تفاصيل الخبر

مـخاطــــر استـهـــلاك الأدويــــة الـمـهـدئـــــــة للأعـصـــــــاب!

16/06/2017
مـخاطــــر استـهـــلاك الأدويــــة الـمـهـدئـــــــة للأعـصـــــــاب!

مـخاطــــر استـهـــلاك الأدويــــة الـمـهـدئـــــــة للأعـصـــــــاب!

 

بقلم وردية بطرس

الدكتورة-ديالا-نجار----1

أكدت دراسة علمية أوروبية حديثة ان الأدوية المهدئة للاعصاب هي الأكثر مبيعاً على الصعيد العالمي، علماً ان شراء الأدوية المهدئة ممنوع في العديد من الدول من دون وصفة طبية، غير ان قلة من البلدان تلزم صيدلياتها بهذا القانون، ما يجعل التناول العشوائي للمهدئات ظاهرة شائعة بقوة في جميع دول العالم.

وعادة تُوصف الحبوب المهدئة لاخماد القلق لكنها قابلة للادمان، ويعاني آلاف البشر الذين تعاطوها لمدة طويلة آثاراً جسمانية ونفسية مدمرة.

ويقول الخبراء ان العقاقير المهدئة والمنومة يفترض ألا توصف الا في الحالات الحادة وللاستخدام على المدى الزمني القصير لمدة تصل الى اسبوعين، وهذا بسبب مخاطر معاودة او ارتداد الأرق حيث يبدأ الدماغ في الاعتياد وعدم التأثر بالعقاقير، وبذلك تبدأ معاناة المريض مع عدم النوم مرة أخرى، ويصبح بحاجة الى زيادة الجرعات لكي يتمكن من النوم.

وكان أطباء ألمان قد حذروا من ان بعض الأدوية يمكن ان تسبب الادمان ولاسيما الأدوية التي تستخدم في علاج الأمراض النفسية واضطرابات النوم والقلق، ونصحوا المرضى بضرورة قراءة النشرة المرفقة مع الأدوية. ويؤكد خبير ادمان الأدوية في <المركز الالماني لأبحاث الادمان> <روديغر هولتسباخ> على أهمية استفسار المرضى من الطبيب المعالج عن طبيعة الآثار الجانبية للأدوية الموصوفة لهم، لأنه دائماً ما يواجه المرضى خطر ادمان الأدوية، لاسيما عند تناول النوعية التي يظهر تأثيرها النفسي على نحو سريع، ويطلب <هولتسباخ> من الطبيب والمريض ان يتساءلا مباشرة اذا ما شكا المريض من بعض العوارض مثل اضطرابات النوم والمخاوف مثلاً، عما اذا كانت الأدوية وحدها تكفي في التخلص من هذه الاضطرابات. وعلى الرغم من ان هذه الأدوية تكفي أحياناً في علاج مثل هذه الاضطرابات بالفعل، فان غالبية الاضطرابات النفسية تستلزم تغيير أوضاع الحياة المتسببة في حدوث مثل هذه الاضطرابات من الأساس لكي تتحسن حالة المريض على نحو جيد. ويؤكد الخبير الالماني انه من الأفضل التفكير في وسيلة أخرى تساعد على الحد من هذه الاضطرابات مثل التوجه للعلاج النفسي رغم بعض الموانع الاجتماعية التي تحول دون اللجوء لهذا الحل، وانتقد رغبة بعض المرضى باللجوء للأدوية والاكثار منها لتفادي اللجوء الى معالج نفسي لمناقشة مشاكل حياتهم الشخصية معه. وان جسم الانسان يعتاد على الأدوية النفسية بشكل سريع، كما ان تأثير هذه الأدوية في تهدئة الأعصاب والتقليل من الشعور بالخوف يتلاشى مع كثرة استخدامها، وتظهر العوارض القديمة من جديد بعد مرور بضعة أسابيع من تناولها. واذا توقف المريض عن تناول هذه الأدوية، فغالباً ما يقوم الجسم باستجابات مضادة تجاه ذلك حيث تزداد شدة العوارض على نحو أقوى من ذي قبل، ومن ثم يضطر المريض لتناول الأدوية من جديد، وهذا يؤدي الى الاستمرار في تناول الأدوية لفترات زمنية طويلة. وأوضح الخبير الألماني ان الأمر لا يتطور الى الاصابة بادمان حقيقي سوى لدى جزء ضئيل جداً من المرضى الذين يزداد احتياجهم دائماً الى جرعات أكبر من الدواء، وانه لا يتم اكتشاف الادمان في أغلب حالات المرضى الذين يتناولون الأدوية لفترات طويلة، لان الطبيب لا يرى ان هناك مشكلة نظراً لالتزام المريض بالجرعة المحددة وعدم زيادتها، كما ان التغيرات التي تطرأ تدريجياً على المرضى مثل فقدان الدافعية وتدهور الكفاءة الجسدية وضعف التركيز، لا يتم النظر اليها في الغالب باعتبارها آثاراً جانبية للأدوية، وانما ظواهر طبيعية مصاحبة للتقدم في العمر.

