تفاصيل الخبر

من يُنقذ لبنان من شرور أهله!

01/07/2020
من يُنقذ لبنان من شرور أهله!

من يُنقذ لبنان من شرور أهله!

بقلم علي الحسيني

 

[caption id="attachment_79154" align="alignleft" width="373"] من يُنقذ لبنان من شرور أهله![/caption]

 لا شيء في لبنان يوحي بالاطمئنان ولا الاستقرار. بلد مفتوح على جميع الاحتمالات بما فيها الحروب والانقلابات. كل ذلك يأتي وسط تلهيّ الدول بمشاكلها وإلهاء لبنان بأزماته المتعددة والتي لا يقل فيها الشأن السياسي عن الوضع الإقتصادي الصعب. وبين الجوع والفقر والتلويح بانفلات زمام الأمور، يبقى الهاجس الإسرائيلي هو الأخطر في مرحلة تبدو أكثر من مرشحة لفتح جبهة مع لبنان وتحديداً مع حزب الله، ذلك بناء على القاعدة التي تقول إن الحروب تكون عادة الوسيلة الأفضل للخروج من الأزمات.

وحده الموطن يدفع الثمن

[caption id="attachment_79155" align="alignleft" width="516"] العملة الوطنية الى مزيد من الانهيار أمام الدولار الأميركي[/caption]

 لم يسبق للبلاد أن مرّت بظروف مُشابهة لتلك التي تمر بها اليوم، إن من حيث الإنهيار الإقتصادي والمالي التام، أو لجهة الحذر والترقّب لما ستؤول اليه الأحداث السياسية المفتوحة أصلاً على احتمال تغيرات كثيرة يُمكن أن يفرضها الشارع. كل هذا والدولة تقف عاجزة عن امتصاص غضب الناس وتأمين أبسط مقوّمات الصمود في وجه الغلاء الذي ضرب لبنان بطوله وعرضه، وحوّل ربطة الخبز إلى مادة جدل وآلة ضغط بين التاجر والدولة، والمواطن إلى ضحيّة.

 هذا من جهة الوضع الإقتصادي الصعب، أمّا في الوضع العام في البلاد فيجري الحديث اليوم عن تطوّرات دراماتيكية تحصل بشكل يومي على الساحة الداخليّة وسط تخوّف من استدراجها لمواجهة مُحتملة مع اسرائيل المنشغلة الى حد كبير، بإعداد التقارير تلو الأخرى حول كل ما يتعلّق بحزب الله وتطوير قدراته العسكرية بالإضافة إلى الاستطلاعات اليومية لرصد حركة تنقلاته بين لبنان وسوريا. وبالنسبة  إلى "الحزب" يبدو أنه مُنشغل حالياً بالتحضير لكيفيّة مواجهة كل هذه الأخطار التي تُحيط به، سواء عسكريّاً أو سياسياً، وهذا ما يظهر بشكل جلي، إن من خلال تكثيف اللقاءات مع حلفائه في الداخل والخارج من ضمنها اللقاء الذي كان جمعه بالزعيم العراقي مُقتدى الصدر منذ أيّام في الضاحية الجنوبية، أو لجهة الحرب الإعلامية التي يخوضها تحت عنوان "المُفاجآت" والمعطوفة أيضاً على مناورات صامتة جنوباً، تُحاكي "ساعة الصفر".

خسائر فادحة بانتظار لبنان!

[caption id="attachment_79157" align="alignleft" width="444"] المواجهة مع اسرائيل .. هاجس يؤرق اللبنانيين[/caption]

 خصوم حزب الله في لبنان يخشون من قرار "ممانع" غير مدروس يقضي بفتح جبهة الجنوب في إسرائيل في مُحاولة لإراحة "الحلف" كلّه مما ينتظره على طول الطريق المُمتد من لبنان إلى اليمن، وبرأيهم طالما أن "الحزب" يُشكّل الذراع الأقوى لتنفيذ هذا القرار، والأهم لجهة قرب المسافة التي تفصله مع العدو الأبرز إسرائيل، فإن لبنان مُعرّض بنسبة عالية لخسائر مُكلفة تُضاف إلى خسائره الإقتصادية والسياسية نتيجة ممارسات "الحزب" وسياسة التفرّد التي ينتهجها بمؤازرة حلفائه.

 أمّا بالنسبة إلى حزب الله  فيبدو أن قرار الحرب مع إسرائيل ليس مطروحاً بشكل أساسي داخل أروقته السياسية والعسكرية، لكن هذا لا يُلغي أن ثمّة استعدادات دائمة تُتخذ من اجل مواجهة الأحداث التي تطرأ بشكل مُفاجئ، ولا يعني إسقاط أي احتمال بشن إسرائيل حرب مُفاجئة مُستغلّة حزمة العقوبات التي تلّوح بها الإدارة الأميركية ضد محور "المقاومة" وذلك باعتقاد منها بأن الحصار الإقتصادي لا بد أن يتزامن مع عمليات عسكرية حتّى ولو محدودة. وبين "جنون" الداخل والخوف من الخارج، ثمّ ثابتة وحيدة هي أن لبنان تحوّل إلى بقعة جغرافية مفتوحة على كل الإحتمالات وأن ما يُبقيه على خط التهدئة حتّى الساعة، هو الإستقرار الأمني الذي تفرضه كل المؤسّسات الأمنيّة المعنيّة.

