة تبلغه من شقيق المطرب أنه ليس هو المعني بالأغنية، لكن في الحالتين يُمكن القول إنها ليست المرة الأولى التي تندلع فيها اشتباكات مسلحة بين مواطنين خلال إقامة مناسبات أفراح أو عزاء في منطقة البقاع. وفي الوقت نفسه خرجت الإستنكارات في بعلبك رفضاً لاستمرار ظاهرة تفلت السلاح الفردي في منطقتهم، مطالبين الدولة بوضع حد للتجاوزات الفاضحة التي تخالف القانون والتي تعرض حياة الناس وامنهم للخطر.

الشيخ شوقي زعيتر لفت خلال تشييع ابن العشيرة طالب زعيتر إلى أننا لدينا معطيات نحتفظ بها وسنسلمها الى القضاء المختص. وتمنى الشيخ زعيتر على الحاضرين من آل زعيتر ضبط النفس، فالخسارة عامة لنا وللجميع ولمجتمعنا ولمنطقتنا. وقال: المشكلة ليست مدبرة ولا حصلت عن سابق إصرار وترصد وأنا باسمي وباسمكم أعتبر أن من سقط من آل ياسين هو منا وأن ابننا هو من آل ياسين. أضاف: للأسف كل مرة نقول إن شاء الله تكون هذه الحادثة هي الأخيرة، لكن مع كل حادثة جديدة نقول يا ليتنا ما زلنا في الماضي. كل حادثة تأتي أكبر من التي قبلها ولسنا نعتبر من الحوادث التي تحصل، لا من إطلاق الرصاص ولا من الأعراس ومن غيرها. <ما الأعراس عم يروح حوادث سير فيها، بيتسابقوا هني والعريس وبيروح قتيل أو قتيلين من كل عرس>.

 

إحراق سيارات ورصاص على الجيش

وموال للواء ابراهيم!

في التقارير الأمنية التي وردت عقب الفاجعة البقاعية، أورد بعضها أنه عند الساعة الأولى من تاريخ يوم الأحد الماضي، أُدخل إلى مستشفى الحكمة في بعلبك كل من الجرحى علي ياسين وشقيقه عباس، ومحمد أمهز ورباب بحلق النمر، مصابين بعدة عيارات نارية من أسلحة حربية مجهولة النوع والمواصفات، جراء إشكال تخلله إطلاق نار وقع أثناء حفلة في محلة مفرق بلدة يونين لأسباب مجهولة، وما لبث أن فارق الحياة كل من علي وعباس ياسين متأثرين بجروحهما، فيما حال الجريحين الباقيين حرجة. كما أدخلت الى مستشفى الريان في بعلبك جثة طالب زعيتر، جراء إصابته في الإشكال المذكور. وإلى مستشفى دار الأمل الجامعي، في دورس، أُدخل الجريحين علي طالب زعيتر وشقيقته إيلا طالب زعيتر، وحالتهما مستقرة. بعدها سرت معلومات عن وفاة أحد الجرحى المصابين.

وفور شيوع الخبر في محلة الشراونة، حيث يقطن طالب زعيتر، عمت فورة الدم في أوساط عشيرته، التي توجهت إلى مستشفى الريان، وأفرغت غضبها على سيارات فأحرقتها في موقعها، ما استدعى تدخل القوى العسكرية والأمنية، بناء لإشارة المدعي العام الإستئنافي في البقاع، القاضي منيف بركات. وفي المقابل، صدر بيان عن قيادة الجيش أشار إلى أنه عند الرابعة من فجر الأحد، وأثناء قيام دورية من الجيش بتنفيذ تدابير أمنية، بعد وقوع الإشكال في حفلة الزفاف، تعرضت الدورية لإطلاق نار من قبل مجهولين، فردت على مصادر النيران بالمثل، وأصيب أحد عناصرها إصابة طفيفة نقل على أثرها إلى أحد المستشفيات للمعالجة. ثم عمدت الدورية الى تطويق المكان وتوقيف بعض الأشخاص.

ما بدا لافتاً، هو أن الحادثة وقعت عشية فصل آخر من فصول معالجة مشاكل القتل والثأر المزمنة في بعلبك وقراها، بأسلوبها العشائري أيضاً، حين اجتمعت الدولة بفعالياتها الأمنية والسياسية والحزبية، لإتمام مصالحة بين عائلتين من بعلبك لإنهاء قضية ثأر بينهما، حدد موعدها سابقاً برعاية من اللواء عباس إبراهيم. وقد استقبل ابراهيم بموال يتحدث عن تأمين الأمن بنجاح لافت ومنقطع النظير. لكن الحقيقة أن منطقة بعلبك الهرمل لا تزال تدفع حتى اليوم ثمن غياب الدولة عنها لعقود واستبدالها بالدويلات الحزبية والعشائرية والمذهبية.

