تفاصيل الخبر

من الطنطور والطربوش والخفّ.. الى ستين دمية بالأزياء التراثية

01/11/2019
من الطنطور والطربوش والخفّ.. الى ستين دمية بالأزياء التراثية

من الطنطور والطربوش والخفّ.. الى ستين دمية بالأزياء التراثية

بقلم عبير انطون

 

الفنانة ليلى الأحمدية نويهض:أحمل حبّ التراث اللبناني في ”خريطتي الجينيّة“!

 

 

ترى في عملها رسالة اختارتها لنفسها وأرادت مشاركة الآخرين بها لاسيما الجيل الجديد حتى يتعرف بتاريخ بلده عبر الأزياء التراثية التي تنفذها من الطربوش والطنطور والخفّ الى المهن والحرف اليدوية التي تسعى الى تخليدها عبر مجسمات صغيرة، سبيلها اليها الابرة والخيط وانامل من ذهب ورثتها عن امها. اما مشروع الستين دمية التي البستها ازياء فولكلورية من بقاع العالم كله فهي تنتظر اخوات لها بعد، فضلا عن مئتي لوحة كلها تجسد الازياء التراثية اللبنانية، حتى اعتبر معرضها الفردي الاول في صور منذ سنوات <تنشيطا لذاكرة المجتمع واحياء لهويته>. فمن هي ليلى الأحمدية نويهض؟ ولِمَ تحمل هم التراث حتى تعتبره جزءا من تكوينها؟

<الأفكار> تستقبل ابنة <صوفر> على صفحتيها ومعها تبحث في الأزياء واللوحات والحرف والدمى ونسألها أولاً:

ــ كنت بصدد اعداد كتاب حول الازياء التراثية، اين اصبح مشروعك؟

- فعلا، كنت انوي انجاز كتاب حول الازياء التراثية في العالم العربي وبدأت بجمع المواد حتى انني انجزت الصفحات الاولى، لكن مع اندلاع الثورات العربية التي بدأت في تونس توقفت عن المشروع اذ تحول اهتمامي كما الكثيرين الى الاخبار والاحداث، كما وانصرفت الى مشاريع اخرى.

ــ عرفنا بأنك عانيت لإيجاد المراجع التاريخية حول الازياء التراثية اللبنانية. لماذا؟

- لندرتها. فمع دراستي لتصميم الازياء في معهد بيروت للفنون الجميلة والديكور اخترت لمشروع تخرجي الازياء التراثية اللبنانية. قصدت وزارة السياحة ولم يكن من وزارة للثقافة حينها وكنا في العام 88 ــ 89، فلم احصل سوى على ست صور بالأبيض والاسود وبرسم اليد لا زلت احتفظ بها، وربما الارشيف احترق او فقد في خلال الحرب، فصرفت النظر عنها وعملت على أزياء <الهنود الحمر>. الآن يسهّل علي <غوغل> (محرك البحث) بعض الابحاث عن هذه الأزياء.

ــ ماذا عن المسرحيات والافلام القديمة وفي العديد منها كان ابراز واضح لهذه الازياء التراثية؟

- اهميتها بالغة، من لباس النجمات والنجوم كفيروز وصباح ووديع الصافي ونصري شمس الدين وغيرهم، وكان الفنانون يعتزون بهذا التراث، يرتدونه بفخر على اعتبار انه منبع ودليل على حضارتهم ويعرّف عن بلدهم، وليس عن طوائفهم او انتماءاتهم. فالزي التراثي اللبناني يعتبر من أجمل الأزياء في الشرق الأوسط، واعتبره شخصيا بمثابة العلم الذي هو رمز أساسي من رموز البلد، وكأنك لما تلبسين الطنطور مثلا، ترفعين العلم اللبناني. كذلك فان العديد من ملكات الجمال اللبنانيات كن يلبسن الزي التراثي لما يشاركن في المسابقات الجمالية الدولية ويفخرن به.

ــ لا يقتصر عملك على الأزياء التراثية انما ايضا ترسمينها في لوحات. هل تتركينها للذاكرة اللبنانية وبرسم الجيل الجديد ايضا؟

- رسمت ما يفوق المئتي لوحة تراثية جميعها بالالوان، وكان لي معرض شعرت، وانا اعد له، بأنه سفرة جميلة في الماضي الغابر، في الخوابي القديمة، ورسمت مجموعة شخصيات بعضها تقتصر على الوجوه وبعضها الآخر تمثل أجساداً كاملة لأمراء ومحاربين وفلاحين وعازفين وشخصيات تراثية ساهمت في إغناء التراث اللبناني، تستعيد الوجوه والأجساد والأزياء والحلي اللبنانية التراثية وبعض الأسلحة والأدوات الموسيقية، وهذه الوجوه بعضها متخيل وأخرى حقيقية بحسب ما تناقلتها المراجع التاريخية. من خلال ذلك ابحث عن التركيز على ما يخدم وطني وتاريخه، وسيشكل ذلك طبعا ارشيفا للجيل الجديد.وأجد نفسي سعيدة في توظيف الفن التشكيلي لإحياء التراث الشعبي اللبناني.

