تفاصيل الخبر

مخاطر المواجهة بين "التيار" و"القوات" تتفاقم بعد سقوط "تفاهم معراب"!

23/09/2020
مخاطر المواجهة بين "التيار" و"القوات" تتفاقم بعد سقوط "تفاهم معراب"!

مخاطر المواجهة بين "التيار" و"القوات" تتفاقم بعد سقوط "تفاهم معراب"!

[caption id="attachment_81310" align="alignleft" width="376"] النائب جبران باسيل والدكتور سمير جعجع ومسؤولية "ضبضبة" الشارع المسيحي[/caption]

  ما حصل ليل 14 ايلول (سبتمبر)، ذكرى استشهاد الرئيس الشهيد بشير الجميل، امام مقر "التيار الوطني الحر" في منطقة ميرنا الشالوحي في سن الفيل، لم يكن مجرد "عراضة " قامت بها القوات اللبنانية احياء للذكرى، بل كان اشارة واضحة الى ان العلاقة بين "التيار" و"القوات" وصلت الى نقطة اللارجوع، وأن ما جمع بين الحزبين الاقويين على الساحة المسيحية، في ما عرف بــ "تفاهم معراب" صار من الماضي، بكل مفاعيله الى درجة ان رئيس "التيار" النائب جبران باسيل غدا بالنسبة الى رئيس "القوات" الدكتور سمير جعجع، الخصم الرقم واحد في الحياة السياسية اللبنانية خلافاً لما كان تتوقعه قاعدة الحزبين من ان يحصل التكامل بين "القوات" و "التيار" على الساحة المسيحية كي تبقى هذه الساحة قوية لان التاريخ الحديث اظهر ان الفراق بين هاتين المجموعتين حصيلته الثابتة ضعف الحضور المسيحي وتراجع الدور الذي يمكن ان يلعبه هذا المكون في حياة لبنان.

 ظاهر الامور مسيرة سيارة تحمل اعلام "القوات اللبنانية" توقفت امام مركز "التيار" وترجل منها شبان هتفوا ضد النائب باسيل و"التيار"، ولم يكن امام المركز الا عدد قليل من الحراس اطلقوا النار ارهاباً في الفضاء بعدما ظنوا ان "القواتيين" يريدون اقتحام مركز "التيار".... وما كان هؤلاء ليظنوا بأن شباب "القوات" يريدون الدخول الى مقر "التيار" لولا ان الشحن بين الطرفين وصل الى منسوب مرتفع لم تعد تنفع فيه بيانات التهدئة والكلام "الجميل" عن الاخوة وابناء الصف الواحد، وغيره من العبارات التي لم تعد بضاعة رائجة في صفوف الحزبيين من الطرفين. الا ان تدخل الجيش بعد وقت غير قصير، حال دون تفاقم الوضع وحصول مواجهة كانت حتمية، فانكفأ "القواتيون" بعد انتهاء العرض غير المبرر الذي قاموا به، فعاد الهدوء الى المنطقة وتوقفت المواجهة المحتملة من دون ان يعني ذلك انها قد لا تتكرر في اي لحظة!.

إحياء هواجس المسيحيين

والمؤلم في ما حصل، ليس توتير الأجواء بين مناصري "القوات" و"التيار" فحسب، بل احياء هواجس المسيحيين من توتر الشارع في ظل معلومات تفيد ان استمرار الحملات المتبادلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، سوف يجعل خطر تجدد الاشكالات قائماً في اي لحظة، لاسيما وان تبادل الشتائم الذي رافق "عراضة" سن الفيل والرشق بالحجارة شكلا مادة "ملتهبة" قد تنفجر في اي لحظة اذا لم يدرك العقلاء في الحزبين ضرورة استذكار ما ورد في " تفاهم معراب" من مواقف والتزامات وعهود والعمل على ابقائها حية في نفوس المناصرين، وان وقع الخلاف في السياسة. ذلك ان "تفاهم معراب" كرس المصالحة المسيحية التي انهت سنوات من الخلافات والتناحر والتضارب الفكري والعقائدي واسقاط كل هذه الايجابيات يعني عمليات العودة الى الماضي بكل وجوهه السوداء في تاريخ العلاقات بين الطرفين منذ ما عرف بــ "حرب الالغاء" التي انهكت الشارع المسيحي وافرزت واقعاً سرعان ما تم استغلاله ليولد بعد ذلك اتفاق الطائف الذي قيل يوم ولادته بانه "كسر" المسيحيين، فتراجع دورهم وحضورهم وقدرتهم على التفاعل على داخل المجتمع اللبناني. ذلك ان زعيم "التيار" العماد ميشال عون نُفي طوعاً الى باريس لمدة 15 سنة، وزعيم "القوات" ادخل السجن وبقي فيه 11 عاماً. وفي العام 2005 عاد "الجنرال" الى لبنان بتسوية سياسية ليحدث "تسونامي" في الانتخابات النيابية، وافرج عن جعجع بقانون عفو تزامل فيه مع مجموعات من الاسلاميين بينهم من قاتل الجيش في جرود الضنية ليلة رأس السنة في العام 2000.

