تفاصيل الخبر

«مناورة البوانتاج» لم تجمع مجلس النواب لأن «النصاب السياسي» - لا «العددي» - يُنتج رئيساً!  

12/02/2016
«مناورة البوانتاج» لم تجمع مجلس النواب  لأن «النصاب السياسي» - لا «العددي» - يُنتج رئيساً!   

«مناورة البوانتاج» لم تجمع مجلس النواب لأن «النصاب السياسي» - لا «العددي» - يُنتج رئيساً!  

بري-عونلم يكن عدم انعقاد الجلسة الـ35 لانتخاب رئيس الجمهورية يوم 8 شباط/ فبراير، مفاجأة لأحد، لاسيما بعد الموقف المعلن للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بعدم النزول الى ساحة النجمة إلا إذا كان انتخاب رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون مضموناً، خصوصاً ان هذا الموقف تحديداً، أعاد وفد حزب الله التأكيد عليه بعد لقاء مع العماد عون في دارته في الرابية لمناسبة الذكرى العاشرة لـ<تفاهم مار مخايل> بين التيار الوطني الحر وحزب الله. كذلك لم يكن عدم اكتمال النصاب مفاجئاً للرئيس نبيه بري الذي كان يدرك أن نواب الحزب لن يشاركوا في الجلسة، وكذلك نواب كتلة المرشح النائب سليمان فرنجية الذي كان قد أعلن التزامه عدم حضور أي جلسة انتخابية لا يحضرها نواب كتلة الوفاء للمقاومة. إلا أن ما حملته الجلسة المؤجلة الاثنين الماضي من معطيات جديدة تلخصها مصادر متابعة بأن ملف الاستحقاق الرئاسي سيبقى مغلقاً الى إشعار آخر، طالما أن مواقف الأطراف الداخليين المعنيين بهذا الاستحقاق لا تزال على حالها، سواء لجهة استمرار العماد عون في ترشحه مدعوماً من حزب الله والقوات اللبنانية وحزب <الطاشناق> الأرمني، أم لجهة تمسك النائب سليمان فرنجية بعدم الانسحاب وإعلانه حيازته على تأييد 70 نائباً على الأقل يمثلون تيار <المستقبل> وحركة <أمل> والحزب التقدمي الاشتراكي وغالبية النواب <المستقلين>.

الرياض على مسافة واحدة

سليمان-فرنجية-1

وفيما ينتظر اللبنانيون فرجاً يأتيهم من الخارج ويفرض معادلات جديدة على قيادات الداخل، تؤكد مصادر سياسية مطلعة أن التطور الوحيد الذي ينبغي انتظاره من الخارج هو تبدّل الموقف السعودي من العماد عون وإزالة <الفيتو> الذي تقول مصادر <تيار المستقبل> أنه لا يزال موضوعاً ضد ترشيح العماد عون، لأن انعدام هذا <الفيتو> يعيد خلط الأوراق ويعيد حظوظ <الجنرال> الى الواجهة من جديد، خصوصاً أن ما يهم الرياض وفق المصادر السياسية المطلعة نفسها، هو التزام الرئيس العتيد بتطبيق <اتفاق الطائف> وعدم العمل على تعطيل مفاعيله، وهو ما حرص العماد عون في آخر إطلالة إعلامية له على تأكيده بعد الاتفاق مع الدكتور سمير جعجع في <لقاء معراب> على البنود العشرة التي تصب في <اتفاق الطائف> نصاً وروحاً. وتعتبر المصادر السياسية أن هذا التطور في الموقف السعودي ممكن، لاسيما وأن الرياض أعلنت أكثر من مرة  أنها على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين، وهي منفتحة خصوصاً على المسيحيين منهم وليست في وارد <فرض> أي رئيس عليهم لا يرضون به، كما أنها لا تقبل بأن يمارس هذا الدور أي طرف إقليمي آخر (والمقصود هنا ايران). وينقل زوار الدكتور جعجع عنه قوله إن التفاهم المسيحي الذي تمّ في معراب شكّل ضمانة قوية لـ<اتفاق الطائف> يُفترض بالمسؤولين السعوديين أن يتوقفوا عند مفاعيله، ذلك أنها المرة الأولى التي يقول فيها طرفان مسيحيان يمثلان 80 بالمئة من المسيحيين، <نعم> كبيرة لهذا الاتفاق على رغم أنه، وفق الممارسة والتطبيق، جرّد الرئيس المسيحي من الكثير من صلاحياته ونقلها من حيث الشكل الى مجلس الوزراء مجتمعاً، في حين أصبحت عملياً في يد رئيس الحكومة منذ أن تولاها الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي اتضح أن معظم ما جاء في هذا الاتفاق <فُصّل> على قياسه وعلى حجم حضوره المحلي والإقليمي والدولي.