أما عندنا في لبنان فنسمع كثيراً عن أسماء أدوية مهدئة أصبحت مألوفة على الاذن اذ يتم تداولها بين الناس ويصفها الأشخاص أحدهم للآخر من دون استشارة طبية. وبالتزامن مع تدهور الوضع الاجتماعي والمعيشي بات شائعاً سماع مقولة: <استهلاك المهدئات في ارتفاع>.

وبحسب الأطباء ان مضادات الكآبة هي علاج وليست مثل المهدئات التي يستطيع ان يأخذها المريض عندما يشعر انه في حالة قلق او <تعصيب>. وكانت دراسة قد أجريت في العام 2005 بينت ان 25 بالمئة من اللبنانيين يعانون من مشاكل نفسية، و10 بالمئة منهم يتحدثون عن مشاكلهم أمام أحد الأشخاص، و5 بالمئة من الـ10 بالمئة يزورون طبيباً نفسياً. علماً، ان اللبنانيين الذين يتناولون المهدئات من تلقاء أنفسهم يمثلون ظاهرة في المجتمع اللبناني، وهم يقومون بذلك خوفاً من زيارة الطبيب. ويمكن القول انه لا أرقام تؤكد او تنفي صحة ما يُشاع عن ازدياد في استهلاك اللبنانيين للمهدئات، لكن الاستناد الى آراء المتخصصين يبين ان الضغوطات الأمنية والاجتماعية تشكل سبباً أساسياً لتناول المهدئات، وان وجود اللاجئين السوريين أدى الى زيادة في الاستهلاك في الأسواق اللبنانية. ويمكن القول ان أدوية الأعصاب أصبحت ملاذاً لبعض اللبنانيين تساعدهم على الشعور بالراحة والاسترخاء لينسوا همومهم ومشاكلهم اليومية التي تلعب اخفاقات الدولة اللبنانية دوراً كبيراً في تطويرها وتعقيدها.

 

الدكتـــورة ديـــالا نجـــار والحاجة لتناول

 الأدويــــــة المهدئـــة للأعصاب

فبأية حالة ينصح الطبيب بتناول الادوية المهدئة للاعصاب؟ وهل يتم الادمان على هذه الأدوية ولماذا؟ ولماذا ازداد استهلاك اللبنانيين لهذه الادوية؟ وغيرها من الاسئلة طرحتها <الافكار> على الدكتورة ديالا فيصل نجار الحائزة دكتوراة في العلاج النفسي، والمجازة من <البورد> الاميركي (علاج الفرد، الطفل، العائلة والزوجين) والتي درست علم النفس في الجامعة الاميركية في بيروت، ثم انتقلت الى الولايات المتحدة واكملت دراساتها العليا حيث حازت الماجستير في علم النفس من جامعة <بوسطن> وايضاً دكتوراة في علم النفس من جامعة <كاليفورنيا> في <لوس انجلوس>، ثم عادت الى لبنان في العام 2004 حيث عملت لمدة ثلاث سنوات في مجال علم النفس العيادي في مستشفى الجامعة الاميركية، واليوم لديها عيادة خاصة داخل مركز الاطباء مقابل الجامعة، وسألناها بداية:

ــ متى يحتاج الشخص لتناول الأدوية المهدئة للاعصاب؟

- تُوصف هذه الادوية عند الاصابة بأمراض القلق، وهناك الكثير من امراض القلق: القلق المستمر، والقلق الحاد، كما توصف هذه الادوية في حالة الهلع، وايضاً اذا كانت هناك نوبة بسبب تعرض احد المقربين من الشخص لحادث مروع او في حالة الموت او اعتداء ما او اغتصاب وما شابه... من جهتنا كاطباء علم النفس العيادي لا نحبذ ان نصف الادوية المهدئة للاعصاب لاكثر من اسبوعين او ثلاثة حتى لو كانت هناك حالة موت او اغتصاب او فاجعة او تعرض الشخص لانفجار وغيرها من الحوادث التي تسبب حالة من الهلع والنوبة، لان الشخص قد يأخذ الادوية لاسابيع عدة ليتحول في ما بعد الى مدمن نظراً لزيادة الجرعات من تلقاء نفسه لانه يصبح مدمناً عليها، وبالتالي كلما اخذ هذه الادوية لوقت اطول وبجرعات اكبر يدمن عليها، ومع مرور الوقت يأخذ هذه الادوية كمخدر اكثر من كونها ادوية مهدئة للاعصاب.

