تفاصيل الخبر

  "مهرجانات بعلبك الدولية" في رسالة أمل من قلب القلعة التاريخية  

01/07/2020
  "مهرجانات بعلبك الدولية" في رسالة أمل من قلب القلعة التاريخية  

  "مهرجانات بعلبك الدولية" في رسالة أمل من قلب القلعة التاريخية  

بقلم عبير أنطون

[caption id="attachment_79141" align="alignleft" width="200"] شعار مهرجانات بعلبك لهذه السنة[/caption]

 مساء الأحد في الخامس من تموز (يوليو) الجاري، وبرعاية فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تنطلق الحفلة الموسيقية "صوت الصمود" من قلب معبد باخوس في قلعة بعلبك لتصل الى العالم أجمع في حفلة تعتبر الأولى من حيث ضخامة المشاركين فيها ما بعد "كورونا".  

فما الذي تتضمنه؟ ما الهدف من إحيائها في ظل هذه الظروف الصعبة؟ وما كانت صعوباتها؟

رئيسة "مهرجانات بعلبك الدولية" السيدة نايلة دو فريج فخورة جداً بإعلانها إحياء حفلة "صوت الصمود" "The Sound of Resilience" في القلعة التاريخية التي استقبلت أولى مهرجاناتها في العام 1955. إذ رغم كل الصعوبات، تستمر المهرجانات بتعزيز استمراريتها حاملة رسالتها الثقافية، إيماناً منها بأن الثقافة مكوّن حيوي ومصدر تطور جوهري يربط ما بين الماضي والحاضر لبناء مستقبل أفضل. والصمود الثقافي، نحن أحوج ما نكون اليه اليوم. وفي هذا الصدد تقول دو فريج: "علينا أن نسعى بكل ما أوتينا من قوة الى إبقاء راية الصناعة الثقافية رائدة في وطننا، فهذه يجب أن تبقى حية. وهي المحرك الأساسي للإبداع والتضامن والصمود، للحياة... باختصار". 

 لقد كانت مهرجانات بعلبك سباقة في إعلان حفلة بهذه الضخامة في هذه المرحلة. وتؤكد دو فريج أنها تكتسب رمزية كبرى، ويشاهدها الملايين من حول العالم. فـ "قبل الجائحة كان من المقرر أن تقتصر المهرجانات البعلبكية على حفلتين، محلية وأجنبية نثبت من خلالهما استمراريتنا، ولكن بسبب الأزمة الصحية بات يتعذّر علينا استقدام فنانين من الخارج، وأخذنا باقتراح المايسترو هاروت فازليان بإحياء حفلة غنائية من دون جمهور. ومنذ إعلان رفع التعبئة العامة جراء الـ"كوفيد 19" انكببنا على العمل على حفلة بهذه الأهمية ولاقينا الدعم من فخامة رئيس الجمهورية وهو الرئيس الفخري للمهرجانات، كما من مختلف اللجان في وزارات الثقافة والسياحة والصحة ومن جانب الكونسرفاتوار الوطني اللبناني أيضاً"..

تراث وحداثة ..

[caption id="attachment_79142" align="alignleft" width="375"] عازفو الأوركسترا الفيلهارمونية الوطنية اللبنانية[/caption]

 من مدينة الشمس إذن، ينطلق الحدث الفني احتفالاً بالذكرى المئوية لإعلان لبنان الكبير للمايسترو هاروت فازليان الذي ينتجه المهرجان. وبهذه المناسبة، ستجتمع مع الموسيقى الوطنية الموسيقى العالمية تزامناً مع  الذكرى الـ250 لولادة المؤلف الموسيقي "بيتهوفن"،  ويكون "صوت الصمود" الصورة التي تساهم في تعزيز دور لبنان، همزة الوصل بين الشرق والغرب، والتي تساهم في إبراز تاريخه الثقافي، وحرصه، ومن خلال مقطوعات ولوحات تتضمنها الحفلة، على إبراز تميز لبنان المغترب، وتمكين الشباب اللبناني خاصة وأن العمل في جوهره يحمل رسالة للأمل بغد أفضل . كذلك ستمتع الحفلة الجمهور بلوحة  لراقصين من فرقة "Charles Makriss Ministry" كل ذلك، وسط سينوغرافيا تتخللها صور من الأرشيف وإبداعات بصرية  لـ"جان لوي مانغي". أما للذين يلومون المهرجان على إحياء  الحفلة وسط خضم الصعوبات التي يواجهها بلد الأرز راهناً، فتحرص دو فريج على التأكيد بأن "الموسيقى والثقافة هما بالاجمال القطاع الديناميكي الذي يجب أن يستمر وينتج، لأنه رسالة ايمان. فالصناعة الثقافية رائدة في بلادنا ويجب أن نحافظ عليها. لدينا الكثير من المواهب التي تريد أن تعبّر، ودورنا أن نستمر وأن "نعيد اختراع أنفسنا" على أمل أن نحصل على سياسة دعم للقطاع الثقافي. الحفلة باختصار، تشكل لدو فريج "رسالة من كل المشاركين بأن الفن حياة وأمل. ولا يمكن أن نقتل الفن رغم الظروف الصعبة التي يمر بها البلد، وهو يجب أن يستمر لأنه القلب والنبض والرئة"..

