تفاصيل الخبر

من سيملأ الفراغ بعد الإنسحاب الأميركي الكامل من الشرق الأوسط؟ 

23/09/2020
من سيملأ الفراغ بعد الإنسحاب الأميركي الكامل من الشرق الأوسط؟ 

من سيملأ الفراغ بعد الإنسحاب الأميركي الكامل من الشرق الأوسط؟ 

بقلم خالد عوض 

[caption id="attachment_81402" align="alignleft" width="444"] الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنا شرطي المنطقة الأول[/caption]

أصبح إنسحاب الأميركيين عسكرياً من الشرق الأوسط وصولاً إلى أفغانستان أمراً مقضياً ينتظر الترتيبات الزمنية والسياسية والنفطية المناسبة. لن يكون هناك نفوذ للولايات المتحدة في المنطقة بعد خمس سنوات (وربما خلال زمن أقل) كما كان في السابق، وجزء مما يحصل اليوم هو "تناتش" دولي وإقليمي على النفوذ في ظل الفراغ العتيد الذي سيحدثه غياب الأميركيين. هناك أسباب عديدة تفرض على الأميركيين تسريع الخروج من وحول الشرق الأوسط وأهمها الأسباب الإقتصادية الداخلية. كما أن طريقة إدارة الإنسحاب، أي إما بتوكيل مناطق إلى بعض القوى الإقليمية أو من خلال تسوية شاملة أو بترك المنطقة على منوالها كيفما كان، ستؤثر في مستقبل جغرافيا الشرق الأوسط ومصير شعوبه.

 

النفط أولاً و..أخيراً

[caption id="attachment_81403" align="alignleft" width="444"] الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون توتال أولاً.[/caption]

 لا بد من التوقف عند كلام الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" منذ أيام عندما قال "انسحبنا من سوريا ولكننا أبقينا على النفط" (We kept the oil). تختصر هذه العبارة الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط إلى حد كبير. أقوى اقتصادين عالميين بعد الولايات المتحدة هما أوروبا والصين. وهما في الوقت نفسه أكبر مستوردين للنفط والغاز. يعني أن التحكم بمسار النفط العالمي وأسعاره وحتى مصادره يعطي الولايات المتحدة تفوقاً إقتصادياً في مسألة الطاقة خاصة أنها اصبحت مكتفية ذاتياً بالنفط والغاز المكتشف لديها منذ سبع سنوات، بل هي أصبحت قادرة على تصدير الغاز وتحولت منذ سنة إلى ثالث أكبر مصدر للغاز بعد قطر وروسيا بصادرات تفوق ١٢٠ مليار متر مكعب سنوياً. ويستطرد "ترامب" في حديثه عن الإنسحاب أن بلاده تنوي توكيل حماية آبار النفط في سوريا لحلفائها، وهنا لم يسم الرئيس الأميركي هؤلاء الحلفاء فهم إما الأكراد أو الأتراك أو حتى الروس رغم التباين التكتيكي في سوريا بين روسيا

[caption id="attachment_81400" align="alignleft" width="354"] الرئيس الإيراني حسن روحاني لبنان وسوريا والعراق واليمن لنا أو على الأقل ثلثهما.[/caption]

والولايات المتحدة. المهم في كل ذلك أن الخروج من سوريا هي مسألة متى وكيف وبالإتفاق مع من ولم تعد إحتمالاً.

 المسألة نفسها تنطبق على الوجود العسكري في العراق رغم الفارق بين حجم الوجود العسكري الأميركي في العراق وسوريا. الحليف هناك هو حكومة مصطفى الكاظمي التي تحظى بالغطاء الإيراني والأميركي وحتى الخليجي، أي أن التسوية في العراق نضجت إلى حد كبير وهي تحت الاختبار حالياً، ويبدو من خطوات حكومة الكاظمي أنها جدية في إخراج العراق من سياسة المحاور وأنها عازمة على محاربة الفساد وهي تنال رضى دولياً وإقليمياً شبه كامل حتى الآن. أما النفط فلا خوف على تلزيم الشركات الأميركية حصة الأسد هناك رغم الشهية التي ابدتها مؤخراً شركة "توتال" الفرنسية.

