تفاصيل الخبر

 من جمانة شاهين دبانة رئيسة مركز "C.L.E.S" إلى كل تلميذ في مدرسة رسمية: نــحـن مـعـــــك ونـدعـمــــــك مـجــانـــــــاً!

16/10/2015
 من جمانة شاهين دبانة رئيسة مركز "C.L.E.S" إلى كل تلميذ في مدرسة رسمية: نــحـن مـعـــــك ونـدعـمــــــك مـجــانـــــــاً!

 من جمانة شاهين دبانة رئيسة مركز "C.L.E.S" إلى كل تلميذ في مدرسة رسمية: نــحـن مـعـــــك ونـدعـمــــــك مـجــانـــــــاً!

بقلم عبير انطون

2 نافذة أمل كبيرة لغد افضل يقدّمها مركز <كليس اللبناني للتعليم المختص> بالتعاون مع المدارس الرسمية على امتداد خارطة لبنان. الخطوة التي انطلقت من مبادرة فردية، بناء على تجربة شخصية للسيدة جمانة شاهين دبانة توسعت اليوم لتقول لكل تلميذ في مدرسة رسمية <نحن معك>، ندعمك مجانا مهما كانت الصعوبات التعلّمية التي تواجهك في مدرستك ايماناً بالشعار المرفوع من قبل المركز <الطريق الى السلام يمر بتعليم الاولاد>.

فما هو مركز <كليس>؟ ما هو مشروعه، ومن وراءه؟ أية صعوبات يساهم في حلها؟ لماذا يقدم الخدمة المجانية لتلامذة المدارس الرسمية، وما هي غرف الدعم التي يؤسسها الواحدة تلو الأخرى في المناطق كلها؟

حان الوقت!

 

كارمن شاهين دبانة هي مؤسِسة ورئيسة المركز اللبناني للتعليم المختص <C.L.E.S>. أسسته عام 1999 بعدما عادت من بلجيكا إلى لبنان الذي تركته بسبب الحرب حاملة معها إجازة في العلوم. لكن مصادفات الحياة والأشخاص الذين التقت بهم جعلت حياتها تأخذ منحىً مختلفاً. فقد عملت في مجال الأزياء، والتطوير العقاري، والأعمال الإنسانية التي شملت إرسال الأدوية الى لبنان في فترة ما بعد الحرب.

لم تمضِ سنوات قليلة حتى قادتها تجربة شخصية إلى اكتشاف مسألة الصعوبات التعلميّة والاهتمام بهذه القضيّة بشكل ناشط. وتشكّلت لديها فكرة، وهي إنشاء هيكليّة معيّنة لمساعدة الأطفال الذين يعانون صعوبات مماثلة في بلدها الأم لبنان. وهكذا استجمعت شغفها وإرادتها لتحويل هذا الحلم إلى مشروع حقيقي، بدعم من عائلتها والأصدقاء وبعض المتخصّصين، ومن بينهم الراحلة سيدة ماريان كليس، وهي شخصية بارزة في مجال البحوث ودعم الأطفال الذين يعانون صعوبات تعلّمية. وهكذا أسّست كارمن شاهين دبانه رسمياً مركز <CLES>، في ٨ آذار/ مارس ١٩٩٩، وهو يتلقى دعماً مالياً من مؤسسة عائلة ريمون دبانة التي تؤمّن استمراريّته، فضلاً عن المساعدات المالية من <CEMEDE> ومن < WBI, Wallonie-Bruxelles International>، وأيضاً من التبرعات التي يتمّ جمعها من الحفلات الخيريّة.

 

 ما حدا سقط !

