تفاصيل الخبر

من ”لطف الله 2“ الى ”لطف الله 3“... من المسؤول؟ ومن عرف الحقيقة والهدف؟

11/03/2016
من ”لطف الله 2“ الى ”لطف الله 3“... من المسؤول؟ ومن عرف الحقيقة والهدف؟

من ”لطف الله 2“ الى ”لطف الله 3“... من المسؤول؟ ومن عرف الحقيقة والهدف؟

 

بقلم جورج بشير

جان-قهوجي

نسي اللبنانيون أو كادوا ينسون الباخرة <لطف الله 2> التي طوّقها الجيش اللبناني في بحر الشمال سنة 2012، أي قبل أربع سنوات، وكانت مبحرة من ليبيا باتجاه لبنان وهي تنقل عشرات الأطنان من الأسلحة والذخيرة لتفريغها في مدينة طرابلس العاصمة الثانية في لبنان حيث انها ما إن دخلت الى المياه الإقليمية حتى أطبقت عليها دورية من سلاح البحرية اللبنانية واقتادتها الى ميناء المدينة واعتقلت طاقمها وصادرت حمولتها من الأسلحة والذخيرة وأجرت التحقيقات اللازمة.

في الأسبوع الماضي أبحرت في اتجاه لبنان أيضاً من تركيا الباخرة <لطف الله 3> وهي تنقل على متنها عشرات الأطنان من الذخيرة والأسلحة لتقع - الباخرة - في أيدي البحرية اليونانية التي اقتادتها الى أحد الموانئ العسكرية واعتقلت من كانوا على متنها من أفراد طاقمها وصادرت أطناناً من الأسلحة والذخائر كانت مشحونة بدورها الى بحر الشمال اللبناني في طرابلس بالذات، وبدأت التحقيقات من السلطات العسكرية والقضائية اليونانية مع أفراد الطاقم ومالكي الباخرة.

<لطف الله2> و<لطف الله3> باخرتان وقعتا في الأسر بفعل لطف الله سبحانه، ولا أحد يعرف كم من البواخر غيرهما نجح في الإبحار وفي الوصول الى لبنان مع الحمولة من الذخائر والأسلحة والمقاتلين المستوردين من كل حدب وصوب، لإنزالهم على الشاطئ اللبناني الذي استخدمته التنظيمات الإرهابية العاملة في الشرق الأوسط خصوصاً في سوريا والعراق وغيرهما مقراً أو ممراً لهذه الأسلحة وللمقاتلين الأجانب، وكأنه كُتب على لبنان أن يبقى في حسابات التنظيمات الإرهابية، والدول التي تموّلها وتدعمها، والجهات المحلية وغير المحلية التي تحتضنها وتقدّم إليها التسهيلات والخدمات المجانية منها أو المأجورة، ألا تقيم وزناً للأمن اللبناني وللسيادة اللبنانية.

 