ــ لم انت متمسكة بالتراث اللبناني الى هذا الحد، وتجدين نفسك معنية به؟

- أسال نفسي السؤال عينه. ربما يدخل ذلك في <جينات> الشخص، جينات تجعل تعلقي بوطني وتاريخه وتراثه تفوق اي اعتبار، وربما هي أيضا سنوات الحرب الشنيعة التي سرقت الكثير من عمرنا. <كثر اشتغلوا لتخريبه> فمن يعمل على بنائه من دون انتظار لاي مقابل، وبمجهود فردي بحت ومن دون دعم من اية جهة؟ لم ولن ادق اي باب، وسأبقى اشتغل وارسم، وفي بالي السؤال الذي يلح علي باستمرار: ان رحلت عن الحياة في هذه اللحظة فما الذي سأتركه من بعدي؟ فأنا من خلال عملي أنفض الغبار عن الماضي وأنبش في أرشيف الذاكرة الجماعية للشعب اللبناني باحثة عن الهوية والعراقة والأصالة المتجذرة لأجسدها من خلال أعمال معاصرة أقدمها للجيلين الحالي واللاحق.

 خنجر الفساد..!

ــ هل اوحى لك ما يجري في الساحات اليوم باي تصميم جديد على غرار التحفة التي رسمها الفنان جميل ملاعب من وحي الحراك مؤخرا؟

- ليس بعد، لكن سبق وشاركت قبلا في مظاهرات حول النفايات، فرسمت لوحة لانسان لبناني راكع وخنجر الفساد مسلط عليه. واعمل ايضا على مشروع لاكياس من القماش بدلا عن النايلون المضر للبيئة، والمرسومة عليها الخضار والفواكهة اللبنانية تشجيعا لها.

ــ نعود للازياء التراثية، هل تستعاد في الحفلات والسهرات اللبنانية من قبل السيدات والصبايا؟

- الكثيرات يقبلن عليها وقد لمست التفاعل الذي تبديه السيدات مع هذه الازياء من خلال معرض في الاونيسكو منذ ثلاث سنوات حمل عنوان <من زمان> يتناول التراث اللبناني حصرا. فمع لوحاتي، استحضرت ايضا الطربوش والطنطور فاقبلت الناس عليها بشكل لافت لالتقاط الصور بها. صنعت 20 طنطورا ليس بغرض البيع انما للتعريف به.

 وتضيف ليلى:

- وبعد الطنطور والازياء التي كانت تختلف ما بين طبقة الامراء والفلاحين وعموم الناس، انتقلت الى امر آخر في خانة الأزياء التراثية تمثل بـ<الخف> الذي ينتعل وكان هو ايضا يختلف باختلاف الطبقات الاجتماعية.

ــ هل من سعي لبناني الى استعادة هذه الازياء التراثية بشكل محدّث برأيك؟

- لا أعتقد. حتى الشروال عدنا واستوردناه من الخارج، علما اننا كنا سباقين في امور عديدة كـ<فن الرقعة> مثلا وهو ما يعرف اليوم بالـ<باتش وورك> الذي يعتبر من ابرز الفنون حاليا ومن اغلاها، وقد عرفته الطبقات الفقيرة جدا في الماضي اذ كانوا <يرقّعون> الثياب من بقايا الاقمشة ويصنعون منها الملاحف والشراشف الى ما هنالك، وهو فن مصري قديم ايضا.

ــ احدى علامات المجوهرات اللبنانية المعروفة جعلت من الطربوش عنوانا لمجموعة كبيرة من المجوهرات لديها منذ فترة. هل يخدم ذلك التراث ايضا ويذكر به ام تعتبرين الامر تجاريا بحتا؟

- <برافو عليهم>، هو نوع من المحافظة على التراث بطريقة حلوة ويمررونها للجيل الجديد بطريقة ذكية، خاصة وان الطربوش فُقد لفترة، اذ انه مع الانتداب الفرنسي منع اعتماره وحلت مكانه البرنيطة ومن بعده تخلوا عن الشروال ايضا. انه كما العمل الذي اقوم به محاولة لإحياء التراث وتسليط الضوء عليه بعد أن اندثر الجزء الأكبر منه، وهو نوع من التركيز على التراث غير الحيوي لتحويله من تراث منسي إلى تراث متداول، فيبقى حاضرا في الوجدان.

