تفاصيل الخبر

ممارسات قاسم والبعث والمالكي.. جعلت العراق ضحية المؤامرات الخارجية وبات اليوم تحت مقصلة التقسيم الطائفي والعرقي!

16/07/2015
ممارسات قاسم والبعث والمالكي.. جعلت العراق ضحية المؤامرات الخارجية وبات اليوم تحت مقصلة التقسيم الطائفي والعرقي!

ممارسات قاسم والبعث والمالكي.. جعلت العراق ضحية المؤامرات الخارجية وبات اليوم تحت مقصلة التقسيم الطائفي والعرقي!

 

بقلم صبحي منذر ياغي

    اركان-الثورة-العراقية-قبل-ان-يتفرقوا في الوقت الذي كانت فيه أحداث 1958 مشتعلة في لبنان بوجه الرئيس كميل شمعون احتجاجاً على انضمامه الى حلف بغداد (حلف نوري السعيد). فوجىء العالم بانقلاب عسكري في العراق يوم 14 تموز/ يوليو 1958، أطاح بالمملكة العراقية التي كان على رأسها الملك فيصل الثاني، والإعلان عن قيام الجمهورية العراقية وانتهاء حقبة العهد الملكي.. منذ ذلك التاريخ بدأ العراق يدخل تاريخاً جديداً... من عهد قاسم الى البعث.. وصولاً الى زمن نوري المالكي الاسود!

صباح الاثنين 14 تموز/ يوليو 1958، قطعت الإذاعة العراقية برامجها فجأة، وفوجئ المواطنون العراقيون بإذاعة نشيد <الله أكبر>، تلته أناشيد ثورة رشيد عالي الكيلاني <لاحت رؤوس الحراب>، و<موطني>، ثم اغنية أم كلثوم <بغداد يا قلعة الأسود>... وبعد ذلك، قطع البث الإذاعي فجأةً، وأعلن المذيع ان نبأ مهماً سيذاع من محطة دار الإذاعة العراقية من بغداد.. وإذا بدوي صوت جهوري يعلن النبأ المهم. إنه البيان الأول للثورة يذيعه العقيد الركن عبد السلام عارف والذي استهله بآية من القرآن، قبل تلاوة البيان الذي أعلن فيه انه <بعد الإتكال على الله وبمؤازرة المخلصين من أبناء الشعب والقوات الوطنية المسلحة، أقدمنا على تحرير الوطن العزيز من سيطرة الطغمة الفاسدة التي نصبها الاستعمار لحكم الشعب والتلاعب بمقدراته وفي سبيل المنافع الشخصية، إن الجيش منكم وإليكم وقد قام بما تريدون وأزال الطبقة الباغية التي استهترت بحقوق الشعب، فما عليكم إلا أن تؤازروه>.

احنا جنودك يا سلام!

عبدالسلام-عارف-صورة-المشير

انطلقت الجماهير وهي تهتف لقادة الحركة الانقلابية: <احنا جنودك يا سلام> كما أخذت بعض الجماهير تنادي بالوحدة مع الاتحاد العربي المسمى الجمهورية العربية المتحدة. ويجمع المؤرخون على أن العوامل المباشرة للحركة كانت بسبب ردة الفعل الجماهيرية الغاضبة على احتلال بريطانيا للعراق بعد إسقاط ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941، وإعدام الضباط الأحرار والوطنيين من الضباط المشاركين في الثورة، وهزيمة الحكومات العربية في حرب فلسطين إبان حرب عام 1948، في وقت برز فيه المد الوطني والقومي العربي المعادي للهيمنة البريطانية والفرنسية والأميركية، وتصاعد المد الجماهيري المؤيد للحركات الثورية الوطنية والقومية ليشمل دولاً عديدة مثل الأردن ولبنان وسوريا، علاوة على جملة من العوامل الداخلية الأخرى كتردي الأحوال المعيشية والاجتماعية في العراق، وهيمنة الشركات الأجنبية على الاقتصاد وقيام شركات النفط بتقويض الاقتصاد العراقي لاسيما بعد ربطه بالكتلة الاسترلينية مما أدى إلى تضخم العملة العراقية وغلاء الأسعار.

