بقلم صبحي منذر ياغي
يشهد مخيم عين الحلوة في لبنان توتراً وحالة من الحذر والاستنفار بين الفصائل المسلحة نتيجة اغتيال قائد «كتيبة شهداء شاتيلا» في حركة <فتح> العقيد طلال بلاونة، الملقب بـ(الأردني) على أيدي مجموعتين من تنظيم <جند الشام>: الاولى يقودها بلال ضرار بدر، والثانية يقودها ساري حجير، كما تؤكد مصادر في حركة <فتح> اغتيال طلال الاردني، سبقته عدة احداث ومظاهر امنية داخل المخيم، ما ينذر بحصول الاسوأ في هذا المخيم الذي يعتبر <عاصمة الشتات الفلسطيني>، والذي بات موضع متابعة واهتمام من قبل الاجهزة الامنية والسفارات العالمية.
وإذا كانت حركة <فتح> قد اتهمت جماعة <جند الشام> باغتيال طلال الاردني، فإن قائد القوة الأمنية اللواء منير المقدح لم يؤكد ذلك وقال إن «منفذي الاغتيال كانوا يرتدون خوذات تغطي جزءاً من وجوههم ولم يُعتقل أحد حتى اللحظة. وفي حال ثبوت الأدلة بحق أي شخص سيتم رفع الغطاء عنه واعتقاله فوراً، وتسليمه إلى القوى اللبنانية لمحاكمته وان <منفّذي الهجوم هم من داخل المخيم لأنه من الصعب لأي شخص من الخارج أن يدخله أو يخرج منه الا بعد المرور على نقاط التفتيش التابعة لقوات الأمن الوطني الفلسطيني>.
قائد <الكفاح المسلح الفلسطيني>السابق في لبنان العميد محمود عيسى <اللينو> اعتبر ان اغتيال طلال الاردني هو بمنزلة رسالة موجهة له، لذا فهو ابلغ عائلة الاردني أنه لن يقبل إلا برأس بلال بدر، وأن رده سيكون قاسياً. ولذلك فقد اكدت مصادرعن حشود عسكرية لمجموعات من حركة <فتح> في مخيم عين الحلوة، وانتشار سري لخلايا اخرى من مجموعات اللينو، بانتظار تطبيق خطة امنية خاطفة تقضي باغتيال بلال بدر او خطفه مع عدد من المسؤولين عن الخلايا التكفيرية في عين الحلوة.
وأكدت المصادر الامنية الخاصة لـ<الافكار> أن مجموعات <جند الشام> و<فتح الاسلام> و<الشباب المسلم>، و<القاعدة> هي ايضاً اعلنت استنفارها واستعدادها لمواجهة اي اعتداء عليها من قبل <فتح>. ويقوم بلال بدر، وأسامة الشهابي، والشيخ جمال حمد، بالإشراف على توزيع هذه الخلايا والمجموعات في ظل عدم تنسيق مع تنظيم <عصبة الانصار> رغم وقوف هذا التنظيم ضمناً الى جانب الجماعات والخلايا الاسلامية، دون ان ينجر الى مواجهات ميدانية.
لماذا طلال الاردني؟
مصادر من داخل التنظيمات الاصولية في مخيم عين الحلوة اعتبرت ان اغتيال طلال الاردني جاء نتيجة معلومات عن تحضيره لتولي قيادة الامن الوطني الفلسطيني، لمواجهة التنظيمات والخلايا الاسلامية، والقيام باغتيال بعض رموز هذه التنظيمات، بالتنسيق مع العميد اللينو والمسؤول السابق للساحة الفلسطينية في لبنان العميد سلطان ابو العينين، والقيادي الفلسطيني السابق محمد دحلان. وتؤكد مصادر في الخلايا الاسلامية ان العميد«اللينو» عاد من مصر مؤخراً، بعد اجتماعه مع القيادي دحلان، ونسقا في تحركات امنية وعسكرية في المخيمات، بقصد توجيه ضربة عسكرية للحركات الاسلامية، والسيطرة أمنياً وعسكرياً على مخيم عين الحلوة والضغط اكثر فأكثر على قيادة <فتح> في رام الله، من خلال الامساك بورقة المخيمات الفلسطينية في لبنان، والتحضير ليكون دحلان رئيساً للسلطة الفلسطينية.
