تفاصيل الخبر

مـقـاربــــة علميـــة ومـوضـوعـيـــة لـسلـسلــــــة الــــرتـب والــــرواتـب وأحـقـيــــة الـمـطـالـبــــــة بهـــــا

17/04/2015
مـقـاربــــة علميـــة ومـوضـوعـيـــة لـسلـسلــــــة  الــــرتـب والــــرواتـب وأحـقـيــــة الـمـطـالـبــــــة بهـــــا

مـقـاربــــة علميـــة ومـوضـوعـيـــة لـسلـسلــــــة الــــرتـب والــــرواتـب وأحـقـيــــة الـمـطـالـبــــــة بهـــــا

 

بقلم طوني بشارة 

Tania-1المتتبع للأوضاع المالية يلاحظ ان آخر إقرار شامل لسلسلة الرتب والرواتب تم تسجيله من قبل الدولة اللبنانية في عام 1998، واللافت انه منذ تلك الفترة وحتى عام 2008، لم يحصل الموظفون على اي زيادة على الأجر، على اعتبار انه في عام 2008 صدر مرسوم زيادة الأجور للقطاع الخاص بقيمة 200 الف ليرة لبنانية واستفاد منه موظفو القطاع العام، ولكن مجلس شورى الدولة أبطل هذه الزيادة عام 2011 لعدم قانونيتها، علماً انها لم تعكس معدلات التضخم المسجلة على مدى 12 عاماً، اذ بلغ مؤشر ارتفاع الاسعار من مطلع عام 1997 حتى بداية عام 2012  121بالمئة.

 هذه الحقائق حتمت إجماعاً مؤكداً من قبل السياسيين على أحقية المواطن بسلسلة الرتب والرواتب التي كادت ان تحظى بخواتيمها السعيدة في نهاية آذار/ مارس 2015، ولكن ما حصل ان القطاع العسكري رفض إقرارها كما هي معتبراً ان هناك اجحافاً مالياً بحقه مقارنة مع القطاعات الأخرى.

 فما سبب هذا الرفض؟ وهل هناك فعلاً اجحاف مالي بحق القطاع العسكري؟ وما الاثر المالي والاقتصادي في حال تم تطبيق سلسلة الرتب والرواتب كما هي؟ وما الطريقة الفضلى لإقرارها؟

تساؤلات عديدة للإجابة عنها قابلت <الافكار> الخبيرة المالية تانيا يونان التي اعتبرت بداية ان سلسلة الرتب والرواتب هي بمنزلة نظام للموظفين وللعمل في الدولة، اذ يعتمد القطاع العام في تقييمه للموظفين على نظام الرتب، وهو بمنزلة نظام هيكلي يقسّم على أساسه الموظفون الى فئات وضمن كل فئة هناك درجات، ويحدد الراتب طبقاً لمعادلة تأخذ في الاعتبار الرتب والدرجة، ويرقى الموظف على سلم الفئات طبقاً لجدارته وعلمه. اما كسبه للدرجات، فيكون بحكم الاقدمية اي عدد سنوات الخدمة..

 

أحقيّة السلسلة

ــ  لماذا المطالبة بالسلسلة وهل هي مطالبة محقة؟

- للأسف الدولة اللبنانية سجلت آخر إقرار شامل لسلسلة الرتب والرواتب عام 1998 ولم يحظ َالموظفون بأي زيادة على الأجر حتى عام 2008 والزيادة كانت فقط مبلغ 200 ألف علماً ان مؤشر ارتفاع الاسعار منذ عام 1997 حتى عام 2008 بلغ نسبة الـ121 بالمئة، مما يعني حكماً ان المطالبة بتطبيق سلسلة الرتب والرواتب أمر محق للموظفين كافة.

ــ  في نهاية آذار/ مارس 2015،رفض القطاع العسكري في لبنان تطبيق موضوع السلسلة كما هو، فما الاسباب الكامنة وراء هذا الرفض؟

للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من إجراء مقارنة بين سلاسل العسكريين والأمنيين من جهة والمدنيين من جهة ثانية، فالعسكر والأمنيون يصنفون وفق الفئات الآتية:

- الضباط:

الفئة الاولى: عميد ــ  لواء ــ  عماد.

الفئة الثانية: رائد - مقدم - عقيد.

الفئة الثالثة: ملازم - ملازم أول  - نقيب.

- الرتباء والافراد:

الفئة الرابعة: الرتباء.

الفئة الخامسة: الافراد.

