[caption id="attachment_85310" align="alignleft" width="375"] حاكم مصرف لبنان رياض سلامة .[/caption]
ماذا وراء الضجة التي شهدها لبنان الأسبوع الماضي على خلفية طلب المدعي العام السويسري مساعدة قضائية في التحقيق في شبهة اختلاسات وتبييض أموال في مصرف لبنان؟
هذا السؤال الكبير الذي شغل الاوساط السياسية والاقتصادية والدبلوماسية على حد سواء ترك اكثر من علامة استفهام، لاسيما وانها ليست المرة الاولى التي توجه فيها اتهامات الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بحصول مخالفات مالية للمصرف المركزي الدور الاساسي فيها، وفي كل مرة كانت النتائج تؤكد أن لا ارتكابات في مصرف لبنان او مخالفات يعاقب عليها القانون. الا ان هذه المرة بدا وكأن وراء الاكمة ما وراءها من خلال واقعتين، الاولى تسريب خبر الطلب السويسري الى وسائل الاعلام والذي بدا انه تسريب مقصود ذلك ان اربع جهات عرفت بطلب المدعي العام السويسري مساءلة سلامة: رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي تسلم نسخة عن الطلب السويسري، ورئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب ووزيرة العدل ماري كلود نجم (التي وردت اليها مراسلة الجانب السويسري) والمدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات الذي احيل اليه الطلب من مكتب الوزيرة نجم. ونقطة الضعف في عملية التسريب ان الطلب ورد مباشرة الى وزيرة العدل من السفيرة السويسرية في لبنان من دون ان يمر في وزارة الخارجية والمغتربين كما تقتضي الاصول في الحالات المماثلة.
واللافت في هذا المجال، ان الطلب السويسري ورد في وقت تعثرت فيه عملية التدقيق المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان حيث قيل إن طلبات الشركة التي رست عليها عملية التدقيق، لم تلق تجاوباً من الحاكم سلامة، الامر الذي جعل الشركة وهي "الفاريز اند مارسال" تتوقف عن اداء مهمتها بحجة عدم توفير المعلومات كي يتمكن مدققوها من مباشرة عملهم وفق الاتفاق المعقود مع وزارة المال. والتسريب لم يشمل الحاكم سلامة بل تعداه الى شقيقه رجا سلامة ومعاونته السيدة ماريان حويك، معنيين ايضاً بشبهة تحويل اموال قيل إنها فاقت الــ 400 مليون دولار، اضافة الى استفادتهما من عمليات مالية تمت عبر مصرف لبنان بتسهيل من الحاكم سلامة الذي اظهر تجاوباً مع التحقيق وحضر الى مكتب القاضي عويدات واطلع منه على الملف المرسل من السلطات القضائية السويسرية.
وفي الجلسة خيّر الحاكم سلامة بين اجراء التحقيق في لبنان وابلاغه الى السلطات السويسرية، او استكمال التحقيق في بيروت في حضور ممثل عن النيابة العامة السويسرية. اما الخيار الثالث فكان ان يمثل سلامة امام القضاء السويسري مباشرة لاستيضاحه ما ورد في المعطيات المتوافرة لدى السويسريين وهذا ما اختاره سلامة الذي يتوقع ان ينتقل الى بون في سويسرا فور تحديد المدعي العام السويسري موعداً للاستماع اليه.