فازليان: كلمات ثلاث..

 أما المدير الفني وقائد الأوركسترا للحفلة المايسترو هاروت فازليان، وهو صاحب الفكرة فيقول لـ "الأفكار" :

 "إذا لم نتسلّح بالأمل ونعطي هذا الدفع لأجيالنا فلن يكون عندنا بلد. وما نقدمه في بعلبك  ليست حفلة عادية، إنما هي رسالة، وأختصرها بكلمات ثلاث: الأمل، الاتحاد والمشاركة. هي رسالة بأن في مرحلة الـ"الكورونا" الحياة ستستمر ولا داع للإحباط. سوف يجتمع على المسرح أكثر من 170 عازفاً وفناناً ليؤكدوا على ذلك، وهي عينة ربما عن الحفلات الفنية وما يمكن أن تكون عليه في هذه المرحلة. في الغرب بدأوا بالعودة تدريجياً الى هذه الحفلات، لكن على نطاق أصغر. نحن اليوم نقوم بمبادرة كبيرة، وهي لبنانياً وحتى عالمياً، الأولى بعد الـ"كورونا" بهذه الضخامة .

ويضيف المايسترو:

[caption id="attachment_79140" align="alignleft" width="376"] رئيسة لجنة مهرجانات بعلبك نايلة دو فريج وعضو اللجنة التنفيذية جومانا عطالله[/caption]

 ـ أردت أن أعبر من خلال هذه الحفلة الثقافية الفنية بأن الحياة لا تنتهي عند صعوبة مماثلة. طرحت الأمر على "مهرجانات بعلبك الدولية" وتربطني برئيستها السيدة نايلة دو فريج علاقة وطيدة، فرحبت بالفكرة وانطلقنا بالعمل وكلنا إيمان بأن لا ندع الـ"كوفيد 19" يشلّ فكرنا وإبداعنا. ربما هي طريقة حياتنا التي قد تتبدل، فنتأقلم معها، وقد يصبح معقّم اليدين رفيقنا الدائم .

 وعما إذا كان الفنانون المشاركون، سيتسلحون بالكمامات لإبعاد شبح الفيروس المستجد خاصة أنهم مجموعة كبيرة على المسرح، ينفي المايسترو أمر ارتداء الكمامات إذ إنهم "يراعون المسافة الجسدية المطلوبة بين عازف وآخر، ويعملون حتى  في البروفات وفق المعايير الصحية المطلوبة".

 الى الرسالة منه، تكتسب الحفلة المكونة من 9 مقطوعات موسيقية تجمع بين الشرق والغرب، والتي  تعكس صورة لبنان كملتقى للثقافات وبوتقة تنصهر فيها الحضارات، أهمية مضافة لأنها تتوافق مع المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير، كما سبق وذكرنا. وفي هذا الاطار، يقول فازليان، هل افضل من موسيقى الرحابنة؟ انطلاقاً من ذلك سوف تعزف مقطوعة كان قدمها الأخوان رحباني في ستينات القرن الماضي، وأعاد توليفها غدي وأسامة الرحباني لتكون تحية للوطن في مئوية لبنان الكبير. كذلك، هناك مقطوعة مخصصة للاغتراب اللبناني لما له من أهمية قصوى بالنسبة للمقيمين، كما ستبرز مقطوعة أخرى موهبة الشباب الموسيقيين إذ للشباب وتمكينهم حصة دائمة هذا عدا عن دعمنا   للمساواة بين الرجل والمرأة ويمكن أن نقرأه عبر حضور مراهقتين تعزفان على الغيتار الكهربائي، فضلاً عن المشاركة اللافتة للمسرحي الكبير رفيق علي أحمد والذي نعتز بحضوره.

 أما "نشيد الفرح" في الليلة البعلبكية، والذي أنهى "بيتهوفن" تأليفه في العام  1824 فسيملأ أرجاء القلعة، كما يجد عزف المعزوفات الكلاسيكية الأخرى صداه بين الأعمدة الشاهقة. الـ"كلاسيكيات" لن تكون إلا لبث الفرح والتفاؤل، بحسب ما يؤكد فازيليان، وبغير ما درجت عليه العادة عند اللبنانيين بربط المعزوفات الكلاسيكية بأجواء الحزن والوجوم، ستكون الحفلة عبارة عن باقة متنوعة تفوح منها مختلف أنواع العطور.   

 وتجدر الإشارة هنا الى أن فازليان، هو ابن المخرج الراحل بيرج فازيليان الذي كانت له محطات بارزة جداً مع الرحابنة وساهم في نجاح مهرجانات بعلبك الدولية وعزها.

كلنا متطوعون..

