تفاصيل الخبر

محاصصة وتقاسم نفوذ بين أهل السلطة!

29/08/2019
محاصصة وتقاسم نفوذ بين أهل السلطة!

محاصصة وتقاسم نفوذ بين أهل السلطة!

 

 

استقرار داخل ”8 أذار“ وضياع في ”14“!

 

بقلم علي الحسيني

مرة جديدة بعد الألف تُثبت الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان أن العناوين البراقة والرنانة والطنانة التي ترفعها والمتعلقة بالإصلاحات السياسية والإدارية، ما هي إلا حبر على ورق ولزوم ما يُصطلع على تسميته بـ<عدة الشغل> الهدف منها البقاء في مواقعهم وعلى كراسيهم من أجل الإبقاء على نفوذهم الشعبي. وما تجلى أخيراً في <صفقة> تعيين أعضاء المجلس الدستوري الخمسة بعد انتخابهم أمام المجلس النيابي منذ أشهر قليلة، يُثبت أن البلد ذاهب باتجاه الأسوأ وأن الوعود الإصلاحية لن تجد لها مكاناً على أرض الواقع في ظل تركيبة تخشى على نفوذها أكثر من خشيتها على مصير البلد الذي خفضت وكالة <فيتش> تصنيفه من درجة (B-) إلى (CCC)، ما يعني أن قدرة لبنان على سداد ديونه ضعيفة مع احتمال الوصول الى مرحلة التعثر.

يوماً بعد يوم يتأكد للقاصي والداني أن وعود الذهاب الى دولة القانون والمؤسسات وتحقيق أدنى مقومات العيش للمواطن اللبناني، ما هي سوى عملية تخدير مستمرة يُراد من خلالها إحتفاظ الطاقم السياسي الموجود بالحد الادنى من نفوذه السياسي والمالي وحتى القضائي. وبدا واضحاً كيف أن المحاصصة السياسية قد طغت على تعيين أعضاء المجلس الدستوري الخمسة من قبل الحكومة تكريساً لصفقة انتخاب الأعضاء الخمسة أمام المجلس النيابي قبل ثلاثة أشهر. وقد اكتمل بذلك عقد الهيئة الجديدة للمجلس الدستوري، الذي شكل على قاعدة الولاءات السياسية والتبعية للزعماء والأحزاب وسط تأكيد العديد من الأطراف أن ما حصل جاء بعيداً عن معيار الكفاءة والاختصاص، على خلاف المعايير التي كان جرى اعتمادها خلال تشكيل المجالس الدستورية منذ العام 1996 حتى الأمس القريب.

كان لافتاً في عملية تعيين أعضاء المجلس الدستوري، استئثار <التيار الوطني الحر> بقيادة الوزير جبران باسيل بكافة الحصص المسيحية مُستكملاً بذلك عملية توسيع نفوذه داخل مؤسسات وإدارات الدولة بدءاً من المواقع الدبلوماسية إلى الأمنية والقضائية والإدارية، وانتهاء بموظفي الفئة الخامسة. وفي المقابل شعرت <القوات اللبنانية> بأنها أصبحت تحت دائرة الإستهداف بشكل واضح لا لُبس فيه، وأن ثمة خطة ممنهجة لإقصائها من الحكم وربما لاجبارها لاحقاً على الخروج من الحكومة على قاعدة (احرجوها حتى تُخرجوها) وهي التي تم حرمانها من المجلس الدستوري ولو بعضو واحد، وهو الامر الذي قد يؤدي مستقبلاً إلى أن تُعيد <القوات> نظرها في التحالف القائم بينها وبين <تيار المستقبل> الذي خاض إنتخاب أعضاء المجلس إلى جانب <الوطني الحر> ورئيسي الجمهورية والمجلس النيابي، خصوصاً إذا انسحب هذا المعيار على باقي التعيينات القضائية والإدارية، من دون أن ننسى الإنعكاس السلبي على تفاهم <معراب> وربما الوصول إلى حد نعيه.

أولى الإنعكاسات بين <القوات> و<المستقبل>!

المُلاحظ أن <القوات اللبنانية> بدأت بتحديد مسارها المقبل لجهة التحالفات التي كانت تُصر في وقت سابق على تثبيتها خصوصاً لجهة ما يجمعها بـ<المستقبل> والحزب <التقدمي الإشتراكي>، لكن اليوم ثمة من يرى أن <القوات> بصدد أن تُعيد النظر في الشق المتعلق بتحالفها مع <المستقبل> خصوصاً بعد الإتهامات والإنتقادات التي وجهها قياديوها للرئيس سعد الحريري، واتهامهم له بالنكوث بالوعود والتراجع عن الإتفاقات السابقة لجهة تمثيلهم بالمجلس الدستوري خلال تعيين الأعضاء الخمسة من قبل الحكومة وتحديداً بما يتعلق بدعمها لتعيين المحامي والخبير الدستوري سعيد مالك والذي وصفته بالصديق الذي يتمتع بمزايا علمية وأخلاقية وحيادية.

