تفاصيل الخبر

من ربح ومن خسر من "الكورونا"؟

26/03/2020
من ربح ومن خسر من "الكورونا"؟

من ربح ومن خسر من "الكورونا"؟

بقلم خالد عوض

[caption id="attachment_76315" align="alignleft" width="375"] رئيس وزراء اليابان شينزو آبي لم يسمح بالفحوصات فخفت... الحالات؟[/caption]

فيروس "الكورونا" أصبح من الماضي ولو لا زال العالم يحاربه. ما يحصل حاليا هو من تداعيات الحرب عليه أو من رواسب الهلع منه. لا داعي للعودة إلى المقارنات مع ضحايا الرشح سنويا أو مع حوادث السيارات. فالجرثومة الخبيثة قاتلة بل فتاكة، وهي تأتي بعدة أشكال تتحور حسب طبيعة جهاز المناعة عند كل شخص وسريعة الانتقال بين الناس. الأطباء يمكن أن يشرحوا كل ذلك بإسهاب. ولكن الأرقام تشير أن العالم تجاوز الهجوم الفيروسي الجائح وأصبح في مرحلة البحث عن كيفية الخروج منه ومعالجة تداعياته. فإذا نجحنا قريبا في هزم الكوفيد ١٩، كيف يمكن أن نتغلب على وباء البطالة وجائحة الكساد وفيروسات التراجع الإقتصادي والمشاكل الإجتماعية المتراكمة؟

إلى التضخم سر!

 

البداية من الولايات المتحدة حيث أصبح العداد المالي يقيس بالترليونات وليس بالمليارات. في أزمة ٢٠٠٨ المالية كان الحديث عن تحفيزات كمية للإقتصاد عن طريق شراء البنك المركزي الأميركي للسندات بمعدل مئات المليارات (وصلت في النهاية إلى ٨٠٠ مليار دولار). اليوم أصبح الكلام عن آلاف المليارات أي التريليونات. "الكونغرس" أقر ٢ تريليون والإحتياطي الفيدرالي جاهز لضخ ٤ تريليونات أخرى. لا يهم من سيدفع هذه الديون في المستقبل، هذا إذا كانت ستدفع أساسا، ولكن الأكيد أن الولايات المتحدة والعالم معها متجهون إلى تضخم مالي خيالي وإلى فقدان كل العملات لقيمتها. الأهم في الحزمة التحفيزية التي أقرها "الكونغرس" ليس المبلغ الهائل بل قضية الدولار الرقمي أو المحفظة الرقمية بالدولار، فجزء من التحفيزات سيتم دفعه رقميا للمواطنين مباشرة أي يمكنهم استخدام الدولار الرقمي في شراء حاجاتهم الأساسية. هذا ما كان حاكم مصرف لبنان قد اقترحه منذ سنوات.

رياض سلامة... المخطئ والمظلوم والمبدع!

قيل الكثير عن رياض سلامة ولن يبخل المستقبل عليه بمزيد من الأقاويل. ولكن الرجل تصرف بحكمة إستثنائية على مدى عقود طويلة. ربما أخطأ في أنه سكت على الطبقة السياسية الفاسدة وهو يعرف خطاياها ولكن ماذا كان المطلوب منه؟ أن يُقتل كما اغتيل غيره؟ أن يهرب ويترك الناس (والليرة) إلى مصير مالي مجهول؟ أم أن يعطي الطبقة السياسية فرصة بعد الأخرى لربما تنجز الإصلاح الموعود؟ لا شك أن المحافظة على سعر صرف ثابت لليرة كما كان المطلوب منه هو بطولة في بلد محتل إسرائيليا وموصى عليه سوريا ثم عرضة لحروب إقليمية على ساحته، يُغتال فيه رؤساء ونواب، وتعتدي عليه إسرائيل بإستمرار. ولكن من ينظر اليوم كيف تتصرف البنوك المركزية في العالم لحماية اقتصاداتها من الإنهيار سرعان ما يكتشف أن رياض سلامة بطل، رغم كل الأخطاء التي يمكن أن يكون قد قام بها، ورغم التهم الملقاة عليه بالتساهل مع المصارف وبغض الطرف عن الفساد. ليس ذلك فقط من خلال التعميم الأخير الذي أصدره الحاكم لدعم الأفراد والمؤسسات، من دون إنتظار قرارات من الحكومة أو من المجلس النيابي، وهما يبدوان خارج السمع إقتصاديا وماليا في ظل أزمة اليوم، بل في أنه أيضا أول من إقترح إعتماد عملة رقمية تابعة لمصرف لبنان لتسهيل التعامل التجاري.

