تفاصيل الخبر

 من يحكم عالم اليوم: الدول أو الشركات؟   

27/08/2020
 من يحكم عالم اليوم: الدول أو الشركات؟   

 من يحكم عالم اليوم: الدول أو الشركات؟   

 

 

[caption id="attachment_80715" align="alignleft" width="332"] رئيس شركة "آبل" "تيم كوك"... رئيس كتلة تجارية أكبر من كل اقتصادات الشرق الأوسط.[/caption]

 قبل دخول الدول في توقيت ومفاعيل وباء "كورونا" كان هناك توقع جدي أن العالم سيشهد، خلال سنوات قليلة لن تزيد عن العشر، نمواً  إقتصادياً جديداً

 قائماً على الرقمية والأتمتة والسيارات من دون سائق وتوصيل

الطلبات عبر طائرات "الدرون" المسيرة بجهاز الكمبيوتر وعلى العمل من المنزل من دون الحاجة إلى الذهاب إلى مركز العمل وعلى التعلم عن بعد في المدارس والجامعات وعلى إدخال الذكاء الإصطناعي في معظم القطاعات الهندسية والطبية والخدماتية والإنتاجية وحتى الزراعية. بعد حوالي ستة أشهر من وصول "كوفيد ١٩" يمكن القول إن هذا الإقتصاد الذي كنا نتوقعه بدءاً من ٢٠٢٥ أو في أقصى حد مع عام ٢٠٣٠ قد حط رحاله اليوم على الكرة الأرضية وإن الإقتصاد القديم الذي نعرفه متجه بسرعة إلى الزوال.      

"الرقمنة" على جناح..."كورونا" 

 الإرتفاع الكبير في البورصات المالية العالمية الذي سجل، ولا يزال معظمها يسجل مستويات قياسية رغم إستمرار الوباء وزيادة عدد الحالات حول العالم، محير. ولكن الغوص قليلاً في تفاصيل هذه الأسواق يؤكد أن شركات مثل "آبل" و"نتفلكس" و"أمازون" و"تسلا" و"فايسبوك" وغيرها من الشركات القائمة على التجارة الإلكترونية أو الإقتصاد الرقمي أو التواصل الإجتماعي أو العمل عن بعد مثل تقنية "زوم"، هي التي قادت الأسواق المالية إلى هذه المستويات بينما شركات النفط والطيران والسيارات والفنادق والمحلات التجارية الكبيرة فقدت أكثر من نصف قيمتها السوقية خلال أول أسابيع "كورونا"، وهي اليوم تصارع جدياً من أجل البقاء. حتى السوق العقارية تشهد اليوم تحولاً كبيراً وهجرة مضادة من المدن إلى الأرياف بسبب إمكانية العمل عن بعد. فالناس كانت محصورة في منازل صغيرة وباهظة الثمن وسط المدينة وعليها تحمل عناء المواصلات اليومية، بينما أصبح اليوم بإمكانها شراء منازل أوسع في الضواحي أو حتى القرى والمدن الصغيرة مهما كانت بعيدة عن مراكز العمل. وما يساعدها في ذلك إنخفاض الفوائد على القروض السكنية التي وصل مستواها إلى أقل من ٣ بالمئة سنوياً، مع العلم أن هذه الفائدة تخصم من الضرائب أي أن كلفتها الحقيقية أقل من ٢ بالمئة في السنة. فمن يمكن أن يرفض فرصة شراء منزل جديد في الريف بمساحة أكبر عدة أضعاف من مسكنه في وسط المدينة وفي بيئة أقل تلوثاً، ومحيط أقل جريمة، وكل هذا من خلال قرض ميسر على ثلاثين سنة؟ هذا ما دفع سوق العقارات خارج المدن الأميركية إلى الإرتفاع وحرك قطاع البناء وبالتالي ساعد الإقتصاد في إستعادة بعض النمو.

احذروا وباء... البطالة! 