الكلام عن الحرب.. قديم جديد

[caption id="attachment_79159" align="alignleft" width="382"] حكومة "مواجهة التحديات".. فلترحل![/caption]

وفي وقت بدأ يُشاع فيه عن احتمال وقوع حرب بين اسرائيل وحزب الله حتّى إن البعض اعتبرها وشيكة، حذّر دبلوماسيون غربيون من احتمالية اندلاع حرب وشيكة بين إسرائيل وحزب الله، خلال أشهر الصيف الجاري، بحسب ما ورد في قناة "كان" العبرية وبأن "الحزب" بدأ يشعر بالحصار، وبأنه سيفعل المستحيل لرفعه أو إبطاله مهما كانت الظروف. ووفقاً للقناة، فقد قال دبلوماسيون إنّ هناك احتمالات كبيرة لاندلاع هذه الحرب وإنها ستخلط كل الأوراق، موضحين أن الحرب على الجبهة الشمالية (سوريا لبنان حزب الله)، قد تندلع قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، المزمع إقامتها في تشرين الثاني(نوفمبر) المقبل".

 ولفتت القناة العبرية، الى أن "هذه التقارير، تأتي على خلفية دخول "قانون قيصر" الأميركي حيز التنفيذ، والذي يفرض عقوبات مالية واقتصادية على حزب الله، مشيرة إلى أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله هدد في خطابه الأخير، بقتل كل من يحاول تجويع حزب الله، أو المطالبة بنزع سلاح الحزب. اما على الضفّة الإسرائيليّة فقد أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" أن الكيان الاسرائيلي سيمنع إيران من تطوير صواريخ دقيقة في سوريا ولبنان، والهدف من الكفاح الذي نخوضه ضد العدوان الإيراني في المنطقة يتمثل بالدرجة الأولى في الدفاع عن دولة إسرائيل، وأردف: نحن نتعامل بمنتهى الجدية مع التهديدات بإبادتنا التي تصدر عن جهات إيرانية وموالية لإيران ضد إسرائيل.

الإنهيار على بعد أسابيع

 في الشقّ الإقتصادي وهو ربما أهم من الامن بالنسبة إلى المواطن اللبناني الذي أصبح يترحّم على زمن الحرب اللبنانية في مقابل ما يتعرّض له اليوم، ثمّة تقارير دولية عرضت أبرز الأزمات التي سيواجهها لبنان في الفترة المقبلة إذ رأت أن الليرة اللبنانية إلى مزيد من التدهور مقابل سعر صرف الدولار المتفلّت من كل الضوابط، وفي غضون ثلاثة أشهر، أي في ايلول (سيتمبر) المقبل قد يصل عدد العاطلين من العمل الى مليون لبناني، في وقت تتواصل الاحتجاجات في مختلف المناطق نتيجة تردّي الأوضاع المعيشية مع تصاعد في منسوب الشغب الى حد تحطيم وإحراق الممتلكات العامة والخاصة في وسط بيروت التجاري.

وكانت تقارير وأبحاث دولية قدرت أن نحو مليون لبناني سيصبحون بلا أعمال ورواتب في النصف الثاني من السنة الجارية، تزامناً مع ارتفاع حاد في أسعار الغذاء. كما أن العزل المفروض منذ 15 آذار(مارس) الماضي  لمكافحة فيروس "كورونا" سرَّع وتيرة هذا المنحدر الهابط. فمع حرمان الشركات والأعمال من الائتمان وانهيار الطلب، فقد 20 في المئة من القوة العاملة وظائفهم قبل الجائحة. ومع انتهاء العزل تدريجياً في البلد سيجد عدد أكبر من الموظفين، الذين سُرّحوا مؤقتاً من أعمالهم من دون رواتب، أن شركاتهم لا تزال مغلقة، وأن وظائفهم ذهبت في مهب الريح.

وعود ولكن.. أين التنفيذ؟

[caption id="attachment_79158" align="alignleft" width="444"] أمام الأفران..سياسة التجويع[/caption]

رئيس الحكومة حسان دياب طمأن بالأمس أن حكومته باقية، ومثله فعل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في حين يبدو ان الانهيار المالي "باقٍ ويتمدد"، طالما ان القوى الحاكمة تتمنع عن اجراء اصلاحات جذرية مثل مكافحة الفساد، وقف التهريب وإصلاح الكهرباء، وتستعيض عنها بتشكيل لجان وبقرارات حبر على ورق. وآخر القرارات الحكومية، هو التوافق مع مصرف لبنان، على البدء بضخ دولارات في السوق، لمواجهة التدهور غير المسبوق في سعر الليرة، إضافة إلى تشكيل خلية أزمة برئاسة وزير المالية لمتابعة التطورات، لكن الإجراء هذا أوصل سعر الدولار الى رقم خيالي إذ وصل الى أكثر من ثمانية الاف ليرة في السوق السوداء. والخير لقدّام.