أين التحقيقات؟

السؤال الذي يطرح نفسه في مثل هذه الحالات المصيرية بالنسبة للبنان هو: ماذا كانت نتيجة التحقيقات التي جرت مع طواقم الباخرتين الاولى والثانية؟ وهل تمكّنت الدولة اللبنانية عبر  أجهزتها القضائية والعسكرية من معرفة الجهات الإقليمية والدولية التي تخطط وتجهّز وتسهّل عمليات نقل الأسلحة والذخائر والمقاتلين الى لبنان ومنه الى الدول المجاورة، والأسباب التي دفعتها، وبينها دول وحكومات وحكّام، الى السماح بشحن هذه البواخر وبينها <لطف الله2> و<لطف الله 3> والإبحار من موانئها بأمن وأمان وبرعاية هذه الدول والحكومات وسلطاتها، وهي تدرك سلفاً وجهة هذه البواخر وطبيعة حمولتها؟ وكأن لبنان مشاع لا حكومة فيه ولا سلطة مسؤولة عنه لها علاقات سياسية وديبلوماسية واقتصادية مع هذه الدول... ولعل الاخطر والأهم من كل هذا، أن قضية الباخرة الأولى <لطف الله2> والتحقيقات التي جرت في شأنها تبخّرت ولم يعرف الشعب اللبناني نتائجها، ولا الجهات والدول التي دفعتها الى لبنان مع حمولتها، ولا الأسباب والأشخاص المحليين أو الأجانب الذين يقفون خلفها ويدعمونها... حتى أن أفراد طاقم الباخرة الأولى لم يعرف هذا الشعب ماذا حلّ بهم، هل هم معتقلون أم أنهم أُطلقوا وعادوا الى حيث انطلقوا؟... ولا السلطة التي حققت معهم نشرت على الشعب اللبناني هذه التحقيقات وإن ملخّصة ليعرف هذا الشعب الحقيقة أو أختها على الأقل، ولا يبقى في خبر كان، كما هو اليوم أمام حادث اعتقال طاقم الباخرة <لطف الله3> في المياه اليونانية بعد إبحارها من تركيا.

طبعاً، لا بد وأن تكون الحكومة اليونانية قد أصبحت على علم بكل شاردة وواردة، كما لا بدّ للحكومة اللبنانية إن هي تواصلت مع السلطات اليونانية من أن تكون بدورها قد أصبحت على علم بهذه الحقائق عن الباخرة لتسأل الحكومة التركية الصديقة عن الأسباب التي دفعتها الى غضّ الطرف عن هذه الجريمة الوقحة التي ارتُكبت ضد لبنان، عندما علمت سلفاً أن الباخرة الثانية أبحرت من أحد موانئها وهي تشحن الى الأراضي اللبنانية هذه الكميات من الأسلحة والذخيرة، وهي من دون أدنى شك تعرف ذلك، وتعرف بأن اللبنانيين يعرفون بدورهم، تماماً كما هم عرفوا ماهية الأسباب التي دفعت بالسلطات الليبية الى التغاضي عن الباخرة <لطف الله2> التي حُمّلـــــــــــــــــــــــــــــت بالأسلحة والذخائر والمتطوعين للقتال، وأبحرت باتجاه لبنان أيضاً سنة 2012.

 

إذا عُرِف السبب؟!

طبعاً، اللبنانيون يعرفون بأن شحنة الباخرة الأولى <لطف الله2> توجّهت الى لبنان من ليبيا عبر مصر لتفرّغ حمولتها في مدينة طرابلس اللبنانية لحساب الذين يقاتلون في سوريا نظام الرئيس بشار الأسد، وربما لذلك تستّرت حكومة لبنان وسائر الحكومات الصديقة على التحقيقات ولم تذع نتائجها على الرأي العام، فضلاً عن أن اللبنانيين يعرفون أيضاً بأن الدول العربية والأجنبية التي تموّل وتدعم مثل هذه العمليات تتمتّع بنفوذ داخل لبنان وخارجه، يمكّنها من ممارسة الضغوط على السلطات اللبنانية للتستّر على هذه التحقيقات <لأسباب عليا> كما يقولون للتعمية...

بيت القصيد هو ما يتعلق بالباخرة الثانية <لطف الله3> التي قُبض عليها في المياه الإقليمية اليونانية وهي متوجهة الى بحر الشمال في لبنان، أي الى مدينة طرابلس بعد انطلاقها من تركيا، ولماذا في هذا الظرف بالذات والجميع يعرف سلفاً أن الجيش السوري يحكم المراقبة على طول الحدود اللبنانية - السورية في الشمال وحتى منطقة القنيطرة، والدوريات التي تقوم بها المروحيات السورية في المناطق العليا من عكار يومياً ليل نهار، بالتعاون مع غرفة العمليات المشتركة للجيش الروسي المنتشرة في الشمال السوري حتى الحدود التركية، لا بل حتى الحدود اللبنانية، تمكنها من اكتشاف كل شاردة وواردة في تلك المناطق. وإذا كان هذا هو الواقع، فما هي الأسباب التي حملت السلطات التركية في هذه المرحلة التي يجتازها الشرق الأوسط ولبنان للتغاضي عن إبحار باخرة محمّلة بالأسلحة والذخيرة من تركيا الى لبنان؟ وهل علم الأتراك سلفاً بالجهات التي تموّل صفقات السلاح هذه وتدعمها، أو هل تدرك الغايات المبيتة من جرائها؟!