 في لبنان لا يزال الوضع معقداً والسبب هو حجم حزب الله الذي لا تقبل به الولايات المتحدة ولا معظم دول الغرب. وبينما يحاول الرئيس الأميركي دفع الأمور إلى الأمام يفضل الإيرانيون التريث في أي تنازل يخص حزب الله إلى بعد الإنتخابات الأميركية على أمل أن يكسب المرشح الديمقراطي "جوزيف بايدن" الذي لا يخفي أنه سيعيد الحياة إلى الإتفاق النووي مع إيران. كما أن الأميركيين يريدون تأمين حق إسرائيل في التنقيب عن النفط في "البلوك ٩" بمحاذاة الحدود اللبنانية من دون أن يكون هناك أي تهديد من لبنان وبالتحديد من حزب الله رغم أنهم لا يمانعون في أن تنال فرنسا وروسيا الحصة الأكبر من كعكة الغاز اللبناني إذا ومتى وجدت. فبين الآن واستخراج الغاز من بحر لبنان تفصلنا خمس سنوات على الأقل يخلق الله خلالها ما لا تعلمون.

 

التطبيع يسرع الإنسحاب 

 

[caption id="attachment_81404" align="alignleft" width="375"] رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو": أنا مندوب أميركا السامي في الشرق الأوسط[/caption]

لا شك أن التطبيع الخليجي الإسرائيلي سيساعد أيضاً في إنسحاب الأميركيين خاصة إذا تطور إلى تعاون عسكري. لم يعد خافياً أن القوى العسكرية الأكبر في المنطقة هي تركيا وإيران وإسرائيل. لمصر وزنها أيضاً ولكنها لم تختبر الحروب منذ ١٩٧٧ على عكس الأتراك والإيرانيين والإسرائيليين الذين لهم قرص تدخل عسكري في كل عرس جبهة مفتوحة في المنطقة. بالنسبة للخليج إيران عدو وتركيا ليست محل ثقة بسبب نزعتها الإسلامية وطموحاتها التوسعية. كما أن مصر ليست متماهية تماماً مع الأجندة الخليجية والدليل رفضها المشاركة في حرب اليمن. إذاً من الطبيعي أن يختار الخليجيون أقل الشرور بين الثلاثة رغم كل ما يمثله ماضي إسرائيل العدواني ضد العرب والفلسطينين. والمنطق يقول إن بناء الدول لا يكون بسجن العقول في أفكار الماضي رغم بشاعتها بل ببراغماتية النظر إلى المستقبل وإلى الوقائع والتوازنات على الأرض.

 

"بايدن" أو "ترامب" : باي باي للشرق الأوسط

[caption id="attachment_81401" align="alignleft" width="445"] الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شرق المتوسط.. لي وحدي[/caption]

 القريبون من دوائر القرار الأميركي يؤكدون أن الخروج من الشرق الأوسط لن يتأثر بنتائج الإنتخابات الأميركية. فالمرشحان ملتزمان بالانكفاء العسكري من المنطقة لأن كلفة البقاء أصبحت أكبر بكثير من فوائده، كما أن القدرة على التحكم العسكري عن بعد تطورت كثيراً مؤخراً. آلاف المليارات من الدولارات أنفقها الأميركيون في المنطقة ومردود صفقات السلاح وغيرها من العقود التي تحصل عليها الشركات الأميركية لم تعد تغطي حتى جزءاً صغيراً من الأعباء المالية واللوجستية التي يتحملها الأميركيون. كما أن تطور الأسلحة ووسائل الحرب السيبريانية تجعل من الوجود العسكري الحسي على الأرض أقل ضرورة من السابق. صحيح أن بعض أعضاء الكونغرس وعدة مجموعات نيابية ولوبيات فاعلة في مجال الأسلحة ومقاولي وزارة الدفاع الأميركية لا تزال تحاول التأثير على أجندتي "ترامب" و"بايدن" لإبقاء أكبر حجم ممكن للوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، ولكن العجز المالي والدين العام المتصاعدين بشكل جنوني بسبب الوباء لن يسمحا بأي تماد في الإنفاق بعد اليوم. موضوع الخروج الكامل من الشرق الأوسط فكرة راودت "باراك اوباما" وحاول "ترامب" أن يسرع بها. الأكيد أن الرئيس الأميركي المقبل سيحسمها نهائياً.

 ما زال "فلاديمير بوتين" في صف المتفرجين على ما يحصل بين إسرائيل وتركيا وإيران ومحاولة الثلاثة الإستحواذ على أكبر دور لها في المنطقة. إما هو يتحين فرض الدور الأكبر له من خلال تسوية شاملة مع الأميركيين أو أنه هو أيضاً ينتظر الإنتخابات الأميركية ليعرف أي نوع من التسوية سيقبل بها الأميركيون. لا شك أن هوية ورثة الدور الأميركي ستحدد تقسيمات المنطقة العربية ومستقبل اقتصاداتها. الكل بإنتظار يوم ٣ تشرين الثاني (نوفمبر) الآتي موعد الإنتخابات الرئاسية... هذا إذا حسمت في هذا اليوم!