تفاصيل الخبر

مواجهــــة الجيـــش للارهـــــابيين لــم تــكن بالســـلاح وحـــده بـــل بالتغطيـــة الاسلاميـــــة!

31/10/2014
مواجهــــة الجيـــش للارهـــــابيين لــم تــكن بالســـلاح وحـــده بـــل بالتغطيـــة الاسلاميـــــة!

مواجهــــة الجيـــش للارهـــــابيين لــم تــكن بالســـلاح وحـــده بـــل بالتغطيـــة الاسلاميـــــة!

Asdaa-Fanniya00006  أما وقد انجلت معركة الجيش في طرابلس وقضاء المنية ضد الارهابيين الذين كانوا يقاتلون من أجل انشاء إمارة بميناء بحري وأثبتت المؤسسة العسكرية قدرتها على أن تكون السياج الأمني للبلاد، فلا بد من وضع النقاط فوق الحروف، وإعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله.

   وقيصر هنا هو المؤسسة العسكرية التي أرادت أن تقول للجميع، ولكل من يعنيهم الأمر، ان الجيش ليس موقفاً ديبلوماسياً يعتمد بين أوراقه على ورقة التفاوض، والموافقة على الأمن بالتراضي. لقد تصرف في مجابهة الارهاب في طرابلس وريفها الشمالي بحكمة <شكسبير>: <نكون أو لا نكون>، وانه جدير بمساعدة المليار دولار التي جاءته من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وائتمن عليها الرئيس سعد الحريري، وجدير أيضاً بصفقة السلاح الفرنسي التي رعتها المملكة العربية السعودية، وينتظر لبنان وصول طلائعها الأولى قبل نهاية هذا العام. فالجيش قوة وحزم أولاً.

   والجيش الذي دحر الارهاب في أسواق طرابلس القديمة كان باراً بالعائلات التي حاصرها الارهاب، فنقل منها الجرحى، وأمن، لمن نكب منها، طريق الخروج من ساحة النار والدخان الى المناطق الآمنة.

   ولكن الجيش، رغم بسالته وقوة شكيمته، وبراعته في القتال، لم يكن يضرب الارهابيين بالسلاح وحده، بل كان يضربهم بالغطاء الوطني الذي وفرته له قيادات طرابلس، والرئيس سعد الحريري، والمفتي مالك الشعار، والإعلام المكتوب والمرئي والمسموع. الجيش كان يحارب بالمدفع والرشاش والصاروخ، والقيادات كانت تحارب الى جانبه بالكلمة والتأييد المطلق، وتهيئ البيئة الطرابلسية، وخصوصاً البيئة السنية، للقبول بالجيش سنداً ومنقذاً، ومختلفاً عن الجيوش التي خرجت عن عباءة الناس، مثل الجيش الإيراني <الشاهنشاهي> في ثورة 1979، ومثل الجيش الليبي التابع لمعمر القذافي عام 2011.

   كان الجندي اللبناني يحارب بيد ويمد يده الأخرى لتتلقف يد المواطن، وكان ذلك سر تفوقه ودخوله البيوت من أبوابها، وإنهاء نكبة الأسواق من باب التبانة وسوق القمح وطلعة العمري، الى ساحة الدفتردار ومحلة النوري حيث تشمخ مآذن المسجد المنصوري الكبير.

معادلة الرغيف والبندقية!

   وحسناً فعل رئيس هيئة الإغاثة اللواء محمد خير حين سارع الى مسح المناطق المنكوبة، والبيوت المهدمة، والمحلات التي عصف بها البارود واشتعلت فيها النيران، لتهيئة التعويضات المناسبة بقرار من مجلس الوزراء بمجرد أن يعود الرئيس تمام سلام من زيارته للعاصمة الألمانية برلين.

تمام-سلام-و-ميركل

   ومساعي اللواء خير لا تكفي وحدها لمحو أخطار جولة أمنية جديدة على هذه المناطق في المستقبل، بل يجب أن تساندها ميدانياً جهود أربعة وزراء هم: وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، ووزير الاقتصاد آلان حكيم، ووزير الأشغال غازي زعيتر، ووزير العمل سجعان قزي. فهي مناطق منكوبة بالفقر، والعسر المعيشي، والبطالة، وانسداد أبواب الرزق، وفتح شبابيكها على المجهول. وكما كتبت في هذه الزاوية منذ أسبوعين ينبغي أن تكون هناك معادلة تقول لمواطن تلك المناطق الغارقة في الفقر المدقع: هات البندقية والقنبلة وخذ رغيفاً وفرصة عمل.

   وما دامت هذه المعادلة لم تخرج من دائرة الورق الى دائرة النور، فإن مفاجآت التوتر الأمني لن تنتهي.

   وأغلب الظن أن الرئيس تمام سلام وهو يتوجه يوم الاثنين الماضي الى برلين لحضور المؤتمر الخاص بالنازحين السوريين، لم يكن في غربة عن هموم المناطق المنكوبة في طرابلس، ولا بد أن يكون قد شرح لأهل المؤتمر، وخصوصاً المستشارة الألمانية <أنجيلا ميركل> ووزير الخارجية الفرنسي <لوران فابيوس> أوضاع الفقر في طرابلس، وبعض المناطق الأخرى، وتفاقمها بطوفان النزوح السوري.