المشكلة التي طرحت نفسها في بداية الطريق هي كيف يمكن لهذا البلد، الذي دمّرته سنوات الحرب، وحيث الأولوية هي للبقاء على قيد الحياة، أن يهتمّ جدّياً برعاية الأطفال الذين يعانون عسر القراءة والكتابة والحركة والحساب، وعسر تشكيل الأحرف أو اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة؟ هؤلاء الأطفال لا يعانون إعاقة واضحة إلى حدّ لفت الانتباه، وغالباً ما يحتلّون المقاعد الخلفيّة في الصف، يرسبون ويعيدون صفوفهم حتى أن بعضهم يعاني في نهاية المطاف من استبعاد فعلي من المجتمع. لكن كم من فشل وحياة محطّمة نستطيع أن نتفاداهما لو أننا نؤمّن لهؤلاء <الأطفال المنسيين> التشخيص المبكر والدعم الفعّال؟ الجواب اوجده <كليس>.

 يقدم المركز خدماته عبر متابعة من متخصصين في علم النفس وعلاج النطق واللغة والعلاج النفسي الحركي لكل تلميذ على حدة، عبر تشخيص حالته وتحديد العلاج الملائم له وتقويم تقدمه. يحرص المركز منذ 1999 على التعاون مع وزارة التربية. وفي العام 2013، أطلق المركز برنامج <غرف الدعم الدراسي> للحد من الرسوب والتسرب الطلابي ووقّع مع وزارة التربية اتفاق تعاون مدته 10 سنوات لإنشاء 200 صف دعم في 200 مدرسة رسمية في أنحاء لبنان كله في السنوات الـ5 الأولى، مع تدريب مستمر ودعم تقني على مدى 10 سنوات. ويقوم المشروع أيضاً بتجهيز الغرف الـ200 بالمواد الضرورية والمعدات اللازمة لاستقبال التلامذة الذين يعانون صعوبات تعلمية، وتدريب معلمَين أو ثلاثة في كل مدرسة لتقديم الدعم اللازم، فضلاً عن تطوير قدرات الموجهين التربويين للقيام بالمتابعة في هذه المدارس. وبذلك، يستخدم التلميذ غرفة الدعم حين تحتاج دروس معينة إلى أن يكون بمعزل عن زملائه.

 لجمعية <كليس> اليوم ستة مراكز متخصصة في بيروت، طرابلس، صيدا، زحلة، الذوق والنبطية، وهي تنشط في تنظيم دورات تدريبية سنوية من إعداد متخصصين بلجيكيين، لمعلمين من المدارس الرسمية والخاصة، تصب في شكل أساسي على تدريب المعلمين على كشف الصعوبات التعلمية لدى التلامذة وسبل التعامل معها بغض النظر عن الاعتبارات السياسية والدينية.

 

 مرونة الدماغ..

الصعوبات التعلمية (عسر القراءة، عسر اللغة الشفهية، عسر الحساب، اضطراب الذاكرة، وفرط النشاط والنقص في الانتباه)، لا تعني فقدان الذكاء ومنهم الكثيرون ممن يملكون ذكاءً عالياً بحسب المفتشة التربوية فاتن جمعة، فإن <توماس أديسون> و<ألبرت أينشتاين> وغيرهما أفضل مثال على ذلك. كما ان الصعوبات او الاضطرابات التعلمية ليست قدراً نهائياً. وفي هذا الاطار، يؤكد الطبيب والبروفيسور السويسري <بيا ماجيستريتي> أن دماغ الانسان يتمتع بمرونة كبيرة تسمح بعلاج مضمون للأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم المحددة مهما كانت فئتهم العمرية، وذلك بالتزامن مع المتابعة التربوية المختصة والدقيقة. وعلى عكس ما كان يُعتقد بأنه بعد تخطي الطفل سنواته الست يضمحل الأمل، اكد أن الذين يعانون من الـصعوبات او الاضطرابات التعلمية يمكن معالجتهم في أي وقت تُكتشف فيه حالتهم، ولكن كلما بدأ العلاج والمتابعة مبكراً كلما كانت النتائج أنضج. وهناك سعي حثيث الى اكتشاف ابتكارات قد تحسّن حياة الأطفال من ذوي صعوبات التعلم المحددة. فبفعل عدد الخلايا الدماغية الهائل، فإن نوعية المعلومات التي تمر عبر الوصلات العصبية قادرة على التحسن أو التراجع، وبالتالي فإن المعلومات المتبادلة عبر الوصلات العصبية تتبدل بسبب عدد من العوامل وهنا تكمن أهمية مرونة الدماغ. فقد اظهرت اختبارات على حيوانات تربّت في بيئات سيئة أو غنية انها تبدلت بتبدل شكل جهازها العصبي، ما يؤكد أن الدماغ مرن جداً ويتغيّر مع تعرضه إلى عوامل مختلفة مستنتجاً أن العمل على مرونة الدماغ وتحفيز الوصلات العصبية يساعد في مجال صعوبات التعلم وهذا ما تقوم به هذه الجمعيات في عملها اليومي مع الأطفال.