العولمة..."باي باي"؟

[caption id="attachment_76314" align="alignleft" width="430"] حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة الليرة الرقمية..قريبا[/caption]

إذا كان من نتيجة سريعة لأزمة الكوفيد ١٩ هو أن الدول لن تعتمد في حاجاتها الأساسية بعد اليوم على الإستيراد. كل الدول من دون إستثناء ستحسب أنها يجب أن تكون مكتفية ذاتيا حتى تستطيع الصمود أيام الأزمات. دول منطقة "الشينغن" أعادت الحدود بينها. الإيطاليون يشتمون ألمانيا وفرنسا لتقاعسهما عن مساعدتهم في أخطر أزمة واجهتهم منذ الحرب العالمية الثانية، والرئيس الصربي يعتبر أن الإتحاد الأوروبي كان كذبة وأن الرئيس الصيني "شي جين بينغ" هو الصديق الوحيد لدولته. كندا والمكسيك والولايات المتحدة تغلق الحدود بينها، والرئيس الأميركي يتحدث عن أهمية الحدود الممسوكة جيدا لحماية السيادة الوطنية.

ماذا بقي من كل أفكار العولمة؟ لا شك أن "الكورونا" قضى على معظمها. ما سيبقى منها وسيتضاعف هو التواصل الرقمي بين الدول والمجتمعات والأفراد.

الرقمنة (Digitization) تأخذ محل العولمة.

الفيروس انتقم من التفاوت الطبقي!

 

الأمير مثل السياسي مثل الفقير، كلهم سواسية أمام الفيروس الذي لا يفرق لا عنصريا ولا طائفيا ولا.. طبقيا. لا يحمي المال ولا السلاح ولا اللقب من الوباء ولا من عدواه. لا أمير موناكو ولا الأمير شارلز في بريطانيا ولا رئيس أو وزير أو نائب من البرازيل إلى إيران قدر أن يحمي نفسه. بالعكس ربما يجد الفقراء قدرة أكبر على مقاومة "الكورونا" وغيرها من الفيروسات لأن لديهم مناعة مكتسبة من جراء تعرضهم للبيئة والأطعمة الملوثة، وهذا كلام علمي تحدث عنه الأطباء. التعاضد الإجتماعي الذي نشهده في لبنان والعالم كله هو ردة فعل طبيعية على أمرين: الإعتراف بسخافة وزيف الطبقية الإجتماعية المجنونة التي شهدناها خلال سنوات العولمة، وإعتراف الأغنياء بأن قيمة أموالهم الحقيقية ليست أبدا في كمها بل في قدرتها على إعطاء الحياة.

الإنسانية تستعيد اليوم بعض ما خسرته من التفاوت الطبقي.

التفوق الغربي إلى... أفول!

عندما ننظر عن قرب إلى ميزانيات الدفاع في الدول الغربية يتبين أن الفيروس لا بد أن يغير كثيرا في سلم الأولويات هناك. ماذا يفيد الولايات المتحدة أن تنفق حوالى ٧٥٠ مليار دولار كل سنة على دفاعها إذا لم يكن عندها ما يكفي من الكمامات لحماية طواقمها الطبية؟ وماذا تنفع حاملات الطائرات والصواريخ العابرة للقارات والترسانة النووية والطائرات الشبح إذا لم تتمكن أقوى دولة في العالم من أن تمنع سقوط مئات ضحايا "الكورونا" في مدينة نيويورك وحدها خلال أيام قليلة؟ لماذا ينظر العالم اليوم إلى إيطاليا أو فرنسا أو إسبانيا بشفقة؟ الإنضباط والإستعداد الباكر والتخطيط بدقة منعت المصيبة في ألمانيا. ووحده الإلتزام الإجتماعي والتقاليد الصحية الراسخة هي التي حمت اليابان، فإلى جانب وضع إستراتيجية واضحة منذ البداية، فتحت اليابان مدارسها وعادت فيها الحياة إلى طبيعتها لأن شعبها أساسا محصن وقائيا من خلال عاداته اليومية. أما معظم الدول الغربية الأخرى فأظهرت هشاشة نظامها الصحي وضعف البنية اللوجستية الداخلية بشكل مذهل.

العولمة والرأسمالية المتوحشة والقوة الرمزية للغرب أكبر الخاسرين من "الكورونا"، أما الرابحون فهم هؤلاء الذين سيحصنون دولهم ضد أخطار المستقبل، إقتصاديا وإجتماعيا وصحيا و... إنسانيا.