أموال خاصة أو عامة؟
عملياً، المسألة لا تزال في بدايتها وقيل حولها الكثير من الكلام حول هذه التحويلات التي اكد الحاكم ان حجمها ليس كما اعلن (اكثر من 400 مليون دولار) وانها لم تكن من اموال مصرف لبنان او الدولة اللبنانية، بل من امواله الخاصة مع شقيقه الذي يدير شركة تهتم بالمحفظات المالية لشركات وافراد تدار في الخارج حيناً وعبر لبنان احياناً. وبدا الحاكم من خلال لقائه مع المدعي العام التمييزي واثقاً من ان هذه القضية مماثلة لسابقات لها تم تحريكها بهدف الاساءة الى شخصه والى دوره خصوصاً ان لا مخالفات مرتكبة على حد قوله، بل عمليات مصرفية عادية يتم مثلها الكثير بين رجال الاعمال والذين يتعاطون في الاسهم العالمية والبورصة وغيرها من المحطات المصرفية الكبرى. وفي هذا السياق تقول مصادر قريبة من الحاكم سلامة إن الإخبار سينتهي الى النتيجة التي اعلنهـــا سلامة لخلوه من اي شبهة، وتعتبره "مفبركاً ويصب في اطار الحملة عليه، وامعاناً من خلاله في ضرب النظام المصرفي في لبنان اكثر من استهداف شخص الحاكم سواء عن قصد او غير قصد". وتصفه بأنه "زيادة في المساس بالنظام الاقتصادي اللبناني ككل، بعد ما تعرض له القطاع المصرفي، وكذلك يستهدف الدور الذي يؤمنه سلامة في هذه المرحلة الدقيقة في البلاد لجهة تأمين الاستمرارية المعنوية والمالية من خلال السياسة النقدية المتبعة من المصرف المركزي". وتبدي المصادر نفسها اقتناعاً من الناحية القانونية بأن التحرك الجديد في وجه سلامة في الخارج لن يفضي الى نتيجة، وسينتهي الى النتيجة التي آلت اليها الحملات التي شنت عليه تباعاً في الداخل. وطبقاً لتفسيرها القانوني تؤكد ان التحرك الاخير امام القضاء السويسري لن يكتب له النجاح بدوره كون هذا الملف فارغاً وسينتهي الى ما انتهى اليه سواه، وان جنحت الغاية من هذه المعلومات في حق الحاكم بطريقة غير مباشرة الى تأليب اي مساعدة خارجية يمكن ان يستفيد لبنان منها".
وينوي الحاكم سلامة، بعد انتهاء التحقيقات التي يجريها القضاء السويسري ان يدعي على الجهات التي تولت في "تركيبة" هذه التهم واولئك الذين روجوا لها لاندراجها في خانة الافتراء لاسيما وان لا إدعاء على سلامة بأي تهمة بل الهدف من الطلب السويسري للاطلاع على معلومات الحاكم في هذا المجال وليس الادعاء عليه، ويمكن ادراج الطلب في خانة "الإخبار" الذي لا يرتقي الى مصاف تقديم دعوى جزائية التي تؤخذ عادة في الاعتبار من المنظار القانوني بجدية اكثر من "الإخبار" الذي يمكن ان يكون مجرد معطيات غير دقيقة لا يمكن الاخذ بها، او ان يكون تقديمه لأسباب كيدية.
هل من خوف على الذهب؟
وقد ابدت مصادر متابعة خشية من ان يكون وراء الطلب السويسري محاولة لفتح ملفات مالية لشخصيات لبنانية بقصد التشهير بها، فضلاً عن تخوف من ان يؤدي كل ما يحصل الى وضع اليد على موجودات الذهب في مصرف لبنان، وهو امر يحصل عادة في دول عدة متعثرة، وتدعو هذه المصادر الى التمييز بين مؤسسة مصرف لبنان وبين اشخاص يمكن ان يكونوا مرتكبين. ذلك ان لدى لبنان اليوم ذهباً بقيمة 20 مليار دولار وما يحصل من إشراك للمصرف المركزي بأخطاء الدولة والمصارف يمكن ان يقود الى الحجز على اصول لبنان ومصرف لبنان باعتباره البديل من الدولة (او الشخصية البديلة بالتعريف القانوني) ما يهدد موجودات الذهب. وتشير هذه المصادر الى "تجربة المصرف المركزي الارجنتيني حين ربح الدعوى ضده في نيويورك بعد اثبات استقلاليته عن الحكومة ما منع الحجز على املاكه. وفريق الدفاع عن سلامة يرى انه "شخص ذكي ويصعب ان يقع ويرتكب اخطاء قاتلة إن في ما يتعلق بحساباتــــه الشخصية او بمنظومــــة عمل مصرف لبنــــان. وقد سبق لـــه ان صرح لــ " نيويورك تايمز" انه وضع آلية للتحقيق ومواجهة غسيل الاموال وتمويل الارهاب، ومن عانوا من قراراته يحاولون اتهامه بالفساد"!.