تفاصيل الخبر

ملاحقة السياسيين في الأماكن العامة.. ”يلي استحوا ماتوا“!

21/02/2020
ملاحقة السياسيين في الأماكن العامة.. ”يلي استحوا ماتوا“!

ملاحقة السياسيين في الأماكن العامة.. ”يلي استحوا ماتوا“!

 

بقلم علي الحسيني

 

هي طريقة مستجدة لكنها ليست بجديدة بدأ يستخدمها اللبنانيون منذ فترة وجيزة للتضييق على السياسيين اللبنانيين الذين يعتبرونهم فاسدين ومُفسدين ومسؤولين عن إيصال الوضع المالي والاقتصادي الى ما هو عليه اليوم. انها ظاهرة ملاحقة السياسيين إلى المطاعم والأماكن العامة التي يرتادونها بهدف ازعاجهم وتوجيه الإهانات لهم عما اقترفته أياديهم من فساد وتقصير في إدارة شؤون البلاد. وأخر فصول هذه الاحتجاجات، مطاردة النائب في تكتل <لبنان القوي> التابع لـ<لتيار الوطني الحر> زياد اسود من قبل محتجين سرعان ما تحولت إلى إشكال كبير تكرر على مدى يومين متتاليين، كاد ان يتحول الى فتنة طائفية ومناطقية.

اسلوب جديد في لبنان <shaming public>!

طرد السياسيين من المطاعم والأماكن العامة والتسبب بإزعاجهم، اسلوب جديد باتت تعتمده مجموعة من الثوار في الآونة الاخيرة. لكن هذه الظاهرة ليست اختراعاً لبنانياً بل هي معروفة في بلدان كثيرة تحت اسم <شايمنغ بابلك> وقد لجأت اليها مجموعات للتعبير عن رفضها للسلطة السياسية الحاكمة، في حين أن تصوير عملية الطرد لهؤلاء السياسيين من الاماكن التي يرتادونها تحول الى عامل اساس للنشر على مواقع التواصل الاجتماعي تماماً كما سبق وحصل مع الرئيس فؤاد السنيورة ونائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي والوزير يوسف فنيانوس ورئيس الحزب <التقدمي الاشتراكي> النائب وليد جنبلاط وغيرهم. وبالطبع لن يكون النائب زياد أسود آخر المُلاحقين من الثوّار والذي تمت محاصرته الاسبوع الماضي داخل احد المطاعم مما أدى الى اعتداء مرافقي اسود على متظاهرين وضرب متظاهر من طرابلس، مطلقين سيلاً من الشتائم الطائفية والمذهبية، حيث قال أحد المرافقين للشاب الذي أجهش بالبكاء جراء الضرب: أنت من طرابلس فماذا تفعل في منطقة كسروان؟

وقد أثار الاعتداء على الشاب وليد رعد الذي غطّت الدماء وجهه نتيجة الضرب المبرح الذي تعرض له على يد مرافقي النائب، غضباً شعبياً واسعاً من قبل المتظاهرين وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. وقد اتهم المحتجون اسود بأنه نصب كميناً محكماً لهم بعدما نشر عضو المجلس السياسي في التيار الوطني الحر وليد أشقر على مواقع التواصل الاجتماعي صورة له برفقة أسود، مستدرجاً عن قصد عدداً من الناشطين بهدف الاعتداء عليهم. واللافت أنه كان سبق هذا الإشكال، إشكال آخر مع أسود حيث طارده محتجون في مطعم في منطقة جل الديب لكن أسود أصر على البقاء قبل أن ينضم اليه وزير الدفاع السابق النائب الياس بو صعب وعدد من نواب التيار الوطني الحر. وتوعد أسود المتظاهرين بالقول: لا تمزحوا معنا بعد اليوم

ولن نسكت.

 

أسود: كراماتنا ليست ممسحة!

