تفاصيل الخبر

مكافحة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة: 8 تدابير آنية وفورية... والعبرة في التنفيذ!

30/04/2020
مكافحة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة: 8 تدابير آنية وفورية... والعبرة في التنفيذ!

مكافحة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة: 8 تدابير آنية وفورية... والعبرة في التنفيذ!

[caption id="attachment_77393" align="aligncenter" width="606"] الرئيس حسان دياب امام تحدي استعادة الاموال المنهوبة[/caption]

"هاجس" مكافحة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة، الذي "يسكن" المسؤولين اللبنانيين على اختلاف المستويات، وضع حكومة الرئيس حسان دياب أمام التحدي الحقيقي لأن مسألة مكافحة الفساد في بلد مثل لبنان ليست بالمسألة السهلة مع وجود "محميات" سياسية وطائفية ومذهبية، اضافة الى الضغوط التقليدية التي تمارسها مرجعيات سياسية وروحية. وإذا كان الرئيس دياب قبل مع حكومته هذا التحدي، بدفع مباشر من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي "تسكنه" هو الآخر عملية مكافحة الفساد، إلا ان نسبة النجاح في هذه الخطوة تبقى مرهونة على أمرين: الأول جدية المضي في الاجراءات التي تقرر اتخاذها وعدم "الحماس" في البداية ثم الفتور بعد ذلك مع ما يعني مثل هذا الموقف من تراجع واضح وإن تم تغليفه بمقولات متنوعة وخيارات متعددة. أما الأمر الثاني فهو التعاون الذي يفترض أن تلقاه المؤسسات التي ستتولى مكافحة الفساد، سواء كانت مؤسسات ادارية أو قضائية أو أمنية، وذلك لأن التجارب السابقة أظهرت تلكؤ الجهات المعنية باستكمال ملفات التحقيق، سواء نتيجة ضغوط مورست عليها، أو نتيجة "تواطؤ" معروف الأسباب والمفاعيل بين المتهم والجهة التي تتولى التحقيق معه.

في أي حال، الحكومة أقرت خطتها لمكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة التي لا رقم دقيقاً لها بل مجرد تكهنات تجعل الرقم بآلاف المليارات بالدولار على مرّ السنوات الثلاثين الماضية. والخطة الحكومية تتناول ثمانية تدابير حصلت "الأفكار" على تفاصيلها وهي تدابير متكاملة مع بعضها البعض وصولاً الى حد التناغم، ما يجعل أي خلل في تدبير يؤثر سلباً على التدابير الأخرى، وهي توصف، وفق قرارات مجلس الوزراء بالتدابير الآنية والفورية لمكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة، لاسيما وان مجلس الوزراء توصل الى قناعة عن وجود "شبهات جدية" حول قانونية تنفيذ العقود والالتزامات التي أجرتها الدولة وسائر اداراتها ومؤسساتها العامة، وذلك لجهة حصول تعديات على المال العام هدراً أو نهباً أو الاثنين معاً. وعلى رغم ان وزراء اعترضوا على عبارة "شبهة جدية" وردت في الأسباب الموجبة للتدابير، فإن المشروع سلك طريقه على أساس استبدال عبارة "شبهة جدية" الى عبارة أخف وطأة لاسيما وان ليس جميع الوزراء والمديرين العامين ورؤساء مجالس الادارة ارتكبوا هذه التجاوزات وانتهكوا المال العام.

التدابير!

ويتضح من قرارات مجلس الوزراء، ان التدبير الأول الذي تمت الموافقة عليه يندرج تحت عنوان التحقيق الضريبي الداخلي ويقضي بالطلب الى وزارة المالية تكليف الجهات المختصة في الوزارة اجراء تحقيق ضريبي يطال جميع المتعهدين والملتزمين الذين أجروا مع الدولة اللبنانية او المؤسسات العامة أو البلديات عقوداً أو التزامات، على ان تُباشر المرحلة الأولى من التحقيق بصورة فورية ويتم البدء من أعلى العقود قيمة والتدرج نزولاً الى كل العقود التي تضمنت انفاقاً من المال العام في السنوات الخمس الأخيرة، ويقضي التدبير بأن تودع كل المؤسسات العامة والبلديات وزارة المال تفاصيل العقود والتلزيمات التي أجرتها وسائر المستندات والفواتير المتعلقة بها، على أن يشمل التحقيق تكليف الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين المتعاقدين بإبراز كشف للحساب المصرفي الذي أودع فيه أو انتقل إليه أي مبلغ تم قبضه من المال العام، ومن ثم تجري مطابقة القيود المحاسبية التي يبرزها هؤلاء الأشخاص على القيود المصرفية العائدة للحساب المذكور. وتنتهي المرحلة الأولى من التحقيق في مهلة ستة أشهر على الأكثر يرفع وزير المال خلالها تقارير شهرية الى مجلس الوزراء تبين نتائج التحقيق مع احترام مبدأ السرية الضريبية، ويحيل المخالفات المكتشفة الى القضاء المختص تباعاً. وتُتابع المراحل اللاحقة من التحقيق وفقاً للاجراءات نفسها بالنسبة الى خمس سنوات سابقة رجوعاً حتى تاريخ نهاية الحرب الأهلية، على أن يتم انجاز كل مرحلة في مهلة ستة أشهر على الأكثر.

