تفاصيل الخبر

مقهى ”اغونيست“ فكرة رائدة وفريدة من نوعها في لبنان والعاملـون فـيــه جميعـهــم مـن ذوي الـصعـوبـات والاحتيـاجات الخاصة ومهاراتهـم أبعـد ممـا تـتصـورون!

08/02/2019
مقهى ”اغونيست“ فكرة رائدة وفريدة من نوعها في لبنان والعاملـون فـيــه جميعـهــم مـن ذوي الـصعـوبـات والاحتيـاجات الخاصة ومهاراتهـم أبعـد ممـا تـتصـورون!

مقهى ”اغونيست“ فكرة رائدة وفريدة من نوعها في لبنان والعاملـون فـيــه جميعـهــم مـن ذوي الـصعـوبـات والاحتيـاجات الخاصة ومهاراتهـم أبعـد ممـا تـتصـورون!

بقلم عير انطون

 

يهندسون طلّتهم، يلبسون بزاتهم للعمل، يلفون المراويل البيضاء حول خصورهم، ويتوجهون كل بحسب ما كُّلف به الى مكانه، بين الطاولات، خلف الصندوق أو على الهاتف لاستقبال الطلبات، راسمين الابتسامة على وجوههم حتى يستقبلوك بالـ<أهلا وسهلا> كل على طريقته. يهتمون براحتك فانت ضيفهم المميز، تعطيهم السعادة والامل والاعتراف بوجودهم وبمهاراتهم بزيارتك لهم، ويعطونك الشكر بالمقابل لارتياد المقهى الخاص بهم آملين ملاقاتك من جديد في مكان بات يعني لهم الكثير، حيث يقومون بتلبية طلباتك من القهوة والعصائر وما لذ وطاب من السلطات والسندويشات التي ساهموا في وصولها اليك...

كعضلات الجسد المتحدة لانجاز حركة مطلوبة، يعمل اثنا عشر شخصا من ذوي الصعوبات والاحتياجات الخاصة في مقهى <أغونيست> عند منطقة جل الديب بإشراف الدكتور وسيم الحاج، رائد الفكرة ومنفذها. فماذا عن المشروع الذي أحدث ضجة مع اطلاقه، من هم العاملون فيه، ما هي صعوباتهم، من يرتاده والى اين الطموح بعد؟

<الأفكار> شربت القهوة عندهم في المقهى، تحدثت الى أشخاص كانوا لسان حال زملائهم في العمل الجديد، وكانت بداية الحديث مع المؤسس الشاب:

- أنا أحمل شهادة الدكتوراه في العلاج الفيزيائي، يقول الدكتور وسيم الحاج، ولأنني أعمل مع أشخاص يحتاجون للعلاج الفيزيائي وبينهم من هم من ذوي الاحتياجات الخاصة فانني أعرف ما يمتلكونه من قدرات، حتى ولو كانوا يعانون من صعوبة في الحركة أو في المشي فنساعدهم بالعلاج الفيزيائي حتى يشعروا بتحسن. أشخاص كثيرون يبلغون ذلك، لكنهم يجدون صعوبة في الانخراط في سوق العمل لانهم لا يُمنحون الفرصة، ولانهم يحتاجون الى بضع تمرينات وتدريبات تتناسب مع العمل الذي يمكنهم القيام به، هذا ان وضعنا جانبا وجود مكان لفرصة العمل هذه مع ما يتطلّب ذلك من الاناة والصبر في التعليم والتدريب وذلك حتى بعد مباشرة العمل. من هنا، وبهدف اتاحة الفرصة لهم والاستثمار في الطاقات التي يملكونها، انطلقت الفكرة في ان افتتح الـ<كافي- شوب> يكون العاملون فيه من بينهم.

ويتابع الحاج:

 - انطلقت الشرارة منذ ثلاث سنوات تقريبا، وقد تأخرت بعض الشيء للتنفيذ لانها تطلبت حوالى السنة لبلورتها ولقيامي بأبحاث عن افكار مماثلة لها في الخارج، فوجدت ان مثيلاتها لا زالت في بداياتها حتى في أوروبا واميركا او انها حتى تقريبا غير موجودة. فهناك، نجدهم يدمجون ذوي الاحتياجات الخاصة في سوق العمل من خلال مطاعم او كافيهات كبرى، مع عمال عاديين، الا انه لم يسبق ان تم افتتاح <كافيه شوب> خاص بهم. ولما وقعت على <كافيهات> مماثلة للتي في تصوري في الخارج، كما في مدينة <نانت> الفرنسية مثلا في العام 2016 وكان الاقبال عليها مقبولا جدا، وكذلك مثيلتها في اميركا في العام 2017 التي بات لها فرع في كل ولاية تقريبا، تحمست أكثر لجعل حلمي واقعا. تقدمت لمرتين بطلب قرض من المصرف ولخلطة ظروف سياسية وامنية واقتصادية حينئذٍ لم تتم الموافقة. انتظرت للسنة التي بعدها وكان المشروع في رأسي يتطور اكثر الى حد انني عشقت الفكرة، وتقدمت بطلب لمرة ثانية، وتمت الموافقة.