 وفي أسطع برهان على تخبّط وعشوائية الحكومة في تعاملها مع أزمة غير مسبوقة في لبنان، قررت الحكومة "مخاطبة صندوق النقد الدولي بلغة واحدة"، أي إلى توحيد أرقام الخسائر المالية بين خطة الحكومة وخطة جمعية المصارف، وذلك بعد 13 اجتماعاً بين وفد الحكومة اللبنانية وصندوق النقد. بعض الخبراء الاقتصاديين يعتبرون ان الحكومة تراهن على الوقت بانتظار بشرى ما من صندوق النقد الدولي، او بانتظار تغيّرات في السياسة الأميركية، لكنها تراوح في مأزقها، اما عملية ضخ الدولارات فهي ابرة مخدرة، سيزول مفعولها بعد وقت قصير، ليسوء الوضع بعدها أكثر فأكثر.

الحل الوحيد.. الثورة

تضع العديد من الدراسات التي تتمحور حول الثورة القائمة في لبنان والتي كانت قامت احتجاجاً على الضرائب التي فرضتها الحكومة على الشعب بالإضافة إلى السياسة الإقتصادية الخاطئة التي تنتهجها، بأنها كانت متوقعة وأنها امتداد لتلك التي اندلعت في العراق والسودان والجزائر، ووسط توقع أن تصل تداعياتها إلى "تغيير جذري" في السلطة الحاكمة خصوصاً وأن العوامل التي دفعت اللبنانيين للنزول

[caption id="attachment_79156" align="alignleft" width="375"] الغضب الشعبي الساطع أت[/caption]

إلى الشوارع لا تختلف عن تلك التي دفعت العديد من شعوب الدول لاطلاق صرخاتهم في الشوارع، احتجاجاً على سياسيات بلادهم العامة والاقتصادية.

المؤكد أن أحداً لم يكن يتوقع أن يبلغ الحراك في الشارع الحد الذي يهدد بقلب الطاولة على رؤوس الجميع، و"كّلن يعني كلّن". وثمّة من يقول إن الحكومة سقطت معنوياً وإن مجلس النواب بات ساقطاً أيضاً لضعف قدرته على التأثير في مجريات الأمور والاكتفاء بتصاريح مزايدات. وفي المقابل، فإن قسماً كبيراً من الأحزاب التي يتألف منها المكّون اللبناني لا يرحب بالثورة، فهو يخاف المجهول وتحديداً إنفلات الشارع. وبهذا المشهد، ثمّة انقسام لبناني حيال ما يجري، قسم في الشوارع، وآخر أمام أجهزة التلفزيون يُراقب غرق المركب.

هناك رأي بارز يقول إن هذه الاحتجاجات الشعبية هي الأوسع والأكبر والأهم ربما في تاريخ لبنان الحديث، وهي تسمح بالتكهن أن حصيلتها ستكون تغييراً سياسياً جذرياً في تركيبة السلطة وجدول أعمالها، لكن ما زال من الصعب التكهن بأن مثل هذه الاحتجاجات ستؤدي إلى فرض الدعوة إلى انتخابات مبكرة رئاسية ونيابية، وإلى استقالة مستعجلة ونهائية للحكومة كاملة، وليس فقط لأحد وزرائها. لكن مجرد طرح هذا المطلب، أي فتح صناديق الاقتراع الرئاسي والنيابي، هو في المعايير اللبنانية إنجاز تاريخي كبير. والخلاصة عند أصحاب هذه الرأي، أن الانتفاضة اللبنانية الحالية يجب أن تستمر حتى تغيير النظام الإقطاعي الطائفي الفاسد. واستقالة حكومة سعد الحريري كانت البداية الضروريّة، أمّا استقالة حكومة دياب فهي أكثر ضرورية.

أسئلة مشروعة.. ماذا لو؟

وسط المخاوف هذه، هناك مجموعة أسئلة بدأت تتبادر إلى ذهن المواطن أبرزها، مثل ماذا لو استعادت المجموعات الإرهابيّة جزءاً من عافيتها وعادت لتنشط داخل المخيّمات أو عند نقاط مُحددة على الحدود؟ ماذا لو تطوّرت الأمور في ظل الغلاء الفاحش وتحوّل المجتمع اللبناني إلى مُجتمع متفلّت من كل الضوابط بهدف تأمين لقمة العيش؟ ماذا لو انهارت الدولة ومؤسساتها بشكل كامل وتحوّل المواطن اللبناني إلى شرطي لحماية نفسه وعائلته وأرزاقه؟