ــ فقط قلة من الطائفة الدرزية الكريمة لا زالت تلبس الشروال حتى اليوم. اليس كذلك؟

- هو زي اهل الدين، وبعض الموارنة يلبسونه ايضا حتى ان شخصا من آل كيروز اخبرني ان جده توجه الى المطار وهو يلبس الشروال فطلبوا منه استبداله بالبنطلون.

دمى وحرف..!

ــ تعاونت مع نادي <الليونز> ايضا في مجال الأزياء التراثية، كيف تم ذلك وماذا قدمت لهم؟

- في لقاء ضم اعضاء <الليونز> من مختلف انحاء العالم عقد في لبنان ارتأوا استحضار الزي اللبناني التراثي حتى يتسنى للقادمين ان يتعرفوا عليه فيلبسونه ويتفاعلون معه، فرحبت بالفكرة لاعادة التذكير بتلك الحقبات التاريخية واطلاعهم عليها.

ــ هل تشاركين في تنفيذ ملابس المسلسلات التاريخية؟

- لا لم يحصل ذلك.

وتضيف ليلى:

- الامر يتطلب الوقت والجهد للتفصيل والخياطة والتثبيت احيانا، وهذه التقنيات ليست سهلة، فقد بقيت لثلاث سنوات مثلا حتى تعرفت على تقنية صنع الطربوش.

ــ أولادك من الجيل الجديد، هل يحبون الحرفيات وبأي عين ينظرون اليها؟

- يحبونها جدا.الولد ابن بيته كما الانسان ابن بيئته وهم يحبونها ويرمون الى المحافظة عليها. وفي بداياتي كنت اقوم بتصميم الملابس التراثية اللبنانية لهم عند مشاركتهم في المسابقات والحفلات التنكريّة، وكانوا دائماً يحصدون المركز الأول بسبب ارتدائهم الزي اللبناني.

 ــ بغير الرسم بالالوان كانت لك رسومات مميزة بالقهوة والنيسكافيه، ماذا عنها؟

- الناس تحب الألوان الترابيّة، وانا ارسم الوجوه بدقة وبتفاصيلها، واستخدمت الألوان المتدرّجة المشتقة من اللون البني الغامق. لقد لاقت اللوحات هذه استحساناً من كل من شاهدها، وبدأ الطلب عليها لأنها تعتبر نادرة، ومن يقوم بالرسم بهذه الطريقة هم قلّة، لأنها تستغرق وقتاً أكثر من الرسم بالألوان، لكن لها رونقها الخاص. وأجمل اللوحات التي رسمتها في هذا المجال استوحيتها من لقطة تلفزيونية لفتاة فلسطينية في غزة تلعب على أرجوحتها بينما الدمار خلفها، فجسدت المشهد في لوحة كبيرة تعاطفاً مع أطفال فلسطين.

ــ علمنا ايضا انك تعملين على دمى تلبسينها أزياء الحضارات والبلدان المختلفة، كيف انطلقت بالمشروع؟

- احاول ان اجول عبرها على ازياء العالم كله وقد انجزت حتى اليوم ستين لعبة، كما عملت على مشروع آخر لي وهو انجاز خمسين حرفة يدوية لبنانية نعرفها وهي في طور الانقراض لكن الامور مكلفة كما يعلم الجميع والبلد ليس بأفضل احواله.

ــ هكذا عمل يعتبر مضنياً لمن يقوم به للوقت والمجهود اللذين يتطلبهما <ما بيطلع معيشة الشخص>؟

- لا للأسف فالجميع يتجه الى استيراد الارخص. اللباس الفولكلوري للدمى الصغيرة لا يمكن ان يصنع على الماكينة وكله يدوي.احيانا كنت اضطر لبعض الضعف في نظري ان اعطي المازورة والخرز لاولاد الناطور لمساعدتي بها.

ــ لو توافر لك مبلغ من المال، ما اول ما تقومين به في مجال عملك هذا؟

- أمتلك حينها مكانا اجعله محترفا ومعهدا صغيرا في الوقت عينه اجمع فيه اعمالي ولوحاتي وأعلم تقنياته، وكنت تقدمت بذلك الى وزارة الشؤون الاجتماعية لانقل لغيري معرفتي في هذا المجال فتبقى الروح حية في هذا التراث ولا تندثر.