تفاصيل الخبر

مهـرجــــان ”بيــــروت للافــــلام الـفنـيـــــة والوثـائقـيــــة“: ”نــحـــــن الــشــبــــــــــــــاب... ولـــنـــــــــا الــغـــــــــد“!

30/11/2018
مهـرجــــان ”بيــــروت للافــــلام الـفنـيـــــة والوثـائقـيــــة“:  ”نــحـــــن الــشــبــــــــــــــاب... ولـــنـــــــــا الــغـــــــــد“!

مهـرجــــان ”بيــــروت للافــــلام الـفنـيـــــة والوثـائقـيــــة“: ”نــحـــــن الــشــبــــــــــــــاب... ولـــنـــــــــا الــغـــــــــد“!

 

بقلم طوني بشارة

على أكثر من جبهة يسعى مهرجان <بيروت للافلام الفنية الوثائقية> ان يعمل منذ انطلاقته من اربع سنوات متخليا عن عروض تقليدية داخل جدران السينما وشاشاتها، ومختارا مواضيع حياتية بينها الماء مثلا من خلال فيلم <وجعلنا من الماء كل شيء حي> الذي يعرض بالشراكة مع السفارة السويسرية في لبنان لدعم الحملة التي يطلقها المهرجان لرفع الوعي العام ازاء خطورة واقع الموارد المائية في البلد.

الى الماء، يخرج المهرجان الى النصب الشهيرة والتجارب الفنية الاستثنائية والمعالم العمرانية في نواحي العالم المختلفة، ويضيء على سير كبار من بلدنا بينهم مثلا لهذا العام احد مؤسسي السينما اللبنانية جورج نصر الذي أفرد له المهرجان امسية تكريمية عرض فيها فيلمان: الاول من اخراجه بعنوان <ارتيزانا لبنان> والثاني عنه بعنوان <جورج نصر> احد رموز السينما اللبنانية في حقبة ما قبل الحرب.

اما لفت النظر ووضع الاصبع على الجرح فيعتمده مهرجان الافلام الفنية والوثائقية ايضا، حاثا جمهوره على التفكير والتفاعل مع ما يشاهده الى خارج اسوار الشاشة الذهبية... في هذا السياق يدخل الفيلم الذي يتناول معرض رشيد كرامي الدولي المهدد في طرابلس بعنوان <نيماير الى الأبد> والذي كانت لـ<الافكار> وقفة مطولة مع مخرجه نيقولا الخوري. الى طرابلس، تحاكي أفلام المهرجان مواضيع أساسية أو ترسم سيراً ذاتية عالمية بينها للفنان الاسباني <بارتولومي استبان موريو> الى ابرز وجوه عصر النهضة الايطالي <تينتوريتو> و<اللورد رافاييل> و<يوهان فيرمير> الى غيرهم الكثيرين وصولا الى <فراشة الادب> مي زيادة التي نشاهد سيرتها في توقيع للمخرج المصري محسن عبد الغني.

جامعات ومدارس...!

حول مختلف الفنون وتاريخها انطلق مهرجان <بيروت للافلام الوثائقية> في شقه الداخلي في أكثر من 40 حلقة عرض مبرمجة في العديد من المناطق اللبنانية ومراكزها الثقافية من جزين الى دير القمر وبكفيا وزغرتا وصيدا وبنت جبيل وطرابلس حيث جالت افلام المهرجان واضعة نصب عينيها الشباب اللبناني والتحاور معه بالصوت والصورة، في تعاون مع الجامعات والمدارس تحت شعار <الغد>.

فرئيسة المهرجان اليس مغبغب المؤرخة الفنية وصاحبة صالة عرض تحمل اسمه تضع <الشباب والغد> عنوانا عريضا لهذه الدورة ملتفتة بشكل كبير الى بيئة افضل من مختلف النواحي والى تغيير يجب ان يكون. بالنسبة لها هو بداية التزام في <غد الشباب اللبناني>، وهو ايضا صرخة مدوية بضرورة حماية البيئة، وهو ايضا وعي بأن أخذ العبر من تجارب الماضي هو شرط ضروري لتغيير الامور في المستقبل، منطلقة من مقولة لـ<ابراهام لينكولن> مفادها: <لا يمكننا الهرب من مسؤوليتنا تجاه الغد بتفاديها في يومنا الحاضر>، وتؤكد مغبغب ان غاية المهرجان كسر العزلة، ومعانقة ثقافات العالم جمعاء احتفالا بأسمى معاني الانسانية، ومواكبة اعمال عدد من المبدعين اللبنانيين من فنانين ومخرجين وعلماء آثار.