ويضيف وسيم وعيناه تجولان بدقّة على كل ما في المقهى ومن فيه:

 - كنت اريد تنفيذ فكرتي بمكان واسع كبير في قلب بيروت لا عند أطرافها لكنني عثرت على هذا المكان عند منطقة الزلقا فاستأجرته، وهو كما اردته قريب لمن يقصده، مواقفه مؤمنة، مع واجهتين من الزجاج حرصت على وجودهما حتى يتمكن من

في الخارج ان يرى حركة الشباب والصبايا وطريقة عملهم، ويتمكن بالمقابل من في داخله من التواصل مع محيطه وما يجري حوله ومن يمر به، وعلى هذا الاساس بدأنا...

وتابع:

- وللعمل على تنفيذ المشروع تعاونت مع <Lebanese Down Syndrome Association> <21 الجمعية اللبنانية لتثلث الصبغية> وهي جمعية تتكون من اهالي اشخاص يعانون صعوبات ما. ولما عرضت عليهم مشروعي، تعاونوا جدا وكان دورهم مهما جدا واساسيا، واتوجه هنا بتحية الى السيدة نعيمة يونس التي آمنت بالمشروع وساعدتني في تنفيذه مع الأهالي الذين تحمسوا وساعدونا في اننا تعرفنا بالشباب والصبايا الموجودين هنا. أجرينا تدريبات على مدار ثلاثة اشهر، وكان الأهالي يؤمّنون التنقل ذهابا وايابا لابنائهم الى هنا، وايضا الى التدريب ومن ثم الى بيوتهم. ومع الافتتاح، كان الهاجس الأساسي تأمين التنقل للعاملين من مكان سكنهم الى مكان العمل وبالعكس خشية خطر كبير عليهم في التنقل، فحتى لو تمّ تأمين <تاكسي> خاص بهم فإن القلق يبقى قائما، من هنا تجاوب الاهالي مشكورين على التزامهم معنا لأن في الأمر تضحية يومية منهم، وقد قسمنا العاملين هنا الى مجموعات، ما سهل الامر أيضا على الأهالي الذين يتجاورون في منازلهم، فايلي مثلا (يشير اليه) يأتي مع ميا... وحدهما دولور وفرح يستطيعان التنقل بمفردهما في وسائل النقل العام.

واستطرد قائلاً:

- في <الكافيه شوب> اليوم اثنا عشر عاملا وعاملة. بدأنا بستة اشخاص يقول وسيم والآن ازداد العدد وفتحنا مجال العمل لعدد أكبر من الأشخاص، هذا من جانب، ومن جانب آخر وجدنا ان بعضهم يتعبون ولا قدرة جسدية لديهم للعمل لستة أو سبعة أيام في الاسبوع فقلّصنا من دوامهم اكان لناحية ايام العمل او ساعاته، فيما ازدادت طلبات الزبائن لدينا فأصبحنا بحاجة لعدد أكبر، لذلك تضاعفوا. الجميع يعملون بشكل مرتاح ومن دون تعب كبير.

 ــ ماذا عن حالاتهم الصحية، ما هي المشاكل التي يعانون منها، نسأل وسيم فيجيب:

- عندنا اكثر من حالة. فبينهم من تعرض في صغره الى <أزمة صدعية> <Crise Epileptique> ما من شأنه أن يؤدي الى نقص بالاوكسيجين مما يصيب الدماغ بضرر معين فيؤثر على الحركة او الفهم او النمو، وعندنا أكثر من شخص يعانون من هذه الحالة، وهناك حالات نقص الأوكسيجين في خلال الولادة ما تسبب بعطل معين في الدماغ أيضا، وهناك من ولدوا <تريزوميك> اي يعانون من <متلازمة داون>. وحدها فرح (بلوط) تعاني مما يسمى <انجلمان سيندروم> وهو مرض نادر جدا يحدث على <الكروموزوم رقم 5>، يشبه <التريزوميك> بنقاط وافضل منه بنقاط اخرى، وفرح تعاني منها لكن بدرجة خفيفة، لكن بالنهاية هي تعاني منها، ولا يمكنها ان تعمل في اي مكان من دون تدريب ومن دون الحصول على متسع الوقت الكافي لذلك، وكم تجدونها سعيدة الآن هي التي اجتهدت وعملت على نفسها جدا واستلمت نظام الصندوق عندنا فتتقاضى المال وترد ما يلزم لصاحبه بطريقة صحيحة، كما تدخل طلبات الشباب والصبايا التي يملأونها من الزبائن على <الفيش> وتنزلها على النظام، وتنسق مع البار في الداخل الذي يحضر ما يطلب الخ...

