تفاصيل الخبر

من أشعل فتيل الفتنة في طرابلس؟

03/02/2021
من أشعل فتيل الفتنة في طرابلس؟

من أشعل فتيل الفتنة في طرابلس؟

 

بقلم علي الحسيني

 

[caption id="attachment_85469" align="alignleft" width="444"] الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري وثالثهما حرب البيانات.[/caption]

 عادت ثورة 17 تشرين لتطل مُجدداً من وجع الناس وقهرهم، وهذه المرّة كانت عاصمة الشمال طرابلس، النافذة التي أطلّ منها الثوار ليؤكدوا على مواصلة مسيرتهم وثورتهم في وجه الإستبداد. وكادت هذه الإطلالة أن تأخذ مداها الحقيقي بعد انكفاء طالت مدته بسبب الظروف الصحيّة التي تمر بها البلاد، لولا أن بعض الدخلاء عملوا على حرفها عن مسارها الحقيقي، فكانت النتيجة شهداء وجرحى بعد تصادم بين فئة من الشارع والقوى الأمنية على رأسها مؤسسة الجيش.

لبنان ينجو من قطوع صعب

من زواريب الفقر والجوع، ومن أوجاع الناس والإهمال المُستدام بحقهم، كادت ان تنفجر الأوضاع في طرابلس، وكادت أن تمتد شرارة الإنفجار الشعبي إلى بقيّة المناطق اللبنانية، لولا أن تدارك العقلاء والطرابلسيين أنفسهم، للمُخطّط الذي كان يجري التحضير له في الغرف السوداء لجر كل لبنان إلى المجهول، بعدما عجزت الجهات المُحرّضة عن تثبيت الواقع الحالي المُزري وفرضه على اللبنانيين، وجعله جزءاً أساسيّاً من حياتهم اليوميّة.

المؤكد ان لبنان كلّه، نجا خلال اليومين الماضيين من فتنة مناطقية كادت أن تتسلّل ذيولها إلى بقيّة المناطق. واللافت أن ما جرى في طرابلس من احتجاجات شعبيّة وشارك فيها الصغار قبل الكبار، لاقت أكثر من ترحيب وقبول في بقيّة الشوارع والمناطق اللبنانية وخصوصاً تلك الصرخات التي كانت تنقلها بعض وسائل الإعلام، والتي كان لها الأثر الأكبر في النفوس بعد أن عبّر أصحابها عن حجم الوجع والجوع في ظل غياب المسؤولين الذين صمّوا آذانهم عن تلك الصرخات، وراحوا يستغلّونها في لعبة تصفية الحسابات السياسية فيما بينهم.

 ربّما كان المطلوب أن تنسحب احتجاجات طرابلس على كل مساحات الوطن، لكن ليس قبل أن تغرق الفيحاء بدماء أبنائها بعد أن تم استدراج جزء كبير منهم، إلى مواجهة مفتوحة مع القوى الأمنية وتحديداً مع الجيش اللبناني الذي أثبتت قيادته مدى حكمتها ووعيها لجهة التعامل مع الوضع الفوضوي في الميدان. والمُخيف في ما حصل، أنه في الوقت الذي كان يغلي فيه الشارع الشمالي على وقع أصوات القنابل والرصاص والتي ظلّت "مجهولة" المصدر، كان التراشق السياسي يتنقّل على جبهات الاتهامات بين "بعبدا" و"بيت الوسط" وسط تحميل كل طرف للآخر، مسؤولية ما يحصل على الأرض.

ماذا كان يُحضّر لطرابلس؟

[caption id="attachment_85476" align="alignleft" width="444"] ساحة المواجهة.[/caption]

 بين دعوة الرئيس ميشال عون إلى "التحقيق في ملابسات أحداث طرابلس، والتشدد في ملاحقة الفاعلين"، ووصف الرئيس المُكلّف سعد الحريري ما حصل بأنه "جريمة موصوفة ومنظمة يتحمل مسؤوليتها كل من تواطأ على ضرب استقرار المدينة وإحراق مؤسساتها وبلديتها واحتلال شوارعها بالفوضى"، تشير مصادر طرابلسية إلى أن ما كان يُحضّر في طرابلس هو أمر في غاية الخطورة، فقد كان المطلوب الباس طرابلس ثوب الإرهاب وجعلها ورقة لمساومة الحريري في ملف تأليف الحكومة، لكن بفضل وعي الطرابلسيين وحكمتهم، قلبوا السحر على الساحر بعدما كادت أن تتوسّع رقعة التظاهرات إلى عقر دار الجهات التي خطّطت للفتنة.

وتابعت المصادر: كان المطلوب سقوط الدماء بين الأهالي والجيش وإجبار البعض لاحقاً اللجوء إلى حمل السلاح الفردي الذي يوجد ربّما في بعض المنازل والذهاب بعدها إلى معركة بين الجهتين، وعندها ستعمل بعض الجهات المنتفعة إلى تسهيل إدخال جهات متطرّفة على الخط لإعطاء بُعد مذهبي لما يحصل وبالتالي يُصبح الحريري المُتهم الأبرز فيُصار جرّه مرغماً لتأليف حكومة على النحو الذي يُطالب به الفريق الآخر.

وذكّرت المصادر نفسها، الدور السلبي الذي يلعبه العهد في ملف تأليف الحكومة وذلك من خلال العودة إلى كلام كان خرج على لسان عون قُبيل تكليف الحريري بفترة زمنية قصيرة جداً جاء فيه "اليوم مطلوب مني أن أكلّف ثم أشارك في التأليف، عملاً بأحكام الدستور، فهل سيلتزم من يقع عليه وزر التكليف والتأليف بمعالجة مكامن الفساد وإطلاق ورشة الإصلاح؟. أضافت: يومها كان واضحاً من خلال الكلام هذا، أن لا نيّة جديّة لتسهيل مهمة الحريري وما أحداث طرابلس اليوم، إلّا إشارة واضحة بأن إمّا حكومة يوافق عليها العهد، وإمّا الفوضى بكل أشكالها".