اخذ العبر من الماضي، ومن رؤيته المشرقة احيانا، يمكن التوقف عندها في الشريط الذي يستمر عرضه طوال ايام المهرجان عن <معرض رشيد كرامي الدولي> الذي يتناوله المخرج نيقولا الخوري والذي تحدث عن ظروفه من خلال فيلمه

<نيماير الى الابد>. عن اسئلة <الافكار> أجاب الخوري حول ظروف الفكرة التي تتناول هذه التحفة المعمارية المهددة:

 - كل عام مع <بياف> نصوّر فيلما حول محور معين على علاقة بالفن في لبنان على انواعه من الرقص الى الرسم والفن وعلم الآثار والموسيقى والتصميم والتصوير الفوتوغرافي والتراث والبيئة يقول الخوري، وتدخل فيه فنون البناء والعمارة طبعا وغيرها. اخترنا لهذه الدورة <معرض رشيد كرامي الدولي> لتناوله بعدما وجدنا بان هذا المعلم الكبير الذي بدأ تشييده في العام 1962 لم يسلط عليه الضوء بشكل واسع فضلا عن ان وضعه الآن سيئ ولا صيانة جيدة له. ارتأينا ان نلقي الضوء عليه وان نذكر اللبنانيين به خاصة وان هنالك من لا يعرف انه موجود في لبنان حتى. الوثائقيات حوله نادرة ومن الاهمية بمكان ابراز قيمته الفنية الى جانب ميزاته الاخرى، فجاء عملنا كمن يعيد الروح اليه ولفتاً للنظر الى واقعه.

وأضاف:

 - قصة المعرض انعشناها من خلال <نيماير> المهندس البرازيلي العالمي الذي هندسه ورسمنا من خلال الفيلم <البورتريه> الخاص به. ومن خلال المونتاج، جعلنا لكل قسم من المعرض الدولي الحكاية التي تتعلق بهذا الجزء فروى كل من وسيم ناغي وربيع مجذوب قصة <نيماير> فيما ركزنا في جانب آخر على طرابلس نفسها.

اما حمل الفيلم لاسم المهندس العالمي (توفي عن 105 اعوام في العام 2012) وليس لاسم المعرض فجاء انطلاقا من <غرافيتي> مرسومة في داخل المعرض كتب عليها <نيماير فور ايفير> اي <نيماير للأبد>، وجعلناها نقطة الانطلاق في تجسيد ما نتناوله في الفيلم، ذلك ان <أوسكار نيماير> هو أشهر معماريي العالم في القرن العشرين.

اما سبب اعتماده من قبل السلطات حينئذٍ دوناً عن مهندسين لبنانيين بارعين فيعيد نيقولا السبب الى التنافس على الاجمل بين الدول العربية:

- كانت الرؤية العامة في تلك الفترة متقدمة جدا، ففي حين كان معرض دولي ضخم يشيد في كل بلد عربي، اراد المسؤولون حينذاك ان يأتي معرض لبنان في الصدارة بهندسة عالمية فريدة، على ان لا يكون طابعه صناعيا انما ثقافياً، وكان اسم <نيماير> صاعدا بقوة بعد ان هندس مدينة برازيليا عاصمة البرازيل، وكان المعرض مشروعه الاول خارج بلده.

 الفيلم يوثق لمرحلة ذهبية من تاريخ لبنان الحديث وما حملته من رؤية ثقافية وعلمية وعمرانية.

وفي هذا المجال نشير الى ما يذكره البعض بان الحكومة يومئذٍ دعمت مشروعا لغزو الفضاء. ففي أحد مبانيه، وتحديدا تحت مدرج لهبوط الطائرات المروحية، كان مقرّرا أن يقام متحف يوثّق لمحاولة لبنانية جريئة في غزو الفضاء لا يعرف كثيرون من اللبنانيين عنها شيئا، ففي الستينات من القرن العشرين، وفيما كان لبنان يعيش نهضة ثقافية وفنيّة وعلمية، وانتعاشا مالياً وسياحيا، دعمت الحكومة مشروعا فضائيا تكلّل فعلاً بإطلاق صواريخ تجريبية صغيرة غير مأهولة، لكن برنامج الفضاء توقّف في العام 1969، أما متحف الفضاء فلم يبصر النور هو أيضا بسبب قيام الحرب.

