المظهر الاقتصادي المحلي والإقليمي والعالمي هو الفوضى نفسها ولكن بأشكال مختلفة:
المشهد الاقتصادي العالمي غريب عجيب حتى لو أن بعض الأرقام تطمئن بأن الأزمة المالية العالمية شارفت على نهايتها. فمن جهة تتحسن أرقام البطالة في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية وتشهد الأسواق المالية والبورصات طفرة قياسية قربت كثيراً من موعد إعادة رفع الفوائد المصرفية على الدولار. ومن جهة أخرى تشير كل بيانات الأمم المتحدة الى أن مستويات الفقر في ازدياد في كل بقعة من بقاع الأرض. كل هذا يؤكد أن مراكز المال هي التي تتحكم بالنمو الاقتصادي وتزيد من الهوة الطبقية العالمية. والمسألة المهمة حالياً هي كيف سيتأقلم العالم مع الخلاف الروسي الغربي الذي يمكن أن يكون أرضاً خصبة لحرب عالمية ثالثة. فحدود الضغط الغربي المتزايد ولائحة العقوبات التي تطول يوماً بعد يوم يقابلها وقف روسيا لضخ الغاز إلى أوروبا وهذا يعني بالتأكيد انتقال الخلاف حول أوكرانيا إلى مواجهة عسكرية يكون حلف <الناتو> أحد طرفيها.
أما المشهد الإقليمي فهو مقسوم إلى جزئين: الأول لا زال ينعم بنمو اقتصادي سنوي يتعدى ٣ بالمئة وأعضاؤه تركيا المستفيدة الأولى من <مآثر> الثورات العربية والمغرب والجزائر اللذان عرفا حتى الآن كيف ينأيان عن <الربيع> المشؤوم ومعها الخليج النفطي الذي يشهد طفرة عمرانية تعززها أسعار النفط. أما الثاني أي نادي الفقراء فيضم المنطقة العربية الأخرى التي تدفع ثمن عقود من الفشل السياسي والثقافي وتستجدي من الفريق الأول كل أنواع الدعم. ليس ذلك فحسب بل يبدو أن الفريق الإقليمي الأول أي الميسور سيستفيد أيضاً من الحرب الباردة بين الغرب وروسيا على طريقة مصائب قوم عند قوم فوائد.
فشركات متعددة منها الموجودة التي بدأت تتوسع أو الناشئة التي تتأسس في دبي وتركيا تستعد لحقبة العقوبات الغربيــــة على روسيا. والأرباح الاقتصادية التي يمكن أن تتحقق في دبــــي وتركيا من جراء إنشاء ســــوق روسية - غربية محاذية للعقوبات لا تعد ولا تحصى.
في لبنان، الوضع الاقتصادي قد يخرج عن سيطرة الحكومة تماماً كما خرج الوضع السياسي والعسكري مؤخراً. واردات الدولة تسجل أقل مستويات منذ سنين وبالتالي فإن العجز المالي يتفاقم. القطاع الخاص يئن ولا آذان صاغية لوجعه الحقيقي. الاقتصاد غير القانوني ينمو على واقع التهريب والفساد ويزيد من مشكلة تراجع مداخيل الدولة. في ظل هذا المشهد الاقتصادي، من الصعب تخيل أن سلسلة الرتب والرواتب يمكن أن تقر في المستقبل المنظور. وسيأتي يوم قريب يتمنى فيه أصحاب الحق من المعلمين والموظفين لو قبلوا بنصف ما كان معروضاً عليهم منذ أسابيع خاصة حين تظهر بيانات الدين العام آخر السنة والتي ستؤكد مناهزته لحاجز السبعين مليار دولار ومستوى ١٦٥ بالمئة من الناتج المحلي. كل هذا يسهل المهمة على <داعش> في لبنان لأنها ستجد شباباً غاضباً وعاطلاً عن العمل ومستعداً لأن يلتجئ إلى الشيطان من فرط يأسه.
الفوضى الاقتصادية هي العامل المشترك بين كل هذه المشاهد. والإحساس أن هناك قوى مالية كبرى تتحكم في زمام اقتصاد العالم لم يعد ضرباً من <البارانويا>. حتى لبنان يتعرض للنهش من مافيا الفساد التي هي جاهزة للتعامل حتى مع أمثال <داعش>.
الحل؟
الحل عند الناس. فإما يوحدهم خطر <داعش> فينقلبوا على النظام السياسي بأمه وأبيه ويضعوا حجر الأساس للبنان لا تعصف فيه أي أزمة <داعشية>، أو يتفرقوا كما يحلو <للداعشيين> أن يروهم فيخسروا وطن الأرز إلى الأبد.
البلد بحاجة إلى خامة جديدة من القادة تسهل على شعبه مخاض التغيير. ولا يلومنّ اللبنانيون إلا أنفسهم إن هم تمسكوا بالموجودين.