عام 1988 كانت المعادلة ”مخايل الضاهر أو الفوضى“ والمعادلة الآن هي: ”العماد ميشال عون أو الفوضى“!
من مصلحة كل مرشح للرئاسة ألا تجري انتخابات الرئاسة قبل أيلول (سبتمبر) المقبل، وذلك إذا ضبط منظاره على 31 آب (أغسطس) 2020، وهو موعد السنة المئة لانشاء دولة لبنان الكبير، وسيقام احتفال كبير لهذه المناسبة في باريس، يحضره كبار قادة العالم، على أساس أن الذي أعلن هذه الولادة من قصر الصنوبر في 31 آب (أغسطس) 1920 هو المفوض السامي الفرنسي الجنرال <هنري غورو> الذي فقد ذراعيه في إحدى معارك <الدردنيل>.
وهذه المناسبة غالية على الرئيس اللبناني الآتي، ولا يجب أن تفوته مناسبة حضور هذا الاحتفال. وإذا جرى انتخاب الرئيس الجديد قبل آب (أغسطس) 2014، فلن يستطيع هذا الرئيس بعد ست سنوات أن يكون من نجوم هذا الاحتفال، وسيكون محكوماً بتسليم مقاليد الرئاسة الى الرئيس الجديد الذي سيحضر هذا الاحتفال.
ومن الآن وحتى 31 آب (أغسطس) 2020 يخلق الله ما لا تعلمون، ولكن لا بد من العمل للمستقبل وكأنه يحدث غداً. فأكثر الدول الأوروبية تضع برامج تنمية للتنفيذ في العام 2020، والعام 2030، وربما أبعد من ذلك، لأن بناء نهضة الأمم يجب أن يستبق الزمن.
في حسبان العماد ميشال عون أن المرحلة الزمنية المقبلة ستكون لمصلحته، حين يكتشف كل الفرقاء أن <مارتا> التي تحدث عنها السيد المسيح، وهي أهل السياسة في لبنان مشغولة بأشياء كثيرة، والمطلوب واحد هو اختيار الرجل المناسب لكرسي قصر بعبدا، وأن المرحلة تقتضي وصول رجل مثله الى سدة الرئاسة. وربما كان العماد ميشال عون يوجه بوصلته الى اليوم الموعود في العام 2020، عندما أعلن أن شغور مركز الرئاسة الأولى اخلال بالميثاقية، وان الالتزام بهذه الميثاقية محكوم بشرطين: الأول إعادة تكوين الدولة، والثاني العمل بموجب مصلحة الدولة العليا <La Raison d‘état>. هكذا أعلن بعد ظهر الاثنين الماضي في مؤتمر صحفي من الرابية، ولم يكن في لهجته ما يدل على أن الرجل مستعجل للوصول الى الرئاسة.
وحين تحدث ميشال عون عن الثلاثية المؤلفة منه ومن الرئيس سعد الحريري ومن السيد حسن نصر الله، لم يكن يقصد ثلاثية الحكم أو السلطة، بل كان يقصد أنها ثلاثية الانقاذ السياسي والوطني في لبنان، دون أن ينتقص ذلك من حضور باقي الطوائف، ولاسيما الطائفتين الدرزية والأرثوذكسية.
مرشح التحدي والمرشح الجدي
والرئيس سعد الحريري لم يعلق على الثلاثية التي طرحها العماد عون، وسكوته عن التعليق هو تأييد ضمني لهذه الثلاثية. أما السيد حسن نصر الله، وإن كان في خطاب عيد التحرير يوم الأحد الماضي قد أعفى نفسه من الحديث عن هذه الثلاثية، فقد أراد أن يشرح من وجهة نظره سبب عدم انتخاب رئيس للجمهورية حتى الآن، وهو عدم استعداد قوى 14 آذار لانتخاب رئيس في الوقت الحاضر، وان هذه القوى كانت بترشيح الدكتور سمير جعجع، تريد أن تقطع الطريق على العماد ميشال عون، حيث قال: <أرادوا مرشح التحدي لتعطيل وصول مرشح جدي>، وهي إشارة ضمنية الى العماد ميشال عون.
وهذا يعني ان قوى 14 آذار تتحرك في ملعب الزمن الضائع. فهل هي فعلاً تتحمل هذه التهمة؟
في رأي المراقبين ان قوى 14 آذار لو كانت تريد معركة جدية، وعدم حدوث شغور أو فراغ في كرسي الرئاسة الأولى، لما اختارت مرشح التحدي الذي هو الدكتور سمير جعجع، وأرادت به أن تقطع الطريق الرئاسي على العماد ميشال عون الأقوى في بيئته المسيحية، بل كانت اختارت فارس معركة آخر أكثر قبولاً من أكثر الأطراف وهو الوزير بطرس حرب، أو الوزير السابق روبير غانم، ولو فعلت لكانت حظوظ أي منهما متساوية مع حظوظ العماد ميشال عون، أو زادتها قليلاً.
فهل يكون الحل بمرشح ثالث له حضوره السياسي وسجل ناصع البياض؟
عندما جاء المبعوث الأميركي <ريتشارد مورفي> خريف 1988 من دمشق الى بيروت قال جملته الشهيرة <مخايل الضاهر أو الفوضى>، وقد اختارت القوات اللبنانية يومئذ الفوضى لأنها لم تكن تريد مرشحاً وفاقياً مثل مخايل الضاهر، ولو لم تضع هذا <الفيتو> على الرجل في الشارع المسيحي، بشكل حواجز، وتعمد الى خطف الشيخ الضاهر واحتجازه في أحد الأملاك البحرية، لكان مخايل الضاهر، ربما، هو رجل قصر بعبدا.
والآن يتكرر المشهد: إما العماد ميشال عون، أو الفراغ!
