ذات ليلة من زمن التسعينات، كان الرئيس نبيه بري مدعواً الى عشاء مختصر على بعض الأصدقاء، منهم رئيس تحرير <الأفكار> وليد عوض في حديقة القصر الجمهوري، حيث شارك الرئيس الهراوي الاثنين بالجلوس الى مائدة واحدة. وبعدما استعرض الاثنان هموم لبنان والمنطقة، استأذن الرئيس الهراوي بالمغادرة لبضع دقائق، ثم عاد ليسأل: وين كنا؟
قال له رئيس التحرير: كنا في بحر الهموم على مستوى لبنان والمنطقة..
وهنا تبسم الرئيس الهراوي وأرسل إشارة الى كبير الخدم، بإذا بمكبر الصوت ينقل إلينا أغنية <تعا ننسى أيام اللي راحت أيام العذاب المرة والسنين اللي ضاعت> للموسيقار ملحم بركات، وقال الرئيس الهراوي: بدكم نعيش بلا هموم.. اسمعوا نصيحة ملحم بركات: تعا ننسى!!
ولم ينس ملحم بركات القدوم السعيد للرئيس اميل لحود عام 1998 بعد تسع سنوات من حكم الرئيس الهراوي، وأراد أن يعبّر عن الفرحة على طريقته فغنى بألحانه من شعر صديق عمره نزار فرانسيس: <جيت بوقتك فرفح قلبي>. ولم ينس الرئيس لحود هذه البادرة من ملحم بركات، فتوجه في الأسبوع الماضي الى مستشفى <أوتيل ديو> للاطمئنان على صحة ملحم بركات، ولم يستشعر بأن الرجل الذي يمثل شعلة الموسيقى 
اللبنانية مقبل على الموت، لأنه كان يترك سريره ليجلس الى جانب السرير على كرسي.
رحل ملحم بركات عن واحد وسبعين عاماً، انتصر فيها للأغنية اللبنانية، كما فعل الأخوان عاصي ومنصور الرحباني، وقد كانت له كل ألحان المطرب الفنان أحمد دوغان في فيلمه السينمائي الوحيد <بلبل من لبنان>، إذ كان يقول: <لو ان أحمد دوغان كان ملحناً إضافة الى كونه مطرباً لكان يمثل خطراً علينا>!
وظهر الأحد الماضي أمّ الصلاة عن نفس ملحم بركات المتروبوليت الياس عودة في كنيسة مار نقولا للروم الأرثوذكس، وظهر بين الحضور الرئيس اميل لحود، ووزير الثقافة روني عريجي، ووزير التربية الياس بو صعب، والوزير السابق مروان شربل، والنائب الدكتور عاطف مجدلاني، ومن المطربين راغب علامة، وعاصي الحلاني، وصابر الرباعي، وغسان صليبا، ووليد توفيق بذراع مربوطة، وماجدة الرومي، ومي حريري، وهيام يونس، وكان للشاعر نزار فرانسيس في منبر الكنيسة قصيدة باللغة العامية لغة أغاني ملحم بركات فكان لها تأثيرها في المأتم المهيب.
وقد ظهرت مذيعات الأخبار في قنوات التلفزيون ظهر الأحد الماضي باللباس الأسود حداداً على رئيس جمهورية الطرب الراحل.
وقد غاب ملحم بركات عن مسرح الحياة ولكنه يظل في الذاكرة مشرئباً مع العمالقة!