وحول المراحل التعليمية التي بلغها الموجودون، يقول الحاج:

- ان غالبيتهم دخلوا الى المدارس وبينهم من تعلموا القراءة والكتابة والحساب بشكل طبيعي، ومنهم بدرجة اقل، وكذلك بينهم من يعبّر بطريقة سليمة ومفهومة فيما الآخرون يجدون صعوبة في ذلك ولا يستطيعون الاجابة عن سؤال لزبون يطرحه عليهم، علما انهم يفقهون ما يطلبه منهم من دون قدرة من جانبهم على الاجابة بشكل مفهوم تماما.

 

حساسون جدا.... !

تتراوح الاعمار للعاملين في <أغونيست> ما بين الرابعة والعشرين والثانية والاربعين، ستون بالمئة منهم من الشباب واربعون بالمئة من الصبايا. تعاطيهم مع الناس جيد جدا لا بل هو ممتاز، وقد بات زوار الكافيه يحبون المكان والحديث والتواصل معهم فباتوا يترددون اكثر من مرة، مصطحبين معهم اصدقاءهم الى المكان.

 أما وسيم فيتفرغ لمشروعه حاليا:

- توقفت عن عملي في العلاج الفيزيائي منذ شهرين وقد يتطلب الامر مني شهرا اضافيا بعد، وسوف استطلع امكانية العودة اليه بدوام جزئي، واذا استحال ذلك فسأتفرغ للـ<كافيه شوب>، لأن وجودي اساسي في هذا المكان، فأنا اعرف كيف اتعامل معهم ويشرح :

 - ساعة يقع خطأ ما منهم، كأن يقع ما في يدهم او حتى اي حادث بسيط، من الأساسي جدا ان نعرف كيف نحتضنهم ونخفف من حزنهم لانهم حساسون جدا و<يزعلون> وقد يشكل ذلك لهم صدمة ترجعهم الى الخلف. اليوم اشعر بأنني الوحيد القادر على ذلك، فقد باتت بيننا عشرة خمسة اشهر امتدت منذ اشهر التدريب حتى الافتتاح والعمل اليوم، واذا وقع الخطأ او الحادث اعرف كيف اصلحه لهم بطريقة يتقبلونها ولا يقومون بردة فعل عكسية.

وأضاف:

- جميع العاملين في <اغونيست> يتقاضون معاشا آخر الشهر اما الـ<كوميسيون> فيقسم للجميع بالتساوي. نعمل الآن على مشروع تسجيلهم في الضمان الاجتماعي من الان لشهر او شهرين لمن يرغب دخوله يقول الحاج، وهم عديدون.

ونعود بوسيم الى القرض الذي طلبه لافتتاح المكان:

ــ هل اخذوا بالاعتبار انه مشروع انساني بالدرجة الاولى، فسهلوا او دعموا؟

 - كان من بين اسباب عدم الموافقة على القرض في المرة الاولى ان المشروع غير أكيد النتائج، فبالنسبة لعقلية <الأعمال> والتي اتفهمها واعذرها ان المشروع قد لا يكون ناجحا في لبنان، ولما حصلت على القرض في المرة الثانية ما كانوا يعرفون وجهته.

 وبالنسبة للمؤسسات الرسمية، كوزارة الشؤون مثلا، اكد وسيم قائلاً:

- لم اتعاط مع اي من الوزارات، الآن ومن خلال الاعلام باتوا يعرفون بنا، وان رغبوا بالمساندة والمساعدة فاهلا بهم طبعا.

لا تهدأ الحركة في المقهى الذي يفتح أبوابه في السابعة صباحا ويقفلها عند منتصف الليل ولسبعة أيام في الأسبوع. تلامذة الجامعات بعد الظهر يشكلون 60 بالمئة من رواده فيما يشكل آخرون اربعين بالمئة، ويتذوقون فيه اطيب قهوة او عصائر مع انواع السلطات والساندويشات، يساعد الجميع في فرزها وتوضيبها وتغليفها ووضع <الليبل> الماركة المسجلة عليها فضلا عن تواريخ الصلاحية المعتمدة بدقة.