صحيح أن النقد ضد أمر معين يأتي ضمن حق مكرس دستورياً ولكن شرط عدم التعرض للشخص بالقدح او الذم او التحقير. أمّا من الناحية القانونية فإن المشاركين بحملة ملاحقة السياسيين خصوصاً تلك التي تتضمن عبارات القدح والذم والتحقير في وسائل النشر العامة، معرضون للملاحقة القضائية في حال ادعى عليهم المتضرر أي السياسي. وذلك بحسب المادتين 383 و385 من قانون العقوبات اللبناني.

وفي تبريره لما حصل من اعتداء لمرافقيه بحق المتظاهرين يقول أسود: ليس نحن من يوجه لهم كلام حول الفساد وكرامتنا ليست ممسحة عند احد والثورة ليست حركات <زعرنة> ومسبات لنا ولآبائنا، فنحن لنا كراماتنا ولن نقبل ان يكون النموذج الذي نراه في الشارع هو المعمم. وقال: النموذج الذي يقدمونه للشعب اللبناني ساقط، هم اعتدوا علينا وعلى كرامتنا وعلى حريتنا الشخصية واتهمونا بالفساد وليس نحن من نتهم بالفساد لذلك عليهم ان يعرفوا حدودهم.

ولاحقاً تقدم اسود بإخبار وشكوى لدى النيابة العامة الاستئنافية ضدّ عدد من الثوار، عبر وكيله أنطون مارون عطالله. والثوار هم: الان واكد، وجدي العرجا، ربيع الزين، كارلوس زغيب، غسان بستاني، ميشال بستاني، شربل أنطون زغيب، روجيه ميشال عقيقي. وفي المقابل تداول مغردون نصّ الشكوى التي تقدّم بها أسود ضدّ الثوار، معلقين بالقول: ضربني وبكى سبقني واشتكى. وقال أحدهم: زياد أسود رفع دعوى على المتظاهرين الذين ضربهم وكسّر سياراتهم وسرق هواتفهم، وأضاف

آخر: بكرا بيتوقفوا الشباب وزعران زياد أسود يلي اعتدوا على العالم ما حدا بيدق فيهم. هيدا بلدنا.

 

ملاحقة السياسيين.. تابع!

زعيم الجبل وليد جنبلاط كان واحداً من الذين لحقت بهم <طرطوشة> الثوّار وذلك خلال وجوده في احد المطاعم في بيروت، وما أن علم المتظاهرون بمكان وجوده حتى توجهوا إلى المكان بسرعة البرق، لكن جنبلاط سرعان ما غادر المكان. لكن بعد مغادرته المطعم، اتصل جنبلاط بالمطعم طالباً الحديث مع أحد الثوار ليدعوهم لمحاورته في منزله، ولكن الثوار رفضوا <المفاوضة> لتمسكهم بمبدأ حرية التعبير في الأماكن العامة. وكذلك كان تعرض النائب سامي فتفت والنائب السابق إميل رحمة لموقف مماثل، إضافة إلى القيادي في التيار الوطني الحر جوزيف أبو فاضل ووزير الاقتصاد السابق رائد خوري الذين طردوا من أماكن عامة خلال الأيام الأخيرة.

ويبقى الجدل قائماً حول جدوى هذه الخطوة، ففيما يرى البعض أنها ناجحة، اذ يتجنب بعض السياسيين قصد الاماكن العامة، يرى البعض الاخر أن لا فائدة من التعرض للسياسي بالشخصي وأن المكان الصحيح لمحاسبة وملاحقة السياسي هو القضاء. في هذا السياق ترى احدى الناشطات أن هذه الطريقة هي الأنسب لإذلال أي سياسي فاسد ووضع السلطة في مكان كهذا لكي تستحي على نفسها لأننا في لبنان لم نتعود على محاسبة السياسيين بل العكس، لطالما رأينا أن السياسيين هم الذين يُحاسبون القضاة إما بنقلهم من مواقعهم أو بطردهم ترهيباً وترغيباً. وتضيف: السياسي في لبنان هو الذي أوصل نفسه الى مكانة لم يعد يتقبله فيها المجتمع، فعلى سبيل المثال كانت الناس تهرع الى السياسيين لإلتقاط الصور معهم، لكن اليوم نرى أن الآية انقلبت واصبح السياسي هو الذي يسترضي المواطن ويدعوه للحوار وهذا نتيجة كشف حقيقتهم.