أما التدبير الثاني فيتناول التحقيق الضريبي الخارجي، ويقضي بالطلب الى وزارة المالية تكليف المدير العام لديها بالمباشرة الفورية باتخاذ الاجراءات التقنية واللوجستية اللازمة لتبادل المعلومات الضريبية استناداً الى اتفاقية "التعاون التقني في المجال الضريبي" (MAC) واتفاقية "السلطات المختصة" (MCAA) المصادق عليهما بموجب القانون رقم 55/2016، وذلك توصلاً للحصول التلقائي على المعلومات اللازمة عن جميع الحسابات المصرفية المفتوحة في الخارج لمصلحة الأشخاص الطبيعيين والمعنويين المتخذين محل إقامة ضريبية في لبنان.

ويتناول التدبير الثالث التحقيق المحاسبي (Forensic Audit)، ويقضي بأن يفوّض رئيس مجلس الوزراء بالتنسيق مع وزير المال، أحد أهم المكاتب الدولية المتخصصة في التحقيق المحاسبي (Forensic Audit) للتدقيق في جميع العقود من أي نوع كانت (مناقصة، التزام، اتفاق بالتراضي... الخ) التي أجريت بين الدولة اللبنانية وسائر الأشخاص الطبيعيين والمعنويين، وفي قيود وموازنات هؤلاء الأشخاص توصلاً الى تحديد مكامن أي غش أو هدر أو نهب في انفاق المال العام. ويبدأ التحقيق المذكور من أعلى العقود قيمة ويتدرج نزولاً الى جميع العقود التي تضمنت انفاقاً من المال العام وفقاً لجدول زمني يتم الاتفاق عليه مع المكتب الموكولة إليه المهمة. على ان يتم التفاوض مع المكتب المذكور حول امكانية عدم تقاضي أتعاب من الدولة اللبنانية باستثناء نفقات السفر والإقامة بالإضافة الى نسبة مئوية من المبالغ المهدورة التي سيتم تحديدها على ضوء تقاريره.

الإثراء غير المشروع!

[caption id="attachment_77394" align="alignleft" width="357"] الرئيس ميشال عون وهاجس مكافحة الفساد[/caption]

أما التدبير الرابع فيتعلق بتطبيق المادة 4 من قانون الاثراء غير المشروع، ويقضي بالطلب الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء إعداد لائحة بأسماء الوزراء والنواب، بمن فيهم أولئك الذين انتهت ولايتهم لأي سبب كان خلال السنوات الخمس الأخيرة، ومن ثم التحقق من تقديم التصاريح التي أوجبتها المادة الرابعة من قانون الإثراء غير المشروع عند تولي المهام الوزارية والنيابية وبعد الانتهاء منها. كذلك الطلب الى كافة الوزارات والادارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات إعداد لائحة بأسماء الموظفين والقائمين بخدمة عامة ضمن ملاكها، بمن فيهم أولئك الذين انتهت خدماتهم لأي سبب كان خلال السنوات الخمس الأخيرة، ومن ثم التحقق من تقديم التصاريح التي أوجبتها المادة الرابعة من قانون الإثراء غير المشروع عند تولي الوظيفة أو الخدمة العامة وبعد الانتهاء منها. ويتم إيداع مجلس الوزراء تقريراً بنتيجة هذا التدقيق في مهلة أسبوعين على الأكثر وتجري إحالة المخالفين الى الملاحقة من قبل القضاء المختص. وتتابع اجراءات التدقيق عينها بالنسبة الى السنوات السابقة رجوعاً حتى نهاية الحرب الأهلية البغيضة وتُرفع التقارير بشأنها الى مجلس الوزراء كل أسبوعين عند انجاز كل خمس سنوات.

ويقضي التدبير الخامس بتطبيق المادة 12 من قانون الإثراء غير المشروع من خلال الطلب الى النيابة العامة التمييزية، عبر وزيرة العدل، تكليف الضابطة العدلية بإجراء الاستقصاءات والتحريات اللازمة حول جميع الشخصيات التي شغلت أو تشغل حالياً مناصب وزارية ونيابية خلال السنوات الخمس الأخيرة (كمرحلة أولى) وإعداد تقارير مفصلة حول مظاهر ثروتها. ولا تنطوي هذه الاستقصاءات، في الحالة الراهنة، على أي اتهام أو ملاحقة قضائية بحق أي كان بل تشكل مسحاً شاملاً وجمعاً أولياً للمعلومات. ويشتمل هذا المسح بالنسبة الى كل شخصية بياناً شاملاً لما تمتلكه أو تستعمله هي أو أفراد عائلتها (الزوج ــ الزوجة ــ الأولاد) من:

أملاك عقارية مسجلة في السجل العقاري باسمها أو باسم أحد أفراد العائلة المذكورين أو باسم شركات يملك فيها أي من المذكورين أسهماً، وأملاك عقارية متفرغ عنها بموجب وكالات أو عقود لم تُسجل في السجل العقاري لمصلحتها أو لمصلحة أحد أفراد عائلتها أو لمصلحة شركات يملك فيها أي من المذكورين أسهماً، وأسهم في شركات تجارية ووسائل النقل البري والبحري والجوي، وأي مظهر آخر من مظاهر الثراء التي لا تتفق مع مداخيلها الشرعية المحددة في سلسلة الرتب والرواتب، وذلك دون المساس بأحكام قانون السرية المصرفية.