 

من غرف الدعم!

لينا طحشي معلمة في متوسطة الاشرفية، تروي لـ<الأفكار> تجربتها في غرفة الدعم في المدرسة: <اعمل مع التلامذة الذين يعانون من صعوبات تعلّمية وهذا لا يعني مشاكل خاصة وراثية او نفسية او اجتماعية، فتلك تهتم بها المتخصصات في علم النفس والاجتماع في المدرسة، بل يعني المسائل التي يواجهها التلميذ في مادة تربوية معينة. ففي بداية كل عام، ندخل الصف الاول من دون ان نتكلم مع اي تلميذ. نستمع فقط الى شرح المعلمة، ونرصد تجاوب التلاميذ وندوّن ملاحظاتنا. نراقب ونضع لائحة بالأسماء ونجلس مع معلمة الصف بعد ذلك ونتشاور معها، كما اننا نقوم باختبار على اساس برنامج السنة المنصرمة، وعلى أساسه نتمكّن من تحديد مكامن الضعف لدى التلميذ وما لم يستطع اكتسابه من مهارات لمثل عمره، والعلامات قد تساعد ايضاً. نحن نبدأ من الصف الاساسي الاول ونواكب حتى الاساسي الثالث، ولا نبدأ قبل ذلك لأن الروضات تعمل على المهارات بشكل مكثف. واذا ما طلبت منا حاضنة الاطفال التركيز المبكر على تلميذ معين فإننا نتدخل بالطبع.

ونسأل المعلمة كاتيا فغالي وهي ايضا من معلمات غرفة الدعم في متوسطة الاشرفية عن المعني بالصعوبات التعلمية، فتجيبنا:

- المعني بالصعوبات التعلمية هي الصعوبة بمادة معينة قد تكون مثلا باللغة الفرنسية دون اللغة العربية. الا اننا استخلصنا ان من يعاني صعوبة في الرياضيات فانه يعاني صعوبة في مختلف المواد الأخرى، اي ان التحليل يكون ضعيفا بالاجمال. كمعلمات دعم، نحن نعمل على المواد الفرنسية والعربية والرياضيات وعلى المهارة المعينة التي لم يستوعبها او يكتسبها التلميذ بالشكل اللازم.

وحول اذا ما كان البعض يفسّر الصعوبة التعلمية بعدم الميل الى هذه المادة او تلك، تجيب طحشي بان عدم الميل ليس مبرراً لعدم الاستيعاب، فالتلميذ لا يميل للمادة لانه لا يستوعبها وليس العكس. وتضيف:

- في صفنا لا كتاب بل العاب، قد يحب التلميذ المادة ويكمل دربه فيها بشكل جيد، وهناك تلامذة نواكبهم في صفوف الدعم ولا نصل معهم الى نتيجة. قد ننجح مع بعض التلامذة في خلال شهر او اثنين فنضعهم على السكة الصحيحة ويعودون الى صفوفهم ليواكبوها بشكل عادي.