وفي السياق عينه، اعترف القيادي في <المستقبل> السابق مصطفى علوش في تصريح صحافي أن أوساط تيار المستقبل بمعظمها غير مرتاحة للتماهي مع جبران باسيل. وقد عبر عن أسفه لنتائج تعيينات المجلس الدستوري معتبراً أنها ستفتح جرحاً في علاقة المستقبل مع حزب القوات اللبنانية قد لا يلتئم بسهولة. ورأى إذا أخذت القوات حقها في التعيينات الإدارية التي ستحصل قريباً، فقد تغطي بعضاً من هذا الخلل، لكن إذا استكملت عملية استبعادها فستصبح المشكلة أكبر. كما دخل عضو <اللقاء الديمقراطي> النائب بلال عبدالله على خط الإنتقادات نفسها حيث اعتبر أن تعيينات المجلس الدستوري، عقم النظام الطائفي، وغياب المعايير والآليات الموضوعية. لذا، وجب على القيمين، التوافق في مجلس الوزراء على اعتماد آليات محددة، ومعايير موحدة للجميع. وكفانا اختراع أزمات واستجلابها.

شكوك واتهامات واقتصاد على حافة الإنهيار!

 

بعد مواكبة قانونية لمسار التعيينات في المجلس الدستوري ووصفها للمجلس الجديد بأنه <محسوبيات سياسية> إضافة إلى السيرة الذاتية لكل الأعضاء الجدد، سواء المنتخبين من البرلمان أو المعينين من قبل الحكومة، تبين أنهم جميعهم غير متخصصين في القانون الدستوري، وهذا من شأنه أن ينعكس سلباً على إنتاجية المجلس، مع التذكير بأن المجلس الحالي المنتهية ولايته، كان يضم ثلاثة من كبار المتخصصين بعلم الدستور، وهم الدكتور عصام سليمان (رئيس المجلس) والدكتور أنطوان مسرة والقاضي الدكتور أنطوان خير. وتؤكد مصادر سياسية بارزة لـ<الأفكار> أن حزب <القوات اللبنانية> يخوض مواجهته السياسية من كل المربعات المتاحة: الحكومية والنيابية والحزبية والشعبية وبالتالي فإننا لن نتخلى عن اي مربع من هذه المربعات إيماناً منا بفعالية مواجهة متعددة الجبهات والساحات، معتبرة أن خروجنا من الحكومة هو خدمة ثمينة لن نقدمها لأحد سوى بتوقيتنا ووفق خطة هادفة تحقيقاً للأهداف المنشودة.

وفي الشق المتعلق بالتقارير المالية الدولية رأت أن تطابق التقارير المالية الدولية مع طروحات القوات الاصلاحية يستدعي من جماعة السلطة الحالية الاخذ بطروحات القوات بايجابية وليس محاولة عزل القوات واقصائها كما حدث اخيراً، ولكن من يسعى للحفاظ على مزارعه وحصصه حتماً لا يريد بناء الوطن. ولا بد من الإشارة إلى ان ما حصل في جلسة مجلس الوزراء حول تعيين اعضاء المجلس الدستوري خاطئ في الأساس، وتحديداً لدى اسقاط الأسماء الخمسة في <البراشوت>، وهو ما أثار استغراب بعض الوزراء ومنهم وزير الأشغال العامة يوسف فنيانوس. وأيضاً هناك استغراب لجهة حصر العملية برمتها بالأسماء بخمسة، من دون أن تكون هناك لائحة لاختيار الاعضاء منها.

وفي السياق ذهبت بعض القوى السياسية والحزبية إلى تسمية المجلس الدستوري الجديد بـ<مجلس الملل>، مستندة بذلك إلى تقاسم أعضائه حصصاً طائفية على قوى السلطة الممسكة بالقرار السياسي، والطامحة للإمساك بالقرار القضائي وبالطعون المقدمة حالياً، أو تلك التي ستقدم في استحقاقات مقبلة، حيث جاء تقسيم الأعضاء على الشكل التالي: الأعضاء المسلمون: القاضيان أكرم بعاصيري وعمر حمزة (سنة) وهما حصة رئيس الحكومة، سعد الحريري. القاضي عوني رمضان والدكتور فوزات فرحان (شيعة) وهما حصة الثنائي الشيعي حركة <أمل> وحزب الله. القاضي رياض أبو غيدا (درزي)، حصة <الاشتراكي>. القاضيان طنوس مشلب وأنطوان بريدي والمحامون عبد الله الشامي، الياس بو عيد والياس مشرقاني (مسيحيون) جميعهم من حصة رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس <التيار الوطني الحر> وزير الخارجية جبران باسيل.