 اما اسم المقهى <اغونيست> فقد استوحاه الحاج من نطاق عمله الاصـلي في العلاج الفيزيائي:

- هي كلمة طبية جلبتها معي من مجال العلاج الفيزيائي. الـ<أغونيست> تستخدم لكل ما في الجسم من عضلات تتساعد وتعمل في الاتجاه نفسه، وعكسها <انتاغونيست> لما تعمل هذه بعكس بعضها البعض، من هنا اردت ان أطلق تسمية <اغونيست> على الـ<كافيه شوب> اذا ان هدفنا ان نتعاون مع الشباب والصبايا لنحدث تغييرا او ردة فعل ايجابية في المحيط أو الجماعة التي نحن موجودون فيها فنبدّل النظرة الى هؤلاء الأشخاص. اما الديكور فاخترناه من الألوان المحببة إلى قلب أصحاب الاحتياجات الخاصة كما تذكر الدراسات، تماماً كالأزرق الذي يذكّرهم بلون السماء، بينما الأصفر يوحي لهم بأشعة الشمس ويمدّهم بطاقة إيجابية.

 الى العاملين انتقلنا وبدأنا مع ايلي فيعرفنا عن نفسه:

- اسمي ايلي عبدو ريشا، كنت أعمل قبل انتمائي الى <اغونيست> في مركز <المجال> عند منطقة بدارو التابع للدكتور طوني الشرتوني، بعد ذلك انتقلت الى مركز السوديكو وكنا ننجز بعض الأعمال في القش الخ بقيت فيه لفترة ومن ثم تركته... <هون احسن>. انا هنا منذ شهر وسعيد جدا. اقصد المركز مع والدة ميا ونحن اصدقاء من زمان وكنا سويا قبلا في المركز عينه. أداوم في <الكافيه> من التاسعة حتى الثالثة مساءً والجو عائلي وحلو مع ميا ووسيم وفرح التي هي بمثابة اختي... نحن اخوة. باتت ثقتي بنفسي اكبر وقد اكتسبت صداقات جديدة. اتعاطى في خدمة الزبائن بسهولة وبمحبة كبيرة. ولما نسأله ان كان ينوي افتتاح مشروع خاص به لاحقا، يجيبنا ايلي مبتسما: <لن اتكلم بالامر امام وسيم!>...

 من ايلي الى فرح انتقلنا. تركت عملها على الصندوق واخبرتنا:

- عرفت بـ<الكافيه> وكنت في احد النوادي الرياضية... رفيقي يعرف الدكتور وسيم قال لي إنه سيفتتح <كافيه>. قصدته بمفردي وأنا من سكان <حي الاميركان> ويمكنني التنقل بمفردي.لا صعوبات تذكر في العمل هنا خاصة لما نشعر بسعادة الناس الذين يقصدوننا. اساعد الجميع، وخاصة من يعانون من <متلازمة داون> وان وقع خطأ اهب الى النجدة. اعمل من قلبي وكأن المكان هو بيتي. سبق وعملت في مركز تعليم، وكسكرتيرة لأحد الاطباء في مستشفى كليمنصو، ومن ثم في حضانة للاطفال... عمري الآن 29 عاما وانا <كتير مبسوطة> وادعو الجميع لزيارتنا والتعرف علينا.

بعد فرح كان حديثنا مع دولور شديد:

- أنا من عمشيت الا انني اعيش حاليا عند منطقة <صربا> مع والدي، عمري 29 عاما، وقد عرفت بمكان العمل هنا من خلال صحيفة كان والدي يقرأها وفيها اعلان عن المقهى وما يلزمه. سابقا كنت في <ستيب توغيذر> في المنصورية نشتغل بالزراعة ونقدم الأكل والعلف للحيوانات <نكسدر> الأحصنة... كنت سعيدا الا انه مكان بعيد بالنسبة لي. هنا انا أشعر بنشاط كبير وآتي الى العمل من كل قلبي لالتقي باصحابي وقد باتوا عائلتي ولاقدم ما يطلبه الزبائن.

ونسأل دولور بحشرية:

ــ حولك هنا صبايا جميلات، هل بينهن من هي مميزة بالنسبة لك؟

يبتسم بخجل ويجيب:

 - <انا صديق مش اكتر> ويكمل بعدما نسأله عن اجمل ما في عمله فيجيب: <احلى شي بالشغل التواصل مع الناس. ننبسط نشوف الناس ولما يشوفونا مبسوطين بصير عبالن يجوا بعد مرة وتاني مرة، لكن ان كشرنا في وجههم بيزعلو وما بيعودو يجو> معتاد على العمل ولما كنت في باريس - في فرنسا مع والدي عملت في <كافيه> ايضا. لماذا عدت؟ لأن ابي قرر العودة... انا اليوم بأفضل حال واحلى مما كنت عليه في اي وقت مضى!