تبدل أحوال السياسيين وتقارير تصفهم بالفاسدين!

دفعت هذه الظاهرة الجديدة المسؤولين اللبنانيين، سواء السابقين أو الحاليين، إلى اتخاذ تدابير أمنية إضافية، فبات من يتنقلون عادة من دون عناصر أمن، لا يغادرون من دونهم، أما الآخرون فعززوا من هذه العناصر، في حين ارتأت البقية ملازمة منازلها لتفادي أي إحراج قد يتسبب به الناشطون. وكشف نائب آخر من المستقلين، عن أنه فكر أكثر من مرة بالاستقالة من البرلمان للانضواء كلياً في صفوف الثورة والثوار، لكنه أعاد حساباته ليقينه بأنه من موقعه قادر على مساندة الثورة وتحقيق أكثر بكثير من الوجود خارج السلطة. وقال إن الناس في نهاية المطاف يجب أن يدققوا في مسيرة كل نائب وموقعه، وإذا ما كان ينتمي إلى أحزاب السلطة ومواقفه واتجاهات تصويته، والأهم تمييز أن من يوجد في مجلس النواب لا يمكن له الوصول للمال العام بخلاف الوزير، وبالتالي اتخاذ قرار مواجهته بعد ذلك كله.

من جهته نشر موقع <ميديا بار> الفرنسي تقريراً عن الوضع الاقتصادي في لبنان وعن مدى خطورته وتداعياته محملاً الطبقة السياسية في لبنان مسؤولية الاوضاع التي وصل اليها لبنان. وما هو ملفت للنظر ان معظم السياسيين اللبنانيين الذين يطالبون الحكومة اللبنانية بعدم دفع ما يتوجب عليها من استحقاقات وديون وفوائد خارجية، هم أنفسهم يرفضون منح الثقة لهذه الحكومة، ورافضين حتى إعطائها الفرصة للعمل، والملفت ايضاً ان معظم هؤلاء السياسيين متهمون من قبل الحراك المدني بالفساد وبتحويل أموالهم الى الخارج ومعظمهم استفاد من قروض مدعومة وتم تحويلها للخارج، وبعضهم أراد ان يركب موجة الحراك الشعبي الحاصل في لبنان، بالرغم من انهم يتقاضون الملايين من الدولارات كتعويضات عن خدماتهم النيابية او الوزارية السابقة، والمضحك ايضاً ان بعضهم يعيش في عالم المال والأعمال ويريدون ان يظهروا بمظهر المتضامن مع الفقراء في لبنان او بالأحرى الذين كانوا سبباً بافقاره وعوزه.

ويخلص التقرير الى ان الكيدية السياسية ما زالت تحتل المشهد السياسي في لبنان بالرغم من خطورة الوضع الاقتصادي، والفريق الذي حكم لبنان طويلاً هو نفسه يطالب رئيس الحكومة الجديد حسان دياب بعدم الالتزام بالمستحقات المتوجبة على لبنان، في محاولة لافشال بداية عمل الحكومة وإفقادها المصداقية اتجاه المجتمع الدولي والمالي الذي لا يمكن ان يتساهل بالتخلف عن الدفع، الأمر الذي سيضر بسمعة لبنان التي لطالما حافظ عليها بكل الظروف الصعبة والحروب التي مرت على بلاد الأرز.

 

الجهة المخوّلة محاسبة السياسيين!