هذا هو السؤال الخطير الواجب أن يعرف الجواب عليه اللبنانيون في هذا الظرف الذي تترنح فيه حكومتهم وتتعطّل فيه سلطاتهم الدستورية والتشريعية، وتُشلّ الإدارات والمؤسسات، ويُحكى عن نظام شرق أوسطي جديد من العراق الى سوريا وقبرص يرتدي الرداء الفيدرالي، ليصل الى لبنان الذي يكاد الدين العام يخنقه ويكبّل اقتصاده وكل مشاريعه، وفي وقت يُمنع من استثمار موارده الطبيعية، وخاصة ثروة الغاز والنفط والمياه، وكأن المطلوب تفريغ البلد من مقدراته، ومن شبابه المبدع، وجعله بلداً ذا نظام لطف-الله-3فيدرالي يُوَطّن فيه اللاجئون والنازحون إليه من كل صوب!

أسئلة كبيرة مطروحة في الأوساط اللبنانية على اختلافها حول هذه الوقائع والمعلومات التي تروّج لها الدوائر والأوساط الديبلوماسية والإعلامية في كل مكان وما يُنشر في شأنها، خصوصاً وأن لبنان تكاد جبال وتلال النفايات وسمومها تخنق شعبه مع آلاف الإصابات القاتلة المنتشرة لدى المصابين في مستشفياته، وبعض أفراد هذا الشعب صاروا في القبور بفعل إصابتهم بهذه السموم والتلوّث البيئي...

المراقبون يعرفون سلفاً في ظل الوقائع الجارية على الأرض اللبنانية وفي الوسط السياسي كما في أوساط الحكم والحكومة، أن الوضع اللبناني بلغ من الهشاشة ما يجعله قابلاً لتسرّب الحرب من سوريا والعراق الى الداخل اللبناني، هذه الحرب التي تكاد أن تأكل الأخضر واليابس في سوريا، والتي كان البعض يعتبر لبنان ممراً لها في البداية لو لم يمسك جيش لبنان وقواه الأمنية بزمام الأمور، وينصرف بعض الحكم والحكومة ورجال السياسة الى مواصلة الحوار والتمسك بسياسة النأي بالنفس عن هذه الحرب، بغية إبقاء لبنان بعيداً عنها والحيلولة دون امتداد نارها الى أراضيه والى أوساطه التي تعاني من هذه الهشاشة، وقد كان منع حصوله على السلاح الذي يحتاجه جيشه وقواه الأمنية للدفاع عن سيادته وأراضيه المنتهكة سيادته عليها باستمرار مؤشراً لهذا الاعتقاد...

لا شك بأن جيش لبنان وقواه الأمنية ممسكان بزمام الأمور الأمنية، لكن ما يثير القلق من  إمكانية إحداث خرق تمتد عبره الحرب السورية - العراقية الى الداخل اللبناني، هو هذه الاستهانة الدولية والإقليمية بلبنان دولة وشعباً وأمناً، من خلال السماح بمنح تسهيلات لشحن أسلحة وذخائر بهذا الشكل المفضوح، سواء من تركيا أم من ليبيا الى الأراضي اللبنانية.. فإذا كان معروفاً الهدف من الباخرة الأولى <لطف الله2>، فما هو الهدف من الباخرة الثانية <لطف الله3>؟! الشعب يريد أن يعرف كل الحقائق.