Antidepressant-use-falls-in-Medicare-donut-hole_371858_large------2ــ وماذا عن الأدوية التي تُوصف بحالة الاكتئاب؟

- هناك ادوية نصفها للاشخاص الذين يعانون من الاكتئاب، وهذا النوع من الادوية لا يسبب الادمان عليها كما يحصل بالنسبة للادوية المهدئة للاعصاب، وهناك نوع معروف من الادوية التي نصفها بحالة الاكتئاب، وايضاً هناك ادوية لمعالجة القلق وحالات الهلع، ويفضل في العلاج النفسي استخدام تقنيات الاسترخاء حيث نعلّم المريض كيف يتنفس بطريقة تساعده على التخلص من السموم داخل جسم الانسان، واجمالاً هناك عدد من التقنيات للاسترخاء من خلال التنفس العميق بطريقة محددة، وأيضاً الاسترخاء الذهني مهم جداً لانه يزيل القلق ويساعد المريض اذا كان يعاني من الهلع. والاسترخاء يزيل التوتر النفسي، ويزيد النشاط والانتاج، ويحسن التركيز والذاكرة، ويقلل الارق والتعب. ويجب التنويه هنا الى انه عندما يعتني الانسان بجسمه ويحاول ان يجنبه الاصابة بالامراض يساعد نفسه اكثر لئلا يصاب بمرض نفسي، إذ عندما يحافظ الانسان على صحته الجسدية يحمي الجانب النفسي لديه ايضاً، فمثلاً الشخص الذي يهتم بجسده من حيث اجراء التمارين الرياضية او ممارسة اليوغا والاسترخاء، ويتناول الطعام بشكل منتظم، وينام بشكل منتظم، فذلك يكون أفضل لان وسائل الاسترخاء هذه تساعده كثيراً في التخلص من القلق والهلع.

ــ وكأطباء نفس، بأية حالة لا تنصحون بتناول الادوية المهدئة للاعصاب؟

- لا ننصح الشخص بتناول الادوية المهدئة للاعصاب اذا كان هناك تاريخ ادمان لديه او ضمن عائلته لان استعداده للادمان على هذه الادوية يكون اكثر من غيره. واذا أردنا التحدث هنا عن الشعب اللبناني، فيمكن القول ان اللبنانيين بدأوا باستهلاك الادوية المهدئة للاعصاب في السبعينات حتى بدون وصفة طبية، ولا يزالون يتناولونها لانهم يشعرون بالضغط النفسي نظراً للظروف القاسية والصعبة التي مروا بها خلال الحروب التي عاشها لبنان. وفي الآونة الأخيرة بدأ اللبنانيون يأخذون أدوية لمعالجة الاكتئاب، وبالتالي الجيل الذي عايش الحرب والذي كان في سن العشرينات والثلاثينات نراه اليوم الاكثر استهلاكاً للادوية المهدئة للاعصاب لانهم اعتادوا على الامر منذ سنوات طويلة جداً، وبالتالي ان ابن العشرين الذي عايش الحرب آنذاك فاليوم وهو ابن الخمسين لا يزال يستهلك تلك الادوية لانه اعتاد على اخذها وكانه امر عادي.

 

الادمان على تناول الادوية المهدئة للاعصاب

ــ وهل تؤثر الأدوية المهدئة للاعصاب على المريض عندما يصبح مدمناً عليها؟

- يؤثر ذلك على الشخص الذي يصبح مدمناً على هذه الأدوية، اذ يخف انتاجه في العمل ونشاطه اليومي، ويشعر بانه لا يقدر ان يقوم بأي شيء لانه يكون مخدراً ولا يشعر بالحيوية. واذا توقف المريض عن تناول هذه الأدوية يصعب الأمر عليه كثيراً ولن يجد البديل، لهذا يعاني في ما بعد من مشاكل نفسية، كما انه يفقد الوعي والسيطرة على نفسه، ويخف التركيز، ولا يشعر بالألم لانه يفقد الشعور بالسعادة او الحزن. ولا ننسى ان هذه الأمور تؤثر على حياته الاجتماعية اذ يتحول الى شخص منطوٍ على نفسه، ويكون شارد الذهن وكأنه غير حاضر بين أفراد عائلته او اصدقائه. ولكن يجب الاشارة هنا الى انه أحياناً قد تبدو تصرفات الشخص الذي يتناول الأدوية المهدئة للاعصاب طبيعية، ولكن عندما يصبح مدمناً يبدأ الناس بملاحظة الخلل، فالبعض قد يمتنع عن تناول الطعام، والبعض قد يفرط في تناول الطعام، وفي هاتين الحالتين قد يزداد وزنه او ينقص، وأيضاً لا ينام بشكل طبيعي، وعدم النوم يؤثر على الشخص سلباً خصوصاً عندما يعجز عن النوم ما لم يتناول هذه الأدوية.

