لم يجف بعد حبر قرار مجلس الامن التمديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب "اليونيفيل" وما تضمنه من دعوة صريحة الى "تسهيل" عمل هذه القوات او التضييق عليها خلال تنقلها في منطقة العمليات الدولية... حتى وقع حادث في بلدة كوثرية السياد الجنوبية بين دورية دولية والأهالي الذين عادوا وافرجوا عن الدورية بعد تدخل الجيش اللبناني، لكنهم "صادروا" معدات وأجهزة كانت مع الدورية!
قد تبدو هذه الحادثة عادية في غير الظروف التي يمر بها لبنان، لكنها أصبحت استثنائية بفعل العلاقة المضطربة دائماً بين وحدات من "اليونيفيل" وأهالي عدد من القرى الجنوبية الذين يرفضون دخول دوريات "اليونيفيل" الى قراهم او تفتيش منازلهم او ممتلكاتهم، مع الإشارة الى ان القرار الدولي الذي صدر بالتمديد لهذه القوة كان واضحاً لجهة ضرورة تمكين "اليونيفيل" من القيام بالدوريات وعدم التعرض لها الخ... ولأن حادثة من هذا النوع باتت تتكرر بشكل دائم، سارع قائد "اليونيفيل" الجنرال "ستيفانو دل كول" الى تطويق مفاعيله، بالتنسيق مع رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب ووزيري الدفاع والخارجية زينة عكر وشربل وهبه، في وقت كانت التعليمات ترد من نيويورك الى مقر "اليونيفيل" في الناقورة بأن حرية تحرك القوة الدولية يجب ان تكون مضمونة لأنها من ضمن مهامها وفعاليتها!
مصادر ديبلوماسية قالت ان هذا الحادث، معطوف على حوادث مماثلة وقعت قبل مدة، تركت في نيويورك أصداء سلبية اذ سارعت الأمانة العامة للأمم المتحدة الى استيضاح الامر والتذكير بموجبات القرار 1701 وضرورة التقيد بها اضافة الى الاعتراض على مثل هذه الحوادث التي تعيق عملية السلام جنوباً والتي تتولاها قوات دولية من 11 الف جندي من 35 دولة بينها فرنسا التي ينوي الرئيس "ايمانويل ماكرون" تفقد قوات بلاده في الجنوب، خلال زيارته الثالثة لبيروت في اول من خمسة اشهر والتي ستتم في 22 و 23 كانون الأول ( ديسمبر) الجاري. علماً ان القوة الفرنسية المشاركة في "اليونيفيل" تملك دبابات "لوكليرك" الشهيرة والتي تزن الواحدة منها نحو 56 طناً إضافة الى انها مزودة بكل التجهيزات المتطورة....
حاول البعض الإيحاء بأن ما حصل مع القوة الدولية في بلدة كوثرية السياد، موجه خصوصاً الى فرنسا في رسالة غير مباشرة الى الرئيس "ماكرون" تعترض على تدخله في الشؤون اللبنانية، الا ان المعطيات اشارت ان لا ارتباط بين ما حصل وزيارة "ماكرون" او تعاطيه في الملف اللبناني، بقدر ما هي رسالة من حزب الله الى "اليونيفيل" التي توسع من حين الى آخر ماهية أدوارها الجنوبية وهو ما يزعج قيادة الحزب التي على سبيل المثال لم تكن راضية عن تشغيل القوات الفرنسية للمسيرات " DRONE" فكانت الإشكالات التي شهدتها منطقة عمل هذه القوات بين الأهالي وبين الدوريات وفق عدة عناوين لبعضها صلة بخصوصية المجتمع الجنوبي، لاسيما التي لم ترافقها عناصر من الجيش اللبناني، لأن الجانب اللبناني كان يريد ان يطلع مسبقاً على وجهة سير الدوريات في ما كانت قوات الطوارئ حذرة من تسريب تحركاتها من قبل عدد من الجنود اللبنانيين المتعاطفين مع المقاومة. ولذلك لم تحقق هذه القوات نتائج على ما كانت تتوقع من كشف تحضيرات عسكرية لحزب الله وما شابه في هذا الحقل. وخلصت التسوية يومها بعد سلسلة طويلة من الإشكالات، وفق الأوساط الى تقليص عدد الدبابات الفرنسية الى توقيف استعمال المسيرات للاستكشاف، بطلب من حزب الله بعد ان شكلت هذه الإشكالات محطات لتبادل الرسائل حيث كانت باريس تعمل على مراعاة حزب الله حرصاً على سلامة جنودها ومنعاً لاية احداث قد ترتد سلباً على القيادة الفرنسية.
حزب الله حريص...
في المقابل، ترى مصادر حزب الله ان لا صلة للاستنتاجات القائلة عن رسائل موجهة الى فرنسا او غيرها من الدول، لأن ما حصل في كوثرية السياد لا يعدو كونه من الحوادث الفردية التي تحصل دوماً والذي يمكن معالجته من خلال التنسيق مع الجيش، ولا قرار بالتعرض لــ "اليونيفيل" او عرقلة عملها او خلق اضطرابات في المنطقة. فالحزب وفق مصادره لا يخفي حرصه على امر أساسي وهو انه وان كان واسطة العقد في محور المقاومة فإنه يتعمد إبقاء الساحة الجنوبية تمضي ايامها باستقرار نسبي. وبمعنى آخر يعمل الحزب "على تحرير" دورة الحياة اليومية للجنوبيين من اية مظاهر قلق من شأنه ان تعكر صفو الحياة وتحول دون انصراف الناس الى حياتهم الطبيعية. ويعتبر الحزب ان هذا العزل بين الامرين هو احد العوامل الإيجابية التي تحسب في ميزان اعماله ما دام يعرف ان المواجهة مفتوحة وان بإمكان جهاز المقاومة يتولى مهمته ما دامت الأوضاع لا تبلغ حدود الحرب المفتوحة.
وعليه وامام ارتفاع وتيرة التهديدات الإسرائيلية بعد اغتيال العالم الإيراني والتي بلغت حدود التلويح بجعل السيد حسن نصر الله هدفاً معلناً فضلاً عن الترويج لعمليات اغتيال وتفجير، اعد للحزب لمواجهة الموقف بتحركات وإجراءات وقائية دفاعية استيعابية، وهو يعتقد انه امتص لحد الآن الجزء الأكبر منها.