القاهرة هي الأم

ويعتبر الباحث مالك رمضان في دردشة مع <الافكار> ان ما جرى في العراق بقيادة حركة 14 تموز كان بمنزلة الصدى لما قام به الضباط الأحرار في مصر، يوم 23 تموز/ يوليو 1952 بثورة أدت الى الاطاحة بحكم الملك فاروق.. لذا فإن تسمية الضباط الاحرار اطلقت ايضاً على الضباط العراقيين تيمناً بضباط ثورة 23 يوليو. وانضم الزعيم عبد الكريم قاسم إلى حركة الضباط الأحرار وقام بتكوين خلية للضباط المعروفة باسم <تنظيم المنصورية>. وفي عام 1952، تم توحيد خلية عبد الكريم قاسم والخلية الأخرى التي كانت بقيادة العقيد محيي الدين عبد الحميد، وناجي طالب، ومن ثم تم إجراء انتخابات، وبسبب قدم رتبة عبد الكريم قاسم، أصبح قائداً لتنظيم الضباط الأحرار. وفي عام 1955. قام عبد الكريم قاسم بإحضار العقيد عبد السلام عارف الى أحد اجتماعات التنظيم، واتفقوا معه، وبالتنسيق مع بعض الضباط من أعضاء التنظيم وهم الفريق نجيب الربيعي، والعميد ناظم الطبقجلي، والعقيد رفعت الحاج سري، والعميد عبد الرحمن عارف، والعقيد عبد الوهاب الشواف، على الشروع بالتحرك للإطاحة بالحكم الملكي مستغلين فرصة قيام الإتحاد الهاشمي، وتحرك القطعات العراقية لإسناد الأردن ضد تهديدات إسرائيلية. ونجح التنظيم في الاستيلاء على السلطة، وتولى العميد عبد الكريم قاسم منصب رئيس الوزراء ووزير الدفاع، والقائد العام للقوات المسلحة بينما استلم الفريق نجيب الربيعي منصب رئيس مجلس السيادة، ريثما يتم انتخاب رئيس للجمهورية. أما العقيد الركن عبد السلام عارف فتولى منصبي نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، ووزعت بقية الوزارات على أعضاء التنظيم حسب إسهامهم بالثورة.

نوري-المالكي  

خلاف قاسم وعبد السلام عارف

رغم وجود علاقات الصداقة المتينة بين قاسم وعارف فإنهما كانا مختلفين في بعض التوجهات الفكرية، وبعد نجاح الثورة حاول عارف إبراز نفسه كمفجر حقيقي للثورة بينما كان عبد الكريم قاسم الابرز على أساس أنه القائد والأب الروحي للثورة والمخطط لها، لكن قاسم جنح نحو الفردية فصار الزعيم الأوحد وجمع السلطات بيده، ولم يوفر اية صلاحيات لمجلس السيادة وعلق انتخاب منصب رئيس الجمهورية وألغى تشكيل المجلس الوطني لقيادة الثورة، ثم بدأت هواجسه بالحذر من منافسيه حتى رفاقه في السلاح وأعضاء تنظيم الضباط الوطنيين. فتقرب من التيار الشيوعي مبتعداً عن التيارات القومية والدينية التي كانت متعاظمة يومذاك، وأدى هذا الخلاف الحاد إلى الاطاحة بزميله عبد السلام عارف كما أطاح بعدد من الزعامات العسكرية والسياسية، وزج أسمائهم مع الانقلابيين والمنتفضين ضده تحت ذرائع شتى لم تثبتها محكمة الثورة التي رأسها ابن خالته المقدم فاضل عباس المهداوي ذو الميول الوطنية والماركسية. وأعفي عبد السلام عارف من منصبه عام 1959، وأبعد بتعيينه سفيراً للعراق في ألمانيا الغربية، وبعد عودته للعراق لفقت لعارف تهمة محاولة قلب نظام الحكم، فحكم عليه بالإعدام ثم خفف إلى السجن المؤبد ثم الإقامة الجبرية لعدم كفاية الأدلة.

الشيوعيون... وتعذيب المعارضين

افسح عبد الكريم قاسم المجال للحزب الشيوعي وميليشياته بالعبث بأمن الدولة والمواطنين، وتولي المناصب المهمة في الوزارة والجيش، وقامت الميليشيات الشيوعية بارتكاب أعمال عنف كقتل وتعذيب معارضيها، وسحل الكثيرين في الشوارع، وتعليقهم على أعمدة الكهرباء. والقيام بمداهمة واحتلال المنازل والمؤسسات الحكومية والمعسكرات، وعبثوا في سياسة الدولة الداخلية والخارجية ومنعوا اي تقارب مع الدول العربية أو تحقيق اية وحدة عربية والتي كانت حلم الجماهير التي تعتبرها داعش-تحتل-الموصلضرورة للوقوف بوجه القوى الكبرى للنيل من الثورة.