إلا أن المصادر السياسية نفسها لا تستطيع أن تحدّد توقيتاً مُعلناً للتطور المرتقب في الموقف السعودي على أساس أن المملكة تأخذ عادة وقتها في تقييم التطورات والمواقف قبل أن تقول كلمتها، وان هذا التريث التقليدي في الموقف السعودي ينبع من رغبة الرياض في أن تكون كل خطوة تقوم بها مدروسة من مختلف جوانبها وتأخذ في الاعتبار كل المفاعيل التي ستترتب عنها، لأن <القرارات الحكيمة> - وفق القيادة السعودية - هي الراعي-السفراء<القرارات غير المتسرعة>. وعليه، تضيف المصادر، فإن معطيات كثيرة باتت أمام القيادة السعودية التي ستحدد موقفها النهائي <في الوقت المناسب> والذي <سيكون حتماً لمصلحة لبنان واللبنانيين، مسيحيين ومسلمين>، على حد تعبير مطلعين على الاتصالات الجارية بعيداً عن الأضواء بين قيادات لبنانية والمراجع السعودية المعنية بالملف اللبناني بكل تشعباته. ولعل زوار الرابية الأسبوع الماضي لمسوا <ارتياح> العماد عون إلى مسار التطورات الرئاسية، لاسيما بعدما رسم السيد نصر الله سقف قوى 8 آذار التي تعتبر العماد عون مرشحها الرئاسي، وإن التحرك لتوفير المزيد من الدعم له سيكون تحت هذا السقف، وعندما تكتمل المعطيات كلها لن يكون من الصعب على <السيد> أن يرعى <التخريجة> المناسبة لترشيح النائب فرنجية الذي سبق أن أكد بأنه سوف يدعم العماد عون إذا كان فوزه بالرئاسة مضموناً على أن يكون هو البديل إذا تعذر ذلك. وفي هذا السياق تقول المصادر السياسية نفسها أن أُسس <الإخراج> موجودة عندما تحين الساعة المناسبة والتي يُعمل لها بـ<نفس طويل>.

 

معادلة جديدة...

أما <الدرس> الثاني الذي استخلصته المصادر السياسية من تعذر انعقاد مجلس النواب الاثنين الماضي، فإن المصادر السياسية المطلعة تورده في فصلين: الأول بمعادلة تقوم على أن لا ترشيح الزعيم السني للزعيم الماروني يؤدي الى انتخابه رئيساً للجمهورية، ولا اتفاق زعيمين مسيحيين أو أكثر على مرشح واحد يجعل الاستحقاق الانتخابي ممكناً حتى ولو كان هذا المرشح مدعوماً من أحد ركني <الثنائية الشيعية> الأكثر فعالية في السياسة والميدان. وهذه الحقيقة - تضيف المصادر نفسها - جعلت من <لقاء معراب> بين العماد عون والدكتور جعجع، وقبله <لقاء باريس> بين الرئيس الحريري والنائب فرنجية، من الأحداث السياسية المهمة في المسار الانتخابي الرئاسي، لكنها لا تقود حتماً أياً من المرشحين المعلنين الاثنين عون وفرنجية الى قصر بعبدا، خصوصاً أن <لقاء معراب> افتقد الى الدعم السني، و<لقاء باريس> لم يتوافر له الدعم الشيعي المكتمل ولا الرعاية المسيحية الوازنة. بل إن الحاجة تبقى الى توافق مسيحي - سني - شيعي، كامل الأوصاف، وهذا ما أدركه كل من عون وفرنجية، لأن مجلس-النوابالأول متمسك بتأييد الفريق السني له والثاني حريص على الحصول على دعم حزب الله.

