أخطار اقتصادية ثلاثة تجعل التفاؤل بعهد نمو وازدهار في غير محله
القطاعات الاقتصادية في البلد تتعامل مع شغور منصب الرئاسة الأولى على أنه فراغ مؤقت. حتى الأسواق المالية تعتبر ذلك وتتحفز للصعود عند أول إشارة رئاسية. لن يهم اسم الرئيس، فمجرد انتخاب رئيس يعني توافقاً إقليمياً على استقرار البلد وبالتالي على نمو اقتصادي مرتفع بزخم العهد الجديد.
هناك ثلاث مشاكل بنوية تجعل هذا التفاؤل هشاً جداً:
1- مستوى التضخم الحالي أي قبل السلسلة وقبل مفاعيل النمو المرتقب. فبعد أن وصل إلى أكثر من ٨ بالمئة في تموز (يوليو) ٢٠١٣ عاد مستوى التضخم إلى التراجع هذه السنة وهو بين ٢ و٣ بالمئة حالياً. المتوقع أن يقفز هذا المعدل الى أكثر من ٥ بالمئة مع انتخاب رئيس جديد ويمكن أن يتجاوز هذا المستوى بسرعة إذا تم إقرار سلة ضرائب جديدة لتمويل سلسلة الرتب والرواتب. التضخم أي بالمعنى المبسط إرتفاع الأسعار هو شرارة إجتماعية خطيرة ستتغذى بوجود أكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري وبتوسع الهوة بين أغنياء لبنان وفقرائه.
2 - مستوى عجز الموازنة الذي يمكن أن يلامس هذه السنة ٣ مليار دولار خاصة إذا اقرت السلسلة. هذا الرقم إن وصلنا إليه هو أكبر تهديد للسلامة المالية في البلد. ورغم ملاءة المصارف اللبنانية واستمرار الارتفاع في ودائعها، فإن زيادة تورطها في تمويل عجز الخزينة سيؤثر سلبياً على تصنيفها الائتماني وبالتالي على قدرتها في التوسع إقليمياً وفي إمكانية المحافظة على نمو ودائعها المالية.
3 - الاهتراء المتزايد في البنية التحتية الخدماتية والبشرية. الكهرباء والمياه والصرف الصحي والنقل والنفايات بحاجة إلى مخطط توجيهي شامل للثلاثين سنة المقبلة واستثمارات بقيمة ١٤ مليار دولار في أقل تقدير من دون كلفة الفساد السياسي الذي يمكن أن يضاعف هذا الرقم. وما بحثه رئيس البنك الدولي <جيم يونغ كيم> منذ أيام في لبنان مع الحكومة حول ضرورة إصلاح القطاعات الأساسية في البلد عن طريق اشراك القطاع الخاص هو حل مؤقت يجب أن يتصل برؤية طويلة المدى حتى العام 2045. الأهم من ذلك، ان الإصلاحات في البنية التحتية البشرية التي يتآكلها الفساد هي شرط أساسي لنجاح أي مشروع متكامل لتطوير البنية التحتية الخدماتية. وطالما أن الفساد مرتبط بالنظام السياسي فإن الخصخصة المرتقبة ستخضع لـ<قوانين> المحاصصة نفسها المتبعة في الدولة حالياً، من دون رؤية شاملة للبنية التحتية تأخذ بعين الاعتبار حالة الفساد، فإن دور الرئيس المقبل سينحصر في نقل البلد من مشكلة اقتصادية بنيوية إلى مشكلة اقتصادية أكبر منها. وبالأرقام فإن الرئيس الآتي على حصان التوافق الإقليمي سيشهد قبل نهاية عهده اختراق الدين العام في البلد لحاجز المئة مليار دولار.
لا يحسد رئيس الجمهورية المقبل على حالة البلد التي سيستلمه فيها ولا على الحالة التي سيسلمه بها، على الأقل مالياً، وهو على الأرجح لن يتمكن من تدشين أول استخراج للغاز لأن قطار التنقيب والاستخراج سيفوته إذا ظل التأجيل سيد الموقف في ملف الغاز. ولكن أمامه فرصة نسج رؤية للبلد ووضع حجر الأساس لها. هذا الأمر عجز عنه الرؤساء الثلاثة الذين سبقوه منذ <اتفاق الطائف>. وبدل أن يكون التفاوض اليوم على قانون الستين لإجراء الانتخابات النيابية حبذا لو يتمحور الحديث حول شكل لبنان عام 2045، وقتئذٍ سيتبين من هو الرئيس الجدير بحكم البلد ولن نضطر إلى تهجية اسمه من أفواه المنجمين في الداخل أو المنظرين في الخارج .