 في اي حال، واذا كانت المواجهة لم تحصل في ذكرى الرئيس الشهيد بشير الجميل بعد نجاح الجيش في لجم الاستنفار على الارض، فإن الجبهات بقيت مفتوحة بين الفريقين المسيحيين عبر منصات التواصل الاجتماعي، ولم يبذل احد من الطرفين اي جهد لوقف التراشق الكلامي الذي يصبح في وقت من الاوقات اشد فتكاً من التراشق بالحجارة او النار... وطبيعي مع استمرار هذا الجو المتوتر ان يتبادل الطـــرفان الاتهــــامات، فيقول "التيار" ان "القوات" تدفع بالامور نحو التصعيد في وقت يبذل فيه الزعيم المؤسس لــ "التيار"، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اقصى جهوده لتشكيل حكومة جديدة وانقاذ البلاد من الازمات ولملمة اثار انفجار مرفأ بيروت، ومن خلال الاصرار على "الاستفزازات" وشتم رئيس الجمهورية ورئيس "التيار" يزداد الاحتقـــان ما يأخذ البلاد الى مزيد من التوتر خصوصاً ان "التيار" لم يسير يوماً مسيرات باتجاه معراب ولا استفز "القواتيين" امـــام مركزهم في البلـــدات والقرى المتداخـــلة.

 ويصر "التيار" على القول إن مناصريه يلتزمون رغم كل شيء مفاهيم المصالحة التي ابرمت في تفاهم "معراب" ولن يسمح بتخريبها وتحميل المسيحيين مجددا تبعات اي تفجير امني. في المقابل يقول "القواتيون" ان "الاحتكاكات المتصاعدة" سببها ان النائب باسيل "بات مأزوماً سياسياً ويحاول الخروج من تحالفه مع حزب الله والتنصل من العقوبات الاميركية لذلك فهو مضطر الى فتح جبهات في كل الاتجاهات ويعمل على احياء ادبيات حرب الالغاء. الا انه مهما كانت حدة الاحتقان لا مبرر لشباب "التيار" حمل السلاح واطلاق النار ونحن لن نسمح بصدامات تقود الامور الى ما لا تحمد عقباه، لكننا لسنا ملائكة كي نستطيع لجم اي تحرك بكبسة زر"!.

سقوط "تفاهم معراب"

 ويبدو واضحاً من مواقف الطرفين، وجود مقاربتين مختلفتين حيال فهم معاني "تفاهم معراب"، ذلك ان "القوات" تعتبر انها من خلال هذا التفاهم اوصلت "الجنرال" عون الى رئاسة الجمهورية بهدف تحقيق حلم اللبنـــانيين بالاستقرار والعمــــل على "لبننة" حزب الله، لكنه انتقل سريعاً الى تطبيق سياسة صهره النائب باسيل وطموحه بخلافة عمه في قصر بعبدا. في المقابل تقرأ مصادر "التيار" بنود "تفاهم معراب" على اساس انها اتت لمصلحة المسيحيين الذين انهكتهم الحروب في ما بينهم واتى "التفاهم" لطي صفحة الماضي الى غير رجعة. ويهمس مصدر "تياري" ان جعجع ما كان ليؤيد "الجنرال" في انتخابات الرئاسة لو توافرت له ضمانات بأن رئيس "المردة " سليمان فرنجية لن يكون هو البديل.... اما وان الرياح كانت تتجه صوب الشمال رئاسياً، فوجد جعجع ان مصلحته قطع الطريق على فرنجية من خلال التصويت لعون، وهذا ما حصل. لذلك يقول المصدر في "التيار" ان من مصلحة الطرفين "الضبضبة" واحتواء الوضع، وان ضبط الشارع يبقى مسؤولية الطرفين وليس طرف واحد، لافتاً الى ان "القواتيين" الذين استغــلوا ذكرى بشير الجميل لــ "مهاجمة" مقر "التيار"، نسوا ان غالبية مؤيدي "التيار" تخرجوا من مدرسة بشير الجميل ويؤمنون بنهجه ومشروعه!.