أما الفصل الثاني من <الدرس> الناتج عن عدم انعقاد جلسة الاثنين الماضي فهو، في رأي المصادر السياسية نفسها، أن تعذر انتخاب الرئيس لم يعد سببه كون المرشح يتمتع بحيثية ضمن طائفته، لأن كلاً من العماد عون والنائب فرنجية يملكان مثل هذه الحيثية وإن بنسب متفاوتة، بل إن الأزمة الحقيقية تكمن في توزع قرار إكمال النصاب بين أصوات ناخبين مسيحيين ومسلمين على حدٍ سواء، بمعنى أن عدم حضور نواب تكتل التغيير والإصلاح والقوات اللبنانية و<حزب الطاشناق> وحزب الله يسقط النصاب المطلوب (غالبية الثلثين)، وكذلك عدم حضور نواب <المستقبل> وحركة <أمل> والحزب التقدمي الاشتراكي و<المردة> يؤدي الى النتيجة ذاتها، ما يعني ان انتخاب الرئيس العتيد تحكمه معادلة التوافق المسيحي - الإسلامي عموماً، ومعادلة التوافق الشيعي - السني خصوصاً، وما لم يتوافر هذا الاتفاق المثلث الأضلاع لن يكون من السهل إنهاء الشغور الرئاسي في قصر بعبدا وعودة الانتظام الى المؤسسات الدستورية.

 

<مناورة البوانتاج> سقطت

وتعتقد المصادر نفسها أن ما اصطُلح على تسميته <عملية البوانتاج> التي انطلقت قبل أيام من موعد جلسة 8 شباط/ فبراير والتي أُريد منها التأثير على بعض المترددين في الحضور الى ساحة النجمة، لم تكن سوى <مناورة> كشفها الرئيس بري عندما تعمّد إخبار زواره أن قوى سياسية عملت على تأمين نصاب <عددي> للجلسة، متجاهلة أهمية <النصاب السياسي> الذي لا مجال لانعقاد الجلسة من دون توافره. وإذا كانت <مناورة البوانتاج> أُريد منها <حشد> النواب المؤيدين لانتخاب النائب فرنجية في مجلس النواب <لإحراج> القوى المؤيدة للعماد عون وإظهار حجمها العددي، فإن <تفشيلها> أعاد <الاعتبار> الى أهمية التوافق الذي يشكّل المعبر الوحيد لانتخاب الرئيس العتيد، علماً أن مصير جلسة تقوم على <بوانتاج> لنصاب عددي محكوم بالسقوط حتماً، مع تمسك الرئيس بري وغيره من القيادات السياسية بـ<النصاب السياسي> الذي يؤمن وفد-حزب-اللهحضور الغالبية العظمى من المكوّنات المسيحية والإسلامية، بصرف النظر عن <نصائح> الديبلوماسيين والزعماء الروحيين، وكان آخرها ما نتج عن اللقاء الذي عُقد في بكركي وضمّ سفراء فرنسا وروسيا والولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، وممثلين عن بريطانيا والصين، إضافة الى السفير البابوي والمنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان. وقد حرص المجتمعون حول البطريرك على التعبير عن قلقهم البالغ لاستمرار <الشغور الرئاسي>، وشاركوا البطريرك قلقه بالنسبة الى تآكل مؤسسات الدولة في غياب رئيس للجمهورية. لكن دعوة المجتمعين للنواب الى حضور الجلسة الانتخابية و<المضي قدماً> في انتخاب الرئيس المقبل <في أسرع وقت ممكن>.. ظلت صرخة في وادٍ! كذلك كانت دعوة مجلس المطارنة الموارنة الذي انعقد مطلع الشهر للإسراع في انتخاب الرئيس من دون صدى، في وقت أثنى فيه المطارنة على <تطوّر الحوار الداخلي> بين الأفرقاء مشجعين على متابعته ليشمل الفرقاء كافة، مرحبين بكل مبادرة من شأنها أن تؤول الى انتخاب رئيس للجمهورية.

ومع انضمام جلسة 8 شباط/ فبراير الى ما سبقها من جلسات، وعودة الأولوية الى <النصاب السياسي> بدلاً من <النصاب الرقمي>، حرصت مصادر الرئيس فؤاد السنيورة الى القول بأن <الاتهامات> التي وُجهت الى الرئيس السابق للحكومة بأنه كان وراء هذا <البوانتاج> الذي كان يتحدث عن حضور 86 نائباً، ليست صحيحة، لأن الرئيس السنيورة يُدرك من خلال خبرته السياسية أن الاتفاق السياسي كان دائماً المفتاح الى حل الأزمات التي تناوبت على لبنان، لاسيما منذ السبعينات، وان سياسة <الفرض> في أي استحقاق <ما بتمشي> في لبنان الذي قام منذ الاستقلال على اتفاق أبنائه في معادلة عُرفت بـ<الميثاق الوطني>.