وتتخوف المصادر من داخل مخيم عين الحلوة من ان يقوم النازحون السوريون الذين لجأوا الى مخيم عين الحلوة بالانضمام الى الخلايا الاصولية، وتشير إلى أن هناك أعداداً كبيرة منهم داخل المخيم وفي المناطق المحيطة به، وأوضاعهم الإقتصادية والإجتماعية ليست جيدة على الإطلاق. وهذا الأمر قد يجعلهم عرضة للإستغلال من قبل بعض الجهات الاصولية، بسبب عدم قدرة منظمة التحرير الفلسطينية التي تعيش أوضاعاً مالية صعبة على تلبية حاجاتهم.
توزع النفوذ والقوى المسلحة
الزميل جورج غرة رسم مشهداً مفصلاً حول توزيع النفوذ والقوى داخل مخيم عين الحلوة، فاعتبر ان المخيم ينقسم الى 14 جزءاً، يتقاسم فيها النفوذ عدد من الفصائل الفلسطينية والتنظيمات المسلحة والإسلاميين، حيث تستمر الخلافات والتصفيات بين بعض الاطراف في المخيم. وفي الآونة الاخيرة، اهتز أمن المخيم تحت وطأة العنف والقتل والمعارك المحدودة، ولكن الاتصالات الفلسطينية ــ الفلسطينية، والفلسطينية ــ اللبنانية نجحت حتى الآن في امتصاص العنف والنقمة.
ووفق غرة تتقاسم الفصائل الفلسطينية والحركات الاسلامية والمنظمات الأخرى السيطرة على المخيم على الشكل الآتي:
ــ منطقة البركسات تسيطر عليها حركة <فتح> وفيها مقر لقيادة الأمن الوطني الفلسطيني.
ــ منطقة طيطبا وفيها مقر المقدسي في الحي الفوقاني حيث دارت في الآونة الاخيرة بعض الاشتباكات وسيطرت القوى الامنية الفلسطينية على مقر المقدسي وغادرته لاحقاً.
ــ منطقة عرب زبيد ويسيطر عليها أسامة الشهابي.
ــ منطقة الطيري، ويسيطر عليها بلال بدر الذي اغتالت جماعته منذ اسبوع العميد طلال بلاونة وحصل توتر واشتباكات، وبين المنطقتين 3 و 4 يوجد مركز لعصبة الانصار في حي الصفصاف ــ الرأس الاحمر.
ــ الى جانب منقطة الطيري توجد منطقة جبل الحليب الواسعة وفيها مكتب ومركز عسكري للعميد طلال بلاونة الذي اغتالته مجموعة بلال بدر، كما يوجد فيها مقر لحركة <فتح> ولجبهة التحرير، وفيها ايضاً معسكر لأشبال حركة <فتح>.
ــ منطقة حي الطوارئ التي يسيطر عليها <جند الشام> و<عصبة الانصار>، وفيها عدد كبير جداً من المطلوبين للقضاء اللبناني، كما تغلغلت فيه خلال الآونة الاخيرة <جبهة النصرة>.
ــ منطقة بستان القدس وتسيطر عليها حركة <فتح>، وفيها مركز للجبهة الشعبية.
ــ منطقة واسعة في وسط مخيم عين الحلوة يسيطر عليها اللواء منير المقدح وبعض الاسلاميين، وفيها مركز الحركة الاسلامية المجاهدة.
ــ منطقة واسعة ايضاً يسيطر عليها التيار الاصلاحي لحركة <فتح> بقيادة العميد محمود عيسى ــ اللينو، وفيها مراكز لكتيبة العقيد ابو شادي السبربري التابع لحركة <فتح>، والجبهة الديموقراطية، والجبهة الشعبية.