ــ ما هي المدة او الفترة الزمنية التي يتحول فيها الشخص الى مدمن على تناول الادوية المهدئة للاعصاب؟

- تجدر الاشارة الى انه اذا تناول الشخص الادوية المهدئة للاعصاب لبضعة اسابيع يدمن عليها بسرعة، اذ ان الطبيب يصف له ان يتناول حبة او نصف حبة منها يومياً عند الحاجة، ولكن ما ان يبدأ بزيادة الجرعة يومياً يصبح مدمناً عليها بفترة قصيرة، وعندئذ سيحتاج اليها بشكل يومي ولا يقدر ان يمنع نفسه من تناولها، وعند ذلك يصبح مدمناً على تلك الأدوية.

 

المرأة تستهلك الادوية المهدئة أكثر من الرجل

ــ هل يظهر تأثير الأدوية المهدئة للأعصاب على المرأة أكثر من الرجل او بالعكس؟

- على ما يبدو ان المرأة وخصوصاً في لبنان تلجأ الى الادوية المهدئة للاعصاب اكثر من الرجل لاسيما في سنوات الحروب التي مرت في البلاد... وأيضاً بسبب المسؤوليات التي تقع على عاتق المرأة من حيث الاهتمام بالأولاد وتربيتهم ما يجعلها بحاجة لاستهلاك هذه الادوية اكثر من الرجل الذي يمضي الوقت خارج المنزل لساعات طويلة. وما اقوله ليس افتراضاً فالمرأة اللبنانية التي عاشت في اجواء الخوف والقلق من الحروب وما قد يؤثر ذلك على اولادها ومستقبلهم ومصيرهم في بلد مر بظروف قاسية، ترينها اكثر قلقاً وخوفاً مما يدفعها لتناول هذه الادوية للتخلص من القلق والهلع، اما الرجل فقد يشرب كأساً من الكحول بعد نهار شاق ومتعب وهو يعلم بان لا أحد سيمنعه او يلومه او ينتقده وذلك ليتخلص من التعب والارهاق الذي شعر به على مدار اليوم. اذاً الرجل اقل استهلاكاً للادوية المهدئة للاعصاب ولكنه يلجأ الى الكحول اكثر، اما الشباب فيلجأون الى المخدرات اكثر من هذه الادوية.

ــ وماذا عن الشباب؟

- الشباب في يومنا هذا لا يلجأ الى الأدوية المهدئة للأعصاب كما في الماضي، لكنه يلجأ الى المخدرات خصوصاً في مرحلة المراهقة اذ عادة تبدأ هذه الأمور بين الأصدقاء المراهقين اذ يشجع الواحد الآخر على هذه التجربة، وعندئذ اما يتحول المراهق الى مدمن واما تبقى مجرد تجربة عابرة قام بها من باب الاختبار والتسلية ليس الا، كما ان الوضع الأمني والاقتصادي والمعيشي الصعب في لبنان قد يدفع الناس الى استهلاك الأدوية المهدئة للأعصاب. ويجب التذكير هنا الى انه في لبنان ليس صعباً على اي شخص ان يحصل على هذه الأدوية بدون وصفة طبية كما يحدث في أوروبا وأميركا، كما انه في لبنان ليس هناك قانون يمنع الشخص من تناول هذه الأدوية ومن ثم قيادة السيارة وهو تحت مفعول او تأثير هذه الأدوية، ما يشكل خطورة على حياة الشخص ويعرضه لمخاطر.

ــ وبرأيك لماذا اللبنانيون هم من أكثر الشعوب استهلاكاً للأدوية المهدئة للأعصاب وفقاً لبعض التقارير الصحية؟

- لا يمكن القول ان اللبنانيين هم اكثر الشعوب استهلاكاً لهذه الادوية لان الاميركيين يستهلكون هذه الادوية بشكل اكبر، ولكن يمكن القول بأن اللبنانيين هم من بين الشعوب الاكثر استهلاكاً لهذه الادوية، ولكن يجب الفصل بين الادوية المهدئة للاعصاب والادوية التي تستهلك في اميركا والتي وصلت الينا في لبنان الا وهي الادوية المسكنة للاوجاع، فمثلاً اذا خضع المريض لعملية جراحية ما يتم وصف دواء له لتخفيف الوجع، ولكنه قد يدمن عليه بعد وقت قصير ولا يعود يكفيه ان يأخذ قرصاً من تلك الادوية بل يستهلك كمية اكبر مما يتوجب عليه اخذها.