وترفع وزارة العدل الى مجلس الوزراء تقارير المرحلة الأولى خلال مهلة شهر واحد من تاريخ صدور هذا القرار. ويجري فرز هذه التقارير من قبل لجنة تقنية يكلفها في حينه رئيس مجلس الوزراء، الى مجموعتين: المجموعة الأولى: تضم التقارير التي أظهرت تفاوتاً وعدم انسجام بين مظاهر الثراء والمداخيل المشروعة للشخصية بحيث يصار الى إحالة هذه التقارير الى النيابة العامة التمييزية مشفوعة بطلب مراسلة هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان توصلاً الى رفع السرية المصرفية عن الشخصيات المعنية وتجميد أصولها ومباشرة الملاحقة القضائية بشأنها في حال عدم قيامها بإثبات شرعية مداخيلها.

أما المجموعة الثانية فتضم التقارير التي أظهرت انسجاماً بين مظاهر الممتلكات والمقتنيات والمداخيل المشروعة، ويُصار الى نشر خلاصة عن هذه التقارير بصورة علنية.

السرية المصرفية ورقابة ديوان المحاسبة!

أما التدبير السادس فيقضي بتطبيق المادة الخامسة من قانون السرية المصرفية، لجهة الطلب الى جميع الوزارات والادارات والمؤسسات العامة والبلديات كما ودائرة المناقصات، عند إجراء أي عقد أو تلزيم أو نفقة، تطبيق المادة الخامسة من قانون السرية المصرفية التي تجيز للمتعاقدين الاتفاق مسبقاً على رفع السرية المصرفية بحيث يتم ادراج نص خاص في دفتر الشروط يرفع هذه السرية عن الحساب المصرفي الذي يودع فيه أو ينتقل إليه أي مبلغ من المال العام وذلك لمصلحة الادارة في كل عقد، من أي نوع كان، يتناول انفاقاً من المال العام، وتمتنع جميع الوزارات والادارات والمؤسسات العامة والبلديات فوراً عن إبرام أي عقد أو صفقة أو تلزيم قبل إضافة هذا البند.

ويقضي التدبير السابع بالرقابة المؤخرة لديوان المحاسبة بحيث يحث مجلس الوزراء ديوان المحاسبة على الرقابة المؤخرة لحسابات الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الذين يتلقون من الدولة أو المؤسسات العامة أو البلديات مساهمات أو أموالاً أو يجرون معها عقوداً أو التزامات، على ان يتم إعطاء الأولوية لإنجاز هذه الرقابة بالنسبة للعقود والتلزيمات بدءاً من الأعلى قيمة والتدرج نزولاً الى جميع العقود والتلزيمات التي تضمنت انفاقاً من المال العام. كما يحث المجلس ديوان المحاسبة على عدم الاكتفاء بما يقدمه هؤلاء الأشخاص من مستندات أو بما يمسكوه من قيود محاسبية يمكن أن تكون موضع شبهة وارتياب، بل اعتماد مقاربة متشددة تقوم على تكليف الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين المتعاقدين بإبراز كشف للحساب المصرفي الذي دفع فيه أو انتقل إليه أي مبلغ تم قبضه من المال العام، ومن ثم مطابقة القيود المحاسبية المبرزة مع القيود المصرفية العائدة للحساب المذكور، وبالتالي بناء براءة الذمة على الاقتناع الجازم واليقيني بصحة الحسابات وقانونيتها بعد مطابقتها مع القيود المصرفية ورفض تبرئة الذمة في الحالة المعاكسة.

أما التدبير الثامن فينص على تطبيق قانون حماية كاشفي الفساد رقم 83/2018 بحيث يشكل في كل وزارة أو ادارة أو مؤسسة عامة فريق عمل (Task Force) لتلقي الشكاوى والاخبارات والكشوفات المتعلقة بعمل الوزراء والموظفين. ويتولى فريق العمل المذكور التدقيق في الشكاوى والاخبارات ويحيل ما هو مثبت منها ببدء بيّنة الى الجهاز الرقابي المختص أو الى النيابة العامة التمييزية وفقاً للحالة. كما تنشأ في كل وزارة أو ادارة أو مؤسسة عامة قاعدة بيانات بالشكاوى والاخبارات والكشوفات الواردة مع تواريخ ورودها وإحالتها الى المراجع المذكورة والنتيجة التي اقترنت بها كل منها. ويجري تنفيذ ما تقدم خلال مهلة شهر واحد من تاريخ صدور القرار.