بات من الواضح ان قرار الاستمرار في عقد جلسات الحوار بين ممثلي حزب الله وتيار <المستقبل> والمتخذ على أعلى المستويات لدى الطرفين المتحاورين هو أقوى مما اعترضه من <هزّات> الأسبوع الماضي سواء تلك التي أحدثها بيان قوى 14 آذار في ذكرى <ثورة الأرز>، أم تلك التي أفرزتها تصريحات الرئيس فؤاد السنيورة وقبله مواقف الرئيس سعد الحريري وعدد من نواب <التيار الأزرق> ووزرائه... فالذين تخوفوا من توقف الحوار على خلفية <مواقف السقف العالي> فوجئوا بأن هذه المواقف شكّلت مادة دسمة للنقاش الذي دار في الجلسة الحوارية الثامنة في عين التينة وأعطى زخماً جديداً للتواصل بين ممثلي الحزب و<المستقبل>. والذين راهنوا على ان <القنبلة الموقوتة> التي زرعت بين المتحاورين لـ<تفجيرهم> معنوياً وتفشيل لقاءاتهم اكتشفوا ان ما قيل قبل الجلسة الثامنة جعل استمرار الحوار حاجة ضرورية للطرفين، بدليل ان الأجواء المتوترة التي سادت طوال الأيام الماضية سرعان ما هدأت بعد اللقاء الحواري الأسبوعي حيث تمت خلاله عملية <غسل قلوب> ومصارحة في العمق أفضت الى تجدد الحوار بقوة، ما جعل الرئيس نبيه بري الذي كان قد <وضع يده على قلبه> توجساً من انفراط عقد المتحاورين، يبدي ارتياحه للنتائج ويجدد التأكيد على ان هذا الحوار بدأ ليستمر وبزخم، وان لا الشهادات في المحكمة الدولية أثرت على مساره، ولا بيان لقاء <البيال> جمّده، ولا تصريحات الرئيس السنيورة ألغته.
الحوار اهتز... ولم يقع!
وإذا كان الحوار قد <اهتز ولم يقع>، على حد تعبير مصادر متابعة، فإن الصحيح أيضاً ان تبادل وجهات النظر في جلسة عين التينة لم يخلُ من بعض العبارات التي <سخّنت> الجو نسبياً ليعود فـ<يبرد> من جديد، نتيجة التوافق على ان مبررات الحوار لا تزال قائمة أكثر من أي وقت مضى، مع استمرار التأزم في المنطقة وغياب المعطيات التي لا تؤشر الى إمكان انتخاب رئيس جديد للجمهورية قريباً، فضلاً عن تنامي المخاوف من مواجهات أمنية حادة بين الجيش ومسلحي <داعش> و<جبهة النصرة> بعد ذوبان الثلج في الجرود المتداخلة في الأراضي اللبنانية والسورية. وعليه توافق الطرفان خلال الجلسة الثامنة على إيـــــلاء الملف الأمني أولوية لإنهاء ما يمكن إنهـــــاؤه من أوضاع شاذة في المناطق الحساسة، على أن يبقى الملف الرئاسي النقطـــــة التاليـــــة على جدول الأعمال ريثما تتبـــــلور المعطيـــــات حول نتائج الاتصالات الجارية على أكثر من خط لتحريـــــك الملف الذي دخل شهره الحادي عشر.
كذلك توافق الطرفان على <حماية> النتائج التي تحققت حتى الآن والتي يعتبرها <عراب> الحوار الرئيس نبيه بري <جيدة وواعدة>، وذلك من خلال تدعيم الإنجازات الأمنية التي تحققت حتى الآن، واستكمال تنفيذ الخطة الأمنية في البقاع وتهيئة الأجواء المناسبة للبدء بتنفيذ الخطة الأمنية في بيروت والضاحية الجنوبية بعد عودة وزير الداخلية نهاد المشنوق من رحلته الأميركية.