ــ على اطراف المنطقة التاسعة توجد منطقة واسعة تسيطر عليها تيارات اسلامية سلفية وأبرزها <فتح الاسلام>.
ــ منطقة السكة وتسيطر عليها حركة <فتح> لجهة الملعب ولها مركز فيها، والمنطقة المتبقية منها يسيطر عليها الجيش الشعبي لحركة <فتح> وتمتد نحو مناطق سيطرة جند الشام، وفيها مقر كبير للقوة الامنية المشتركة الفلسطينية.
عين الحلوة.. سيرة ذاتية
أنشئ مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في العام 1948، وهو أكبر مخيمات لبنان. يقع المخيم جنوب شرق مدينة صيدا وتبلغ مساحته حوالى 2.1 كيلومتر مربع، وتقدر <الأونروا> عدد سكان المخيم حسب إحصاءاتها لنهاية عام 2009 بـ47500 نسمة، بينما تقدر اللجان الشعبية العدد بنحو 80 ألف نسمة، فهو أكبر مخيمات لبنان من حيث عدد السكان. ويعرف مخيم عين الحلوة بأنه عاصمة الشتات في لبنان لاعتبارات كثيرة، أهمها أنه الأعلى من حيث الكثافة السكانية بين المخيمات الأخرى، ولا يحظى مخيم عين الحلوة بالاهتمام الإعلامي إلا من خلال الجوانب الأمنية، وهو مزيج من عدة مخيمات، حيث لجأ إليه الفلسطينيون خلال العدوان الإسرائيلي سنة 1973 بعد تدمير مخيم النبطية والحرب الأهلية في لبنان، حيث لم يتمكنوا من العودة إلى مخيماتهم لأسباب عديدة، هذا السبب أدى الى ارتفاع أعداد السكان الذين يعيشون فيه.
فقر وحرمان ومعاناة
أبرز المشاكل الصحية التي يواجهها السكان تتمثل في عجز مؤسسات <الأونروا> الصحية عن تلبية حاجات المرضى المتزايدة. كذلك، فالظروف الأمنية والإجتماعية والبيئية تنعكس سلباً على صحة المواطنين وحياتهم، وينتشر الفقر والحرمان على نحو واسع بين أزقة المخيم، وتنتشر الأمراض التي لها علاقة بالضغوط الاقتصادية والاعمارية. وشهد المخيم مؤخراً نزوحاً سورياً اليه نتيجة انفجار الوضع في سوريا، فساهم هذا النزوح في تفاقم المشاكل والاوضاع المتردية .
الحقوق المدنية للاجئين
الا ان هذا الواقع الامني المتردي والسائب في مخيم عين الحلوة يسلط الضوء ايضاً على الوضع المعيشي والاجتماعي والمأساوي الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون في المخيمات المنتشرة في لبنان لذا احدثت قضية الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين في لبنان والتي طرحها النائب وليد جنبلاط منذ سنوات في مجلس النواب ردة فعل داخل المجلس النيابي من كتل نيابية اعتبرت ان هذه القضية لا يمكن طرحها في سلة واحدة ودون دراسة كي لا تؤثر على الوضع الداخلي اللبناني، وخاصة على فرص العمل التي هي في الاساس غير موجودة منذ عشرين عاماً حتى اليوم. الا ان هذا القانون اقر داخل مجلس النواب بعد نقاشات وحوارات وفق تسوية وان لم تنل رضى الجميع، خصوصاً وان البعض ما زال حذراً من هذا الامر، لا بل يعتبره مدخلاً ومقدمة للتوطين الفلسطيني في لبنان الذي يرفضه الدستور اللبناني في صلب مقدمته .
ماروني: السلاح الفلسطيني والتوطين المقنّع
نائب زحلة ايلي ماروني قال لـ<الافكار>: <لا نعترض أبداً على إعطاء الفلسطينيين حقوقهم الإنسانية، ولكن من حق لبنان في المقابل سحب السلاح الفلسطيني من داخل المخيمات وخارجها>، سائلاً: <أين حق لبنان في سيادته على أرضه؟>. واضاف: <إذا كان العامل الفلسطيني يحصل على حقوقه، فكيف ستحصّل الدولة حقوق رب العمل اللبناني الممنوع عليه الدخول الى المخيمات لمباشرة الإجراءات القانونية في حال وقع إشكال معيّن بين رب العمل والعامل>.