 

السلاح المتفلت.. إلى متى؟

بعيداً عن الأسباب التي أدت إلى هذه الفاجعة، فإن الإشكال بحد ذاته، أعاد وبقوة، طرح موضوع السلاح المُتفلت من القيود كافة وحول الجهات التي ما زالت تؤمن الغطاء السياسي لوجود هذا السلاح وتكريسه عنصر إنقسام بين اللبنانيين، سواء بشكل مُباشر أو غير مُباشر. كما وأن سقوط قتلى وجرحى، وسقوط قذائف وإشتباكات بكافة أنواع الأسلحة وقتل الناس الأبرياء في الأفراح والأتراح وإحتجاز الناس رهائن داخل المنازل وفي مداخل الأبنية وفي أعمالهم وعلى الطرقات، لهو أمر أشد خطورة من زمن الفلتان والحرب المُعلنة خصوصاً في مناطق شعبية يغلب عليها الطابع الحزبي والإصطفاف المذهبي. وبالتزامن فقد تحول السلاح غير الشرعي إلى لعنة متكررة وظاهرة موت تكمل طريقها في حصد أرواح بريئة ذنبها الوحيد أنها تسكن مناطق منتشرة على مساحة لبنان من شرقه إلى غربه لا يظللها سقف القانون ولا يُسمح للمؤسسات الأمنية التجول فيها إلا باستئذان هذا الفريق أو ذاك.

المؤكد ان التعايش مع هذا الوضع وفي ظل هذا التفلت القائم، صار يقود يومياً إلى السماع عن حوادث أمنية مُتنقلة تعم مختلف المناطق ويُستعمل خلالها السلاح من كل الأحجام والعيارات. كما أن فوضى السلاح التي تم زرعها في بيئات مُحددة، لم تعد تقتصر على قتل الناس عن طريق العمد أو من خلال الرصاص الطائش، ولا حتى في عمليات السرقة واختطاف الصغار والكبار مقابل مبالغ مالية، بل تطورت على غرار ما حصل في حفلة الزفاف، إلى إشتباك مفتوح على كل الإحتمالات. هذا مع العلم أنه يُحصر صلاحية إعطاء رخص اقتناء السلاح وحيازته وحمله بمرجعية وزارة الدفاع، وينص القانون على حظر نقل الأسلحة والذخائر أو حيازتها من الفئة الرابعة في الأراضي اللبنانية، ما لم يكن الناقل حائزاً رخصة صادرة عن قيادة الجيش وتعطى لمدة ستة أشهر أو سنة واحدة ويجوز تجديدها.

 

أسماء على مذبح السلاح غير الشرعي!

 

من أمل خشفة إلى سارة سليمان إلى منير حزينة إلى محمد القاعي وحسين خير الدين ومحمد علي المولى ووسام بليق، الى الطفلين باتينا رعيدي وياسين سيروان الى محمد شرقاوي وحسين العيسى وحسين العرب وزهراء شهاب وحسين ملك هلالة غورلي وعلي رايب وصولاً إلى المقدم في الجيش ربيع كحيل، جميعهم

سقطوا بسلاح ما زال يُهدد الدولة وكيانها وشعبها. والسؤال هنا: أين هو دور الدولة اللبنانية التي من واجبها العمل على الحد من هذه الظاهرة التي باتت تستبيح مجتمعنا وتقضي على الشباب والأطفال وفي معظم الحالات يتم تجهيل الفاعل إما عن قصد وإما نتيجة عدم وصول التحقيقات إلى نتائج مؤكدة وملموسة؟.

من المعروف أنه ينطبق على حيازة السلاح واستخدامه قانون الأسلحة الصادر العام 1959، ويعاقب كل من أقدم على إطلاق النار في الأماكن الآهلة بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من 500 ليرة إلى ألف ليرة حينذاك أو بإحدى هاتين العقوبتين. وتحول هذه العقوبة التي مر عليها الزمن بفعل تغير قيمة العملة، دون تعرض مطلق النار للعقوبة. وهنا يقول النائب السابق غسان مخيبر الذي كان تقدم سابقاً باقتراح لتعديل هذه الأحكام، <طالما للقاضي الحرية في اختيار إحدى هاتين العقوبتين فإنه يتجه إلى إنزال عقوبة الغرامة البسيطة جداً>. والجدير ذكره، ان عشرة نواب من مختلف الأحزاب الرئيسية، كانوا قد وقعوا على اقتراح القانون الذي طُبق باقتراح ينص على تشديد عقوبة السجن حتى 20 عاماً ورفع قيمة الغرامة حتى 12500 دولار، وبإنزال العقوبتين معاً بحق كل من يطلق الرصاص وتجريده من سلاحه.

والمُلاحظ، أن زرع فوضى السلاح في مناطق مُحددة، يعتبر عاملاً أساسياً لعملية استقطاب الشبان ضمن منظومة قوى الأمر الواقع العسكرية والأمنية. سلاح للاحتفاظ به داخل المنزل والمحال التجارية، تُضاف اليه بطاقة أمنية تُخول صاحبها زرع الرعب في الشوارع والاعتداء على كرامات الناس وقتل الأبرياء برصاص <طائش>، ثم الفرار إلى جهات مجهولة أو <معلومة>. وباختصار، فإن هذا هو حال ضحايا السلاح المُتفلت في لبنان والذي يمتد على مساحة البلد كله من العاصمة باتجاه الأرياف، ولا يكاد يمر يوم حتى تروى فيه حكاية جديدة لأشخاص أضحوا في خبر كان، لا ذنب لهم سوى أنهم يسكنون ضمن مناطق يسكنها جنون السلاح المتفلت الذي يأبى أصحابه إلا أن يُضيفوا إلى يومياتهم ويوميات الآخرين، ضحايا جدداً بذريعة التشييع أو الابتهاج.