سد ثغرات لتطبيق الخطط الأمنية
وأبلغ عضو في وفد <المستقبل> الحواري <الأفكار> ان الثغرات الأمنية التي برزت خلال الأسبوعين الماضيين اتفق الطرفان على سدها بسرعة، وان تدابير ما اعتُمدت <بهدوء> في الضاحية الجنوبية من بيروت، ستجعل من السهل المضي بالخطة الأمنية الموعودة من دون مفاجآت غير سارة. إلا ان هذا العضو أقرّ بوجود عقبات أخرى لاسيما عند البدء بملف الاستحقاق الرئاسي من دون ان يعني ذلك <الاستسلام> أمام هذه العقبات، بل المضي في مواجهتها ريثما تصبح الظروف الإقليمية أكثر ملاءمة للدخول في التفاصيل. وأكد العضو نفسه ان الجلسة الثامنة أتاحت لوفده تقديم تفسيرات وإيضاحات حول التصاريح والبيانات التي صدرت في <البيال> وخارجه، فيما شرح وفد حزب الله وجهة نظره حيال المسائل التي تسببت بانزعاج في صفوف <المستقبل> وذلك انطلاقاً من قناعة لدى الطرفين ان ثمة إرادة بأن يستمر الحوار أطول مدة ممكنة على قاعدة <تنظيم الخلافات> وتخفيف الاحتقان وتحصين الوضع الأمني و<المذاكرة> بصوت عالٍ في الموضوع الرئاسي.
أما في المقلب الآخر، فإضافة الى ارتياح الرئيس بري الى ان رهانه على استمرار الحوار لم يسقط رغم <إطلاق النار السياسي> الذي يطاله من فريق في <المستقبل>، فإن قرار حزب الله بالمضي في الحوار بُني على أسس جديدة أبرزها ضرورة التواصل مع <الفريق الحواري> في <المستقبل> وتجاهل <الفريق التصادمي> داخل <التيار الأزرق> الذي يعارض الخطوات الحوارية ويزرع الألغام في طريقها كلما سنحت له الفرصة بذلك. من هنا كانت الجلسة الثامنة <ضرورية> في نظر الحزب لـ<تعطيل> محاولات <الفريق التصادمي> في <المستقبل> تفشيل الحوار لاسيما وان الأجواء التي وصلت الى قيادة الحزب من مقربين من الرئيس سعد الحريري دلّت على ان الرئيس الأسبق للحكومة مصمم على إبقاء الحوار <حياً يرزق> وعدم التجاوب مع الدعوات <الزرقاء> لوقفه. وفهم الحزب جيداً رسالة الرئيس بري التي حملها لإعلاميين زاروه الأسبوع الماضي ان الرئيس الحريري <يقاتل ببسالة> للدفاع عن الحوار وصد ما من شأنه إلحاق الضرر به أو التأثير فيه، لاسيما وانه - أي الحريري - صاحب الكلمة الفصل في نهاية المطاف.
عون يشجع على استمرار الحوار
وأبلغت مصادر في حزب الله <الأفكار> ان رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون أبلغ قيادة الحزب انه لمس خلال عشاء عيد ميلاده في <بيت الوسط> رغبة قوية لدى الحريري في سلوك منهج سياسي حواري يبدّل الكثير من الوقائع والمناخات السابقة، وبالتالي يفترض دعم هذا التوجه باعتباره مصلحة وطنية. وقد تركت ملاحظات عون أثراً لدى قيادة حزب الله التي قررت تجاوز <إساءات> بيان الرئيس السنيورة وما تلاه من مواقف متشنجة، وتقديم كل الفرص الداعمة لـ<الفريق الحواري> داخل <المستقبل> والوقوف في وجه <الفريق التصادمي> والكشف عن مخططاته وتوجهاته ورهاناته، لاسيما بعد المواقف الإيجابيــــة للوزير نهـــــاد المشنوق التي بـــرزت في جلسة مجلس الوزراء بعد المواجهة بين الوزيرين محمد فنيش وحسين الحاج حسن من جهة، والوزير أشرف ريفي من جهـــــة ثانية. وأكدت المصادر نفسها ان الحـــوار ماضٍ قدماً ليس من باب <الترف السياسي> بل لأنه يــــوفر فرصـــــاً واعدة تجوز التضحية في سبيل الاستفادة منها، وبات اللقاء في الجلسة التاسعة أمراً طبيعياً!