   ومقابل المبلغ الذي يقرره مؤتمر برلين لإسعاف النازحين، ينبغي أن يكون هناك دعم مالي دولي للبنان، بالتزامن مع الدعم الدولي العسكري للجيش اللبناني. ولا بد أن يسير الأمن العسكري والأمن المعيشي أو الأمن الاجتماعي جنباً الى جنب.

   ففي أسواق طرابلس القديمة تراث مملوكي وعثماني، ناله من المدافع والصواريخ أذى بالجملة، ويتعين إزالة الأذى بالسرعة الممكنة، حتى لا يضيع تاريخ المدينة. والمشهد المطلوب في المستقبل هو مشهد الجرارات وهي تزيل النافل من الركام وخرائط المهندسين وهم يقفون على باب خان الخياطين ذي السقوف التراثية العالية، ويخططون لتحسين المشهد، وإحياء التراث، مثله مثل محلة الملاّحة وسوق العطارين وسوق القمح ومحلة تحت السيباط  في ساحة الدفتردار، والسيباط مشتق من العبارة الفرنسية <Sous Batiments>، على أساس أن الأزقة هناك تمر من تحت نوافذ البيوت.

طرابلس والدول الخليجية

   وعلى نواب طرابلس، ولاسيما المقتدرين منهم، بدءاً من الرئيس نجيب ميقاتي والنائب محمد الصفدي، أن يضعوا الخطط لإحياء معرض طرابلس الدولي ذي المساحات الواسعة، واستجلاب الشركات لتوظيف أموالها في هذا المعرض، وإقامة المشاريع العمرانية بدءاً من ساحة التل وساعتها الأثرية التي قدمها الى طرابلس عام 1895 السلطان عبد الحميد الثاني، واسترجاع ماضي الفرق المسرحية العربية التي كانت تملأ المدى زمان الأربعينات ومطلع الخمسينات، ومن حسن الحظ أن المدينة أنشأت عدداً من الجامعات في مقدمتها جامعة <المنار> التي يرئس مجلس ادارتها الوزير السابق سامي منقارة، ويتولى رئاستها الفخرية الرئيس عمر كرامي، متعه الله بالصحة والعافية، وجامعة الجنان في محلة أبي سمرا، إضافة الى فروع الجامعة اللبنانية.

محمد-خير

   ولكن يبقى سوق العمل لاستيعاب الخريجين والخريجات، فأين هو سوق العمل، وفي المدينة فندق واحد هو فندق <الكواليتي إن>؟ وأين سوق العمل وكراسي المقاهي حكر على مئات العاطلين عن العمل؟ وأين مصنع نسيج آل عريضة في منطقة البحصاص بعدما كان يمد السوق اللبنانية والعربية بالأقمشة والمنتوجات القطنية؟

   وبقدر ما هناك دعوة الى استرجاع الماضي في طرابلس، بكل زهوته وألقه، بقدر ما هناك دعوة الى الاهتمام بشباب وفتيات المستقبل، بدلاً من أن تبتلع الهجرة الشبان، وتلقي الفتيات في مهب العنوسة. والكلام هنا لم يعد ينفع، والمبادرة متروكة لمجلس الوزراء في سبيل أن يخطط لطرابلس مستقبلاً أفضل لا يعشش فيه الفقر، ولا تتفاقم فيه البطالة. والدول الخليجية جاهزة لدعم مثل هذا المستقبل، لأنها بذلك تقضي على منابع الارهاب قبل أن يصبح رشاشاً وبندقية وقنبلة!

لبنان وألمانيا والماضي الجميل

   ونعود هنا الى الرئيس تمام سلام ضيف برلين هذا الأسبوع. وألمانيا ذات علاقة تراثية مع لبنان والمنطقة. ففيها أقام مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني ضيفاً على <أدولف هتلر> قبل أن يشن حربه المدمرة على أوروبا، وفيها أقام المجاهد فوزي القاوقجي وتزوج الممرضة التي كانت تسهر على ولده الراحل مجدي، ومنها تزوج طبيب زمانه في طرابلس الدكتور عبد اللطيف البيسار وأنجب سلمى عقيلة الصحافي الكبير الراحل كامل مروة، وكان من الصحافيين المناضلين في برلين، ومن إذاعتها انطلق صوت المذيع العراقي يونس البحري وبرنامجه <حي العرب>، ومن إذاعتها بدأ حياته كمذيع الأديب الراحل سعدي بصبوص، قبل أن يصبح بعد ذلك مدير برامج في إذاعة لبنان.

   ومن مفارقات ذلك الزمان أن الفنانة اللبنانية الراحلة بديعة مصابني كانت من فوق خشبة مسرحها في القاهرة تهاجم <هتلر>، وتمالئ الحلفاء، فأرسل إليها يونس البحري تهديداً من ميكروفون <حي العرب> بأن الجيش الألماني سيعلق مشنقتها أمام كازينو بديعة!

   وسقط حكم <هتلر> ونجت بديعة.

   تلك الأيام نداولها بين الناس، والماضي لا يعود، وإنما له تراثه ومثله العليا، ومن هنا يجب أن تبدأ الدولة ورشة الانقاذ الاجتماعي في طرابلس، بمساعدة الاتحاد الأوروبي وأوله ألمانيا!