وأما لجهة إعطاء حق التملك، فلفت ماروني الى <وجود 400 الف فلسطيني ما يعني ان 400 ألف شقّة سيستملكها الفلسطينيون، فماذا يبقى للبنانيين؟! خصوصاً ان الطلب اكثر من العرض والأسعار باتت خيالية وباهظة>، سائلاً <إذا حصل الجيل الثاني والثالث من الفلسطينيين على كل مقوّمات الحياة، فهل ستبقى قضية العودة مشتعلة في نفوسهم؟>، ورأى أن <إعطاء هذه الحقوق في هذا الوقت بالذات هو توطين مقنع او مبطّن او بداية رحلة التوطين>.
بيئة طاردة
ويعتبر الزميل أحمد بشتو أن معظم أهل المخيمات الفلسطينية في لبنان حصلوا على قسط وافر من التعليم، فصار منهم أطباء ومهندسون ومحامون ومع ذلك فهم مضطرون لاختيار مهن بسيطة لا تتناسب مع مؤهلاتهم العلمية. في لبنان ومنذ العام 1962 يعامل الفلسطينيون حسب القانون كأجانب لا يحق لهم العمل، وزاد من عمق المشكلة وجود حوالى عشرين ألف فلسطيني غير مسجلين لدى الحكومة اللبنانية لا يملكون أية أوراق ثبوتية وبالتالي لا يحق لهم ولأبنائهم الحصول على أية حقوق مدنية وحتى تعليمية.
الدكتور محسن محمد صالح اعتبر أن الفلسطينيين في لبنان يعانون من الحرمان من عدة حقوق مدنية، ومن حق العمل في الكثير من المهن وحق التملك. ويضيف أن البيئة السياسية والقانونية اللبنانية تشكل بيئة طاردة للفلسطينيين بحجة منع توطينهم، إلا أنه يرى أن الحقيقة تكمن في أن الفلسطينيين لا يرغبون أصلاً في التوطين، وإنما يرغبون في معاملة إنسانية عادلة غير مرتبطة بإعطائهم الجنسية أو الحقوق السياسية الخاصة بأقرانهم اللبنانيين عن مركز الاهتمام بقضيتهم.
ويتابع صالح: <.. ان الفلسطينيين الذين حصلوا على حقوقهم المدنية في البلاد العربية لم ينسوا قضيتهم ولم يتوقفوا عن العمل على تحرير أرضهم، ومثال ذلك الفلسطينيون في سوريا وكذلك في الكويت التي شهدت نشأة حركتي <فتح> و<حماس> في الخارج>.
كما ناقش الدكتور صالح إحصاء اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والإشكاليات المتعلقة بتقدير أعدادهم على وجه الدقة، مشيراً إلى وجود 411 ألفاً مسجّلين لدى وكالة <الأونروا> حتى تاريخ 30/7/2007.
واقع مر وأليم
رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق الانسان المحامي نعمة جمعة اعتبر إن الواقع الفلسطيني في لبنان هو مر وأليم ويشكل صفحة سوداء في تاريخ هذا البلد، إذ وصلت الأمور الى حد حرمانهم من الحقوق المدنية والإقتصادية والإجتماعية كافة المحفوظة لهم بحكم المواثيق الدولية. ولا نغالي إذا قلنا أن حرمان الفلسطيني من حق التملك بموجب قانون صادر عن السلطة الشريعية هو عمل عنصري بامتياز .
فهل يجد ملف مخيم عين الحلوة الامني طريقه الى الحل؟وهل تتأمن مقومات العيش السليم والحقوق اللانسانية، لأولئك الذين يسكنون تحت سقوف التنك بانتظار العودة الى فلسطين، أرض الرباط والزيتون والسلام؟؟!