واعتبر حجاز بهية (ناشط في الحزب الشيوعي العراقي) خلال دردشة مع <الافكار>  ان ما قيل عن الممارسات الشيوعية أمر مبالغ فيه وهدفه الإساءة للشيوعية من قبل خصوم قاسم الذين تحالفوا ضده، وكانوا من القوى السياسية والعسكرية، ومن أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين لحركة تموز/ يوليو 1958 كالتيارات المختلفة لحزب البعث، وبعض التنظيمات والشخصيات القومية والمستقلة، مع بعض الشخصيات العسكرية من الأعضاء السابقين لتنظيم الضباط الوطنيين لحركة 14 تموز/ يوليو 1958 والذين أعادوا تفعيل التنظيم مجدداً وقيادات عسكرية أخرى من المعارضين لسياسة عبد الكريم قاسم، وقد قاموا بحركة لقلب نظام الحكم في 8 شباط/ فبراير 1963، وأصبح المشير عبد السلام عارف رئيساً رمزياً للجمهورية، واللواء أحمد حسن البكر أحد زعماء حزب البعث البارزين رئيساً للوزراء. وتم تشكيل محكمة خاصة عاجلة كان لتيار علي صالح السعدي المتشدد في البعث أثره في إصدار أحكام الإعدام برئيس الوزراء عبد الكريم قاسم ورفاقه. وفي الثامن من شباط/ فبراير 1963 نفذ فيه حكم الإعدام رمياً بالرصاص داخل مبنى <إذاعة دجلة> في العاصمة بغداد.

 

البعث.. والعراق

بعد مرحلة عبد الكريم قاسم دخل العراق في مرحلة الحكم البعثي الذي تميز ايضاً بالبطش والاغتيالات والتصفيات والإعدامات خاصة في عهد الرئيس صدام حسين، دون إنكار الإنجازات العلمية والتكنولوجية والصناعية التي حققها العراق في عهد صدام حسين إضافة الى اقتراب وصول العراق الى مرحلة الاكتفاء الذاتي.

واذا كانت فترة حكم عبد الكريم قاسم ، ومن بعده فترة حكم البعث قد تميزت بالرعب والبطش، فإن العراق في هذا الزمن شهد اسوأ فترات حكمه مع وصول نوري المالكي الى رئاسة الوزراء. ففي عهده، اندلعت في العراق حرب طائفية راح ضحيتها الآلاف، واتسعت الفجوة بين السنة والشيعة وانتشرت آفة الفساد في مؤسسات الدولة ومفاصلها، وازداد نفوذ إيران في المنطقة.

نوري المالكي.. صنيعة الاستخبارات

وتؤكد مصادر عراقية معارضة ان وصول المالكي الى الحكم كان بقرار من المخابرات الأميركية رغم ضلوع المالكي في عمليات إرهابية ضد أهداف عراقية وأخرى غربية في الثمانينات منها تفجير السفارة العراقية في بيروت عام 1981 والذي عبد-الكريم-قاسمادى الى مقتل نحو 60 شخصاً، بينهم السفير العراقي وبلقيس زوجة الشاعر الكبير نزار قباني.

ويعترف أحد المسؤولين الأميركيين بأن المالكي كان <أفضل ما كان متوافراً في تلك المرحلة، فالمالكي لم يكن <نظيفاً جداً>، كما هو حال كثير من المسؤولين والقادة العراقيين.

 فالمالكي المولود عام 1950 تدرج في صفوف حزب الدعوة الذي قاتل ضد نظام صدام حسين لخمسة عقود. انتقل المالكي إلى إيران عام 1982، حيث أشرف في الأحواز على تدريب مقاتلين لتنفيذ عمليات ضد نظام صدام.

ولم يكن المالكي ضعيفاً كما كانت تعتقد واشنطن، فقد همش خصومه السياسيين من السنة تحديداً وأبعدهم عن الساحة بالضغوط أو بالقوة. فسياسياً، وجه القضاء العراقي الذي يتعرض لضغوط من حكومة المالكي تهم الإرهاب لنائب الرئيس القيادي السني طارق الهاشمي، وأصدرت السلطات أمراً بإلقاء القبض عليه. اضطر الهاشمي للجوء إلى كردستان ومن ثم إلى تركيا، حيث يعيش الآن بعد أن حكمت عليه محكمة عراقية غيابياً بالإعدام.