[caption id="attachment_79139" align="alignleft" width="375"] المدير الفني وقائد الأوركسترا للحفلة المايسترو هاروت فازليان[/caption]

 يغتنم فازليان الفرصة ليوجه عبر "الأفكار" الشكر الخالص الى عازفي الأوركسترا الفيلهارمونية الوطنية اللبنانية الذين يشاركون، كما وأيضاً الى رئيس الكونسرفاتوار الأستاذ بسام سابا الذي "شجعنا جداً"، والأمر سيان بالنسبة الى جوقة كورال الانطونية بقيادة الأب توفيق معتوق، وكورال جامعة اللويزة مع قائدها الأب خليل رحمة. ويتوجه المايسترو بالشكر ايضاً الى جوقة "الصوت العتيق" من جبيل مع السيد  ايلي حردان. نحن جميعنا نجتمع في هذا العمل لنقول هذا اللبنان الصغير بمساحته الجغرافية يمكنه أن يملأ الكون  بفكر أهله وحضارته ثقافته، وهنا يكتسب الانطلاق من بعلبك تحديداً أهمية قصوى فيسافر الصوت منها الى زوايا العالم الأربع في تجربة رائدة.

وعما إذا كان الفيروس المستجد أوحى له بتأليف مقطوعة موسيقية ما، يجيبنا المايسترو بحزم:

  ـ أبداً، أعتقد أنها مرحلة وتمر. قد تضطرنا فقط الى تغيير في سلوكيات حياتنا اليومية لكننا سنعتاد عليها.

 ولدى سؤالنا عن تأثير غياب الجمهور عن حفلة لن يستطيع مواكبتها إلا من خلف الشاشات ما يغيّب التفاعل الذي عادة ما يشحن الموسيقيين بطاقة كبيرة فيزيد من زخمهم  وعطائهم، وما يتوقعه لهذه الناحية يقول فازيليان :

ـ لا يخفى على أحد أن الحضور المباشر للجمهور بالنسبة للفنانين من موسيقيين او ممثلين له أولوية مطلقة. فنحن بحاجة الى أن نسمع، وأن نرى، فنستمد الطاقة من الجمهور الحاضر ونردها له بشحنة أعلى من الأداء. لكن هنا تحديداً، ولأن المكان هو في قلب معبد باخوس فإننا محاطون بالتاريخ، بعبقه وشخصياته واحداثه، وبمختلف ما  مر ببعلبك وقلعتها أكان تاريخياً او فنياً، لذلك فإن الطاقة موجودة برأيي، وبمنسوب عال جداً. هذا المكان، وأعتقد أنها حال الجميع، يحكيني، يروي لي أشياء كثيرة . كلما أزور بعلبك، أنظر الى سمائها، الى نجومها. غريب الاحساس الذي يشعر به المرء عندما يكون في هذه القلعة، واعتقد جازماً ان ما من مكان آخر يمكن ان تصل فيه الى الاحساس عينه. فهذا الشعور، معطوفاً على الرسالة من "صوت الصمود" التي سبق وذكرتها، فضلاً عن رغبتنا الأكيدة في ايصالها الى كل متلق، ستمدنا بدافع أكيد وبشعور عميق دافئء ومفعم بالمشاعر الانسانية وتجعل أداءنا أجمل وأجمل.

 وعن نقل مختلف الشاشات اللبنانية المحلية للحفلة مع مختلف وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام عربية وأجنبية، يؤكد فازليان أنه وجه ايضاً من وجوه الوحدة والتضامن الذي يرتكز عليه الهدف من الحفلة، فتنسى هذه الشاشات وجمهورها، على اختلاف توجهاتها، الخلافات والانقسامات، وتكون وحدة لبنانية في البث والمشاهدة، يتمنى المايسترو أن تترجم وتستمر الى ما بعد الحفلة ايضاً .

ولما سألناه أخيراً عن الصعوبات التي اعترضت المشروع وصولاً الى تنفيذه يجيبنا مؤكداً:

ـ لم نواجه أية صعوبة في اقناع أي موسيقي، وكل من شارك في هذه الحفلة فإنه تطوع لتقديمها من دون أي مقابل. مختلف الكورالات، والأوركسترا وأنا، وكل من ساهموا في الإضاءة والصوت والجميع.

  من جهتها ترحب مدينة الشمس بالحفلة والقيمين عليها. وفيما غرد رئيس  بلديتها  مرحّباً بأنه "بالرغم من الصعوبات والتحديات ستتمايل أعمدة جوبيتر وسيتألق باخوس"، كان رئيس لجنة السياحة في المجلس البلدي محمد عواضة قد أكد أن كل التدابير أنجزت، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والشرطة البلدية، لاستقبال الوفود السياحية، كما أن الفنادق أبلغت بفتح القلعة اعتباراً من يوم الاثنين في 22 حزيران، مشدداً أنهم "حريصون على الالتزام بكل ما من شأنه تأمين السلامة العامة".