وتتابع يونان: الشرط الاساسي لتحقيق العدالة بين موظفي الدولة يكون بتساوي أساس الراتب والدرجات بين موظفي كل فئة على حدة، اما الاضافي على الراتب فهو يخضع لطبيعة الوظيفة وعدد ساعات العمل على مدار الاسبوع وهذا الأمر معمول به عالمياً، ولكن من خلال مقارنة أساس رواتب القضاة والاساتذة الجامعيين والعمداء في الجيش والقوى الأمنية والمدراء العامين في الدولة يتبين ما يأتي:

ــ  قبل صدور سلسلة القضاة واساتذة الجامعة اللبنانية كانت اساس رواتب هؤلاء ورواتب العمداء في الاجهزة الامنية والعسكرية على الشكل الآتي:

  قاضٍ درجة اولى 2200000 ل. ل، استاذ جامعي درجة اولى 2100000 ل. ل، عميد درجة اولى 2300000 ل.ل، مدير عام درجة اولى 2700000 ل.ل .

وبعد إقرار سلسلة الرتب، اصبحت اساسات الراتب على الشكل الآتي:

أساس راتب قاضٍ درجة اولى 4100000 ل.ل + درجتان استثنائيتان ويصبح المجموع 4600000 علماً ان درجة القاضي 250000 ل.ل.

أساس راتب أستاذ جامعي درجة اولى 3700000 ل.ل. + درجتان استثنائيتان فيصبح المجموع 4150000 ل.ل. درجة الاستاذ الجامعي 225000 ل.ل.

وتستطرد يونان: وفقاً لسلسلة الرتب والرواتب المقترحة من قبل وزارة المالية والتي تم رفضها من قبل القطاع العسكري، جاءت الارقام على الشكل الآتي:

- مدير عام درجة أولى: 4500000 والدرجة 250000 ل.ل.

- عميد درجة اولى 2700000 ل.ل. والدرجة 100000 ل.ل.، مما يعني ان الزيادات بعد إقرار السلسلة اصبحت كما يأتي: للقاضي 2400000 ل.ل.

للأستاذ الجامعي 2050000 ل.ل، للمدير العام 1800000 ل.ل، بينما للعميد فقط 400000 ل.ل، هذا الأمر دفع العسكر الى التساؤل عن الغاية من ذلك، وهل هناك عدل في هكذا إجراء، مما جعلهم يرفضون موضوع السلسلة المقترحة، معتبرين ان هناك إجحافاً بحقهم.

السلسلة وانعكاساتها المالية والاقتصادية

 

ــ  نوه العديد من الخبراء بأن التطبيق الحالي للسلسلة له انعكاسات سلبية على القطاعين المالي والاقتصادي في لبنان، فما سبب ذلك؟

- مما لا شك فيه ان السلسلة ستزيد الرواتب والأجور في الموازنة العامة بنسبة 40 بالمئة تقريباً، ولا إمكانية لتغطية السلسلة الا عن طريق الضرائب، وهذا أمر يصعب تحمله بسبب الاوضاع الاقتصادية المتردية، مما سيدفع الدولة الى الاستدانة. اما الانعكاس الثاني للسلسلة فيترجم  في كون التغطية تطال غالبية القطاعات الاقتصادية ذات الوضع المتأزم، فتطال مثلاً القطاع العقاري الذي يعاني شللاً ملحوظاً، والقطاع التجاري الذي سجل تراجعاً كبيراً في نشاطه، كما ان انعكاس السلسلة سيظهر جلياً في المناخ الاستثماري العام في البلد مما يؤدي الى تقلص النمو الاقتصادي المحلي، وكل ذلك سيتم في ظل ارتفاع التضخم كنتيجة لزيادة الطلب على البضائع المستوردة اي خروج الاموال من لبنان وبالتالي زيادة العجز في الميزان التجاري. اما التداعيات غير المباشرة فتتمثل بقلة القروض للقطاع الخاص كنتيجة استهلاك الدولة للأموال المرصودة للاستثمارات من المصارف .

ــ  هل هناك من تطبيق معين لا يؤذي الاقتصاد ولا المالية العامة؟

- ان إقرار السلسلة بشكل لا يؤذي الاقتصاد ولا المالية العامة يتم عبر إحدى الوسيلتين الآتيتين:

أولاً، اقتصادياً: وذلك عبر تحفيز الاستثمار والاستهلاك وتفعيل التنافسية والقضاء على الاحتكارات والهدر في القطاعين العام والخاص.