جبور لـ<الأفكار>: ابحثوا عن <البساتين> وغيرها!

 

بالنسبة إلى <القوات اللبنانية> يؤكد رئيس جهاز الاعلام والتواصل في <القوات> شارل جبور أن ما حصل معنا على مستوى المجلس الدستوري غير مقبول لا من قريب ولا من بعيد، فالقوات سهلت كل ما طُلب منها، وقد طلب منها الرئيس نبيه بري سحب مرشحها سعيد مالك الذي اختارته من ضمن الآلية المُعتمدة داخل المجلس وهو لا ينتمي إلى <القوات> وذلك لأنه يجب أن يكون هناك شخص ماروني وحيد حفاظاً على الميثاقية وذلك مقابل أن يتم دعم مرشحها داخل الحكومة وعلية التزمت <القوات> ما التزمت به لجهة الاقتراع للائحة التوافقية داخل مجلس النواب وأيضاً وفرت النصاب داخل المجلس. لكن عندما أتينا الى الحكومة بعد خمسين يوماً تقريباً، تم التراجع بعد أن ابتز الوزير باسيل الرئيس الحريري خلال زيارته له بقوله <إما ان تلتزم بمرشحي الماروني وإما أقوم بتعطيل النصاب> وذلك انطلاقاً من قدرة باسيل على التعطيل نظراً لامتلاكه <الثلث المعطل>.

ويتابع جبور: لقد رضخ الرئيس الحريري لابتزاز باسيل وطلب من <القوات> استبدال مرشحها بكاثوليكي أو أرثوذوكسي، وبالنسبة لنا فنحن لم نختر مرشحنا على خلفية مارونية بل انطلاقاً من كفاءة مالك وجدارته وخبرته، ولذلك لو كنا وافقنا هذا العرض لكنا وكأننا وافقنا على مبدأ المحاصصة التي رفضناها شكلاً ومضموناً من الأساس. ما حصل هو أمر خطير جداً أولاً لأنه ينم عن عملية ابتزازية باستخدام <الثلث المعطل>، ثانياً قبول رئيس الحكومة بأن يضع نفسه أمام الأمر الواقع وأن يرضخ لابتزاز أطراف سياسية. ثالثاً هناك كلمة أُعطيت لـ>القوات> ثم تم سحبها لاحقاً، وهذا أمر لا يجوز أيضاً ونحن نأسف لتراجع الرئيسين بري والحريري عن وعودهما. رابعاً ما حصل في ملف <البساتين> يُشكل علامة فارقة باستخدام باسيل ومن يقف خلفه، المؤسسات لأهداف سياسية لتصفية الحسابات وقد رأينا أنهم أصروا على السيطرة على المجلس الدستوري من أجل تصفية الحسابات، لذلك ذهبنا مع رئيس <الإشتراكي> وليد جنبلاط لإسقاط تحويل الملف الى المجلس العدلي.

هل قطع التعيين الطريق على الطعون؟

في وقت يفترض فيه أن يتسلم المجلس الدستوري الجديد مهامه، فور أدائه القسم أمام رئيس الجمهورية وسط ترجيح أن يحدد الأسبوع المقبل موعداً لأداء اليمين، عزت مصادر قانونية الإسراع في تعيينات المجلس الدستوري الى قطع الطريق على المجلس الحالي للبت بالطعون المقدمة بقانون الموازنة، والخشية من إبطاله، خصوصاً وأن ثمة مخالفات دستورية تعتري هذا القانون وأهمها إقراره من دون قطع الحساب. وإذ رأت الاستعجال بتشكيل المجلس الجديد وتسليمه مهامه قبل انجاز الطعون، بمنزلة انقلاب دستوري، سألت: كيف يعقل أن يصار إلى تشكيل مجلس وتسليمه مهامه، في وقت عين المجلس الحالي مقررين، وبدأ بدراسة الطعون ويستعد لاتخاذ القرارات بشأنها؟.

وتوضحياً منه حول ما جرى بعملية التعيين، اشار المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب نبيه بري في بيان حول ما ذكرت بعض الصحــــــــــــــــــــف عن موقف بري من تعيين أعضاء المجلس الدستوري في مجلس الوزراء، الى انه بالفعل حصل إتفاق في المجلس النيابي عند إنتخاب القسم الأول من أعضاء المجلس أن يكون الماروني الثاني من حصة القوات، وقبل جلسة مجلس الوزراء الأخيرة حاولت تنفيذ هذا الإتفاق العام فلم أستطع لتراجع الآخرين عنه، فطلبت من القوات إختيار مسيحي آخر الأمر الذي لم يقدم عليه في مجلس الوزراء.