 إذا سلمنا أن هناك إقتصاداً يزول بسرعة وآخر ينمو بقوة فلماذا ما زالت الحكومات حول العالم تدعم قطاعات الإقتصاد القديم بحزمات مالية تزيد من عبء الدين على الخزينة من دون أن تقدم حلاً مستداماً؟ وهل يمكن

[caption id="attachment_80716" align="alignleft" width="442"] رئيس شركة "فايسبوك" "مارك زوكربيرغ "... بوسعه التأثير في تنصيب رئيس وخلع أي رئيس آخر.[/caption]

للإقتصاد الجديد أن يستوعب كل العمال الخارجين من الإقتصاد القديم وكل هؤلاء العاطلين عن العمل الذين ليسوا مستعدين أو مدربين بعد للإنخراط في الإقتصاد الجديد؟ هذا ما يفسر إلى حد كبير تردد إدارة الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" في الموافقة على مقترح النواب الديموقراطيين في الكونغرس الأميركي بحزمة مالية إضافية تصل إلى ثلاثة آلاف مليار دولار خوفاً من إنفجار إجتماعي كبير أصبحت ملامحه شبه يومية في معظم المدن الأميركية ولأسباب متنوعة. البطالة أم العلل الإجتماعية، وعندما يصبح ملايين الناس بلا عمل فمطلق أمر يمكن أن يستشيطهم غضباً، خاصة إذا كان على شاكلة حادثة مدينة "شينوكا" في ولاية "ويسكونسين". فبعد أن قام شرطي أبيض برمي شاب أسود بسبع رصاصات في ظهره وأمام صبيته الثلاثة الجالسين في السيارة، هرع مسلحون إلى الشارع لحماية الممتلكات الخاصة إثر إندلاع المواجهات مع الشرطة وقام احدهم بقتل أكثر من متظاهر. والباقي أصبح تفاصيل تعج بها الأخبار اليوم. 

الشركات تحكم الدول 

 مع صعود أسهم شركات التكنولوجيا زادت قيمتها السوقية كما تضاعفت إحتياطاتها المالية. هناك ٨ شركات أميركية بين أكبر عشر شركات في العالم وشركتان صينيتان، جميعها تعمل في الإقتصاد الجديد والتكنولوجيا وليس بينها أي شركة نفطية أو صناعية. مجموع قيمتها السوقية أصبح أكثر من ٨  آلاف مليار دولار أي أكبر من اقتصادات كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا مجتمعة. وإذا إستمر صعود أسهم "آبل" و"مايكروسوفت" و"فايسبوك" و"ألفابيت" (مالكة غوغل) و"أمازون" على المنوال نفسه، فستصبح مثلاً قيمة "آبل" وحدها أكبر من إقتصاد فرنسا ومن دون أي دين يذكر، بل بفائض مالي يزيد عن ٢٥٠ مليار دولار أي أكثر من كل إحتياطي ألمانيا من العملات الأجنبية. صحيح أن بإستطاعة فرنسا فرض ضرائب على هذه الشركات مثلما غرمت "فايسبوك" منذ أيام مئة وعشرة مليارات دولار ضرائب متأخرة على أعمالها خلال العشر سنوات المنصرمة، ولكن بإستطاعة "فايسبوك" اليوم، إن أرادت، التحكم إلى حد كبير بالإنتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة عام ٢٠٢٢. فهي تقرر ماذا يجب أن نرى ونسمع وبماذا نتأثر وماذا يجب أن لا نقول، وبإمكانها تكذيب الحقيقة وجعلنا نصدق الكذب. الجدير بالذكر أن شركة "فايسبوك" أعلنت منذ أيام عن نيتها إتاحة شراء المنتجات المختلفة من على منصتها، أي أنها ستنافس "أمازون"، مما رفع سعر سهمها أكثر من ٣٠ دولار وقيمتها السوقية أكثر من ٩٠ مليار دولار خلال ثلاثة أيام، أي ٩٠٠ ضعف كل الضرائب التي دفعتها لفرنسا خلال عشر سنوات!

عندما تصبح قيمة شركة "آبل" أكبر من الناتج المحلي لكل دول الشرق الأوسط بما فيها إيران وتركيا وإسرائيل، يعني أن العالم الجديد عنوانه الشركات وليس الحكومات. وعندما يصبح الإقتصاد الرقمي هو الإقتصاد العتيد، يعني أن كل شيء سيتغير، بما فيه شكل الحروب والأسلحة التي نعرفها وصورة المقاومات التي تعودنا عليها ومات آلاف الشهداء في سبيلها. الحرب لن تحصل على الأرض بعد اليوم. الحروب الرقمية أو السيبريانية هي التي ستغير المعادلات، وبدأت ملامحها في إيران وحتى داخل الولايات المتحدة.

مفاتيح القوة أصبحت بيد حفنة من الشركات إذا إتفقت فيما بينها، وهي لا تبدو بعيدة عن هذا ولذلك استدعاها الكونغرس منذ اسابيع، ستحكم العالم من دون أي منازع.