ويبدو حتى الآن ان الفراغ هو المتحكم بالمرحلة، وان اسم أي مرشح رئاسي آخر لن يكون في أهمية اسم العماد ميشال عون، وان تقطعت الظروف بحظوظه الرئاسية حتى الآن.
وحزب الله، الحاضر بالسياسة والسلاح، ليس مستعجلاً أيضاً لانتخاب الرئيس. وقد قدم السيد حسن نصر الله في خطاب عيد التحرير يوم الأحد الماضي المواصفات المطلوبة للرئيس الجديد، وهو ان لا يكون متآمراً على المقاومة، أو خنجراً في ظهرها، وقال إن الرئيس الجديد يقوى بالمقاومة التي تحميه وتحمي الوطن، وليست المقاومة هي التي تقوى بالرئيس..
الى الخارج... در!
ولن كانت مرحلة ما قبل الشغور الرئاسي مرحلة <رئيس صنع في لبنان>، فالمرحلة التي تتحكم في مصير البلاد والعباد، هي مرحلة <صنع في الخارج>، وتحديداً في الخارج الفرنسي، على أساس أن صفقة السلاح الفرنسي للجيش اللبناني الممولة من قبل المملكة السعودية جعلت البلدين في موقع قرار واحد إزاء معركة الرئاسة في لبنان، وان ما تتفق عليه فرنسا مع المملكة السعودية هو الذي سيأخذ مجراه في معركة الرئاسة.
وكانت فرنسا قبل شهرين تتولى التسويق لفكرة التمديد للرئيس ميشال سليمان، ولو لسنة واحدة يكون فيها لبنان والمنطقة في مرحلة أفضل أمناً وسلامة، وان فرنسا كانت تراهن على اتفاق فرنسي سعودي في هذا الخصوص، لولا ان اكتشفت ان البيئة المسيحية في لبنان لا تماشيها في هذا المنحى، والرئاسة موقع مسيحي في الدرجة الأولى. وبعد سقوط مشروع التمديد الذي أعلن وفاته السيد حسن نصر الله في خطاب عيد التحرير، صار السؤال: من هو الرئيس؟! وهل ينتظر حزب الله وقوى 8 آذار فرصة مناسبة للعودة الى طرح اسم العماد ميشال عون، اعتماداً على انه الاسم الأكثر قبولاً في البيئة المسيحية، أم انه يتجه الى اسم آخر لا يكون صاحبه خصماً للمقاومة؟
اسم قائد الجيش العماد جان قهوجي مقبول في دائرة حزب الله، وكذلك الوزير السابق جان عبيد، ومثلهما اسم حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة، ومن هذه الأسماء الثلاثة تمر ورقة الحظ.
ولكن لماذا يرد اسم رياض سلامة؟!
نلفت هنا الى اللقاء الذي طلبه حاكم مصرف لبنان من الرئيس نبيه بري ليشرح له رأيه السلبي حيال زيادة المئة وسبعين بالمئة لموظفي القطاع العام والسلك العسكري في سلسلة الرتب والرواتب. فقد أبلغه ان صندوق النقد الدولي يخاف بهذه الزيادة العشوائية على وضع الليرة اللبنانية، ولذلك طلب تخفيضها بنسبة الثلث، وتقسيط الثلثين الباقيين على خمس سنوات كحد أقصى وثلاث سنوات كحد أدنى. ورجل يمسك بدفة هذا الملف مثل رياض سلامة هو المؤهل للامساك بدفة الرئاسة. صحيح ان اتفاق الطائف قلص صلاحياته الدستورية لمصلحة مجلس الوزراء مجتمعاً، إلا ان حضوره في مجلس الوزراء، وعبر الوزراء الثلاثة الذين يختارهم لهذا المجلس من حصته الرئاسية، يمكن لقراره أن يأخذ الطريق الى التنفيذ.
الأمن أم الليرة؟
وهنا لا بد من السؤال: أيهما الأهم أمن البلاد أم الأمن المالي؟! أي العماد جان قهوجي، أو حاكم مصرف لبنان؟!
في الحالة الأولى لا بد من البحث عمن يخلف العماد جان قهوجي، والاسم الأكثر حظاً بالخلافة بسبب موقعه ومناقبيته هو العميد شامل روكز، ونقطة ضعفه الوحيدة هي انه متزوج من أخت العماد ميشال عون، وهذا الأمر ليس عيباً، ولا نقيصة، ولا مانعاً من أخذ الحق التراتبي. وفي الحالة الثانية أي حالة الدكتور رياض سلامة، يطل اسم الوزير السابق الدكتور جهاد أزعور، وهو الملم بالملف المالي والنقدي وصاحب العلاقات المميزة في صندوق النقد الدولي، والمدرك بالوسائل الكافية لحماية الليرة اللبنانية التي بيعت يوم الاثنين الماضي بمبلغ 1515 ليرة مقابل الدولار.
ومن هذه الظروف وصول المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة الدول الخمس في مجلس الأمن ومعها المانيا، الى خاتمة سعيدة، بمباركة البيت الأبيض، وفي هذا الباب يمكن فتح الطريق للتقارب السعودي ــ الإيراني، ووصول زيارة وزير الخارجية الإيراني <محمد جواد ظريف> الموعودة للسعودية الى تفاهم حول المنطقة، ولبنان من ضمنها.. وهكذا لم تعد المشكلة محصورة في الأسماء المرشحة لكرسي الرئاسة، بل هي مشكلة كامنة في الظروف السياسية التي تتكون لانتاج هذا الرئيس..
وهنا يعود اسم العماد ميشال عون مرة جديدة الى اللمعان بوهج أكبر..
وهذا يعني أنه صيف مخاض رئاسي، لأن الولادة لن تتم قبل شهور!