لم تقم التظاهرات في لبنان فقط بمجرد اعلان وزير الاتصالات محمد شقير وضع ضريبة على تطبيق <الواتساب>، رغم الخطأ الفادح الذي ارتكبه الوزير بقراره هذا يومها، فالحقيقة ان الشعب اللبناني الذي يكتوي منذ سنين بنار الغلاء والضرائب وغياب الخدمات والاستشفاء والتعليم..، وصل إلى مكان لم يعد قادراً على تحمّل المزيد من الأعباء والقهر والذل، في وقت يتنعّم فيه المسؤولون اللبنانيون بالرفاهية والحياة الكريمة هم وأبناؤهم. من هنا جاءت المطالبات بمحاسبة الجميع على قاعدة <كلّن يعني كلّن> واستعادة الاموال المنهوبة كخطوة اساسية لإنقاذ لبنان من أزماته وإبعاد شبح الانهيار المالي والاقتصادي، وبما ان الوعود التي أطلقتها السلطة برأي الشعب الذي خرج للتعبير عن غضبه، هي مجرد كلام في الهواء وهو الذي خبر رجال السياسة لأعوام طويلة، راحت المطالب تتعاظم وتكبر إلى أن وصلت إلى المطلب الأساس <الشعب يُريد إسقاط النظام>. مطلب يُشبه تلك الصرخات التي صدحت في عواصم الدول العربية يوم اجتاحت ثورة <الربيع العربي> المنطقة، والسؤال هنا: من يُحاسب الفئة السياسية عن كل هذه الارتكابات؟

الثابت أن المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء يرأسه مجلس القضاء الأعلى وهو محكمة خاصة لرئيس الجمهورية، رئيس الوزراء والوزراء وهو المرجع الوحيد الذي يمكن ان يحاكمهم، بعكس النواب الذين يحاكمون في المحاكم العادية. في هذا السياق يؤكد مرجع دستوري وقانوني أن آلية عمل المجلس معقدة وتبدأ عند اتهام مجلس النواب لأحد الوزراء أو الرؤساء، ويلفت الى انه لم نشهد أي محاكمة انما محاولات قليلة وباءت بالفشل.

ويوضح ان الجرائم التي يبحث فيها المجلس تختلف فيما بينها، فبالنسبة الى رئيس الجمهورية فيُحاكم بتهمتي خرق الدستور أو الخيانة العظمى، اما الوزراء فتهمهم تختلف ومنها الاخلال بواجباتهم، كما يحاكم الوزير بجرائم محددة بقانون العقوبات كالفساد والرشوة واستغلال السلطة. ويؤكد أنه لم يحاكم أي أحد في أي مرة، وذلك لأسباب سياسية ولأن هذا المجلس ليس قضائيّاً فقط بل مختلط، وطالما هو مسيّس فلا بد ان نلاحظ ان الكتل في مجلس النواب تحمي الافرقاء التابعين لها من الملاحقة من قبل هذا المجلس، مشيراً الى انّه مسيس لأنه مرتبط بالأكثرية البرلمانية وكل فريق يحمي فريقه السياسي، ومجلس النواب هو جسم سياسي ليس لديه حياد.

 من جهة أخرى يعتبر البعض في لبنان أن هذا المجلس هو كالشهداء الأحياء <عايش بس مش موجود>، ويؤكد هذ البعض ان آلية الاحالة في المجلس صعبة جدا، فهي تحتاج الى ثلثي النواب لتحيل المتهم الى المحاكمة. ويتساءل هؤلاء: كيف سنحارب الفساد اذا لا يمكن محاسبة وزير او رئيس؟، مشيرين الى ان ارتكاب المخالفات وهدر المال العام لا يصح أبداً، فالرئيس أو الوزير يرتكب المخالفات وهو متّكل على انه لن يتمّ جمع ثلثي النواب ضده، وهذا ما يشجع على الفساد سواء للوزراء أو النواب ويتم حمايتهم بالقانون، فالوزير أو النائب يرتكبون الفظائع فقط لأنهم محميون.