 في اي حال، ما حصل بين "القوات" و"التيار" ترك انعكاسات سلبية لدى المسيحيين الذين "قرفوا" من الخلافات داخل احزابهم الكبرى خصوصاً ان الوضع لم يعد مقبولاً فهم اعادوهم الى المربع الاول، والى سنوات جهدوا من اجل نسيانها، خصوصاً اهل الشهداء الذين سقطوا من دون اي هدف، لأن ابناءهم لم يستشهدوا بسبب قضية وطنية بل من اجل المصالح الخاصة، والطرفان اظهرا الحقد الدفين هذه المرة بصورة علنية فاضحة، من خلال اعادة التذكير بعبارات الحرب الاليمة. اما عبارة "اوعى خيك" ومدى واقعيتها اليوم بعد كل الذي جرى فلم تكن واقعية في اي مرة، لأن النتائج تؤكد بأن مصلحة الفريقين حين شربا الشمبانيا كانت خاصة ولم تكن عامة، او لمصلحة لبنان والمسيحيين اولاً، لافتة الى ان الاحتقان موجود بقوة، لأن مسؤولي الطرفين ولعوا الشارع بتصريحاتهم، والدليل ما نشهده من سباب وشتائم وحقد وضغينة على مواقع  التواصل الاجتماعي بين مناصري الطرفين، وولعت من جديد بعد تقديم الدعوى ضد القوات ورئيسها من قبل "التيار" فضلاً عن تراشق كلامي خطير بين نوابهم على "تويتر" واصفة ذلك بحرب الاخوة التي قضت قبل 30 عاماً على المسيحيين، الذين استبشروا خيراً لكن احباطهم اليوم لا يوصف، لأنه وصل الى درجة القول "ارحمونا" لاننا لم نعد نقوى على تحمل اخطائكم، فعندما قمتم بحرب الغاء تجاه بعضكم نحن من تحمل النتائج، وعندما شربتم كأس المصالحة كان علينا السير بخطتكم، واليوم عدتم الى الشجار وعلينا ان ندفع الثمن، الى درجة ان الساحة المسيحية لم تعد ترضى بالطرفين، لانها رافضة لكل هذا التناحر العبثي. وشعار "اوعى خيك" لم يعد ينفع لانه سقط سقوطاً مدوياً، وهو قام على ركيزتين اولها انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وثانيها على تقاسم الحصص المسيحية مناصفة، فقضى على آخر معالم الاحزاب المسيحية الاخرى التي باتت غير موجودة اليوم، لأن "القوات" و"التيار" هما الحزبان الوحيدان على الساحة المسيحية، والمطلوب اعادة ترميم  كبيرة من قبل الفريقين، رحمة بالمسيحيين التواقين الى السلام، والعيش بكرامة في هذا الوطن المشلع بفضل اغلبية سياسييه، كما المطلوب وبسرعة قصوى ايجاد عاقل قادر على ازالة الاحتقان القواتي - العوني من الشارع، الذي سيترجم قريباً في الجامعات عبر خلافات بين الطلاب قد تتطور الى ما لا تحمد عقباه.

ودعت مصادر مسيحية سيد بكركي البطريرك بشارة الراعي الى توحيد كلمة المسيحيين في الملفات المصيرية، التي من شأنها ازالة الاخطار المحدقة بلبنان، وهو مدرك تماماً لحجمها، ورأت بأن الخلافات المتجذرة بين "التيار" و "القوات" ستجعل مهمة الراعي شاقة جداً هذه المرة، اي مصالحة حقيقية وجدية، والمطلوب تأمين مناخ داخلي يتيح تأمين هذا التوافق بسرعة، لأن الازمات المتتالية لها بُعد خطر كثيراً على المسيحيين!.