لا يمكن لمعلمة الصف ان تلعب دور معلمة <الدعم> اثناء حصتها لأن عدد التلامذة كبير، ولديها كتابها وبرنامجها المقرر ما يستدعي من معلمة الدعم دخول الصف مع تلميذها والجلوس الى جانبه. وتقول كاتيا: احيانا نواكب التلميذ في صفه اثناء شرح المعلمة ونكون بمنزلة <معلم الظل> بالنسبة اليه، حتى خلال الامتحان، قد نقرأ له السؤال أو نسهل عليه فهم ما هو مطلوب. واحيانا، يكون لوجودنا الاثر الاكبر، ففي ظل هذا SAM_8450الوجود يعمل التلميذ بشكل جيد، ولما نخرج فانه يتراجع في فهمه وادائه.

 عدد التلامذة الذين يعانون من صعوبات في التعلم كبير بحسب طحشي، نسبة لعدد التلامذة في المدرسة التي يتعلم فيها. اما اكثر المواد صعوبة للتلاميذ فهي اللغة الفرنسية ومن بعدها اللغة العربية. وبالنسبة لدور الاهل فانه اساسي، علما انه قد يكون سلبياً احياناً: <نتواصل معهم بشأن ولدهم مدعومين من مركز <كليس> ونأخذ لهم موعداً في المركز، إنما للأسف، فبعض الاهالي لا يهتمون ولا يتصلون ولا يتجاوبون، علما ان المركز يقدم الدعم المدرسي مجانا لكل طالب في مدرسة رسمية في حين يتقاضى خمسين دولاراً عن الحصة لتلميذ في مدرسة خاصة>.

 وتقول:

 - ان موافقة الأهل لصفوف الدعم الزامية. البعض منهم يرفضها لمجرد سماع اسمها خصوصاً في السنة الاولى التي بدأناها، اذ يعتبرون أن الأمر يدل على مرض عند ولدهم، علما اننا فسرنا لهم المضمون وأن الهدف يقوم فقط على التقوية. هناك اهالي قالوا: <ندفع على الساعة ولا نريد ان يدخلوا غرف الدعم>، وأحد الآباء اتصلنا به ليتواصل مع المركز بخصوص ابنته فنسي لاعتقاده انها للدروس الصيفية، وشُغل المقعد!

التحدي الكبير..

 

كاتيا فغالي ولينا طحشي معلمتان في وزارة التربية تم اختيارهما من مدرستهما لصفوف الدعم. فالاولى حاضنة اطفال لها خبرتها، والأخرى علمت مادة البيولوجيا والصحة لاعوام. اختيارهما، كما اختيار اي استاذ لغرفة الدعم يتم بعد ان يقدّم مركز <كليس> طلباً للمدرسة الرسمية بإنشاء غرفة الدعم فيها، فيختار المدير الاسماء ويناقشها مع اصحابها حتى يحصد موافقتهم.

 التلامذة ليسوا جميعهم لبنانيين، فهناك اعداد كبيرة من غير اللبنانيين، ولا تعتبر لينا وكاتيا مهمتهما اكثر سهولة من استلام صف بكامله. <هنا التحدي اكبر مع الولد الذي يعاني من صعوبات تعلمية في حين ان المعلمة في الصف قد تشرح وتلقى تجاوبا سريعا من نصف التلامذة على الاقل ما يشعرها بفرح انجاز مهمتها>.

الخبرة التي اكتسبتها المعلمتان من خلال ممارستهما التدريس لسنوات، تطبقانها في صفوف الدعم وتستثمرانها، الا ان الدورات السنوية والدورية التي تتابعانها، كما كل معلمي غرف الدعم في المدارس الرسمية مع <المركز اللبناني للتعليم المختص>، تساعدهما بشكل كبير على وضع الخبرة الطويلة في الإطار والتوجيه الصحيحين.