العهد يتهم الحريري

[caption id="attachment_85478" align="alignleft" width="445"] مواجهات طرابلس.. اللعب بالنار.[/caption]

أمّا من وجهة نظر الفريق المؤيّد للعهد، فهناك رواية ترّوج لها مصادر تنتمي إلى هذا الفريق، تقول إن الحريري هو من يقف وراء الفوضى في الشارع الطرابلسي وإن المقصود رسالة واضحة إلى العهد مفادها أن الشرارة على الأرض، قد تنتقل لاحقاً إلى مُختلف المناطق التي توجد فيها أغلبية سُنيّة. لكن في جميع الأحوال، فإن حكمة المؤسسة العسكرية والتعويل على دورها في ظروف كهذه خصوصاً بعد نجاحها في تفويت الفرصة على المُحرضين، جميعها أمور تُثبت أن الوطن بحاجة إلى قيادات واعية تقود الدولة وليس الشارع.

وفي السياق، يرى وزير في حكومة تصريف الأعمال أن ما جرى في طرابلس كشف هشاشة الوضع الأمني في لبنان وجهوزية بعض الجهات لاستغلال الحراك وتنفيذ مخططات تخريبية. ورأى الوزير أن الأحداث في الشمال بيّنت للقاصي والداني إنعكاس الوضع السياسي على الأرض ومدى تأثيره في المجتمعات ولذلك لا بد من وجود حكومة في ظل هذه الظروف وإلا فنحن ذاهبون إلى الأسوأ.

ويرد مصدر سياسي أن ما جرى هو احتجاجات شعبيّة قام بها جميع اللبنانيين، بمختلف مذاهبهم وانتماءاتهم السياسية والعقائدية، وسبب الاحتجاجات هذه فشل الحكومة في إيجاد الحلول اللازمة للوضع الاقتصادي القائم منذ عدّة سنوات، وعجزها عن قيامها بأعمالها، واستفحال سرقة المال العام، إضافة إلى وجود معضلة حكم وأحزاب ودستور وطائفية واقتصاد منهار، انعكست جميعها على المواطن، ليعاني معها من  الفساد والاحتكار والمحسوبيات والفقر والتهميش وغياب العدالة والتعليم والوظيفة والطبابة، وغيرها من مقومات الحياة الطبيعية للإنسان، وهي كلها أنهكت المواطن اللبناني، فنزل إلى الشارع ليعبّر عن نفسه، ويطالب بحقوقه المسروقة.

نجم: الحريري لم يتعود على ضرب أهله

[caption id="attachment_85468" align="alignleft" width="220"] النائب نزيه نجم:الحريري لم يتعوّد على ضرب أهله بل المحافظة عليهم.[/caption]

من جهته أكد عضو كتلة "المستقبل" النائب نزيه نجم أن الحريري أعطى كل ما يريده المجتمع الدولي وقدم تشكيلته الحكومية الى عون على هذا الاساس، أما اتهامه بالوقوف وراء أحداث طرابلس فمردود عليهم جملة وتفصيلاً، لأن الحريري لم يتعوّد على ضرب أهله بل المحافظة عليهم، والقاصي والداني يعرف من يقف وراء أحداث طرابلس.

ورأى أن إشارة الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" الى أمور يجب أن تتغير قبل زيارته الى لبنان أمر محق، وإذا لم تتغير هذه الامور واحترام الاتفاق الذي تعهدت به القوى السياسية في قصر الصنوبر، فلماذا سيأتي؟، مطالباً السلطة بأن تحترم هذه الاتفاقية وتقول لـ"ماكرون" أننا أنجزنا ما طلبته منا، وقد بدأنا بإصلاح الكهرباء وشكلنا الهيئة الناظمة، وشرعنا بإصلاح القضاء، وهو في المقابل سيعقد المؤتمرات الاقتصادية لدعم لبنان والافراج عن أموال "سيدر".

إحراق البلدية والمحكمة الشرعية

مما لا شكّ فيه، أن ثمة طابوراً خامساً قد دخل على الاحتجاجات في طرابلس الاسبوع الماضي، فأحداث الشغب وإحراق مراكز مبان تراثية ومراكز دينية، ليس من شيم الطرابلسيين ولا من عادات أهلها إحراق ممتلكاتهم والتعدّي على مؤسسات الدولة ولا المؤسسات ذات الطابع الديني. من هنا توضح مصادر طرابلسية أن مجموعة من المحتجين، كانوا دخلوا إلى مبنى البلدية وأقدموا على خلع أبوابه وتكسير الزجاج فيه وأضرموا النار فيه، وذلك بعد إخفاقهم في الدخول إلى سراي المدينة بعد مطاردتهم من قبل القوى الأمنية والجيش اللبناني.

وتضيف المصادر: بعد تجدد المواجهات بين هؤلاء المحتجين والقوى الأمنية، عمد هؤلاء إلى إحراق جزء من المحكمة السنية الشرعية داخل السراي جراء إلقاء ثلاث قنابل مولوتوف. وقد أسفرت المواجهات خلال فترة الاحتجاجات عن مقتل شابين وإصابة ما لا يقل عن 300 شخص بجروح. ومن جهتها أعلنت قوى الأمن الداخلي أنّ 41 عنصراً وضابطاً من صفوفها في عداد الجرحى، وقالت إن 12 منهم أُصيبوا جرّاء إلقاء قنابل يدويّة، وبينهم إصابات بليغة.