كل ذلك في ظل إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص وزيادة الدعم للشركات الصغيرة والمتوسطة، وهذا الأمر كفيل بزيادة النمو الذي سيستفيد منه العامل والموظف عبر زيادة الأجور والشركات عبر زيادة الأرباح.

وتضيف يونان:

- اما من الناحية المالية، فيجب فرض ضرائب ورسوم على الانشطة غير المرتبطة بالنشاط الاقتصادي وعلى رأسها الأملاك البحرية، الارباح على العمليات العقارية مع مفعول رجعي يعود الى 8 سنوات، ضرائب على الشقق الشاغرة، جلب الضرائب والفواتير المستحقة والتي لم يدفعها المعنيون، وهذا أمر سيسمح بتأمين قسم كبير من الكلفة، كما يمكن تأمين قسم آخر عبر زيادة الضريبة على القيمة المضافـة بـنسبة 1 بالمئة.

ــ  ما هي إيجابيات هذا الأجراء؟

- هذا الأمر له تداعيات ايجابية على صعد عدة أهمها: تخفيف تعلق مالية الدولة بالمصارف، تحسين نظرة وكالات التصنيف الائتماني بلبنان، عدم إلزامية الاستدانة لدفع السلسلة، لجم التضخم، تأمين أموال كافية للاستثمار في القطاع الخاص.

مكامن الهدر في الدولة

 

ــ أشرت في سياق حديثك الى وجود هدر مالي في القطاع العام، فأين مكامن الهدر وكم تبلغ قيمته؟

- هناك مؤسسات عدة كشفت السنوات فشلها في تحقيق الغاية والهدف من إنشائها وأصبحت تشكل عبئاً يرهق خزينة الدولة، اذ ترصد لهذه المؤسسات موازنة سنوية لدفع رواتب وأجور وتعويضات العاملين لديها ودفع بدلات الإيجار والنفقات الاستهلاكية من كهرباء وهاتف ومياه وتصل كلفة هذه المؤسسات الى نحو 24,3 مليار ليرة .

ــ كم يبلغ عدد هذه المؤسسات؟

- يصل عدد المؤسسات التي تشكل عبئاً على الدولة الى 7 وهي مصنفة كالآتي:

ــ  المجلس الاقتصادي والاجتماعي ويبلغ عدد الموظفين لديه 52 موظفاً، والدولة بالرغم من عدم قيام هذا المجلس بأي وظيفة تذكر ما زالت تدفع إيجار المقر ورواتب الموظفين وقد بلغت موازنة المجلس عام 2012 ملياري ليرة.

ــ  مؤسسة اليسار وهي عاطلة عن العمل لكن الانفاق على الرواتب والأجور وإيجار المبنى لا يزال مستمراً ويصل الى نحو3,3 مليار ليرة سنوياً.

ــ  المؤسسة العامة للأسواق الاستهلاكية، ونفقاتها تقدر بنحو 670 مليون ليرة.

ــ  المجلس الاعلى للخصخصة: والخصخصة متوقفة بسبب الخلافات السياسية والازمات التي يمر بها البلد ولكن الموازنة ترصد لهذا المجلس سنوياً وبلغت قيمتها 4 مليار ليرة .

ــ  المجلس الاعلى السوري ــ  اللبناني: وهو مستمر بالرغم من وجود سفارات بين البلدين وترصد له موازنة تصل الى 885 مليون ليرة.

ــ  مصلحة سكك الحديد والنقل: بالرغم من عدم وجود سكك حديد، تم منذ فترة تعيين مديرعام جديد وتصل نفقات هذه المؤسسة الى 12 مليار ليرة، وتتجاوز قيمة أملاك هذه المؤسسة عشرات المليارات من الدولارات وتتعرض للاعتداءات، وهي لا تزال تنتظر القرار السياسي لتفعيل عملها. وتختم يونان حديثها: ان اعادة النظر في أساس الراتب لموظفي القطاع العام ضرورة، لاسيما بعد انقضاء أكثر من 16 عاماً من دون اي تغيير لكن المشكلة هي عدم وجود ابتكار في السياسات المتبعة التي ما زالت تعمل على ان زيادة الانفاق يجب ان يقابلها تلقائياً زيادة في الايرادات، في الوقت الذي يمكن للحكومة تمويل الإنفاق الاضافي من خلال تحقيق وفر في الإنفاق الاجمالي لاسيما في انفاق المؤسسات العاطلة عن العمل ويتم توظيف هذا الوفر في تصحيح اساس الراتب في القطاع العام.