يذكر الخوري الذي تخرج من قسم الفنون السمعية - البصرية ويعمل في مجال الوثائقيات والـ<ايديتنغ> ان الصعوبة الاكبر لانجاز الفيلم الذي بدأ العمل عليه منذ شباط/ فبراير الماضي كمنت في جمع مواد الارشيف، اما الانتـاج فكان للمهرجـان ومحطـة <ال بي سي آي> وشركة <أ. ب. ث> وبدعم من وزارة السياحة. تلك الجهات جميعها شكرها الخوري كما شكر كل الفريق الذي عمل على الفيلم، والذي اراده مخرجه خارجا عن اطار الكلاسيكيات المعهودة، فكانت فكرة الراقص الذي يتنقل بين جنبات المعرض الممتد على مساحة إجمالية من مليون متر مربّع، أما المباني المقامة فيه فمساحتها 110 آلاف متر مربع.

 

الحرب...!

 

ــ وماذا عن الذي فاجأ ابن <بكفيا المتنية> في قصة المعرض الذي اكتشفه حديثا ويجري الدرس لادراجه على لائحة التراث العالمي لـ<الاونيسكو>؟

-  انه امر لم اكن على علم به يقول المخرج، وهو ان المعلم الجميل تحوّل في خلال الحرب اللبنانية الى منطقة عسكرية، وعرف القتل والجرائم وقد سكنته الميليشيات وحولته عن وجهته الأساسية. هذا مخيف تماما لانه مناقض كليا للرؤية التي بني على أساسها. تغيّره من مكان جميل جدا، من حلم يتطلع الى الحداثة والثقافة الى وجهة تخيف الناس وتبعدهم عنه خوفا من السجن او الخطف، هذا فعلا ما فاجأني بقوة. لقد ترك فيّ هذا المكان تاثيرا قويا، وهذا التاثير أريد نقله الى مهرجانات داخل لبنان وخارجه وهو ما بدأت بالعمل عليه لتذكير اللبنانيين بماض مشرق عاشه بلدهم.

 الى <نيماير>، ابرز المهرجان افلاما تثير الحشرية من حول العالم إزاء نصب ورموز مختلفة، بينها مثلا <ليدي ليبرتي> الذي يروي تفاصيل تمثال الحرية منذ انبثاق الفكرة في ذهن النحات الفرنسي الراحل <فريديريك بارتولدي> وحتى وضع النصب الشهير على جزيرة قبالة مرفأ نيويورك. هذا التمثال وهبه النحات الفرنسي كل حياته، وبعد ان ولدت الفكرة في خياله اثناء اقامته في مصر ابان حفر قناة السويس ثم تطورت في خضم الاحداث العاصفة التي شهدتها فرنسا حيث رجع ليعيش خلال النصف الاخير من القرن 19 الى ان تجسدت حقيقة في اميركا التي كانت تشهد تغيرات اجتماعية واقتصادية نقلتها الى موقع القطب على الساحة الدولية... عبر هذه المسيرة الطويلة اقيم التمثال واصبح رمزا انسانيا ودوليا.

كذلك قدم المهرجان لتجارب رائدة لوجوه لها تاريخها في عالم الفن كالمغني البلجيكي <جاك بريل>، رائد فن رقص الباليه المعاصر <موريس بيجار>، الرسام العالمي <سيزان>، <اوبرا باريس> وطبعا نجمة الرقص الاميركي <جوزفين بيكر> في <قصة صحوة> للمخرجة ا<يلانا نافارو> التي حضرت العرض في بيروت... يروي الشريط حياة اول نجمة عالمية سوداء في بدايات القرن العشرين، ويتناول سيرتها منذ كانت فتاة صغيرة فقيرة من ميسوري، الى حين ارتقت لتتوج ملكة على باريس، وانتقلت من كونها راقصة خفيفة إلى مصاف المناضلات على مستوى الإنسانية، ولقد أصبحت من أهمّ الفنانات في باريس في تلك الحقبة، قبل أن تنضمّ إلى المقاومة الفرنسية إبان الحرب العالمية الثانية.

كذلك يروي الفيلم محطّات موثقة بالصور والمواد الأرشيفية لحياة <بيكر> وتعرّضها إلى العنصرية والتعذيب والاضطهاد في صغرها قبل أن تصبح أيقونة في الفن والحرية.

 عن فيلمها الجميل أكدت <نافارو> انها ارادت ان تظهر بوفاء تفاصيل حياة هذه الأيقونة التي كانت تمثل أكثر من شخصية قوية تجتمع في امرأة واحدة، وأنها عملت لمدة سنتين كاملتين على البحث والإخراج، مؤكدة أن جمع المادة الأرشيفية المتشعبة والموزعة بين دول كثيرة زارتها <جوزفين بيكر> كان الأكثر صعوبة في العمل على الفيلم <لأنني أردت أن أعرض معلومات وصورا لم تنشر من قبل وفي الوقت نفسه أن أكون دقيقة ووفية لسيرة هذه الأيقونة>...