قرارات.. وتعيينات.. وسرقات في عهد المالكي

المالكي كرّس أيضاً قوانين كان معمولاً بها في نظام صدام، ومنها تجريم انتقاد رئيس الحكومة ليتمكن بعدها من محاكمة وتغريم مئات الصحافيين العراقيين القضاة والمحامين. وعلى الصعيد العسكري والأمني، جعل المالكي الجيش منظومة عسكرية ضخمة تعمل بإمرته، فشكل مكتب القائد العام للقوات المسلحة. كما أبعد كبار القادة العسكريين من السنة، وعلى سبيل المثال، رئيس جهاز المخابرات السابق محمد الشهواني.

ووفق معلومات أوردها الكاتب عثمان المختار، تمكن المالكي من تجنيد العشرات من سارقي المال العام، وحشرهم في دوائر الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية كافة ليحكم قبضته على موارد البلد وثرواته، مشيراً إلى أنّه وزع المناصب على رجاله، فمنهم من أصبح وزيراً، ومنهم من أضحى مديراً عاماً، وغيرها من مناصب الكعكة العراقية التي بدأوا بنهشها من كل جانب، غير آبهين بالعواقب.

يقول المترجم نادر حسين (الذي عمل مع القوات الأميركية في العراق عام 2003) ان المالكي وفّر الحماية اللازمة لرجاله، فمنهم من كشفت أوراقه، كوزير التجارة الأسبق عبد الفلاح السوداني، وتمكن المالكي من توفير الحماية الكاملة له، رغم اتهامات بالفساد تلاحقه حول المغامرة بأرواح الشعب العراقي من خلال التلاعب بمفردات البطاقة التموينية، واستبدال موادّها، كالزيت والسّكر، بمواد فاسدة لا تصلح للاستهلاك البشري.

وأشار إلى أن هذه الصفقة وغيرها من الصفقات مرت بسلام وحماية كاملة من قبل المالكي، وقد جنى من خلالها مليارات الدولارات. ولا توجد إحصائيات رسمية محددة حول ثروة المالكي، إلا أنه وفقاً لمجلة <فوربس> الأميركية التي تُعنى بشؤون المشاهير، فإن ثروته تقدّر بنحو 50 مليار دولار نقداً، بالإضافة إلى أصول وممتلكات أخرى تقدر بنصف مليار دولار.

الجماهير-العراقية-تحتفل-بانتصار-ثورة-14-تموز

الفساد سبب دخول <داعش>

واتسعت دائرة الفساد التي نهشت جسد العراق خلال فترة حكم المالكي التي امتدّت إلى ثماني سنوات، حتى خرج ملف الفساد عن إمكانية السيطرة عليه، ولم تسترد الدولة أية مبالغ من الشخصيات المتهمة.

وفي هذا الإطار، يقول الخبير الاقتصادي، ماجد الصوري، انّه لولا استشراء الفساد في البلاد لما تمكن تنظيم الدولة الإسلامية <داعش> من دخول العراق.

وأضاف الصوري أنّه <منذ عام 2003 وحتى تشرين الأول/  اكتوبر من العام الجاري دخل العراق 640 مليار دولار من أموال النفط فقط>، مضيفاً <انّ هناك إيرادات أخرى دخلت العراق عن طريق ما تبقى من النفط مقابل الغذاء، وما تم الحصول عليه من الأموال المجمّدة وغيرها>.

وأكد الخبير الاقتصادي أن الأموال لم تنتج عنها استثمارات في البلد، ولا توجد أيّة إحصائيات لصرفها، مبيناً أن الفساد يبلغ تريليون دينار عراقي وُزعت على شكل سلف إلى دوائر وتشكيلات إدارية مختلفة في الحكومة، ولم تتم تسويتها، مؤكداً أن هناك أرقاماً مذهلة في ما يتعلق بهروب وغسيل الأموال، بعضها يصل إلى 138 مليار دولار هرّبت من العراق إلى دول مجاورة خلال السنوات العشر الأخيرة، وشُكّلت لجان لمتابعتها، لكن بلا نتائج.

وحده العراق ، مكتوب عليه ان يكون دوماً ضحية المؤامرات الخارجية، وان يدفع ثمن الممارسات السياسية والديكتاتورية التي شرذمت شعبه، وبات مهدداً بشبح مقصلة التقسيم والكانتونات العرقية والطائفية...